ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدونة "تشيرل سميث" (Cheryl Smith)، والتي تُحدِّثُنا فيه عن تجربتها في التكيُّف مع صعوبات الحياة.
تأتينا مَصائب الحياة من حيث لا ندري؛ مما يزلزل روتيننا ويفقدنا القدرة على التنبؤ بسير الأمور، فلا يسعُنا سوى تقبُّلها؛ وذلك لأنَّنا لا نستطيع تغييرها؛ حيث يموت أحباؤنا ويتركوننا برحيلهم في حالة صدمة وحزن، أو نُصاب بمرض يعرقل أفضل ما وضعناه من خطط، أو تتعطل سياراتنا أو أجهزتنا؛ مما يفرض علينا تكاليف إصلاح واستبدال باهظة الثمن، أو نفقد وظائفنا بسبب التسريح أو الاستعانة بمصادر خارجية أو لأسباب أخرى خارج نطاق سيطرتنا وقراراتنا، كما يمكن أن تنتهي علاقاتنا مع الآخرين بغض النظر عن مقدار عدم رغبتنا في ذلك؛ فهكذا هي الحياة.
يقول الشاعر الأميركي "هنري وادزورث لونجفيلو" (Henry Wadsworth Longfellow): "في كل حياة يجب أن تواجه بعض المطبات"، إلَّا أنَّ الحياة أحياناً قد تُلقي في طريقنا أكثر من مجرد مطبات، ولا أحد منا لديه القوة للتحكم بها.
بما أنَّ لا حيلة لنا بهذه الأمور، فإنَّ الأهم هو كيف نختار أن نستجيب لها عند حدوثها؛ لذا إليك فيما يلي بعض الأمور التي يجب مراعاتها عندما تعصف بك الحياة، وتجد نفسك لا حول لك ولا قوة:
1. قبول الأمر الواقع:
لا تبالغ في تعقيد ما هو واضح، فعلى الرغم من أنَّنا نفضِّل التظاهر بأنَّ الوضع ليس بعصيب، إلَّا أنَّ ذلك لن يغير الحقيقة أبداً؛ فعندما نقبل بالأمر الواقع بكل جوارحنا وعقولنا، سننعم بالسلام الداخلي على الرغم من الظروف الخارجية؛ حيث يحررنا القبول من الصراع الداخلي، ويؤدي بنا إلى عيش حياة بسيطة.
2. قبول القيود:
لن يخلِّصنا قبول حقيقة أنَّ ما يحدث يفوق قدرتنا على إصلاحه من الألم، ولكنَّه سيخفف ويزيل شعورنا غير الضروري بالمسؤولية؛ فأحياناً لا يمكننا تغيير أو إصلاح بعض الأمور، ومع ذلك، قد نكتشف أنَّه لم يكن من المفترض أن نفعل ذلك أبداً؛ إذ تُحرِّرنا هذه الحقيقة من بعض أعبائنا.
3. القناعة:
عليك أن تؤمن بأنَّ الأمور في النهاية ستسير في نصابها الصحيح؛ وذلك لأنَّ هناك خيراً في كل شر ولا أحد يعرف تفاصيله إلَّا الله؛ لذا لا تحاول نبش الماضي، فهو انتهى لأسباب لا يمكنك رؤيتها؛ بل امضِ قدماً وثِق بأنَّ كل شيء سيصبُّ في مصلحتك في نهاية المطاف، وأنَّ التغييرات كان لا بُدَّ منها؛ لذا لا تقاومها؛ بل ثِق بأنَّ الأمور تحدث تماماً كما ينبغي أن تكون.
في بداية زواجنا تبنَّيتُ أنا وزوجي جَروَين؛ فقد كانا رائعَين للغاية، ولكنَّهما كانا يُخبِّئان الكثير من العناد وراء ذلك الجمال؛ إذ إنَّنا قد واجهنا صعوبة في ترويض طبيعتهما المفعمة بالحيوية؛ لذلك اتَّخذنا قراراً بتسجيلهما في دورة لتدريبهما على إطاعتنا، فقد تعلَّمنا تمريناً كان أداة ناجحة للغاية لترويض كلبينا؛ حيث كان علينا أن نحمل الجروَين واحداً تلو الآخر في راحة أيدينا، ونجبرهما على الاستلقاء على ظهريهما، فقد ارتبكا للغاية وبدأا بالتلوي والتذمر كمحاولة منهما لاكتشاف طريقة للهروب من قبضتنا.
أصرَّ المدرب على ألَّا نستسلم؛ بل نُثبِّتهما في أثناء التحدث إليهما بنبرة آمرة ولكن لطيفة، ففي المرة الأولى التي حاولنا فيها ذلك، كان ضبطهما مُرهِقاً للغاية بالنسبة إلينا وإلى الجروَين، أما في المرة التالية أصبح الأمر أسهل قليلاً؛ حيث لم يتذكرا رفضَنا السماح لهما بأن يتصرفا على هواهما فحسب؛ بل الأهم من ذلك أنَّهما تذكرا أنَّنا لم ندعهما يسقطان، ومع مرور الوقت وعبر التدريب المستمر، انخفضت مقاومة الجروَين أكثر، وازدادت ثقتهما بنا.
خلال فترة التدريب هذه واجهنا العديد من المواقف المحزنة؛ حيث توفي شقيق زوجي البالغ من العمر 40 عاماً بشكل غير متوقع، ثم أُصيب والدي الذي كان يعيش بالقرب منا بمرض خطير ودخل المستشفى في الوقت نفسه الذي شَخَّصت فيه والدة زوجي إصابتها بمرض السرطان، وغمرت ضغوط العمل وغيرها من المصاعب حياتنا؛ فقد كان ارتباكُنا لا يوصَف.
بدأنا رؤية التغيير في جروَينا وعدم جدوى مقاومتهما الشديدة للقوة التي كانت تفوق قدراتهما، ففي النهاية كنا نحن المسيطرَين، وعندما شعرا بالأمان في أيدينا، بدأا يتعلمان أنَّ العناد لن يغير النتيجة، ويمكنهما التحرُّر من مخاوفهما طالما أنَّهما يعلمان أنَّنا لن ندعهما يسقطان.
بدأنا ندرك أنَّ الدروس التي تعلماها كلبانا كانت مفيدة لنا أيضاً؛ فعلى الرغم من أنَّنا كنَّا نشعر بالضيق معظم الوقت خلال تلك الفترة التي عانينا منها من تجارب قاسية، إلَّا أنَّنا توصَّلنا إلى رؤية مفادها أنَّ مقاومة ما كان من المفترض أن يحدث يجعل الأمور أكثر صعوبة.
يمكن اكتساب الثقة عبر الممارسة؛ فمع كل موقف نجونا منه، انخفضت رغبتنا في المقاومة وازدادت ثقتنا بأنَّنا سنكون بخير على الرغم من كل شيء، لقد مررنا بالكثير من الظروف العصيبة؛ حيث غرس كل منها شعوراً أعمق بالثقة داخلنا، ولقد عوضنا الله بعدها ورزقنا بطفل جميل يملأ حياتنا ومنزلنا بفرح لا يوصَف.
ما زلنا نتعلم كل يوم؛ فأنا لا أقول بأنَّنا لا نواجه صعوبات أبداً؛ بل تعلمنا مقاومة ما ليس لنا حيلة به أكثر على مدار سنوات زواجنا، فقد ساهم تعلُّم التكيُّف مع صعوبات الحياة - بدلاً من التذمر منها - في إنشاء الحياة البسيطة التي نعيشها ونعتز بها الآن.
أضف تعليقاً