3 أساليب تجعل بها حياتك أصعب مما يجب

تخيَّل وجود تفاحة طازجة ناضجة وغضة أمامك، ثمَّ تلتقطها وتتناول أول قضمة وتبدأ بتذوق طعمها، فإذا كان لديك تصوُّر مسبق عن طعم التفاحة؛ فإنَّك ستشعر بخيبة أمل وتبتلعها بلا رضى في حال لم يوافق طعمها توقعاتك.



أو ربَّما يكون طعم التفاحة كما توقعتها تماماً بلا شيء مميز على الإطلاق، وعندها ستتناولها من دون تخصيص بعض الوقت للاستمتاع والتلذُّذ بالنكهة، ثمَّ تمضي في يومك.

كانت التفاحة في السيناريو الأول مخيِّبة للآمال؛ لأنَّها لم ترقَ إلى مستوى توقعاتك، أمَّا في الثاني فكانت عادية وغير مثيرة للاهتمام؛ لأنَّها متوقَّعة؛ أي إمَّا أنَّها ليست جيدة أو ليست جيدة كفاية.

لكن ماذا لو تخلصت من توقعاتك بشأن الطعم الذي يجب أن تكون عليه التفاحة، وتظاهرت بأنَّك فعلاً لا تعرف طعمها وستجربها للمرة الأولى في حياتك؟ فأنت بذلك فضولي وحيادي ومنفتح لخيارات متعددة من النكهات، فتتذوقها باهتمام حقيقي، وتخصص وقتاً كافياً لملاحظة عصارتها وقشرها الخشن والنكهات الحامضة والمركزة والحلوة في وقت واحد وجميع الأحاسيس المركبة الأخرى التي تتولد في وعيك في أثناء عملية المضغ.

لم تكن تملك أدنى فكرة عن ماهية طعمها وهو جديد ومميز بالنسبة إليك؛ لأنَّك لم تتذوق هذه التفاحة من قبل.

يشير ممارسو اليقظة الذهنية لهذا التمرين بعقل المبتدئ؛ لكنَّه ليس سوى نتاج التمتع بعقلية خالية من أيِّ توقعات غير ضرورية.

يمكن الاستعاضة عن التفاحة بأي شيء في حياتك كحدث أو مهمة أو عملية تفاعل اجتماعي أو شخص أو وجبة أو فكرة تراودك في أيِّ مكان وأيِّ زمان، وإنَّ معاملة أيٍّ من هذه المسائل مع توقعات مسبقة لما يجب أن تكون عليه سيعود عليك بخيبة الأمل أو أنَّك ستجدها عادية وغير مثيرة للاهتمام أو جديرة بالتذكر.

ستنتقل إلى تجربة مخيبة للآمال أو مملَّة تالية لها وهكذا دواليك حتى ينتهي بك المطاف بعيش حياتك عالقاً في دوامة لا نهائية من الأمور التي بالكاد تحبها أو تلاحظها، في حين أنَّ معاملتك للحالات آنفة الذكر دون أيِّ توقعات مسبقة وتقبُّلك لها على ما هي عليه سيمكنك من تبيُّنها وتقديرها مثلما هي؛ ما يعني أنَّك ستجربها كأنَّها المرة الأولى في حياتك؛ فهذا هو فن جعل الحياة أسهل.

نستكشف فيما يأتي 3 من أكثر الطرائق الشائعة التي يستخدم فيها الناس التوقعات لجعل حياتهم أصعب ممَّا ينبغي أن تكون عليه:

1. التأجيل لتجنُّب المشكلات المتوقعة:

قد يقوم المرء بتأجيل مشروع ضخم في العمل بسبب خوفه من القيام به؛ لأنَّه شاق ومرهِق ويتطلب كثيراً من العمل الجاد، وتنذره توقعاته بأنَّه سيضطر إلى معاملة كثير من المسائل التي لا يتقنها، ناهيك عن الأخطاء والفشل والمزيد من المتاعب؛ لكنَّ توقعاتك هي التي تثير المتاعب، ومن ثمَّ عليك الابتعاد عنها والتسليم بأنَّك لا تملك أدنى فكرة عن كيفية سير المشروع؛ وإنَّما ستخوضه بعقلية منفتحة وتراقب ما سيحدث وتتعلم من التجربة بصرف النظر عن النتائج.

لن يجلب لك تجنُّب خوض تجارب الحياة السلام؛ بل عليك التماشي والتماهي معها ومع طريقة سيرها ومعاملة جميع المهام والتجارب بوصفها تحديات للنمو والتقدم؛ فإمَّا أن تنال مرادك أو أن تأخذ فكرة عن خطوتك التالية، وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ إيجاد السلام في الحياة لا يعني غياب التحديات والعمل الشاق؛ بل أن تكون وسط هذه الظروف وتحافظ على الهدوء في قلبك وعقلك.

شاهد بالفديو: 8 طرق لتتخلّص من التأجيل وتبدأ بتحقيق أحلامك الآن

2. الاستسلام بمجرد إدراك أنَّ الأمر أصعب ممَّا كان متوقعاً:

لا تتحقق الأمور العظيمة في الحياة بسهولة؛ بل إنَّها تقتضي خوض بعض الصعوبات، ويؤدي تجاهل هذه الحقيقة إلى المزيد من الصعوبة، وأنت تعرف في أعماقك أنَّ هذا صحيح، ومع ذلك تبدأ مسعاك متوقعاً نتيجة مذهلة، وأن تنجزه بسهولة، وعندما يتبين أنَّه أصعب ممَّا توقعت وأنَّك أقل نجاحاً في إنجازه ستكون خائب الأمل ومحبطاً، وعندها تفقد حماستك وتستسلم.

لنناقش الآن فكرة التخلي عن التصور المسبق للطريقة التي سيسير نشاطك وفقها، وأن تكون منفتحاً لكل ما يطرأ؛ أي أن تباشر العمل دون القلق بشأن النتائج ومعاملة الأمور كلها لحظة حدوثها، وعندها ستتعلم ما تحتاج معرفته بصرف النظر عن كيفية سير الأمور في المحاولة الأولى.

خلاصة الأمر: لا توجد طرائق مختصرة لتحقيق هدف عظيم في الحياة؛ لأنَّ الواقع سيكشف عن خفاياه ومشكلاته دائماً، والحقيقة الكامنة خلف قدرة الناس العاديين على تحقيق السعادة العارمة والإنجازات والنجاحات المميزة تتمثل في تجاوزهم لمنطقة راحتهم والقيام بالأعمال الشاقة التي لا يملك منافسوهم الأكثر ثقافة وثراء وكفاءةً الشجاعة أو التصميم أو الرغبة اللازمة للقيام بها.

أي من مصلحتك التوقف عن توقع سير الأمور بسهولة، وهذه العقلية كفيلة بجعلك تدرك تميزك وسرعة نمو نجاحاتك.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح للخروج من منطقة الراحة الخاصة بك

3. الاستياء عندما لا يتصرف الناس بالطريقة التي تتوقعها:

مثلاً قد يُفقدك زميلك في العمل صوابك؛ لأنَّه لا يقوم بعمله كما ينبغي، أو أنَّه لا يراعي مشاعر الآخرين، فينجم غضبك عن توقع الطريقة التي "يجب" أن يتصرف وفقها؛ لكنَّه لا يتصرف وفق النموذج المثالي الكامن في عقلك؛ ما يسبب لك المعاناة.

عليك ألا تتوقع من الناس الارتقاء إلى مستوى تطلعاتك؛ وإنَّما اكتفِ بتقبُّلهم، ولا يعني تقبُّل الناس على طبيعتهم ألَّا تفعل شيئاً حيال الأمر؛ إذ يمكنك التوقف عن الغضب ومراقبة كيفية مواجهتهم للصعوبات واستخدامها فرصة لتعليمهم أو مساعدتهم أو إرشادهم نحو اتخاذ الخطوة المنطقية التالية، وذلك دون توقع تقبلهم لذلك أو إعجابهم به أو اتباع نصائحك؛ بل ساهم فقط بنيَّة المبادرة والمساعدة دوماً.

ينطبق الأمر نفسه كذلك عندما يتصرف أطفالك على نحو سيِّئٍ ويخرجون عن التوقعات المثالية في رأسك؛ فما من طفل ولا إنسان بالغ ولا حتى أنت قادر على التصرف بمثالية؛ فعند التعب مثلاً يميل المرء للتصرف بفظاظة وحدَّة، أو تراه يجاهد لإظهار البهجة واللطف كحال الجميع، ويواجه أطفالك صعوبات، وعليك أن تعطف عليهم وتساعدهم وتتخلى عن توقعاتك بأن يتصرفوا بمثالية وتتقبل سعيهم وراء السعادة كما تفعل أنت.

من الصعب الاعتراف بأنَّ معظم مشكلاتنا مع الآخرين لا تتعلق بهم؛ وإنَّما نحن ابتكرناها لا شعورياً في عقولنا عندما مسَّ أحدهم مخاوفنا أو انعدم الأمان لدينا أو أنَّه ببساطة لم يقم بأمر توقعناه منه؛ أي إنَّ هذا النوع من المشكلات لا يتعلق بالآخرين؛ وإنَّما بنا.

تُعَدُّ هذه المعضلات الصغيرة سهلة الحل لأنَّنا مسؤولون عن قرارتنا، ويتعين علينا الاختيار بين إمَّا تشويش أذهاننا بتوقعات تزيد من توترنا، أو الانفتاح على الوقائع الإيجابية التي تتكشف أمامنا مع مرور الوقت، وكل ما نحتاج إليه هو الاستعداد للنظر إلى الأمور بطريقة مختلفة، والاستعاضة عن التوقعات في عقولنا بالانفتاح وتقبُّل الحياة ولحظاتها الطارئة والآخرين وفق طبيعتهم الحقيقية.

إقرأ أيضاً: حرر عقلك من الرغبة في التحكم بتصرفات الآخرين

في الختام:

إنَّ الحياة أقصر من أن تمضيها في صراع مع ذاتك؛ إذ تنجم أقسى خيبات الأمل في حياتنا من التوقعات الخاطئة، وإنَّ أولى خطوات تحقيق السعادة تكمن في التحرر من التوقعات غير الضرورية.

لا يُعَدُّ إتقان جعل الحياة أسهل بسيطاً كما تتوقعه أو تتخيله؛ بل إنَّه يتطلب الممارسة والوعي لمثل هذه التوقعات المثالية والخيالات المؤذية، كما يعني أن تعدَّ المضايقات والغضب والحزن والقلق وتقلبات المزاج علامات على توقعات لم تدرك وجودها، ومن ثمَّ تلاحظها وتستغني عنها.

يتطلب الأمر كثيراً من التدريب، وهنا تكمن المتعة؛ لذا لا تتوقع أن تتقن الأمر بمثالية؛ وإنَّما اكتفِ بتجربته حتى تتعلم من التجربة وتتطور تدريجياً، يجب عد كل لحظة في حياتك معجزة تجدر ملاحظتها وتقديرها والتمتع بها.




مقالات مرتبطة