3 ركائز للسعادة الدائمة

نحن نُمضي قسماً كبيراً من حياتنا في البحث عن أمور تُسعِدنا، وتختلف تلك التي تُثبت فاعليتها من شخص لآخر، لكنَّ باحثي علم النفس الذين يدرسون موضوع السعادة حددوا عناصر مشتركة لاحظوها لدى الأشخاص السعيدين، وسنستعرض هنا الركائز الثلاث للسعادة وفقاً لنتائج الدراسات الحديثة في مجال علم السعادة، علَّها ترشدك إلى مستقبل مشرق وسعيد.



الركيزة الأولى "الاستقلالية":

لا يشتري المال السعادة، لكنَّ الأبحاث تُظهر عموماً وجود ارتباط بين مستوى الدخل ومستوى السعادة؛ بحثاً عن سبب هذا الارتباط، درس أحد الأبحاث طريقة قضاء الأثرياء لوقتهم والأعمال التي يختارون القيام بها.

أجرى العلماء في "جامعة ماستريخت" (Maastricht University) و"كلية هارفارد للأعمال" (Harvard Business School) و"جامعة فو أمستردام" (Vrije Universiteit Amsterdam) استطلاعاً شمل 863 فرداً ثرياً و1232 فرداً غير ثري، بحثاً عن أوجه التشابه والاختلاف في طريقة قضاء الأثرياء لوقتهم، وأثر ذلك في سعادتهم.

ووجد الباحثون أنَّ الاختلافات بين الأثرياء وغير الأثرياء كانت أقل مما توقعوا، على سبيل المثال، أمضت المجموعتان القدر نفسه من الوقت تقريباً في المشاركة في النشاطات الترفيهية والعمل والتنقل واستخدام الهاتف والكمبيوتر، لكنَّهم لاحظوا اختلافاً رئيساً واحداً؛ إذ وجد العلماء أنَّ احتمال قضاء الأغنياء لوقتهم في ممارسة نشاطات عمل - تتيح لهم استقلالية الشخصية - كان أكبر؛ أي الأعمال التي قرروا القيام بها بأنفسهم عوضاً عن اتباع إرشادات الآخرين؛ وثبت أنَّ هذا مُرتبط بارتفاع الرضا عن الحياة.

ومن الملاحظات الأخرى المثيرة للاهتمام هي أنَّ الأغنياء يميلون إلى قضاء الوقت أكثر في ممارسة نشاطات ترفيهية "مُنشِّطة"، على سبيل المثال، الصلاة والتواصل الاجتماعي والتمرينات الرياضية والعمل التطوعي، بينما يشارك غير الأغنياء في نشاطات ترفيهية سلبية أكثر، على سبيل المثال، مشاهدة التلفاز وأخذ قيلولة والراحة.

إقرأ أيضاً: ما هي الحرية المالية؟ وكيف يمكن الوصول إليها؟

الركيزة الثانية "الإحساس بالأهمية":

للسعادة شكلان، الأول هو السعادة اللحظية وتحصل عليها من أمور تُشعِرُك بالمتعة الفورية، على سبيل المثال، تناول قطعة من الشوكولاتة أو الاستمتاع بحمام دافئ في يوم بارد، وهناك أيضاً السعادة المتعلقة بمعنى الحياة والرضا عنها أو السعادة الفكرية، ونشعر بهذا النوع من السعادة حين نحقق هدفاً أو نصنع شيئاً نفخر به، وقد لا تسبب تغيراً سريعاً مثل السعادة اللحظية، لكنَّ آثارها عميقة بالقدر نفسه، خاصة على الأمد الطويل.

في حين أنَّ نوعي السعادة هامان، يشير العلم إلى أنَّ أهمية معنى الحياة تزداد مع تقدُّمنا في العمر، ولحسن الحظ، قدمت ورقة بحثية حديثة نشرتها "مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي" (Journal of Personality and Social Psychology) إرشادات حول كيفية تعزيز هذا النوع من السعادة.

تذكر هذه الورقة التي كتبها فريق من الباحثين بقيادة الأستاذ "فلاد كوستين" (Vlad Costin) من "جامعة ساسكس" (University of Sussex) أنَّ: "المعنى هو شبكة من العلاقات والتفاهمات والتفسيرات التي تساعدنا على فهم تجربتنا، ووضع خطط توجه طاقاتنا نحو تحقيق المستقبل المرجو، فيُشعرنا المعنى بأنَّ حياتنا هامة وأنَّها منطقية وأنَّها أعظم من مجرد مجموع ثواني حياتنا وأيامنا وسنواتنا"؛ واستخرج الباحثون من هذا التعريف ثلاث ميزات أساسية هي: الفهم والهدف والأهمية.

  • الفهم: يشير إلى عملية فهم الفرد للعالم ولتجاربه فيه، حيث إنَّ الشعور بـ "النظام" و"إمكان الفهم" من الجوانب الضرورية لفهم الحياة.
  • الهدف: يصف الشعور بوجود هدف أو أهداف في الحياة والعمل على تحقيقها، وهو الشعور بالحافز للعمل نحو المستقبل، ويتضمن امتلاك الفرد رؤية مستقبلية لحياته.
  • الأهمية: تشير إلى ثقة الفرد بأنَّ أفعاله تؤثر في العالم وأنَّ حياته هامة وتستحق العيش.

أجرى العلماء اختبارات شملت عينةً من 126 بالغاً بريطانياً لمعرفة أي من هذه العوامل الثلاثة قد يكون أقوى مؤشر لمعنى الحياة، ووجدوا أنَّ الأهمية كانت الأقوى ارتباطاً بمعنى الحياة، وكان الهدف أيضاً مؤشراً قوياً لمعنى الحياة ولكن بدرجة أقل، بينما بدا أنَّ الفهم نتيجة لمعنى الحياة، أكثر من كونه مسبباً لها.

حين تفكر كيف لك أن تعزز الإحساس بالأهمية، فلن تعثر على إجابة سهلة، لكنَّ أفضل نقطة يمكنك أن تبدأ منها هي التفكير في الموضوعات التي تُعرِّف مفهوم الأهمية، مثل "القيمة المتأصلة للحياة البشرية" و"أهمية حياة الفرد بعد آلاف السنين" و"ما إذا كانت حياة الفرد هامة في المخطط الكبير للكون" و"الثقة بأهمية حياتك".

يشير بحث آخر أجراه "أندرو ريس" (Andrew Reece) من شركة "بيتر أب" (BetterUp) و"ديفيد يادن" (David Yaden) من "جامعة بنسلفانيا" (University of Pennsylvania) إلى أنَّ الأهمية ضرورية خاصة في حياتنا المهنية، على سبيل المثال، عبَّر الموظفون الذين سجلوا نتائج عالية في اختبار الإجابة عن العبارات أدناه بـ "موافق" أو "غير موافق"، عن رضا وظيفي واندماج أعلى.

  1.  يساهم عملي في نجاح شركتي.
  2.  تؤثر جودة عملي في شركتي.
  3.  يؤثر عملي في أداء شركتي.
  4.   تُثني شركتي على عملي علناً.
  5.  يمدح زملائي في العمل عملي.
  6.  سمعة جودة عملي في شركتي جيدة.
  7.  زاد عملي من شعبيتي في مكان عملي.

وذكر البحث أنَّه: "حين يشعر الموظفون بأنَّهم هامون بالنسبة إلى شركاتهم، سيكونون أكثر رضا عن وظائفهم وحياتهم، وسيزيد احتمال توليهم لمناصب قيادية وتلقيهم مكافآت وترقيات، ويقل احتمال تقديمهم استقالتهم، وتؤكد هذه النتائج قيمة الأهمية في سياق الشركات".

إقرأ أيضاً: ما هو معنى الحياة وكيف تعيش حياةً هادفة؟

الركيزة الثالثة "العمر":

تشير معظم الأبحاث إلى أنَّ السعادة والعافية والرضا عن الحياة تزداد تدريجياً منذ أولى مراحل البلوغ المبكرة، وحتى منتصف العمر، وتؤكد دراسة حديثة نشرتها مجلة "الشخصية وعلم النفس الاجتماعي" (Journal of Personality and Social Psychology) هذه النتيجة فيما يتعلق بالتفاؤل.

للوصول إلى هذا الاستنتاج، حلل الباحثون في "جامعة كاليفورنيا" (University of California) بيانات من عينة كبيرة من البالغين الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 26 و71 عاماً؛ حيث طلب الباحثون منهم إكمال "اختبار توجه الحياة" (Life Orientation Test) أربع مرات في فترات زمنية محددة خلال سبع سنوات، وهو اختبار موثوق لقياس التفاؤل يُستخدَم على نطاق واسع، إليك نسخة معدلة منه:

  1.  في الأوقات العصيبة، أتوقع أفضل النتائج عادة.
  2.  إذا كان من الممكن أن يحصل معي شيء سيئ، أظن أنَّه على الأغلب لن يحصل.
  3.  أنا متفائل بمستقبلي دائماً.
  4.  أتوقع أن تجري الأمور لمصلحتي غالباً.
  5.  أعتمد على حصول أمور جيدة معي.
  6.  عموماً أتوقع حدوث أشياء جيدة لي أكثر من الأشياء السيئة.

استخدم الباحثون إجابات المشاركين على هذا الاختبار لرسم مسار التفاؤل خلال الحياة، وبما يتوافق مع البحث السابق، ووجدوا أنَّ التفاؤل يكون في أقل مستوياته خلال العشرينات من العمر، ثم يزداد بثبات خلال الثلاثينيات والأربعينيات من العمر، ويبلغ ذروته في الخمسينيات من العمر، ثم يتراجع تدريجياً بعد ذلك، ويصل التفاؤل إلى أعلى مستوياته تحديداً في الـ 55 من العمر.

يقول الباحثون: "وجدنا أنَّ مسار التفاؤل يتحرك بين عمر 26 وحتى عمر 71 تحركاً تدريجياً معيارياً وفقاً للعمر، وبمعدل حوالي 0.15 انحرافاً معيارياً كل عقد، إلى أن يستقر عند عمر 55، وتشير هذه النتائج إلى أنَّ مسار التفاؤل خلال حياة الفرد يتبع شكل حرف U مقلوب، ذروته في أواخر منتصف العمر، على غرار الصفات الشخصية الإيجابية الأخرى مثل احترام الذات والرضا عن الحياة".

الخلاصة:

تشير أبحاث جديدة في علم النفس إلى أنَّ الاستقلالية والأهمية والعمر هي ثلاثة عناصر ضرورية للسعادة، ويعود إليك أنت توجيه حياتك بحيث تقوي إحساسك بالأهمية والاستقلالية.

المصدر




مقالات مرتبطة