4 أمثلة عن مغالطة الاحتكام إلى التقاليد

عندما عملت في وظيفتي الأولى في رعاية الأطفال في وكالة عريقة، كان الرد الذي تلقَّيته كثيراً عند توجيه أسئلة عن سبب وجود عمليات معينة هو: "لأنَّ هذه هي الطريقة التي اتبعناها دائماً".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة "كوني ماذرز" (Connie Mathers)، وتُقدِّم لنا فيه 4 أمثلة عن مغالطة الاحتكام إلى التقاليد، وتخبرنا كيف يمكن أن نتجنَّبها.

بصفتي خريجة حديثة من برنامج الماجستير في العمل الاجتماعي، كنت مطَّلعة على أفضل الممارسات في مجال رعاية الأطفال الذين تعرضوا للصدمات، ولدي خلفية في التسويق؛ لذا كان لدي فهم عميق للعمليات والبرامج التكنولوجية الجديدة الفعالة وسهلة الاستخدام، وكنت أتوق لاستثمار دافعي وحماستي وإحداث بعض التغييرات للأفضل في حياة الأطفال بسرعة.

كانت عبارة: "لأنَّ هذه هي الطريقة التي اتبعناها دائماً" إجابة غير مقبولة بالنسبة إليَّ بسبب ظروفي الشخصية؛ إذ يركز مجال العمل الاجتماعي بأكمله على التغيير والابتكار، وهذه الاستجابة لم تعكس ذلك.

ونظراً للطبيعة المعقدة للموضوع، يُعَدُّ التعلم طوال الحياة مكوناً هاماً للعمل في هذا المجال، فالبحث عن أفضل الممارسات لا ينتهي، ويجب على المنظمات والأفراد التكيف باستمرار من خلال تغيير وتحديث أساليبهم وسياساتهم وحتى ثقافتهم التنظيمية؛ في محاولة للحد من الآثار طويلة الأمد لصدمات الطفولة.

لكن لا يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى تشعر بالاحتراق الوظيفي عند العمل في رعاية الأطفال؛ إذ يؤدي التعب العاطفي والصدمات العنيفة وساعات العمل الطويلة إلى معدلات دوران عالية للقوى العاملة، بالإضافة إلى الإرهاق الجسدي والعاطفي؛ لذا بالنظر إلى حقيقة أنَّ معظم الموظفين كانوا يعملون في هذه الوكالة لعدة سنوات وكنت في ذروة نشاطي، كانت حماستي للموضوع هائلة، وأملك سبباً وجيهاً لكي أعدَّ هذه الإجابة غير مُرضية، فهي غير منطقية؛ وذلك لأنَّها تقوم على مغالطة الاحتكام إلى التقاليد، وهي طريقة تفكير خاطئة.

وانتهى بي الأمر إلى الاستقالة من هذه الوظيفة بعد 10 أشهر؛ إذ كانت الشركة مع الحاجة الشديدة لها في مجتمعنا لا تتطور، وبما أنَّ لدى قطاع الخدمات الاجتماعية مجموعة واسعة من وكالات رعاية الأطفال للاختيار من بينها، فإنَّهم يفضِّلون التعامل مع أولئك الذين يعملون بكفاءة ويمكنهم بفاعلية نقل الأطفال إلى بيئات آمنة.

وسنلقي في هذا المقال نظرة على المغالطة المنطقية التي تكمن في صميم هذه العقلية، وهي مغالطة الاحتكام إلى التقاليد؛ فلنبدأ بتعريف هذه المغالطة بالتفصيل ثم سنتعمق في بعض الأمثلة عنها.

مغالطة الاحتكام إلى التقاليد:

"لأنَّ هذه هي الطريقة التي اتبعناها دائماً" هو رد يعود إلى اقتباس منسوب إلى "بيرت لانس" (Bert Lance) مدير مكتب الإدارة والميزانية الأمريكي لعام 1977؛ إذ يقاوم الناس التغيير ويتمسكون بعناد بأساليبهم المعتادة ويخافون من المجهول، وما لم ينتج عن التغيير فائدة مباشرة لهم، فلن يكون لديهم الدافع لإحداثه.

هذه المشكلة شائعة في المواقف الشخصية والمهنية على حدٍّ سواء؛ إذ تفشل الشركات التي لا تعيد ابتكار نفسها باستمرار وتتجنب إعادة تقييم استراتيجياتها، مثل شركات "بلوكبستر" (Blockbuster) و"تاور ريكوردز" (Tower Records) و"سيركت سيتي" (Circuit City). قبول التغيير أمر ضروري، واستراتيجية ترك الأمور على حالها ليست استراتيجية رابحة.

إنَّ الاحتكام إلى التقاليد هو مغالطة منطقية يستخدمها الناس للادعاء بأنَّ ظرفاً أو عملية أو بياناً حالياً صحيح أو أفضل من البديل؛ وذلك لأنَّه "الطريقة التي اتبعناها دائماً"، على الرغم من أنَّه لا توجد بيانات أو أدلة تثبت أنَّ هذه الطريقة هي الأفضل؛ فمن المفترض أن نكتفي بكونه تقليداً أو بتاريخه في تحقيق نتائج إيجابية.

هذا المنطق خاطئ لأنَّه يعتمد على التفضيلات التاريخية بدلاً من الحقائق لإثبات وجهة نظره، لكن دون أي بيانات لن توجد وثائق كافية لإثبات الادعاء، والاعتراف بأنَّ السبب الوحيد لاتباع شيء ما هو كونه تقليداً، يسلط الضوء على حقيقة أنَّ المتحدث ليس لديه دليل داعم.

الحقيقة هي أنَّه من الممكن أن يكون قد ظهر التقليد في البداية وفق فرضية خاطئة، وحتى لو كان صحيحاً في وقت اعتماده، يمكن أن تتغير الظروف؛ وهذا يعني أنَّه لم يعد مناسباً للظروف الحالية، وإذا كان من المنطقي اللجوء إلى الممارسات السابقة، فيمكن للمرء أن يبرر أي اعتقاد غير صحيح طالما أنَّه موجود منذ زمن طويل.

إنَّ مغالطة الاحتكام إلى التقاليد تشبه إلى حد بعيد مغالطة "اتباع التيار الشائع"، التي تقوم على افتراض أنَّ رأي الأغلبية صحيح تلقائياً نظراً لعدد الأشخاص الذين يتفقون معه، لكنَّ هذا المنطق يثبت فقط أنَّ الاعتقاد شائع وليس صحيحاً.

إقرأ أيضاً: عادات وتقاليد اجتماعية سيئة يجب التخلّص منها

4 أمثلة عن مغالطة الاحتكام إلى التقاليد في الحياة الواقعية:

1. التقاليد الأسرية:

هل كانت لدى عائلتك أي تقاليد عندما كنت طفلاً؟ أو هل بدأت بعض التقاليد العائلية في السنوات الأخيرة؟ وكم من تقاليد طفولتك ما زلت تمارسها؟

ربما كنت تقضي دائماً ليلة عيد الميلاد في منزل جدك أو تذهب إلى شاطئ معين كل صيف مع عائلتك، أو ربما تحضِّر غداء عيد الفطر تماماً كما اعتادت والدتك وجدتك تحضيره، لكن مع تطوُّر العائلات تتغير التقاليد أيضاً لتناسب الظروف الحالية.

لذا فكر في العائلات التي عملت فيها أجيال متتالية مهنة المحامين، ربما لديهم مكتب عائلي يعمل فيه أفراد الأسرة، فيفترض العديد من الأطفال في الأسرة أنَّ مستقبلهم مؤمَّن؛ وذلك لأنَّ لديهم وظيفة مضمونة بعد تخرُّجهم من الجامعة، فكر الآن في طفل من هذه الأسرة يحلم بممارسة مهنة في الفنون أو المسرح، قد يعارض والداه عندما يسمعان هذه الفكرة، ويقولان: "عمِل كل فرد من عائلتنا في مكتب المحاماة؛ لذلك يجب عليك التقدم إلى كلية الحقوق".

لكن هل هذا سبب وجيه للتخلي عن رؤيتك في الحياة؟ لأنَّ كل فرد في الأسرة قبلك درس تخصصاً معيناً؟ لا، لا ينبغي أن تضع هذا في الحسبان عند وضع خطط حياتك؛ لذا إنَّ هذه الحجة تنبع من طريقة تفكير خاطئة.

2. القوانين:

نظراً لأنَّ مزيداً من الدول بدأت تسمح باستخدام الماريجوانا الترفيهية، فقد يعارض بعضهم هذا القانون مدعين أنَّ الماريجوانا كانت تُعَدُّ دائماً "بوابة المخدرات"، ويجب أن تظل غير قانونية لأنَّها مادة غير مشروعة.

ومثل العديد من القضايا السياسية الأخرى، هذا الموضوع مثير للجدل، لكنَّ القول إنَّ الماريجوانا يجب أن تظل غير قانونية لأنَّها كانت دائماً كذلك ليس حجة منطقية؛ إذ يمكن للناس دعم هذه الحجة بدلاً من ذلك؛ من خلال الرجوع إلى الدراسات الفعلية التي لا حصر لها، والتي تدعم الموقف القائل إنَّ الماريجوانا هي مخدِّر؛ ولذلك يجب أن تظل غير قانونية.

ومع ذلك، توجد دراسات تدعم الجانب الآخر من هذا النقاش أيضاً؛ إذ يقر الكثيرون أنَّه في حين بدء العديد من الأشخاص الذين يتعاطون المخدِّرات القوية بتعاطي الماريجوانا لكون الحصول عليها أسهل، فإنَّ معظم الأشخاص الذين جربوا الماريجوانا لا يتعاطون المخدرات ذات التأثير الأقوى؛ إذ يحب أن توضع عوامل أخرى في الحسبان عند التفكير في مخدرات أقوى مثل البيئة الاجتماعية.

بصرف النظر عن أي الحجتين تدعم، فإنَّ القول إنَّ هذا العقار يجب أن يظل غير قانوني لأنَّه كان غير قانوني لوقت طويل، قائم على مغالطة الاحتكام إلى التقاليد.

3. الطب البديل:

كانت الأساليب التقليدية والبديلة للعلاج موجودة منذ آلاف السنين؛ أي منذ وقت أطول بكثير من البحث العلمي الحديث والنهج الغربي، وما زال كثير من الناس يعتمدون على هذه الممارسات القديمة حتى يومنا هذا.

توجد دراسات تقدِّر حجم الأموال التي ينفقها الأمريكيون كل عام على الطب البديل بنحو 34 مليار دولار، وتثبت أنَّ الناس يؤمنون بهذه المنتجات، لكن عندما يكون أساس هذه المعتقدات هو ببساطة أنَّ تلك الأساليب كانت موجودة منذ قرون، فإنَّ غياب الحقائق التي تثبت فاعلية الطب البديل يجب أن تنبِّهك إلى الحاجة إلى إجراء مزيدٍ من الأبحاث عنها.

إنَّ العديد من أشكال الطب البديل معروفة بتاريخها الطويل، الذي يصر بعض ممارسي الطب البديل على أنَّه أهم من الاكتشافات العلمية الحديثة، لكنَّ الحجج المؤيدة للطب البديل مليئة بالمغالطات المنطقية مثل هذه، وأحدها الاحتكام إلى التقليد، ففي حين أنَّ استخدامها لوقت طويل قد يشير إلى فاعليتها، إلا أنَّه لا يؤكد ذلك.

ما يزال العلماء يكتشفون أموراً جديدة عن فيزيولوجيا جسم الإنسان اليوم؛ لذلك عندما تفكر في الأمر، فمن السهل أن تدرك أنَّ أصول الطب التقليدي تعود إلى وقت كان فيه فهم جسم الإنسان ووظائفه في بداياته، وهذا قد يقلل من احتمال كون هذه الأساليب ناجحة.

إقرأ أيضاً: 4 نصائح من الطب البديل لتنمية الذكاء العقلي لدى الإنسان

4. التسويق:

غالباً ما تُستخدم المغالطات المنطقية لبيع المنتجات، ومن ذلك مغالطة الاحتكام إلى التقاليد لأنَّها تقدِّم للمستهلكين مرجعاً وتمدُّهم بالثقة، وتشير الدراسات إلى أنَّ الأشخاص يحددون أصالة المنتج حسب قِدَمه؛ لذلك إذا استخدم الناس في المجتمع المحلي شيئاً لفترة طويلة يزيد احتمال الوثوق به وقبوله.

لذا يفضِّل العديد من الأشخاص التمسك بالتقاليد؛ وذلك لأنَّها مريحة أكثر بوصفها كانت موجودة منذ فترة ومألوفة؛ على سبيل المثال، تدَّعي شركة "آبركرومبي آند فيتش" (Abercrombie & Fitch) العلامة التجارية للملابس ونمط الحياة الأصلي في الهواء الطلق، أنَّ تاريخها يعود إلى عام 1892 حين كانت العلامة التجارية المفضلة للنخبة.

ومن ذلك، الرؤساء مثل الرئيس الأمريكي "ثيودور دي روزفلت" (Theodore D. Roosevelt)، والممثلون والكتَّاب المشهورون الذين بقوا مخلصين لهذه العلامة التجارية بسبب سمعتها المحترمة.

تستخدم هذه العلامة التجارية مغالطة الاحتكام إلى التقاليد في تكتيكاتها التسويقية؛ وذلك لأنَّها تعتمد على قوة التراث ومظهر الأصالة في صورتها، وحققت تصميمات الملابس التقليدية للشركة المبيعات بنجاح بفضل ذلك لعقود من الزمن.

مثال آخر عن مغالطة الاحتكام إلى التقاليد هو شعار العلامة التجارية "كنتري تايم ليمونيد" (Country Time Lemonade): "تماماً كما تُعِدُّه الجدة"؛ إذ تمنح هذه الفكرة المستهلكين إحساساً بالراحة، فيربط العديد من الأشخاص طهي الجدة بذكريات الطفولة الجيدة، لكن منطقياً، لا تقدِّم هذه الشركة أي دليل على أنَّ عصير الليمون لديها هو الأفضل؛ بل تستعين بالتقاليد.

شاهد بالفديو: كيف تصنع لنفسك اسماً جديداً في صناعة موجودة؟

كيف تتجنب مغالطة الاحتكام إلى التقاليد؟

عندما تواجه مغالطة منطقية، يجب عليك أن تطرح بعض الأسئلة الصعبة قبل استخلاص أي نوع من الاستنتاج، وعلى غرار مغالطة "اتباع التيار الشائع" لا تضع مغالطة الاحتكام إلى التقاليد في الحسبان أي دليل قد يعارضها؛ على سبيل المثال: إذا سألت "لماذا نتبع هذه العملية؟"، سيجيبك الطرف الآخر: "لأنَّ هذه هي الطريقة التي اتبعناها دائماً"، بينما إذا سألت: "لماذا لا نتبع هذه العملية؟" فلن يكون لدى الطرف الآخر جواب.

إذا استخدم شخص ما هذه المغالطة المنطقية ثم طُرِح عليه سؤال مخالف، فسيضطر إلى التفكير في الخيار البديل أو تصوُّر موقف يكسر فيه التقليد، وهذا يمكن أن يساعده على إدراك أنَّه توجد أساليب أخرى لإنجاز ما يريده بنجاح، وتذكَّر أن تُجري البحث بنفسك عن موضوع ما قبل اتخاذ أي موقف محدد تجاهه.

في الختام:

مثل المغالطات الأخرى، فإنَّ الادعاءات المتعلقة بهذه المغالطة المنطقية ليست بالضرورة غير صحيحة؛ بل المشكلة هي عندما يكون الدليل الوحيد المقدَّم لدعمها هو التاريخ طويل الأمد لقضية أو ظاهرة، لكن إذا استطاعت الفكرة أن تصمد كل هذا الزمن، يجب أيضاً أن نتمكن من التحقق من صحتها؛ وذلك من خلال إعادة اختبارها.

في حين أنَّ الاحتكام إلى التقاليد قد يبدو مقنعاً، لكن لا يجب أن تنخدع به؛ لذا احترس من الحجج التي تتخذ هذا الشكل وتجنَّب استخدامها بنفسك.

 

المصدر




مقالات مرتبطة