4 تقنيات بسيطة لتتذكر كل ما تتعلمه

شبَّه "أرسطو" ذات مرة الذاكرة البشرية بلوح الشمع الذي يبدأ ساخناً ومرناً، ولكنَّه يبرد في النهاية وتَصعُب قَولَبته، ولفترة طويلة كان هذا هو الرأي السائد لقدرتنا على التعلم؛ أي عندما نكون صغاراً، تتمتع أدمغتنا بقدرة تعليمية ممتازة، ولكن مع تقدُّمنا في العمر، يصبح من الصعب علينا اكتساب مهارات جديدة؛ بمعنىً آخر: لا يمكِنك تعليم شخص كبير بالسن كما تُعلِّم طفل صغير.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "أيتيكين تانك" (Aytekin Tank)، والذي يُحدِّثنا فيه عن تجربته في تنشيط الذاكرة.

لكن وفقاً للأبحاث الحديثة، تؤدي ثقة الأشخاص الأكبر سنَّاً دوراً هاماً في قدرتهم على التعلم؛ لذلك إذا توقفنا عن التفكير بأنَّ مرونة دماغنا تتناقص تدريجياً، فقد نتمكن في الواقع من تعلُّم شيء ما، وفي اقتصاد المعرفة اليوم، تزداد أهمية القدرة على اكتساب مهارات جديدة بسرعة، وهو أمر هام لرواد الأعمال الأكبر سناً والذين يتطلعون إلى تعزيز قدراتهم وقدرات شركاتهم على المنافسة،

وبصفتي الرئيس التنفيذي، أقرأ منشوراتٍ ومدوَّنات تتحدث عن مجال العمل كل يوم، بالإضافة إلى كتاب واقعي واحد على الأقل، كما أوظف مستشارين عالميين يبقون موظفينا على اطلاع بأحدث الأدوات والاستراتيجيات، وقد تمكَّنَّا من إحراز تقدُّم كبير في المجالات التي تحتاج كفاءاتنا فيها إلى دعم، مثل تعزيز قدرة موقعنا على الظهور في النتائج الأولى ضمن محركات البحث.

ومع ذلك، فإنَّ التفاني في التعلم ليس سوى الخطوة الأولى؛ إذ يمكِن أن تُسهِّل الأنشطة ما وراء المعرفية، مثل: التأمل في طريقة تفكير الفرد والتخطيط والمراقبة، التعلم تسهيلاً كبيراً، وبعد وضع ما سبق في الحسبان، أردتُ أن أشارككم بعض التقنيات الشخصية والمُثبَتة علمياً لتتمكن من التعلم باستمرار:

1. التكرار المتباعد:

سواء كنتَ تتعلم العزف على الساكسفون أم تدرس لغةً أجنبية، فإنَّ تكرار السُّلَّم الموسيقي أو مراجعة المفردات هو الطريقة الوحيدة للإتقان؛ إذ تؤدي الممارسة أو التكرار إلى الإتقان، وهناك تفسير علمي لهذا الأمر؛ حيث يزيد التكرار من طبقة النخاعين (myelin) الدهنية حول المحاور التي تربط الخلايا العصبية في دماغنا، وكلما زادت مادة النخاعين، زادت سرعة عمل الخلايا العصبية لدينا؛ وبالتالي تحسَّنَت قدرتنا على التعلم.

وقد اتَّضح أنَّ التباعد الزمني بين عمليات التكرار، هو أكثر فاعليةً من إجرائها جميعاً في جلسةٍ واحدة.

ويوضح المؤلف "غابرييل وينر" (Gabriel Wyner) في كتابه "كيف تتعلم أيَّة لغة بطلاقة ولا تنساها أبداً" (In Fluent Forever: How to Learn Any Language and Never Forget It):

"يمكِنك خلال فترة أربعة أشهر، ولمدة 30 دقيقة يومياً، تعلُّم وحفظ 3600 بطاقة بدقَّةِ 90 إلى 95%، ويمكِن أن تُعلِّمك هذه البطاقات الأبجدية والمفردات والقواعد وحتى النطق دون الشعور بالملل؛ إذ تمثل هذه البطاقات تحدياً مفيداً وممتعاً".

لذا، فنحن لا نزيد من قدرتنا على الحفظ فحسب؛ بل نتجنب أيضاً تضاؤل ​​الحماس، أو الملل.

ولاستخدام تقنية التعلم هذه، ضع جدولاً دراسياً يمكِنك التحكم فيه، ثمَّ اختر طريقةً مناسبةً لتخزين وتنظيم المعلومات؛ ففي السابق، كنا نستخدم البطاقات، ولكن لدينا اليوم خيارات برامج مفيدة مثل: تطبيق تدوين الملاحظات وإدارة المهام "إيفرنوت" (Evernote)، وتطبيق التعلم اعتماداً على التكرار المتباعد "سوبرميمو" (SuperMemo)، ولا تنسَ أن تختبر نفسك بشكل دوري؛ إذ إنَّ مراقبة التقدُّم تدلُّ إلى زيادة حافزك للمتابعة.

إقرأ أيضاً: 7 نشاطات عليك أن تُمارسها لتتمتع بذاكرة خارقة

2. تخصيص وقتٍ للتأمل:

يُعَدُّ التأمل بالغ الأهمية للتعلم وتحسين الأداء في العمل، فقد وجدَت الأستاذة بجامعة "هارفارد" (Harvard) "فرانشيسكا جينو" (Francesca Gino) وزملاؤها أنَّ الموظفين الذين يقضون 15 دقيقة في نهاية اليوم يفكرون في الدروس المستفادة من التجارب التي مروا بها، يحصلون على تعليم أفضل بنسبة 23% بعد 10 أيام من أولئك الذين لم يفعلوا ذلك.

ويساعد التأمل في توليد أفكار جديدة بالإضافة إلى ترسيخ ما تعلَّمناه بالفعل؛ فقد كنتُ أتوصل إلى أفضل أفكار المنتجات حينما أكون خارج العمل، وكنتُ أجد الحل الأمثل لمشكلات كانت تزعجني أسابيع في أثناء التمرين الصباحي أو في أثناء المشي بعد الغداء، كما يوضح عالم النفس "سكوت باري كوفمان" (Scott Barry Kaufman): "لا تظهر أفكارنا الأكثر إبداعاً عادةً عندما نركز على المشكلة بكامل وعينا؛ إنَّما تأتي الأفكار العظيمة من التفاعل مع الناس واكتساب الخبرات والسماح للعقل بربط الأحداث ببعضها لتحليل المشكلة بطريقة صحيحة". وفي الواقع، وجد "كوفمان" أنَّ 72% من الناس يكوِّنون أفكاراً إبداعية في أثناء الاستحمام، كونه يوفر بيئةً مناسبة للتفكير؛ حيث تقوم أدمغتنا بعمل روابط بين المعلومات التي حصلنا عليها بالفعل، وهذا هو السبب الذي يجعلني أشجع موظفيَّ على الاستفادة من أيام إجازتهم؛ إذ يعودون إلى المكتب بعد الاستمتاع بالعطلة، مفعمين بالطاقة والحيوية.

إقرأ أيضاً: كيف نحصل على نتائج التأمل في حياتنا؟

3. تبسيط الفكرة المراد تذكُّرها:

يتفق المعلمون على أنَّ أفضل طريقة لتعلُّم شيء ما هي شرحه لشخص آخر؛ لهذا السبب فإنَّ الخطوة الأولى في صيغة التعلم التي وضعها الفيزيائي "ريتشارد فاينمان" (Richard Feynman) الحائز على جائزة نوبل هي أن تتظاهر أنَّك تقوم بتدريس الموضوع لطفل، أو أن تُطبِّق على الأقل الخطوات المُتَّبعة لشرح موضوعٍ ما لطفل. كما قال "فاينمان" ذات مرة: "إذا لم تستطع شرح أمر ما بعبارات بسيطة، فهذا يعني أنَّك لم تفهم الفكرة بعد"، فإذا تمكنتَ من شرح موضوع بطريقة بسيطة، فسوف تكتشف بسرعة ما إذا كنتَ تفهمه حقاً أو إذا كان لديك فجوات معرفية فيه، وعندما تجد تلك الفجوات، تقترح تقنية "فاينمان" العودة إلى مصدر الموضوع وإعادة تعلُّم ما هو مفقود.

فعندما كانت زوجتي حاملاً بطفلنا الثاني، قررتُ أخْذَ ثلاثة أشهر (في الغالب) إجازة أبوة متواصلة، وللقيام بذلك، توجَّبَ عليَّ أن أُفوِّض جزءاً كبيراً من مسؤولياتي لموظفيَّ، وقبل أشهر، بدأتُ في توجيه زملائي خلال كل مهمة خطوة بخطوة، وسرعان ما أدركتُ أنَّه من خلال تعليمهم كيفية القيام بعملي، كنتُ أقوي مهاراتي الخاصة، بالإضافة إلى التعرف إلى المجالات التي أحتاج إلى تحسينها.

إقرأ أيضاً: المفاتيح الخمسة لتبسيط أيِّ مفهوم

4. نقل التعلم:

لدى رجل الأعمال الكندي "إيلون ماسك" (Elon Musk) قدرة تعليمية غير عادية، من البرمجيات والطاقة، إلى النقل والطيران، كما أنَّه الرئيس التنفيذي لشركة تكنولوجيا استكشاف الفضاء؛ فهو شخص واسع المعرفة وخبير في مختلف المجالات، لكن في الواقع، نطاق المعرفة الواسع لـ "ماسك" هو جزء لا يتجزأ من قدرته على التعلم، لأنَّ أخذ ما ندرسه في مجال وتطبيقه على مجال آخر يساعد على تعميق فهمنا لكليهما، وهي تقنية تسمى نقل التعلم، ووفقاً لمقابلات "ماسك"، تُتَّبَع في هذه التقنية عملية من خطوتين: أولاً، تفكيك المعرفة إلى مبادئها الأساسية، وثانياً إعادة بنائها في مجال جديد، ولنفترض أنَّك تدرس اللغة الإيطالية، لكنَّك تريد أيضاً أن تصبح طاهياً أفضل، فيمكِنك ببساطة أن تأخذ دروساً في الطبخ باللغة الإيطالية، ومن المرجح أن يعزز هذا المنهج فهمك للغة ويعلمك الطهو في الوقت نفسه؛ إذ تزداد قدرتك على الابتكار عندما تكون واسع المعرفة، على سبيل المثال: الأشواك التي علقَت في بنطال رجل الأعمال والمهندس السويسري "جورج دي ميسترال" (George de Mestral) وغطت فرو كلبه جعلَته يبتكر فكرة تصميم لاصق "فيلكرو"؛ وهو المثبت الصناعي الشهير الذي يُستخدَم بكثرة في الحياة اليومية، حيث يدخل في صناعة الملابس والأحذية والحقائب وغيرها الكثير، وهو مكون من قطعتين: قطعة فيها خطاطيف كثيرة والقطعة الأخرى تتكون من أهداب وعراوي، يلتصقان ببعضهما بمُجرد الضغط عليهما، وينفكان بسهولة.

يحتاج رواد الأعمال ومنظماتهم إلى التعلم المستمر لتحقيق الاستفادة ومواكبة التطور، ولكن على المستوى الشخصي، أعتقد أنَّ هذا النهج يجعل التجربة اليومية أكثر ثراءً، فقط ثق بنفسك وسترى أنَّه يمكِنك أن تتعلم مهارات جديدة بغضِّ النظر عن العمر.

 

المصدر




مقالات مرتبطة