لقد تُهنا عن أنفسنا، ولم نعد نعرف كيف نُحدد ما هي أهدافنا، وانتابنا عدم الرضا عن طريقة تعاملنا مع الحياة، وإن أردنا أن نفتح صفحة جديدة ونُعيد تقييم وترتيب كُل شيء في حيواتنا، ونبدأ بداية جديدة، فالحل هو السفر؛ أي السفر لفترات طويلة والانتقال للعيش في الخارج، وليس الرحلات القصيرة بغرض السياحة والاستمتاع بالشواطئ والمنتجعات.
مفهوم السفر:
هو الانتقال من مكان إلى آخر من أجل غاية معينة، كالدراسة، والعمل، والإعجاب بنمط الحياة في مجتمعات أخرى.
إنَّ السفر نشاط إنساني مارسه الإنسان منذ وجوده على الأرض، وإلى وقتنا الحاضر؛ وهو تجربة مثيرة ومُلهمة، ونحن اليوم محظوظون لأنَّ السفر أصبح يسيراً جداً، من ناحية السرعة والتكاليف مقارنةً بما سبق.
لماذا يُعدُّ السفر والعيش في مكان آخر أمراً مفيداً؟
للسفر والانتقال للإقامة في أماكن مختلفة لفترات طويلة تأثيرٌ كبيرٌ في حيواتنا، وفوائد كثيرة في مختلف الأصعدة نذكر منها:
1. تعميق فهمنا للحياة:
يضعنا السفر في تجارب متنوعة، ويجعلنا نحتك مع ثقافات واعتقادات مختلفة، ويُزودنا بمعلومات وأفكار جديدة تغير أفكارنا النمطية التي كنا قد كوناها كأحكام مُسبقة بناءً على قصص سمعناها دون أن نخبَرها، مما يجعل نظرتنا للحياة أعمق.
والسفر يُلوِّن وجهة نظرنا تجاه أمور كثيرة، ويجعلنا أكثر مرونة في تقبل الآخر واختلافه، وأكثر لطفاً في إطلاق الأحكام على الآخر.
2. يزيد من فهمنا لأنفسنا:
في أثناء حياتنا في الخارج، نُقارن بين قيمنا والقيم لدى الشعوب الأخرى، وبين ردات فعلنا وردات فعلهم تجاه مواقف معينة؛ وعندها سوف نعرف ونفهم أنفسنا أكثر، ويعزِّز السفر المرونة الإدراكية في دماغنا، وهو مصطلح يُشير به علماء النفس إلى القدرة على التنقل بين الأفكار، وتغيير الطريقة التي اعتدنا على رؤية الأشياء من خلالها.
3. نصبح أكثر ابداعاً:
يتمتع اليوم أغلب الناس بشهادات علمية ومهارات متنوعة، مما يخلق منافسة كبيرة في سوق العمل، ويجعل من الإبداع مهارة أساسية ومطلوبة، تزيد من فُرصتنا في الحصول على عمل، وهذا ما يمنحنا إياه السفر؛ إذ بينت دراسة أُجريت في سنغافورة وهولندا أنَّ الأشخاص الأكثر سفراً، يتمتعون بمهارات أفضل لحل المشاكل بطرق مبتكرة.
أُجريت دراسة نُشرت عام 2014 في نشرة أكاديمية الإدارة الأمريكية، شملت عينة من 270 رئيساً لدور أزياء مشهورة، وتابعتهم لمدة 11 عاماً، فوجدت الدراسة أنَّ الرؤساء الذين انتقلوا إلى بلاد جديدة، وأطالُوا المكوث فيها، كانت تصميمات أزيائهم أكثر إبداعاً من غيرهم.
4. يزيد من الثقة بالآخر:
تضعنا الغربة في تحديات كثيرة ومواقف نحتاج فيها للتعامل مع غرباء والثقة فيهم، وهذا أمر أثبتته دراسات أجريت في الولايات المتحدة والصين، إنَّ السفر يُعزز ايماننا بالثقة بالناس أكثر، ويرسخ شعورنا بأنَّنا نُشارك العالم مع غيرنا.
5. نصبح أكثر مرونة في المواقف الصعبة:
بمجرد وصولنا إلى المطار، نجد أنفسنا في موقف صعب؛ إذ لا نعرف اللغة المحلية للبلد الذي أصبحنا فيه، ولا نعرف إلى أين نذهب وفي أي اتجاه، من هنا يبدأ الاعتماد على النفس، والمرونة في حل المشاكل.
6. التعرف إلى حضارات أخرى:
من أمتع الأمور التي يُتيحها لنا السفر؛ إذ نتعرف إلى حضارات وثقافات، وعادات وتقاليد لم يسبق لنا أن شاهدناها، يوسع هذا الاختلاف آفاقنا، ونتبادل المعرفة فيما بيننا وبينهم.
7. الشعور بالحرية:
عندما تجد نفسك تعيش في بلدٍ غريب لا تعرف فيه أحد، وليس لأحد سلطة عليك أو حق التدخل في أمورك، تشعر بأنَّك حر تستطيع أن تفعل ما تشاء، وتتخذ قراراتك باستقلالية وبحرية دون أي قيود أو ضغوط.
8. صداقات جديدة:
من أجمل ما يحدث في الغربة، هي تلك الصداقات الجميلة التي يبنيها الإنسان مع أناس جدد قد يكونوا من سكان البلد الأصليين أو من المهاجرين مثله من بلدان أخرى، حيث تكون مثل هذه الصداقات مليئة بالمتعة؛ لأنَّنا نتعرف فيها إلى أناس جدد ومُختلفين عنا في كل شيء، في اللغة والعادات والتقاليد والطعام من مختلف مطابخ العالم.
9. تعلم لغات جديدة:
سنكون عندما نُسافر مضطرين إلى تعلم لغة البلد التي نعيش فيها للتواصل مع الناس فيه، وكلما سافرنا بين البلدان تعلمنا لغات أكثر، وهذا أمر في غاية الروعة؛ لأنَّك بتعلم لغة البلد؛ فأنت اطلعت على ثقافة شعب جديدة.
شاهد بالفيديو: 6 نصائح لتعلّم اللغات الجديدة بشكل سريع
10. أكثر ذكاء:
عندما ننتقل للعيش في مجتمعات جديدة، يُجبرُنا ذلك على تحريك مناطق مختلفة في الدماغ للتعامل مع بيئات وأمور جديدة نكتشفها، فتعلم لغة جديدة من الأمور التي تحسن الذكاء وقدرات العقل، فضلاً عن أنَّ الحياة الجديدة التي تكون مليئة بأحداث ومواقف اجتماعية ومهنية جديدة، وكل ما هو جديد من ( أصوات، ووجوه، وروائح، ولغات، ومشاعر، ونكهات، ومشاهد)، فتزداد خبرتنا ومُحاكمتنا العقلية.
11. الصبر:
يجعلُنا السفر أكثر صبراً، فنحن في مجتمع جديد مختلف عنا كُلياً، لذا لن نجد الأمور كما اعتدنا عليها في حيواتنا السابقة، وكل شيء مختلف بدءاً من الطقس واللغة، والنظام، والعادات، وطبيعة العلاقات، ونظام السير، والطعام؛ وحينها سنتعلم الصبر لنتكيف مع كل هذا الاختلاف.
12. تحسين الصحة الجسدية:
أظهرت العديد من الدراسات التي أجرتها اللجنة العالمية للشيخوخة، أنَّ النساء االلواتي يُسافرن مرتين على الأقل سنوياً، تقل نسبة إصابتهن بالنوبة القلبية، مقارنةً بالنساء اللواتي يُسافرن كل 6 سنوات مثلاً، وكذلك الرجال؛ إذ يزداد خطر إصابة الرجال الذين لا يُسافرون بأمراض ومشاكل القلب، بنسبة 30% عن غيرهم من الرجال.
13. تبلور الأهداف:
قد نعيش بعض الضياع في حيواتنا، أو لا نعرف ما نريد فعله في حيواتنا، أو في وظيفتنا أو في تخصصنا الدراسي، وعندها يفتح السفر مداركنا، ويوسع نظرتنا للحياة، ويضع أمامنا خيارات كثيرة نستطيع أن نختار ما نحلم به وما يُناسب طموحاتنا.
14. الاعتماد على النفس:
من أكثر فوائد الغربة على الإطلاق أنَّك أصبحت وحدك من لحظة نزولك في المطار، لتُواجه العالم الجديد وحدك؛ وحينها ستتعلم كيفية إعالة نفسك بنفسك، والتعامل مع المواقف الصعبة، والاعتماد على نفسك في كل شيء بدءاً من أعباء البيت، وصولاً إلى باقي أمور الحياة.
15. الخروج من منطقة الراحة:
منطقة الراحة هي حالة سلوكية يمارسها الشخص بلا توتر أو خطر؛ لأنَّه اعتاد على ممارستها ضمن إطار روتيني مُحدد، ينتج عن هذا الروتين تكيف ذهني يُعطي الشخص شعوراً غير واقعي بالأمان، وفي نفس الوقت يحد من قدرته على التقدم والإبداع، (المصدر ويكيبيديا).
لذلك عندما نُسافر؛ فنحن تمكنا من الخروج من منطقة الراحة، فأفضل المعارف والخبرات تُكتسب عند الخروج من منطقة الراحة.
شاهد بالفيديو: 20 طريقة بسيطة للخروج من منطقة راحتك
16. نعرف كيف نتعامل مع مخاوفنا:
لا نستطيع إنكار أنَّ السفر تجربة تنطوي على بعض الخوف والمغامرة، عندما نتخذ قراراً بالسفر؛ فنحن حتماً تمكنا من تجاوز مخاوفنا، وتعلمنا السيطرة عليها وألا ندع الخوف يُعيقنا من أي قرار تغيير في حياتنا.
17. تطوير الذات:
عندما نعيش في الغربة وحدنا، ونكون في مواجهة دائمة مع أنفسنا كل يوم؛ نخوض تجارب جديدة، وعلاقات جديدة؛ وتطوير الذات يأتي من التجارب والثقافات الجديدة.
18. صقل الشخصية:
تتغير شخصية الإنسان كثيراً في السفر والعيش في الغربة، وتُنمِّيها التجارب والتعامل مع مختلف الجنسيات والطباع والتكيف مع نمط حياة مختلف، كل هذا يصقل الشخصية بل حتى قد يجعل منها شخصية جديدة تماماً.
19. اكتشاف المواهب:
كثير منا من لديه موهبة في مجال ما، ولكن بيئته والعادات والتقاليد فيها، لم تُساعده على اكتشافها، فما إن نسافر ونخبر مجالات كثيرة، سرعان ما قد تلمع موهبة لدينا في مجال ما لم نكن نعرف بوجودها.
20. اكتساب مهارة التفاوض:
يُكسبنا السفر هذا المهارة لأنَّنا مضطرون إلى التفاوض والتواصل مع أشخاص مختلفين عنا، إذ بينت إحدى الدراسات التي أُجريت على طلاب "ماجستير إدارة أعمال" في كلية كيلوغ للإدارة في جامعة نورث وسترن؛ أنَّ الطلاب الذين درسوا في بلد غير بلدهم الأم، قد أبدوا قدرة أكبر على الابتكار والتوصل إلى اتفاق يُرضي الطرفين، وذلك عند ممارستهم دور البائع والمشتري في محطة بيع الوقود في حوار تفاوضي وهمي.
21. شغف التعلم:
أغلب من يُسافر ويعيش في دولة أخرى، خاصة الدول المتقدمة منها التي تشتهر بنظام تعليمها، نجده في حالة حب وشغف للتعلم وتحصيل الشهادات، فنجد من يُسافرون يكملون تعليمهم هناك، ويعملون في نفس الوقت.
22. التعاطف والتسامح:
يقول الكاتب الأمريكي المشهور "مارك توين": "إنَّ السفر يقضي على كل ما فينا من تحامل وغرور وتعصب وضيق أفق".
يجمعُنا السفر بأشخاص آخرين بمواقف مختلفة، ويُعرفنا إلى قصصهم ومعاناتهم، والشعور بآلامهم، وإلى الأمور الإيجابية والخصال المُحببة التي لديهم، مما يُعزز قدرتنا على التعاطف معهم.
23. ذكريات لطول العمر:
تمتلئ حيواتنا بالعيش في الخارج بالأحداث والحكايا واللحظات السعيدة وزيارة المعالم والأماكن الأثرية، ليكون لدينا مخزوناً من الذكريات الجميلة مدى حياتنا.
شاهد بالفيديو: 7 تغييرات إيجابية يحدثها السفر في حياتك
في الختام، السفر لبداية جديدة:
تقول الأديبة الأمريكية الشهيرة هيلين كيلر: "الحياة إما مغامرة جريئة أو لا شيء".
"بعد عشرين عاماً من الآن، سوف تشعر بخيبة أمل أكبر حول الأشياء التي لم تفعلها، حتى تتخلص من هذا؛ يجب عليك أن تُبحر بعيداً عن الملاذ الآمن".
في النهاية يجب عليك أن تعرف أنَّك عندما تُسافر، لن تكون الشخص الذي كنته قبل السفر، بل سترجع شخصاً جديداً مليئاً بالمعارف والتجارب والأفكار الجديدة.
من أجمل ما في السفر أنَّه يجعلنا نُفكر خارج الصندوق، وحيث وُجد التفكير خارج الصندوق، وُجد الإبداع!
أضف تعليقاً