ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة "أري هونارفار" (Ari Honarvar)، وتحدثنا فيه عن أهم الطرق لحماية أنفسنا من التأثيرات السلبية للرفض واستثماره لبناء المرونة النفسية.
استلسم عديدٌ من الناس إلى الأمر الواقع ويئسوا من جميع الحلول أو أصبحوا غاضبين وسريعي الانفعال، غيرَ أنَّني شاهدتُ في الوقتِ نفسِه مجموعةً من النساء المُميَّزات والرائعات اللواتي بدا لي أنَّهنَّ ينجحْنَ ويزدهرْنَ في ظلِّ الظروف العدائية؛ إذ لاحظتُ قدرتهنَّ على الصمود واستعمال الموارد المُتاحة جميعها في سبيل العيش؛ فقد جرَّبْنَ وصفات طعام جديدة لمواجهة تقنين الحصص الغذائية آنذلك، كما عزَّزْن الحسَّ الكوميديَّ والفكاهيَّ داخلهنَّ فألقَيْنَ النكات وجعَلْنَنا نضحك حتَّى دمعَت أعينُنا في مواجهة الخوف المُحدِق بنا، ولذا أردت أن أتعلَّمَ تحويل الضغط النفسي إلى طاقةٍ للعيشِ أيضاً باستمداد الإلهام من هؤلاء النساء.
وقد خطر لي حين أصبحتُ كاتبةً أنَّه ربَّما يكون الرفضُ أحد أكثر أنواع الطاقات الناجمة عن الضغط النفسي وفرةً في الحياة؛ إذ كان بناءُ العلاقات والحفاظ عليها ضرورياً وأساسياً لنجاتنا وبقاء نوعنا البشريِّ فيما مضى؛ ولذا فقط تطوَّر البشر مجبولين على حالة الخوف من الرفض والذي لا أعلمُ مدى شيوعه وانتشاره قبل 10,000 سنةٍ مضَت، ولكنَّنا نجده في كل مكان في حياتنا الآن؛ فنجده مثلاً في باحة المدرسة، وخلال البحث عن وظيفةٍ ما، وفي العلاقات العاطفية، ويمكن لنصيبك من الرفض أن يكون مضاعفاً إن كنتَ مندوب مبيعاتٍ أو رائد أعمال أو تملك وظيفةً في المجال الإبداعي.
يكون الرفضُ مؤلماً للغاية لدرجة أنَّ العديد من الناس يتوقفون عن المُخاطَرة والمُجازَفة بالكامل، ويشعرون بأنَّ جهودَهم تضيع سُدىً وأهدافهم مستحيلة التحقُّق، ولكنَّ لحسن الحظ ثمَّة طرائق عملية لتخفيف الألم الناجم عن الرفض وعَدِّه حليفاً حتَّى في التدرُّب على العافية، ومنها:
1. تحسين القدرة على التمييز بين العواطف بدقة:
يجعلُنا التمييز الدقيق بين المشاعر أكثر مرونةً، ويمكننا جمعُ المزيد من البيانات حول كيفية تعديل سلوكنا وتكيُّفه وفقاً للظروف المُحيطة من خلال تنمية قدرتنا على التمييز بين عواطفنا بدقة والمحافظة عليها؛ فكلَّما كبُرَت قدرتُنا وتطوَّرت أساليبُنا في وصف المفاهيم العاطفية، أصبحَت استجاباتُنا أكثر ذكاءً وسرعةً عند مواجهة الصعوبات بما فيها الألم الذي يصيبُنا عند التعرُّض للرفض، وتُعَدُّ قراءة القصص الخيالية وتعلُّم كلمات غريبةٍ وغير مألوفة عن المشاعر والعواطف بعضَ الطرق التي يمكننا من خلالها تحسين الدقة في التمييز بين عواطفنا، بالإضافة إلى وجود أدوات ووسائل للذكاء العاطفيّ لمساعدتنا على تنمية قدراتنا لوصف عواطفنا من خلال الممارسة المُنتظَمة للوعي الذاتي العاطفي ومنها:
- "مود متر" (Mood Meter): والذي يُساعد على توسيع المفردات العاطفية وإغنائها وتنظيم المشاعر.
- "إنسايد فيد باك" (Inside Feedback): يساعد في بناء الوعي الذاتي من خلال تفقد الأحوال، وكتابة اليوميات، وقياس التقدم المُحرز.
- "إيموشن وييل" (Emotion Wheel): وهي خارطة للمشاعر أسَّسها عالم النفس "روبرت بلوتشك" (Robert Plutchik) الذي ظنَّ أنَّ هناك ثماني عواطف أولية ذات قطبَين: الفرح مقابل الحزن، والغضب ضدَّ الخوف، والثقة مقابل الاشمئزاز، والمفاجأة مقابل الترقُّب. تتيح لك تتبُّع مشاعرك؛ كي تتمكن مع مرور الوقت من رؤية تلك المشاعر والإحساس بها والاستجابة لها بصورة مناسبة.
شاهد: 6 صفات يتحلى بها الأشخاص المرنون
2. إنشاء طقسٍ خاص بك وممارسته بعد التعرُّض للرفض:
شكَّلت الطقوس جزءاً من الوجود البشريّ لآلاف السنين، وهي تخفِّف القلق وتحسن من مشاعر الثقة وفقاً للبحوث؛ فبعد تعرُّضك لرفضٍ مؤلم، يمكنك على سبيل المثال دعوة نفسك إلى احتساء مشروبك المفضل أو زراعة نبتة مفعمة بالحياة في منزلك أو مكتبك لتُذكِّرك بجمال الحياة وتمنحك الأمل كلَّما شعرت باليأس.
والطريقةُ الأكثر قوةً هي جمعُ فئةٍ من أقرانك كما فعل أسلافُنا للانضمام إليك في محنتك تلك، وبصورة مثالية؛ فإنَّك ستتلقَّى كثيراً من الدعم والتشجيع من أصدقائك وعائلتك لدرجة أنَّك في نهاية الأمر ستتطلَّع بلهفةٍ إلى التعرُّض للرفض مرةً أخرى؛ كي تحصل على ذلك الاهتمام والعناية من جديد؛ ففي عصر العزلة الذي نعيشُه الآن لا يفيدُ الجمع بين الناس والتقريبُ بينَهم مَنْ تعرَّض للرفض حديثاً فحسب؛ وإنَّما يعود بالعديد من الفوائد على جميع الأشخاص الذين تقرَّبوا من بعضهم.
3. المحافظة على موازنة أساسية للجسم:
حين نتوقع الفواتيرَ التي علينا دفعُها، نضعُ ما يكفي من الأموال في حساباتنا المصرفية مما يساعدنا في الحفاظ على صحتنا المالية؛ وبصورة مشابهة، يتنبَّأُ الجسم باستمرارٍ بالبذل النفسي الذي سيمرُّ به ويستخدم الموارد المُتاحَة ليكون على قدر تنبُّؤاته وتوقُّعاته تلك، ويُصبح الأشخاص الذين يملكون تنبُّؤاتٍ جسديةً أفضل أكثر جاهزيةً وقدرةً على التعامل مع الشدائد والتحديات ومواجهتها كالضيق والألم الذي ينجم عن التعرُّض للرفض.
ويُعَدُّ الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم والتغذية الجيدة وممارسة التمرينات الرياضية بعضَ الخطوات الأكثر وضوحاً للحفاظ على موازنة صحية للجسم، ولذا اعتبِرْ نومَك الجيد ليلاً أو تناول وجبة مغذِّية أو ممارسة تمرينٍ رياضيّ على أنَّها إيداع سخيٌّ وكبير في حسابك النفسي والصحي الذي سيُساعدك في التصدِّي لما ستواجهه من مشاعر سلبية ومن ضمنها الرفض؛ إذ تساعد هذه العادات الصحية على موازنة إفراز المواد الكيميائية التي تؤثِّر بصورة مباشرة على عواطفك ومشاعرك؛ وبالتالي عندما تتعرَّض للرفض من خلال رسالةٍ، أو مكالمة هاتفية، أو في أسوأ الأحوال حين تُواجَه بالصمت سيكون جسمُك مستعداً تماماً للانسحاب ليستجيبَ لآلام الرفض ويحاربَها بكل ما لديه من مخزون نفسيّ بنيتَه في الأيام السابقة، كما أنَّ قضاء الوقت مع الأشخاص الذين تستمتع بصحبتهم والضحك وممارسة التأمُّل طرقٌ أخرى لتعزيز صحتك وتقويتها في مواجهة الرفض.
وبالطبع، هناك أوقاتٌ لا نتمكن فيها من التحكم بظروفنا، فعندَها قرَّرَت النساء في طفولتي تغييرَ منظورهنَّ للحياة بدلاً من محاولة تغيير تلك الظروف؛ فحوَّلْنَ الطوابير للحصول على الحصص الطعامية إلى لقاءات شعرية، كما حوَّلْنَ القبوَ إلى نادٍ كوميديٍّ مُؤَقَّت خلال الغارات الجوية وغنَّيْنَ أثناء الطبخ، وكذلك فقد بكَيْنَ حين كان الحزن والإحباط يغمُرانِنا لدرجة كبيرة ليُعلِّمْنَنا أنَّ ذرف الدموع يُضيء أرواحَنا ويخفِّف عنها.
إذ يمكنك تغيير علاقتك مع الرفض من خلال تغيير وجهة نظرك للحياة واعتباره تمريناً، فالآلام العضلية لا تمنعُنا من ممارسة التمرينات الرياضية؛ لأنَّنا تعلَّمنا تصنيفَ الانزعاج الناجم عنها واعتبارَه على أنَّه ألمٌ جيد، وبصورة مشابهة؛ نستطيع النظر إلى كلمة الرفض التي نتلقاها على أنَّها جزءٍ من رحلتنا نحو الحصول على الموافقة والقبول من مصدرٍ أفضل حتَّى، فيصبحُ الرفضُ عندَها مؤشِّراً أو دليلاً على عدد المخاطر والمُغامرات التي خُضناها في حياتنا، وكأنَّنا نعزز قدرتنا على تقبُّل الرفض ليُكافئَنا بدوره من خلال جعلِنا مُفعَمين بالحياة وأكثر ألَقاً وجاذبيةً ومرونةً.
أضف تعليقاً