3 خطوات لتخفيف شعور الألم

ثمة حالة مشهورة في كتب الطب، وفيها يتعثَّر الجَّزار في أثناء عمله وتعلقُ ذراعه في خطاف ماكينة فرم اللحم، ويشعر بألم شديد للوهلة الأولى ثم يدرك أنَّ الخطاف اخترق ملابسه وحسب ولم يلمس جلده، فيختفي شعور الألم في الحال.



يتم إجبار ضحايا التعذيب على معاينة أدوات التعذيب قبل الشروع فيه، وتُستخدَم هذه الطريقة للترهيب ولزيادة شعور الألم المصاحب لممارسات التعذيب، وثمة حالة طبية خلقية نادرة تمنع إحساسَ الألم؛ بسبب طفرة وراثية في جينٍ مسؤولٍ عن تشكيلِ أنواع معينة من الخلايا العصبية، والألم شعور عاطفي صعب، ولكنَّه من ناحية أخرى لغز بديع يحير العقول.

يعاني 20.4% من البالغين في الولايات المتحدة الأمريكية من الآلام المزمنة، ولا بدَّ أن يتعرضَ الفرد للألم الشديد في حياته، وعندها ستتغير حالته النفسية جذرياً وتصبح جميع المشكلات والهموم بلا قيمة مقابل شعور الألم، وكما قال المؤلف "أوسكار وايلد" (Oscar Wilde) ذات مرة: "لا أبالي بالألم النفسي بقدر ما أبالي بالألم الجسدي".

لقد تطور العلم واكتشف العلماء عدد من الأساليب والطرائق التي يمكن أن تُستخدَم لتخفيف شعور الألم عند التعرض لإصابة أو مرض ما، وفي حالة الآلام المزمنة، أو المتكررة مثل "الصداع النصفي" (migraines)، يمكنك أن تستفيد من هذه الأساليب في مساعدة الآخرين على تجاوز آلامهم أيضاً.

يناقش المقال مسألة طبية بحتة بغرض التثقيف، وهذا يعني أنَّك يجب أن تكون حذراً، وتحكِّم العقل والمنطق، وتناقش هذه المعلومات مع الطبيب المسؤول عن حالتك دون أن تتصرف من تلقاء نفسك.

يعتمد المقال على مجموعة متنوعة من المصادر البارزة وهي تتضمن كتب:

  • "دليل إدارة الألم" (The Pain Management Workbook).
  • "عندما يضرب الهواء دماغك: حكايات جراحة المخ والأعصاب" (When the Air Hits Your Brain: Tales from Neurosurgery).
  • "جسد متألِّم: تكوين العالم وهلاكه" (The Body in Pain: The Making and Unmaking of the World).
  • "علم نفس الألم" (The Psychology of Pain).

آلية عمل إحساس الألم:

يصدر شعور الألم عن الدماغ ويشهد على هذه الحقيقة العلمية إحساس الألم الوهمي في حالات بتر الأطراف، والألم إحساس معقد يطلق عليه علماء الطب اسم "عملية الانتشار العصبي"، وذلك أنَّه لا يوجد مركز لإحساس الألم في المادة الرمادية للدماغ.

توجد عدة أنواع مختلفة للألم، ويُذكَر منها الألم البرقي، والألم الحارق، والألم الخفيف، ويمكن أن يستخدم الطبيب المتمكِّن هذه المعلومات لتشخيص المرض؛ إذ يختلف شعور الألم وطبيعته من مرض إلى آخر.

يملك الجهاز العصبي آليتين طبيعيتين لتخفيف شعور الألم؛ وهما هرمونات الإندورفين وآلية تُدعى "الحجب" (gating)، وتُعدُّ هرمونات الإندورفين مسكنات طبيعية للألم، وهي المسؤولة عن مساعدة الرياضيين في الفعَّاليات الرياضية والجنود في ساحات المعارك على الاستمرار عند التعرض لإصابة ما، وتساعد هرمونات الإندورفين على تخفيف الآلام الحادة والشديدة، ولكنَّها غير فعَّالة في حالة الآلام المزمنة.

تقتضي آلية عمل "الحجب" تنظيم الأحاسيس التي تتكون بصورة مستمرة في الجهاز العصبي وتُرهق الدماغ بطريقة ترتيبها حسب الأولوية، بحيث يتم التركيز على الأحاسيس الهامة وحجب البقية، وهذا السبب الذي يدفع الفرد إلى تدليك ساقه عندما تكون متشنجة، واستخدام الكمادات الدافئة والثلجية لتخفيف الألم.

يضيف الإنسان في هذه الحالة إحساساً جديداً يطغى على شعور الألم ويخفف من حدته، وقد عانى الرئيس الفرنسي الأسبق "نابليون الثالث" (Napoleon III) من الآلام الشديدة نتيجة إصابته بحصى الكلى، وعندها كان يقوم بحرق جسده باستخدام الشمع؛ لكي يخفف من شعور الألم الداخلي الناجم عن حصى الكلى؛ إذ يعطي الجهاز العصبي الأولوية لألَمِ الحرق ويصبح إحساس الألم الداخلي ثانوياً تجاهه.

ملاحظة: لا يُنصَح بتطبيق هذه الطريقة.

طبيعة إحساس الألم:

يُستنتَج من تجربة الجَّزار آنفة الذكر أنَّ إحساس الألم لا يُعدُّ مؤشراً دقيقاً على حدوث تلف في أنسجة الجسم، فالألم والأذى الجسدي مفهومان مختلفان تماماً، ويتعرض الإنسان في بعض الأحيان لآلام يجهل سببها، وقد يكتشف وجود كدمات على جسده لم يشعر بأنَّها تؤلمه على الإطلاق، وهذا لا يعني أنَّ إحساس الألم هو وهم محض وغير موجود في الواقع، وإنَّما يمكن أن يكون وهمياً في بعض الحالات.

يُعرَّف مفهوم الألم في أيامنا هذه على أنَّه "نموذج حيوي نفسي واجتماعي"، وهذا يعني أنَّ إحساس الألم يتكون من تراكب عناصر حيوية وعصبية وعاطفية ومعرفية واجتماعية وسلوكية، ويحظى العامل النفسي بأهمية كبيرة لا يدركها بعضهم.

يشتد شعور ضحايا التعذيب بالألم بعد رؤية معدات التعذيب؛ لأنَّ العواطف، والمعتقدات، والتوقعات، والأفكار تؤثر في الحالة الشعورية للفرد، ولا سيما في حالة المشاعر السلبية؛ لهذا السبب تُحدِث الإصابات الجسدية آلاماً شديدة من خلال الأيام العصيبة، في حين تكون أقل شدة في الأيام العادية، وللسبب عينه يتم طلاء جدران مستشفيات الأطفال بألوان زاهية ورسم لوحات جدارية طفولية ولطيفة؛ أي باختصار تؤدي مؤشرات الخطر إلى زيادة شدة شعور الألم، في حين يساهم عامل الأمان في تخفيفه.

توجد دراسات مخبرية يتم فيها التحكم بالحالة العاطفية للمريض، وقد أثبتت هذه الدراسات أنَّ تخفيض مشاعر الخوف والقلق يؤدي إلى تقليل فعَّالية المسكنات الأفيونية، وتُعزَى هذه النتيجة إلى أنَّ تأثير المسكِّنات يتعلق في الحالة النفسية للمريض، ولا يعتمد على التفاعلات الكيميائية والحيوية فحسب، وهذا يعني أنَّ تخفيض مستويات التوتر والقلق، وتحسين الحالة المزاجية، وتحويل الانتباه إلى إحساس آخر يؤدي إلى تخفيف شعور الألم، ولا يمكن التخلص من شعور الألم بشكل نهائي بهذه الطريقة وإنَّما يمكن الاستفادة منها في تخفيف شدته.

تخفيف الألم:

فيما يأتي 3 خطوات لتخفيف شعور الألم:

1. الاسترخاء:

من الطبيعي أن تشعر بالاستفزاز والغضب عندما يخبرك أحدهم بأن تسترخي وتهدِّئ من روعك وأنت تتأوَّه من شدة الألم، ويصعب على الإنسان أن يسترخي ويهدِّئ من روعه عندما يكون متألماً؛ بسبب زيادة مستوى هرمونات التوتر في مجرى الدم، ومن ثم لا يجب أن تعتمد على العامل النفسي وحسب، وإنَّما يمكنك أن تستفيد من الحركة البدنية في تخفيض مستويات التوتر التي تتعرض لها؛ إذ تقتضي هذه الطريقة أن تشد جميع عضلات جسدك الواحدة تلو الأخرى بدءاً من قدميك ووصولاً إلى وجهك، ثم تقوم بإرخائها.

حاول أن تشعر بالاسترخاء والراحة في عضلاتك بعد كل تمرين شد وإرخاء؛ إذ أثبتت الدراسات أنَّ هذه العملية تساهم في تقوية الجهاز النفسي والعاطفي، وزيادة قدرة الفرد على التأقلم والتعامل مع الألم، وتساهم هذه العملية في تخفيض مستوى التوتر في عضلات الجسم، لكنَّك يجب أن تنظر في الجانب النفسي أيضاً وتأخذ عامل الانتباه بالحسبان، ويؤدي التفكير المتواصل بالألم إلى تولد شعور التوتر من جديد، وبالنتيجة يعود إحساس الألم، وبناءً على ما سبق، يجب الاهتمام بعامل الانتباه.

شاهد بالفديو: 10 أمور مذهلة تحدث للجسم عند الاسترخاء

2. تشتيت الانتباه:

لا يستطيع الفرد أن يصرف تفكيره عن شعور الألم عندما يتربص به؛ إذ يسيطر إحساس الألم بشكل كامل على الفرد ولا يتسنَّى له أن يشعر أو يفكر بأي شيء آخر.

تقول المؤلفة "إلين سكاري" (Elaine Scarry): "يدرك الفرد العالم من حوله عند غياب الألم، لكنَّه ينسى الدنيا وما فيها عندما يكون متألماً".

يشغل الألم كافة أحاسيس وأفكار الفرد، ويؤدي التركيز عليه من ناحية أخرى إلى زيادة شدته؛ إذ يشعر المصاب بوسواس المرض بالألم على الرغم من أنَّه لا يعاني من أي مشكلة طبية، ويتولد شعور الألم في هذه الحالة بسبب تركيز الانتباه على فكرة الألم والمرض، فيتوهم الفرد بأنَّه مريض ومتألِّم، والعكس صحيح في هذه الحالة، وهذا يعني أنَّ شعور الألم يقل بشكل كبير عند تحويل الانتباه إلى إحساس أو أمر أو نشاط آخر.

أحياناً ينسى الفرد شعور الأسى أو الألم لفترة وجيزة عندما يتحول انتباهه لأمر آخر، ولهذا السبب حاول ألَّا تركز على إحساس الألم بشكل كامل، وإنَّما يجب أن تشغل نفسك، وتشتت انتباهك بأمر آخر كالخروج برفقة أصدقائك، أو مشاهدة التلفاز على سبيل المثال، فيجب أن تختار نشاطاً تحبه ويشغل فكرك بشكل كامل.

يساعد العلاج بالحيوانات الأليفة على تخفيف شعور الألم؛ بل إنَّ مجرد النظر للحيوانات الأليفة يخفض مستويات التوتر النفسي وضغط الدم، وتكمن المشكلة في أنَّك لا تستطيع تحويل انتباهك عن إحساس الألم طوال الوقت؛ وهذا بسبب تأثير الأفكار السلبية.

إقرأ أيضاً: 12 طريقة تستمد فيها الحكمة والقوة من آلامك

3. ضبط الأفكار:

"لا أستطيع تحمُّل هذا الألم، إنَّه يقتلني".

هذه الأفكار طبيعية وسوية تماماً عند التعرض للألم، لكنَّها يمكن أن تزيد الوضع سوءاً؛ لأنَّ المعتقدات، والتوقعات، والعواطف تؤثر في إحساس الألم كما ذُكِر آنفاً، لذا تكمن المشكلة هنا في التحريفات المعرفية أو المبالغة في رد الفعل بتعبير آخر، ويميل الفرد إلى التفكير بطريقة خاطئة عندما يكون متوتراً، ويمكن أن تشمل هذه الأخطاء أسلوبَ التفكير الأبيض والأسود (Black and White Thinking) الذي يفرض عليه أفكاراً متشددة من قبيل: "إذا لم تكن الحياة مثالية، فهي حتماً لا تُطاق"، وقد يميل إلى المبالغة في التعميم: "أنا أتألم، ما يعني أنَّ حياتي برمتها لا تُطاق"، والتهويل: "لن أرتاح من هذا الألم أبداً"، وهذه الأفكار متشددة، وغير عقلانية، ومبالغ فيها، وهي تؤثر في شدة إحساس الألم.

يقتضي الحل في مثل هذه الحالة أن تستعين بالمنطق، بطريقة طرح مجموعة من الأسئلة التي تساعدك على دحض الأفكار غير العقلانية، وفيما يأتي بعض الأسئلة والأجوبة المحتملة الموافقة لها:

إذا راودتك فكرة من قبيل: "هذا الألم لا يُحتمَل؛ أنا أحتضر"، عندئذٍ عليك أن تطرح على نفسك السؤال الآتي: هل هذه الفكرة حقيقة واقعة؟

كلا، ليست حقيقة واقعة، فأنت تحتمل الألم على الرغم من شدته، كما أنَّ الحياة ما زالت مستمرة وأنت حيٌّ تُرزَق، لذا عليك أن تقبل وجودَ الأفكار السلبية دون أن تقتنع بها، واسأل نفسك أيضاً: هل تتوقع أن تزيد أمورك سوءاً؟

الإنسان عاجز عن التنبؤ بمستقبله، ومن ثم لا يمكنك أن تعرف ماذا سيحدث معك.

هل تكثر من استخدام الكلمات الآتية: جميع، لا شيء، دائماً، أبداً، للأبد، أفضل، أسوأ؟ إذا كان جوابك "نعم" فهذا يعني أنَّك تبالغ في رد فعلك وطريقة تفكيرك.

شاهد بالفديو: 6 أعراض صحيّة يجب عليك ألَّا تتجاهلها أبداً

ماذا حدث خلال تجارب الألم السابقة؟

لا شك أنَّك تعرضتَ لإحساس الألم في السابق ونجحتَ في تجاوزه في كل مرة، ونسيت أمره تماماً بعد أن استعدت عافيتك، وقد يتكرر الأمر هذه المرة أيضاً.

ما هو الشيء الإيجابي الذي يمكن أن يحدث في وضعك الحالي بخلاف الأفكار السلبية التي تتوقعها؟

لا بد أن يخطر لك عدد من الاحتمالات الممكنة، وهكذا لن تحصر تفكيرك في الاحتمال الأسوأ، فتنقذ بعض الأفكار الإنسان وتخلصه من الألم، في حين تكبله أفكار أخرى وتزيد من وضعه سوءاً، لذا عليك أن تتأمل خيراً وتنتظر الفرج على الدوام.

إقرأ أيضاً: عش بطريقة فريدة

فيما يأتي تلخيص خطوات تخفيف الألم:

1. الاسترخاء:

يصعب على الفرد أن يشعر بالاسترخاء عندما يكون متألماً، ولكن يمكنك أن تستفيد من تمرينات إرخاء العضلات في تخفيف شدة الألم.

2. تشتيت الانتباه:

يمكنك أن تصرف انتباهك عن إحساس الألم بطريقة ممارسة النشاطات التي تحبها، مثل مشاهدة العروض التلفزيونية، أو الاستماع إلى الموسيقى، أو الخروج برفقة أصدقائك، أو مشاهدة الحيوانات الأليفة.

3. ضبط الأفكار:

يشتد الألم عند التفكير بطريقة سلبية وغير عقلانية، لهذا السبب يجب أن ترفض الأفكار المتشددة وتتحلى بالعقلانية؛ لتخفيف شعور الألم؛ إذ يشغل شعور الألم كامل تفكير الفرد، ويسيطر عليه تماماً، ويعزله عن حياته ونشاطاته، ويفقد الإنسان هويته في هذه الحالة وينعزل عن العالم الخارجي ويصبح حبيس مشاعر الألم التي تسيطر على كافة جوانب حياته.

لا تسمح للألم بالسيطرة على حياتك وطريقة تعريفك لذاتك وهويتك الشخصية، حتى لا تزيد الوضع سوءاً، لذا لا يتحسن مريض الألم المزمن عندما يعرِّف عن نفسه بالمرض الذي يعاني منه، فإذا طلبتَ منه أن يعرِّف عن نفسه، فإنَّه سيخبرك بأنَّه "مريض أعصاب" على سبيل المثال.

تشير الأبحاث إلى أنَّ نظرة الإنسان الإيجابية تجاه نفسه تساعده على تخفيف شدة الألم، ومن ثم يمكنك أن تفكر بالجوانب التي تحبها في شخصيتك، وهواياتك وشغفك، واهتماماتك، والأشياء التي تحب أن تتعلم أكثر عنها، ومهاراتك، والإنجازات التي تفخر بها، والأمور التي تحبها، ولا يعدو الألم كونه مجرد جانب واحد من جوانب حياتك، وهو لا يحدد جودتها، فالألم صعب ومتعب بالفعل، ولكنَّك تعرف الآن كيف تتعامل معه وتخفف من شدته باستخدام بعض الخطوات البسيطة.

في الختام:

يجب أن تدرك الجانب النفسي للألم، وتعرف أنَّ الأفكار والمشاعر والتوقعات السلبية تزيد من شدته؛ إذ تساهم مشاعر الأمان والسكينة من ناحية أخرى في تخفيف حدته.




مقالات مرتبطة