4 استراتيجيات للتعامل مع متلازمة المحتال

متلازمة المحتال هي الفكرة المزعجة التي تخبرنا أنَّنا لا نستحق إنجازاتنا، وإذا كنتَ قد شعرتَ بهذا الشعور من قبل، فأنت لستَ وحدك؛ فمن خلال العديد من المحادثات التي أجرتها عالمة علم النفس التنظيمي "أمانثا إيمبر" (Amantha Imber) مع ضيوفها على مدوَّنتها الصوتية، تبيَّن أنَّه بغضِّ النظر عن مدى كفاءة الأشخاص أو نجاحهم، يشعر الكثيرون بالمخاوف نفسها وعدم الأمان، لكنَّهم على عكس الكثيرين منا، اكتشفوا طرائق لتوجيه عواطفهم إلى شيء مثمر.



وإليك الطريقة:

  • فسِّر الشك الذاتي بِعَدِّه عاطفة إيجابية؛ فبدلاً من تجنُّب التجارب التي تثير شكَّك، تقبَّلها وتذكَّر أنَّ التحديات هي التي تساعدنا على التحسُّن.
  • توقَّف عن محاولة أن تكون الأذكى، ولا تكُن مهووساً بنظرة الآخرين إليك أو تفرض على نفسك رقابةً ذاتيةً؛ إذ سيعرقل هذا طريقك للتعلم.
  • لا تخشَ الفشل حتى لو كان يخيفك، وإذا شعرتَ بالتردد عندما تأتيك الفرص، فاسأل نفسك عن سبب خوفك، وما إذا كنتَ تتردد في القيام بشيء ما لأنَّك قلق من الفشل.
  • لا تهرب من التغذية الراجعة السلبية؛ بل تقبَّلها، وتذكَّر أنَّ التغذية الراجعة السلبية فقط - وليست الإيجابية - هي التي تساعدك على معرفة كيفية التطوُّر والتحسن.

تروي عالمة علم النفس التنظيمي "أمانثا إيمبر" (Amantha Imber) شعورها عندما تلقَّت مكالمةً تخبرها بأنَّها قد قُبِلَت في برنامج الدكتوراه في علم النفس التنظيمي في "جامعة موناش" (Monash University)، قائلةً: "لقد اعتقدتُ أنَّ هناك خطأً إدارياً؛ فأنا كنتُ صغيرةً جداً، وعديمة الخبرة. ولكن بعد ذلك، تبيَّن أنَّه لم يكن هناك خطأ، ولقد قُبِلت بالفعل. وبعد أقل من ثلاث سنوات، أصبحتُ أصغر خريجة في البرنامج. واليوم، صرتُ متخصصةً في علم النفس التنظيمي، وأدير شركة "انفينتيوم" (Inventium)، وهي شركة استشارية في العلوم السلوكية تهدف إلى مساعدة الأشخاص على تحسين أدائهم والشعور بالمزيد من السعادة في العمل. بالإضافة إلى ذلك، لقد أنشأتُ مدوَّنتي الصوتية بعنوان "كيف أعمل" (How I Work)، وأستضيف فيها الرؤساء التنفيذيين، ورجال الأعمال، والكُتَّاب للحديث عمَّا قادهم إلى النجاح.

ومن خلال المحادثات العديدة التي أجريتُها مع أشخاص من جميع مناحي الحياة، أدركتُ أنَّني لستُ وحدي مَن أعاني من متلازمة المحتال، كما وجد بحثٌ علمي أنَّ ما يصل إلى 82% من الناس يعانون من متلازمة المحتال، وربما يكون الـ 18% الآخرون خائفين للغاية من الاعتراف بذلك.

قد يكون هذا العدد مفاجئاً بالنسبةِ إليك، ولحسن الحظ، استطاع الكثير التغلُّب على هذه المتلازمة من خلال اتِّباع أربع استراتيجيات فعَّالة؛ وهذا ما نقدِّمه لك في هذا المقال:

1. تفسير الشك الذاتي بِعَدِّه عاطفة إيجابية:

عانَت المؤلفة والممثلة الأمريكية "آبي جاكوبسون" (Abbi Jacobson) من متلازمة المحتال خلال المواسم الأولى من عرض مسلسلها "برود سيتي" (Broad City)، ووصفَت "آبي" تجربتها في أنَّها كانت تشعر بالارتياب والشك الذاتي التام في أثناء التحدث في المناسبات أو حلقات النقاش، وكانت تشعر أنَّ عملها أقل من أن يتحدَّث عنه هؤلاء الأشخاص كلهم؛ ممَّا أشعَرها بالتوتُّر والخوف من أن تكون غير جيدة فيما بعد، ولكنَّها نظرَت إلى هذا التوتُّر والشك بالنفس على أنَّهما أمر إيجابي، على عكس ما يفعل معظمنا، قائلةً: "أنا سعيدة لأنَّني ما زلتُ أشعر بالتوتر الشديد، حتى لو لم يتعيَّن عليَّ الشعور بذلك، فأنا أريد أن أنظر إلى نفسي دائماً وأتساءل عمَّا توصَّلتُ إليه في حياتي المهنية، وأريد أن أقيس المسافة التي قطعتُها وأعلم أنَّه لا يزال ثمَّة الكثير للقيام به؛ إذ يتيح لي هذا التطوُّر والتحسُّن، حتى لو كنتُ واثقةً حقاً ممَّا أفعله الآن ومن المشروعات التي أنفِّذها".

قد تساعدنا وجهة نظر "آبي" على تفسير مشاعرنا حول متلازمة المحتال من وجهة نظر مختلفة، والتفكير في الأمر بِعَدِّه أمراً إيجابياً ومعزِّزاً للطاقة، أو دليلاً على مدى اهتمامنا بما نقوم به؛ لذا في المرة القادمة التي تشعر فيها بالشك الذاتي، حاوِل تفسير هذه المشاعر بِعَدِّها قوةً محفِّزةً تمنحك مجالاً للتطوُّر، وتقبَّل التجارب التي تثير شكَّك الذاتي بدلاً من تجنُّبها؛ لأنَّ التحديات هي التي تساعدنا على التحسُّن.

إقرأ أيضاً: قـوة الشك الذاتي

2. عدم محاولة أن تكون الأذكى:

لقد أمضت المديرة التنفيذية "سيان تايد" سنواتٍ عديدة وهي تشعر أنَّها لم تكن ذكيةً وقويةً وجيدةً كما اعتقدَ الجميع، رغم أنَّها شاركَت في تأسيس شركة "إنفاتو" (Envato) للتكنولوجيا التي تقع في "ملبورن" (Melbourne)، والتي تبلغ قيمتها أكثر من مليار دولار.

لقد بحثَت "سيان" (Cyan)عن قدواتٍ يُحتذى بها للتغلُّب على متلازمة المحتال وتحدَّثَت إليهم، وراقبَت عن كثب ما فعلوه بطريقة مختلفة عمَّا تفعل هي، وكانت إحدى الصفات المشتركة بينهم، هي أنَّهم لا يخشون طرح أسئلة قد تجعلهم يبدون أغبياء، وهذا ما اعترفَت "سيان" أنَّها كانت قلقةً دائماً بشأنه، قائلةً: "لقد كان يتحول تفكيري من الرغبة في أن أبدو الشخص الأذكى إلى الرغبة في مغادرة المكان؛ إذ كنتُ أريد طرح الأسئلة باستمرار؛ لذا كنتُ أتوق إلى عدم الاهتمام بما إذا كان ذلك قد جعلني أبدو غبيةً".

قد نكون شعرنا جميعاً بهذا الشعور، وتجنَّبنا طرح الأسئلة خوفاً من حكم الآخرين علينا، ولكن هناك ممارسة جديدة، وهي أن تسأل ببساطة عمَّا يدور في ذهنك، وسوف تجد أنَّ هذا أمر بسيط لا يستدعي الخوف، كما يساعدك ذلك على التطوُّر ومعرفة ما تريد، وأيضاً على تشجيع الأشخاص المتوترين مثلك على التحدُّث.

وبالتالي، بدلاً من الهوس بنظرة الآخرين إليك، تخلَّص من رقابتك الذاتية حتى لا تعرقل طريقك للتعلُّم، واعلم أنَّ هناك احتمالات أخرى غير أن تبدو غبياً، على سبيل المثال: قد يرغب أشخاص آخرون - تحاول إثارة إعجابهم - في طرح السؤال نفسه، وتذكَّر أيضاً أنَّك تقدِّم معروفاً للآخرين من خلال طرح أي سؤال تريد توضيحاً بشأنه أو مزيداً من المعلومات عنه. بالإضافة إلى ذلك، ستبدو أكثر ثقةً في قدراتك وكفاءتك لأنَّك امتلكتَ الشجاعة لطرح سؤالٍ لم تكن تعرف إجابته.

3. عدم تجنُّب الفشل حتى لو كان يخيفك:

لقد وجدَت "سيان" أيضاً أنَّ متلازمة المحتال كانت تتسبَّب في تجنُّبها للفرص التي تبدو مخيفةً؛ إذ قالت: "لقد ظللتُ أتجنَّب الفشل لوقتٍ طويل، ولكن بعد ذلك أدركتُ أنَّه يتعيَّن عليَّ اقتناص الفرص، حتى لو كانت مخيفةً؛ لأنَّه رغم أنَّ القبول قد يزيد من خطر الفشل المحتمل، إلَّا أنَّه يساعدني في الوقت نفسه على التطوُّر والنمو؛ لأنَّه من الصعب أن تتحسَّن في ظلِّ الفرص السهلة أو الآمنة".

من خلال الممارسة، أجبرَت "سيان" نفسها على عدم الخوف من الفشل، والتعامل معه سواء أكان كبيراً أم صغيراً، قائلةً: "عندما تحاول القيام بأمور صعبة حقاً لم يفعلها شخص ما من قبل، فإنَّك تفشل في كثير من الأحيان. ولقد أطلقَت حوالي 10 شركات ناشئة، ولم يعرف الكثير شيئاً عن هذه الشركات أو يسمع عنها؛ لأنَّها لم تنجح؛ فأغلقَتها".

كما تقول "سيان": إنَّها لا تخشى الاعتراف بعدم المعرفة إذا كانت هذه هي الحقيقية، بدلاً من التظاهر بعكس ذلك. في الواقع، تساعد طريقة "سيان" على عدم الارتباك من فكرة الفشل وإدراك أنَّه لا بأس من عدم معرفة الإجابات جميعها؛ لذا، إذا شعرتَ بالتردد عندما تأتيك الفرص، اسأل نفسك عن سبب خوفك، وما إذا كنتَ تتردد في القيام بشيء ما لأنَّك قلق من الفشل، وإذا كانت الإجابة بـ "نعم"، فقد تكون هذه علامةً جيدةً على أنَّه يجب أن تقبل هذه الفرصة لأنَّها ستكون فرصةً عظيمةً للتقدُّم. فقط احرِص على ألَّا تثقل كاهلك، وأعطِ الأولوية إلى التجارب التي من شأنها أن تطوِّرك وتساعدك على بلوغ أهدافك.

شاهد بالفيديو: 6 نصائح للتخلص من مشاعر الخوف من الفشل

4. عدم التهرُّب من التغذية الراجعة السلبية:

إذا رأيتَ المخترع "دوم برايس" (Dom Price) وهو يتحدث في مؤتمر، فستفترض أنَّه الشخص الأكثر ثقةً على الإطلاق، فهو طويل جداً، وصوته مرتفع، ويدير قسم البحث والتطوير في شركة "أتلاسيان" (Atlassian)، إحدى أكبر شركات التكنولوجيا في العالم. ومع ذلك، كان "دوم" يعاني من متلازمة المحتال دائماً، ولكنَّه كان يَعُدُّ الإصغاء إلى التغذية الراجعة حافزاً هائلاً بالنسبةِ إليه.

يقول "دوم": "من المفارقات أن يرى الكثير من الناس متلازمة المحتال سبباً لعدم الإصغاء إلى الأحاديث السلبية. في الواقع، عندما تلقيتُ بعض التغذية الراجعة في إحدى المناسبات التي تحدثتُ فيها في الولايات المتحدة مؤخراً، تجاهلتُ الثناء كله وتوجهتُ مباشرةً إلى النقد، لأنَّني أردتُ أن أعرف ما الذي لم يعجب الناس؛ ففي النهاية، لا أستطيع أن أتعلم الكثير من المديح، ولكن يمكِنني تعلُّم الكثير من التغذية الراجعة الناقدة، كما أنَّني أؤمن أنَّه في اللحظة التي أُصبِح فيها متغطرساً ولا أقبل النقد، سأكون أُمهِّد طريقي إلى الفشل".

يجب أن تتقبَّل التغذية الراجعة السلبية، وألَّا تأخذها على محمل شخصي، وأن تنظر إليها بِعَدِّها نقداً بنَّاء واستراتيجية تساعدك على تحسين أدائك؛ لأنَّه إذا منحك أحدهم تغذيةً راجعةً نقديةً، فيعني هذا أنَّه يعتقد أنَّ في إمكانك التحسُّن، وهذه إشارة جيدة؛ لذا احرص على عدم إغلاق الباب أمام التغذية الراجعة السلبية، وذكِّر نفسك أنَّ التغذية الراجعة السلبية فقط - وليست الإيجابية - هي التي تساعدك على معرفة كيفية التطوُّر والتحسن، كما يُعَدُّ افتراض النية الإيجابية في مقدِّم التغذية الراجعة أمراً مفيداً؛ فهو يريدك أن تتحسن، ويعتقد أنَّه يمكِنك فعل ذلك. بعد ذلك، خطِّط لكيفية تطبيق التغذية الراجعة، ويمكِنك أن تعود دائماً إلى الشخص الذي قدَّمها لك.

في الختام:

تقبَّل متلازمة المحتال، وتوقَّف عن عَدِّها نقطة ضعف؛ فأكثر الناس نجاحاً في العالم يساورهم الشك في أنفسهم ولا يخشون أن يبدوا أغبياء، وإذا كنتَ تتجنب فعل شيء ما لأنَّه يجعلك متوتراً، فذكِّر نفسك أنَّ هذه التجارب هي أكثر التجارب التي تساعدك على التعلم.

المصدر




مقالات مرتبطة