3 أساليب لتعلم الذكاء العاطفي بشكل فعال

مع التطور العلمي الذي نعيشه والذي بلغ ذروة التقدم، ما زال الكثيرون منا يعتقدون أنَّ النجاح ما زال مقترناً بالحصول على درجة أكاديمية عليا، أو بالحصول على رصيد مالي كبير، أو بتبوُّء منصب معيَّن، إلَّا أنَّ كل الدراسات والأبحاث تدل على أنَّ النجاح والسعادة في الحياة ليست في كل ما سبق، فكم نعرف من الأطباء الذي يحملون شهادة في الطب، وآخرون يحملون شهادات في الهندسة وآخرون يملكون المال، إلَّا أنَّهم لا يعرفون معنى النجاح في الحياة، فلم يَعُد معدل الذكاء العادي هو الذي يحدد مدى نجاح المرء؛ بل أصبحت مهارات الذكاء العاطفي هي التي تحدد مدى نجاح المرء في مختلف جوانب الحياة.



تُشير الإحصائيات الرسمية إلى مدى تأثير مهارات الذكاء العاطفي في أداء الموظفين، فالموظفون ذوي الذكاء العاطفي يؤثرون بلا شك في النتيجة النهائية للأعمال؛ ولذلك يُعَدُّ تطوير مهارات الذكاء العاطفي أمراً حيويا بالنسبة إلى الأفراد للنجاح في مختلف جوانب الحياة.

عزيزي القارئ ربما ترغب في تعلُّم مهارات الذكاء العاطفي لكن لا تعرف طريق البداية، ونحن هنا سنعمل على تسهيل هذه المهمَّة من خلال هذا المقال، لكن توجد مجموعة من المفاهيم لا بدَّ من الاطِّلاع والتعرُّف إليها.

ما هو علم الذكاء العاطفي؟

يشير الذكاء العاطفي (EI) إلى القدرة على إدراك المشاعر والتحكُّم بها وتقييمها، ويقترح بعض الباحثين أنَّه يمكن تعلُّم الذكاء العاطفي وتعزيزه، بينما يدَّعي آخرون أنَّه سمة فطرية.

ويُعرَّف الذكاء العاطفي بأنَّه القدرة على التعبير عن المشاعر والتحكُّم بها، وكذلك القدرة على فهم وتفسير والاستجابة إلى مشاعر الآخرين؛ فعلى سبيل المثال تخيَّل عالماً لا يمكنك فيه فهم شعور صديق بالحزن أو عندما يكون زميل في العمل غاضباً، ويشير علماء النفس إلى هذه القدرة على أنَّها ذكاء عاطفي، ويقترح بعض الخبراء أنَّها يمكن أن تكون أكثر أهمية من معدل الذكاء في نجاحك العام في الحياة.

ما هي مكونات الذكاء العاطفي؟

دلَّت دراسات الباحثين على وجود أربعة مستويات مختلفة من الذكاء العاطفي؛ بما في ذلك الإدراك العاطفي والقدرة على التفكير باستخدام المشاعر والقدرة على فهم المشاعر والقدرة على الإدارة.

1. إدراك المشاعر:

الخطوة الأولى في فهم المشاعر، هي إدراكها بدقة في كثير من الحالات، وقد يتضمن ذلك فهم الإشارات غير اللفظية مثل لغة الجسد وتعبيرات الوجه.

2. التفكير في العواطف:

تتضمن الخطوة التالية استخدام المشاعر لتعزيز التفكير والنشاط المعرفي، وتساعد المشاعر على إعطاء الأولوية لما ننتبه إليه ونتفاعل معه؛ فنحن نستجيب عاطفياً إلى الأشياء التي تجذب انتباهنا.

3. فهم المشاعر:

المشاعر التي ندركها يمكن أن تحمل مجموعة متنوعة من المعاني. إذا كان شخص ما يعبر عن مشاعر غاضبة، فيجب على المراقب أن يفسر سبب غضب الشخص وما يمكن أن يعنيه؛ على سبيل المثال إن كان رئيسك في العمل غاضباً، فقد يعني ذلك أنَّه غير راضٍ عن عملك، أو قد يكون ذلك بسبب حصوله على مخالفة سرعة في طريقه إلى العمل في ذلك الصباح أو أنَّه كان يتشاجر مع شريكه.

4. إدارة المشاعر:

تُعَدُّ القدرة على إدارة المشاعر بشكل فعال جزءاً هاماً من الذكاء العاطفي وأعلى مستوى، كما أنَّ تنظيم المشاعر والاستجابة بشكل مناسب وكذلك الاستجابة إلى مشاعر الآخرين كلها جوانب هامة للإدارة العاطفية.

شاهد بالفيديو: أركان الذكاء العاطفي الستة (طرق رفع الذكاء العاطفي)

ما هي مهارات الذكاء العاطفي؟

ازداد الاهتمام بتعليم وتعلُّم الذكاء الاجتماعي والعاطفي في السنوات الأخيرة، وأصبحت برامج التعلُّم الاجتماعي والعاطفي جزءاً أساسياً من المناهج الدراسية للعديد من المدارس، وتوجد العديد من المهارات التي تدل على الطريقة التي يؤدي بها الذكاء العاطفي دوراً في الحياة اليومية.

1. التفكير قبل رد الفعل:

يعرف الأشخاص الأذكياء عاطفياً أنَّ المشاعر يمكن أن تكون قوية، ولكنَّها مؤقتة أيضاً. عندما يحدث حدث عاطفي مشحون للغاية - مثل الغضب من زميل في العمل - فإنَّ الاستجابة الذكية عاطفياً ستكون أن تستغرق بعض الوقت قبل الرد، ويسمح هذا للجميع بتهدئة عواطفهم والتفكير بشكل أكثر عقلانية في جميع العوامل المحيطة بالحجة.

2. زيادة الوعي الذاتي:

الأشخاص الأذكياء عاطفياً ليسوا جيدين فقط في التفكير؛ بل يتميزون أيضاً بأنَّهم يشعرون بما يشعر به الآخرون، فهُم بارعون في فهم مشاعر الآخرين، ويسمح الوعي الذاتي للناس بالنظر في العديد من العوامل المختلفة التي تساهم في مشاعرهم.

3. التعاطف مع الآخرين:

يتمثل جزء كبير من الذكاء العاطفي في القدرة على التفكير والتعاطف مع شعور الآخرين، وغالباً ما يتضمن هذا؛ التفكير في كيفية الرد إذا كنتَ في نفس الموقف الذي يمر به الآخرون.

4. التحفيز الذاتي:

يتميز الأشخاص الأذكياء عاطفياً بقدرتهم على تحفيز أنفسهم؛ وذلك من خلال امتلاك دوافعهم الخاصة ووسائل تحفيزهم، فهُم لا يتأثرون في المحفزات الخارجية من شهرة ومال وتبوُّء منصب؛ بل يكون شغفهم نابع عن داخلهم وعن رؤيتهم لذاتهم وهم يحققون الهدف الذي يريدونه.

5. التفاؤل:

إنَّ الأشخاص الأذكياء عاطفياً دائماً ما يكونون متفائلين؛ وذلك ليس لأنَّ الحياة سهلة بالنسبة إليهم، فهُم يعانون من ذات المشكلات الحياتية التي يعاني منها كل فرد، إلَّا أنَّ ما يميزهم هو قدرتهم على استخلاص الجوانب الإيجابية من كل مشكلة تواجههم، فهُم دائماً ما ينظرون إلى نصف الكأس المُمتلِئ، وهذا هو سر تفاؤلهم الدائم.

إقرأ أيضاً: مهارات الذكاء العاطفي: ما هي، وما دورها في تطوير المسار الوظيفي؟

كيفية تعلُّم الذكاء العاطفي:

لقد بات الجميع يتحدثون عن الذكاء العاطفي، ولقد كانت النظرة تقليدية "بأنَّ الذكاء يتعارض مع العاطفة"؛ فكيف يمكن اتِّخاذ قرارات ذكية بشأن الأمور العاطفية، وخاصةً أنَّ الفرد بشكل عام يميل إلى التخلص من المشاعر التي تزعجه؟

مع تقدم العلوم والمعرفة، يُعَدُّ الذكاء العاطفي عملية غير لفظية تؤثر في تفكير المرء وأيضاً في كيفية تواصله مع الآخرين؛ إذ إنَّها مهارة نستخدمها يومياً في حياتنا الشخصية والمهنية وفي جميع مناحي الحياة؛ لذا لا بدَّ أن يعمل كل فرد يطمح إلى تحقيق النجاح والسعادة في حياته على تطوير ذاته من خلال تعلُّم مهارات الذكاء العاطفي، وفيما يلي نقدم لك عزيزي القارئ أهم الطرائق التي تساعدك على اكتساب مهارات الذكاء العاطفي:

أولاً: تعلُّم الذكاء العاطفي من خلال الكتب

تشير الدراسات إلى أنَّ قراءة الكتب بشكل عام وقراءة كتب الأدب بشكل خاص بما تحتويه من شخصيات معقدة يمكن أن تحسِّن التعاطف؛ إذ تساعدنا قراءة القصص من وجهات نظر الآخرين على اكتساب نظرة ثاقبة لأفكارهم ودوافعهم وأفعالهم، وقد تساعد على تعزيز وعيك الاجتماعي، كما بات من السهل الآن الحصول على الكتب المختصة في مجال الذكاء العاطفي؛ والتي تساعد المرء على تعلُّم الكثير من مهارات الذكاء العاطفي وعلومه.

أهم كتب الذكاء العاطفي:

توجد الكثير من الكتب التي تتحدث عن الذكاء العاطفي ومهاراته، ويمكن لك عزيزي القارئ أن تتعرَّف معنا إلى أهم تلك الكتب من أجل الاطِّلاع عليها وقراءتها، ومن هذه الكتب والمؤلفات:

  1. الذكاء العاطفي: لماذا يمكن أن يكون أكثر أهمية من معدل الذكاء؟ الدكتور دانيال جولمان.
  2. الذكاء العاطفي 2.0 بقلم ترافيس برادبيري وجان جريفز وباتريك إم لينسيوني.
  3. كيفية كسب الأصدقاء والتأثير في الناس بقلم ديل كارنيجي.
  4. قوة المعتقدات في الأعمال بقلم آري وينزفايغ.
  5. التطور العاطفي والذكاء العاطفي: الآثار التعليمية لبيتر سالوفي وديفيد سلويتر.
  6. تطبيق EQ: دليل العالم الحقيقي للذكاء العاطفي بقلم جاستن باريسو.
  7. التفكير السريع والبطيء بقلم دانيال كانمان.
إقرأ أيضاً: الذكاء العاطفي -دانييل جولمان

ثانياً: تعلُّم مهارات الذكاء العاطفي عبر الفيديوهات

يُعَدُّ موقع اليوتيوب واحداً من أهم المواقع التي تساعد على تعلُّم مهارات الذكاء العاطفي من خلال المحتوى الجيد والمنوع؛ والذي يتحدث عن مهارات الذكاء العاطفي، وكيفية تعلمهما، وإضافة مهارات الذكاء العاطفي إلى أحداث الحياة اليومية؛ فعلى سبيل المثال يمكن تعلُّم مهارات الذكاء العاطفي في اليوتيوب لقناة النجاح؛ إذ توجد مجموعة من الفيديوهات التعليمية التي تفيد كثيراً في تعلُّم مهارات الذكاء العاطفي.

ثالثاً: كورس الذكاء العاطفي

يمكن أيضاً اكتساب مهارات الذكاء العاطفي من خلال التدريب وحضور الجلسات التدريبية الخاصة بمهارات الذكاء العاطفي، وتُعَدُّ مؤسسة إيلاف ترين واحدة من أهم المؤسسات التي تعتني بتقديم  ؛ والتي تُعَدُّ من أفضل البرامج التدريبية من ناحية مواكبة أحدث العلوم والمعارف المتعلقة بعلوم الذكاء العاطفي.

شاهد بالفيديو: 6 عادات يومية لتنمية الذكاء العاطف

تعليم الذكاء العاطفي للأطفال:

يركز الآباء والأمهات في تحصيل أبنائهم العلمي، فيحرصون على وضعهم في الروضات التعليمية، إلَّا أنَّهم في ذات الوقت يتجاهلون التنظيم العاطفي للأبناء؛ إذ إنَّ غالب الآباء والأمهات لا يدركون مدى أهمية تعليم الأطفال مهارات الذكاء العاطفي، وهذا خطأ جسيم؛ إذ يُعَدُّ تعليم الأطفال مهارات الذكاء العاطفي أمراً بالغ الأهمية؛ وذلك نظراً إلى أنَّ الذكاء العاطفي يُعَدُّ مؤشراً قوياً على النجاح؛ لذا فإنَّ الباحثين والمختصين في مجال الذكاء العاطفي درسوا قدرة تشجيع مقدمي الرعاية من آباء وأمهات ومعلمي المراحل العمرية الأولى على تعليم الأطفال مهارات الذكاء العاطفي بالتحديد، وفي هذا الإطار لاحظ الدكتور جون جوتمان كيف يستجيب الآباء إلى مشاعر أطفالهم في محاولة لفهم كيفية تطور الذكاء العاطفي، ووجد أنَّ الآباء يستجيبون إلى مشاعر الأطفال بطريقة من هذه الطرائق:

  1. يرفض الآباء مشاعر الأطفال ويَعُدُّونها غير هامة ويحاولون القضاء عليها بسرعة؛ وذلك غالباً من خلال استخدام الإلهاء.
  2. يرى الآباء الرافضون المشاعرَ السلبية على أنَّها شيء يجب سحقه، وعادةً من خلال العقاب.
  3. يقبل الآباء عدم التدخُّل بجميع مشاعر الطفل، ولكنَّهم يفشلون في مساعدة الطفل على حل المشكلات أو وضع قيود على السلوكات المناسبة.
  4. يتعامل الآباء المدربون مع المشاعر السلبية، ولا ينفد صبرهم مع تعبير الطفل عنها، ويستخدمون الخبرة العاطفية كفرصة للترابط من خلال تقديم التوجيه وتصنيف المشاعر وحل المشكلات المطروحة.

وهنا لا بدَّ من طرح سؤال هام جداً وهو: ماذا على الآباء والأمهات أن يعلموا كي يعلِّموا أطفالهم مهارات الذكاء العاطفي؟

إنَّ الإجابة عن هذا السؤال وتعليم الأطفال مهارات الذكاء العاطفي تتطلب من الآباء والأمهات ممارسة خمس خطوات وهي:

الخطوة 1: كُن على دراية بمشاعر طفلك

إنَّ الآباء والامهات الذين يريدون أن يعلِّموا أطفالهم مهارات الذكاء العاطفي عليهم أولاً أن يدركوا مشاعرهم الخاصة، ويراعوا المشاعر الموجودة لدى أطفالهم، ويدركوا مشاعرهم الخاصة ويراعون المشاعر الموجودة لدى أطفالهم، فهُم لا يطلبون من الأطفال التعبير عن مشاعرهم من أجل أن يعترفوا بها أنَّها موجودة لديهم.

الخطوة 2: انظر إلى مشاعر الأطفال على أنَّها فرصة للتواصل والتدريس

على الوالدين اللذين يريدان أن يعلِّما أبناءَهما مهارات الذكاء العاطفي أن يعلَما أنَّ مشاعر الأطفال ليست إزعاجاً أو تحدياً؛ بل هي فرصة للتواصل مع الطفل وتدريبه من خلال معرفة شعوره والتعامل مع تلك المشاعر ومسبباتها.

الخطوة 3: استمع وتحقَّق من صحة المشاعر

امنَح طفلك اهتمامك الكامل في أثناء الاستماع إلى تعبيره العاطفي، وأَخبِره أنَّك تفهم ما يراه ويختبره.

الخطوة 4: ساعدهم على وصف عواطفهم

بعد الاستماع الكامل، ساعد طفلك على تطوير وعي ومفردات لتعبيره العاطفي.

الخطوة 5: ساعد طفلك على حل المشكلات بحدود

على الوالدين أن يعرفا أنَّ كل مشاعر الأطفال مقبولة، لكن ليست كل السلوكات مقبولة؛ لذا ساعِد طفلك على التعامل مع مشاعره من خلال تطوير مهارات حل المشكلات، وساعده على التعبير عن مشاعره بسلوكات صحيحة ومقبولة.

الخطوة 6: اصبر

على الوالدين أن يعرفا أنَّ خطوات تدريب الأطفال عاطفياً قد تحدث بسرعة في بعض الأحيان، وفي أوقات أخرى تستغرق هذه الخطوات وقتاً طويلاً، وعلى الوالدين أن يعرفا أنَّ الصبر هو مفتاح تعليم الأطفال مهارات الذكاء العاطفي.

إقرأ أيضاً: الذكاء العاطفي عند الأطفال: تعريفه، ومقوماته، وأهميته، وطرق تنميته

في الختام:

عليك أن تدرك عزيزي القارئ أنَّ تعلُّم مهارات الذكاء العاطفي لم يَعُد رفاهية أو إحدى المهارات الكمالية في الحياة؛ بل بات شيئاً أساسياً ومعياراً هاماً وضرورياً من أجل النجاح في مختلف جوانب الحياة وقطاعاتها، فدرجة التعليم الأكاديمي مثلاً تختلف بالنسبة إلى من يمتلك مهارات الذكاء العاطفي عن ذلك الذي لا يمتلكها، وفرصة الحصول على العمل تُعَدُّ كبيرة لمن يملك مهارات في الذكاء العاطفي مقارنة مع من ليست لديه تلك المهارات، وقدرة المرء على حل المشكلات تكون أكبر لدى من لديه مهارات في الذكاء العاطفي وفي عديد من جوانب الحياة الأخرى؛ لذا ما عليك الآن سوى الانطلاق وبقوة في رحلة تعلُّم مهارات الذكاء العاطفي لتحقيق النجاح والوصول إلى ما تريده من أهداف.

المصادر: 1، 2، 3

  1. كتاب الذكاء العاطفي لدانيل غولمان.
  2. كتاب الذكاء العاطفي 2.0 بقلم ترافيس برادبيري وجان جريفز وباتريك إم لينسيوني.



مقالات مرتبطة