21 اقتباساً لتطوير الذات

يستمر الإنسان طوال المدة التي يظلُّ فيها حياً في جمع الحِكَم البسيطة التي تعلِّمه كيف يجب عليه أن يحيا حياته؛ إذ نَجِدُ الحِكَم منذ القِدَم منحوتةً على صخور "معبد أبولو"، ومحفورةً على هيئة صور على جدران مدينة بومبي؛ ونراها في مسرحيات شكسبير، وكتابات هوارد فيليبس لافكرافت (H. P. Lovecraft)، والأمثال اليونانية واللاتينية التي جمعها إراسموس، وعلى عوارض السقف في برج الكاتب ميشيل دي مونتين (Michel de Montaigne)؛ ونحفَظها اليوم في الهواتف الذكية وتطبيقات تدوين الملاحظات.



لكنَّ أيَّاً كان الجيل الذي كتب هذه الحِكَم، سواءً كتبها نَسَّاخون من الصين، أم أشخاصٌ من عامة الشعب في زنازين أوروبا، أم رواها جَدٌّ لطيف؛ فقد علَّمتنا دروساً هامَّة في الحياة، منها: التعامل مع المِحَن، والتفكير في المال، والتأمُّل في الموت، والتحلي بالشجاعة؛ وقد جمعوا كلَّ تلك الحكم ببضع كلمات.

سَأَلَ "كوليريدج" مرة: "ما الحِكَم؟"، فرَدَّ أحدهم عليه: "إنَّها الكمال المُختزَل، جَسَدُهَا الاختصار، وروحها الفطنة"؛ وربَّما هي ما كان تشرشل يقصده حينما قال: "التحسُّن هو التغيير، وأن تكون مثالياً يعني أن تتغير دائماً"؛ أو ما قاله بالزاك: "تعتمد كلُّ سعادةٍ على الشجاعة والعمل".

نعم، يمكن أن تكون الحِكَم مُضحكةً في كثيرٍ من الأحيان؛ لذلك تبقى محفورةً في ذواكرنا. يقول نابليون: "لا تقاطع أبداً عدوَّاً يرتكب الأخطاء"، ويقول فرانسوا دو لاروشفوكو (François de La Rochefoucauld): "من الصعب أن نجد أيّ شخصٍ يتمتع بالفطنة ما عدا أولئك الذين يتفقون معنا".

فيما يأتي بعض الحِكَم التي قيلَت على مدار 21 قرناً، وعبرت ثلاث قارات لتصل إلينا، والتي تستحق كلُّ واحدةٍ منها أن تبقى محفورةً في الذاكرة، وأن ندَّخرها في عقولنا للحظات الحياة التي نضطر فيها إلى الاختيار، أو إلى استعمالها في لحظةٍ مناسبةٍ في إحدى حواراتنا.

تتغيَّر هذه الحِكَم وتتطوَّر مع تطور المرء، إذ يقول الفيلسوف اليوناني "هيراقليطس": "لا يوجد شخصٌ يضع قدمه في النهر نفسه مرتين"؛ لكنَّها مع ذلك، تبقى قويةً وثابتةً مهما حاولتَ تجنُّبها في يومٍ من الأيام، وتعلِّمك كلُّ واحدةٍ منها كيف تصبح شخصاً أفضل، إذا سمحت لها بذلك:

1. "لابُدَّ لنا جميعاً من أن نَبلى أو نتآكل، وأنا أختار الأولى" - ثيودور روزفيلت (Theodore Roosevelt):

ثيودور روزفيلت (Theodore Roosevelt)

تَوقَّع قليلون أنَّ ثمَّة خيارات متاحة أمام "ثيودور روزفيلت" في بداية حياته، إذ كان روزفيلت عَليلاً وضعيفاً ومُدلَّلاً لدى والديه اللذين كانا يقلقان عليه كثيراً.

لقد أوقدت محادثةٌ جرَت بينه وبين والده الحماسة في نفسه إلى حدّ الجنون تقريباً، ودفعته إلى اتِّخاذ وجهةٍ أخرى؛ وحينما قيلَ له أنَّه لن يمضي بعيداً في هذا العالم بعقله المتألق وجسده الضعيف، قال: "سأصنع جسدي بنفسي".

كانت التجارب التي خاضها بعد ذلك مزيجاً من الملاكمة، والتنزُّه، وركوب الخيل، وصيد البَر، وصيد السمك، والسباحة، ومحاربة الأعداء، ومسيرة مهنيَّة مرهقة كان فيها واحداً من أكثر الرؤساء عطاءً ونيلاً للاحترام في تاريخ الولايات المتحدة.

لقد تنبَّأت هذه الحِكمة بما سيحدث مع روزفيلت كذلك، إذ حينما بلغ عمره الـ 54 عاماً، بدأت حالة جسده بالتدهور، وبقيَت رصاصةٌ عالقةً في جسمه على إثر محاولة اغتيال تعرَّض إليها، والتي عجَّلَت من إصابته بالتهاب المفاصل الروماتوئيدي؛ كما أُصِيب خلال البعثة المشهورة التي سُمِّيَت باسم "نهر الشك" (River of Doubt) بمرضٍ مداري، وكاد يموت تقريباً بسبب السموم التي حملها المرض إلى قدمه؛ وأُصيب حينما عاد إلى الولايات المتحدة بالتهاب بلعومٍ حاد، وتبيَّن بعد ذلك أنَّه مُصاب بالروماتزم الالتهابي، ممَّا جعله أسير الكرسي المُتحرِّك مؤقَّتاً؛ ثمَّ تُوفِّيَ في سن الـ 60.

لا يوجد إنسانٌ على سطح الكوكب بلغ من العمر 60 عاماً يمكن أن يقول أنَّه لم يَعِش من العمر ما يكفي خلال هذه الأعوام، وأنَّه لم يُبلي عمره بشكلٍ جيد، ولم يَعِش حياته على أتمِّ وجه.

2. "ليس الذي يحدث هو الهامّ؛ فالهامُّ هو طريقة تعاملك مع ما يحدث" - إبكتيتوس (Epictetus):

إبكتيتوس (Epictetus)

ثمَّة قصَّةٌ تحكي عن أبٍ مدمنٍ على الكحول وابنيه، حيث حذا أحد الابنين حذوَ أبيه، وأمضى حياته يعاني الإدمانَ على الكحول؛ بينما أصبح الابن الآخر رجل أعمالٍ ناجحاً ووقوراً.

سُئِل كِلاهما: "لماذا سَلَكتَ الطريق الذي سَلَكتَه؟"، فأجابا الإجابة نفسها: "لأنَّ أبي كان مُدمِن كحول"؛ فرغم أنَّهما خاضا التجربة نفسها، وعاشا الطفولة نفسها، إلَّا أنَّ النتيجتَين كانتا مختلفتين؛ وينطبق هذا على جميع المواقف تقريباً، إذ يُعَدُّ الموقف بحدّ ذاته حقيقةً موضوعية، لكنَّ طريقة تعاملنا معه خيارنا الشخصي.

يقول الرِواقيُّون -المؤمنون بمذهبٍ فلسفيٍّ يُدعَى "الرواقية"، وإبكتيتوس واحدٌ منهم- أنَّنا لا نتحكم بالأحداث التي تصيبنا، وأنَّ كلّ ما نتحكم به هو أفكارنا وردود أفعالنا تجاه تلك الأحداث.

تذكَّر أنَّ الذي يحدد شكل شخصيتك في هذه الحياة ليس الحظ الجيد أو السيء، بل تعاملك مع تلك المواقف؛ لذا لا تدع أيَّ أحدٍ يخبرك عكس ذلك.

إقرأ أيضاً: أقوال وحكم تساعدك على تجاوز الأوقات الصعبة

3. "أفضل انتقام هو ألا تكون مثل من جارَ عليك" - ماركوس أوريليوس (Marcus Aurelius):

ماركوس أوريليوس (Marcus Aurelius)

تقول إحدى الحِكَم التي تتحدث عن الانتقام: "احفر قبرين قبل المضيِّ في رحلة الانتقام"؛ ذلك لأنَّ الانتقام مُكلِفٌ إلى هذا الحد، ولأنَّ السعي خلفه يلقي عبئاً ثقيلاً غالباً على الراغبين فيه؛ لكن تُعَدُّ نصيحة ماركوس أسهل وأصدق: "كم ستُحِسُّ بالارتياح إذا تسامحت وتركت الآثمين لآثامهم؟".

بحسب ما نعلم كان ماركوس أوريليوس وفيَّاً لنصيحته، إذ حينما تمرَّد أفيديوس كاسيوس -أحد جنرالاته الموثوقين- وأعلن نفسه إمبراطوراً، لم يسعَ ماركوس إلى الثأر منه، بل رأى أنَّ هذه فرصةٌ ليُريَ الرومانيين ومجلس الشيوخ الروماني كيف يتعاملون مع الصراعات الأهلية بطريقةٍ تعكس العطف والتسامح؛ ويُقال أنَّ ماركوس بكى حينما اغتِيلَ كاسيوس.

يُعَدُّ هذا مختلفاً جدَّاً عن الفكرة التي تقول إنَّ "العيش بسعادة هو الانتقام الأمثل"، فالمسألة ليس لها علاقة بإحراج الآخرين أو التباهي بنجاحك أمامهم؛ إذ إنَّ الشخص الذي أساء بحقك ليس سعيداً ولا يستمتع بحياته، فلا تصبح مثله، ووجِّه حياتك عكسه.

4. "الخير موجودٌ في كلّ شيءٍ، فقط إذا بحثنا عنه" - لورا إنغالز وايلدر (Laura Ingalls Wilder):

لورا إنغالز وايلدر (Laura Ingalls Wilder)

طبَّقَت "لورا إنغالز وايلدر" -مؤلِّفة سلسلة كتب "المنزل الصغير" (Little House)- هذه الفكرة، إذ واجهت بعضاً من أقسى الظروف البغيضة التي يمكن أن يواجهها شخصٌ على سطح الكوكب.

لم يُخِفها هذا، ولم يجعلها تستسلم؛ ذلك لأنَّها رأت كلَّ هذا مغامرة. لقد كان يوجد في كل مكانٍ فرصةٌ للقيام بعملٍ جديد والحفاظ على روح الأشخاص المتميزين التي تملؤها البهجة مهما خبَّأ القَدَر لها ولزوجها؛ ولا يعني هذا أنَّها نظرَت إلى العالم نظرةً حالمةً وردية، بل اختارت ببساطةٍ أن ترى كلَّ موقفٍ مثلما هو، وأن تؤدي عملها بجِد، وتتحلى بقليلٍ من التفاؤل، وهي أمورٌ لم يكن الآخرون ليفعلوها لو كانوا مكانها.

لذا تذكَّر أنَّه لولانا لما كان خيرٌ أو شر، وأنَّ الخير والشر وجهاتُ نظرنا فحسب، وأنَّ الأحداث التي نعيشها هي الحدث بحدِّ ذاته، والقصة التي نرويها لأنفسنا هي معنى هذا الحدث.

5. "شخصية الرجل هي التي تحدد مصيره" - هرقليطس (Heraclitus):

هرقليطس (Heraclitus)

يسأل أرباب العمل خلال عملية اختيار الموظفين عن الجامعات التي تخرَّج منها المُتقدِّمون، وعن الوظائف التي عملوا فيها سابقاً؛ ذلك لأنَّ النجاحات التي أحرزوها سابقاً يمكن أن تكون مؤشِّراً يَدُلُّ على أنَّهم سيحرزون النجاح مستقبلاً. لكن هل هذا صحيحٌ دائماً؟ ثمَّة كثيرٌ من الناس الذين كان الحظ سبب نجاحهم، وربَّما ذهبوا إلى جامعات مرموقة مثل أوكسفورد أو هافارد لأنَّ آباءهم قادرون على إرسالهم إليها؛ لكن ماذا عن شابٍّ لم يُسعفه الوقت لبناء سجلٍّ حافلٍ بالإنجازات؟ أهو عديم النفع؟ لا، وبكلِّ تأكيد.

لهذا السبب، تُعَدُّ الشخصية أفضل مقياسٍ يُقاس به الفرد، وهو لا يَصلُح للوظائف فحسب، بل لعلاقات الصداقة، والعلاقات الزوجية، ولكل شيء.

حينما تسعى للارتقاء إلى مكانةٍ أعلى في الحياة، فإنَّ الشخصية تُعَدُّ أفضل وسيلةٍ للارتقاء إلى هذه المكانة؛ وربَّما لا تَصِل إليها على المدى القريب، لكنَّك ستفعل ذلك بلا شكٍّ على المدى البعيد؛ وينطبق الأمر نفسه على الأشخاص الذين تدعوهم إلى دخول حياتك.

6. "إذا رأيت محتالاً ولم تَقُل أنَّه مُحتال، فأنت مُحتال" - نسيم نقولا طالب (Nicholas Nassim Taleb):

نسيم نقولا طالب (Nicholas Nassim Taleb)

كيف يتصرَّف شخصٌ عُيِّن للعمل في شركةٍ يعلم أنَّ إدارتها تتصرف تصرفاتٍ خاطئةً وغير أخلاقية؟ هل يستطيع التضحية بضميره مقابل الحفاظ على عمله، لأنَّه ليس الشخص الذي يدير أسعار الأسهم، أو يُزوِّر التقارير، أو يكذب على زملائه؟ لا، إذ يقول باد شولبيرغ (Budd Schulberg) في إحدى رواياته أنَّ المرء لا يستطيع التعامل مع الدَنَس دون أن يصبح دَنِساً.

يجب علينا أن نقتدي بذلك الشاب الذي يعمل في شركة ثيرانوس (Theranos)، إذ بعد أن اكتشف العديد من المشكلات في الشركة الناشئة العاملة في مجال الرعاية الصحية، فصله مديره من العمل لأنَّه تواصل مع السُلطات. لم يتعرَّض الشاب بعد ذلك إلى التهديد والتنمُّر والهجوم من قِبَل ثيرانوس فحسب، بل اضطرت عائلته إلى التفكير في بيع منزلها لدفع تكاليف المقاضاة، وتوترت علاقته مع جدِّه الذي يعمل في مجلس إدارة ثيرانوس، ولم يَعُد من الممكن ربَّما إصلاحها.

يقول ماركوس أوريليوس: "قم أنت بالعمل المناسب فقط، وكلُّ شيءٍ آخر غير هام". تُعَدُّ هذه رسالة تذكيرٍ هامَّة، فأنت لستَ حرَّاً في اختيار القيام بالعمل المناسب الذي قد يكلِّفك كلَّ شيء.

7. "كلُّ رجلٍ التقيته في مرحلةٍ ما من مراحل حياتي هو مُعلِّمي، ومن خلال ذلك تعلَّمتُ منه" - رالف والدو إمرسون (Ralph Waldo Emerson):

رالف والدو إمرسون (Ralph Waldo Emerson)

يفوقك كلُّ شخصٍ براعةً في أمرٍ ما، وتُعَدُّ هذه حقيقةً من حقائق الحياة؛ إذ ثمَّة من هو أبرع منك في التواصل البصري، وثمَّة من هو أبرع منك في الفيزياء الكمية، وثمَّة من هو أكثر اطلاعاً منك في أمور الجغرافيا السياسية، وثمَّة من هو أفضل منك في التحدث بلطفٍ مع الأشخاص الذين يكرههم، وثمَّة مَن هم أمهر منك في تقديم الهدايا، وتذكُّر الأسماء، ورفع الأثقال، وضبط المزاج، والتحلي بالثقة، وبناء الصداقات.

لا يوجد شخصٌ يتقن جميع هذه الأمور كلِّها دون أن يحتاج إلى تطوير نفسه في أحدها؛ فإذا كنت تمتلك من التواضع ما يكفي لقبول هذا بحق، فستدرك أنَّ العالم صفٌّ ضخمٌ واحد.

ابدأ يومك بقبول هذه الحقيقة والاستمتاع بها، وتعامل مع كلِّ عملية تواصل بوصفها فرصةً للتعلُّم من الأشخاص الذين تقابلهم، وستثير دهشتك سرعة تطوُّرك ومقدار تحسُّنك.

8. "هذه ليست مسؤوليتك؛ بل مشكلتك" - شيريل سترايد (Cheryl Strayed):

شيريل سترايد (Cheryl Strayed)

لست مسؤولاً عن ملء خزَّان الوقود لشخصٍ غريب، لكن حينما تتعطَّلُ سيارته أمامك وتقطع الطريق، تكون هذه مشكلتك؛ أليس كذلك؟ لست مسؤولاً عن إجراء مفاوضات السلام عوضاً عن بلدك، لكن حينما تندلع الحرب وتذهب للقتال فيها، أتعلم مشكلة مَن هذه؟ إنَّها مشكلتك.

تسير الحياة بهذا الشكل، وتفاجئنا بأمورٍ لم نَحسِب لها حساباً، ولم تكن خطأنا بأي شكلٍ من الأشكال -مثل: عواقب إهمال موظفٍ ما، أو قرار خاطئٍ اتَّخذه الزوج، أو طقسٍ غريب الأطوار- بل وجدنا أنفسنا في مواجهتها بشكلٍ طبيعي.

ما الذي ستفعله في هذه الحالة إذاً؟ هل ستتذمَّر؟ هل ستشكو ذلك في تدوينةٍ أو في دعائك إلى الله؟ أم أنَّك ستبذل أقصى ما بوسعك لحل المشكلة؟ تحدد إجابة هذا السؤال شكل الحياة التي ستعيشها.

إنَّ شيريل سترايد على حق، فقد لا تكون هذه الأمور مسؤوليتك، لكنَّها مشكلتك؛ لذا تقبَّلها، وتعامل معها، وواجهها بكلِّ قوة.

9. "لا تُضِع مزيداً من الوقت بالحديث عن شكل الرجل الطيب، بل كن رجلاً طيِّباً" - ماركوس أوريليوس (Marcus Aurelius):

ماركوس أوريليوس (Marcus Aurelius)

لقد كان الحال في روما وفي منتدياتها مثلما هو الحال اليوم في مختلف أرجاء العالم وفي منصات التواصل الاجتماعي؛ فقد كان من المغري استبدال الجدل بالعمل، والفلسفة بالجد.

أضحى الضياع في حُجَر الجدال التي بُنيَت جدرانها من الغرور اليوم في مجتمعٍ مهووسٍ بالمحتوى والغضب والدراما، أسهل.

يمكننا أن نتجادل إلى ما لانهاية حول الصحيح والخاطئ، وحول ما يجب علينا أن نفعله في هذا الموقف الافتراضي أو ذاك، وكيف بإمكاننا تشجيع الناس على التطور.

تشتت جميع هذه الأمور الانتباه بكلِّ تأكيد، وإذا أردتَ أن تجعل العالم مكاناً أفضل، فثمَّة كثيرٌ من الأمور التي تستطيع القيام بها؛ لكنَّ الشيء الوحيد الذي يضمن لك أن يكون عملك مؤثِّراً هو أن تدع الجدل جانباً.

اخرج من تحت الرُكام، وتوقَّف عن إضاعة الوقت في الحديث عن الطريقة التي يجب على الأمور أن تسير وفقها، أو كيف يمكن أن تكون، أو كيف ستكون.

إقرأ أيضاً: الجدل والنقاش والحوار

10. "العمل فقط من حقِّك؛ أمَّا نتائجه، فليست كذلك" - بهاغافاد غيتا (Bhagavad Gita):

بهاغافاد غيتا (Bhagavad Gita)

لن تحظى بالتقدير في حياتك، وستتحطَّم معنوياتك، وستواجه إخفاقاتٍ مُفاجِئة، ولن تتحقَّق آمالك، وستخسر، وستخفق. تُعَدُّ جميع هذه حقائق، فكيف ستتخطاها؟ وكيف ستفتخر بنفسك وعملك؟

وجَّه مدرب كرة السلة "جون وودن" (John Wooden) نصيحةً إلى لاعبيه غيَّرَت تعريف النجاح ليصبح: "النجاح هو سلام العقل الذي يُعَدُّ نتيجةً مباشرةً للرضى عن الذات، والذي مصدره معرفة أنَّك بذلتَ أقصى ما بوسعك حتى تظهر بأفضل صورةٍ ممكنة".

يُذكِّر ماركوس أوريليوس نفسه بالطموح قائلاً: "يعني الطموح أن تربط سلامتك مع ما يقوله الآخرون ويفعلونه، وتعني سلامة العقل أن تتجلَّى هذه السلامة في تصرفاتك"؛ لذا أدِّ عملك بشكلٍ جيِّد، ثمَّ انسَ ما فعلت، ودَعه يكون لوجه الله؛ فهذا كلَّ ما تحتاج إليه، في حين أنَّ التقدير والجوائز مجرَّد مكاسب إضافية.

11. "الاكتفاء الذاتي هو أعظم النعم جميعها" - أبيقور (Epicurus):

أبيقور (Epicurus)

لقد قِيل الكثير من الكلام عن كمية المال التي تحتاج إليها حتى تصل إلى مرحلةٍ تستطيع فيها رفض أيِّ أمرٍ يُوجَّه إليك، والفكرة هي أن تستطيع كَسب ما يكفي من المال، وبلوغ القوة والنفوذ بما يكفي لمنع أيِّ أحد من المساس بك، وفعل ما شئت.

أيُّ وهمٍ هذا؟ كم مرَّةً بدى أنَّ هدفنا الذي نسعى إلى بلوغه قد تغيَّر بعد أن اقتربنا من تحقيقه؟ ربَّما يعيد هذا إلى أذهاننا ما قاله المُبرمِج ديفيد هاينماير هانسون (David Heinemeier Hansson):

"عند حَدٍّ مُعيَّن، تصبح كمية المال التي تستطيع رفض أيِّ أمرٍ عند الحصول عليها، حالةً ذهنية يمكن اكتسابها قبل وقتٍ طويلٍ من الحصول على حسابٍ في المصرف يحوي مبلغاً من المال يُكافئ المبلغ المطلوب. يتمتع بهذا غالباً الأشخاص الذين يتحلَّون بثقةٍ بالنفس، ويظلٌّون معها سعداء بالثبات على مواقفهم، حتَّى لو ذهبَت معظم ثرواتهم المادية".

الحقيقة هي أن تتمتَّع بشخصيتك الحقيقية، وأن تكون مكتفياً ذاتيَّاً، وأن تكون احتياجاتك قليلة، وأن تتمتع بمهاراتٍ أفضل وأكثر مرونة تتيح لك تحقيق النجاح في كلِّ المواقف؛ فهذه هي الثروة والحرية الحقيقيتان.

شاهد بالفيديو: 12 حقيقة خالدة عن الحرية المالية

12. "قل لي بما تهتم، أَقُل لك من أنت" - خوسيه أورتيغا إي غاسيت (Jose Ortega y Gasset):

خوسيه أورتيغا إي غاسيت (Jose Ortega y Gasset)

لقد كان هذا واحداً من أعظم الفلاسفة الذين اتَّبعوا المذهب الرواقي، والذي قال: "إذا عِشتَ مع رجلٍ أعرج، فسرعان ما ستمشي مشيةً عرجاء".

حينما يقول أبٌ لابنه أنَّ الصديق يتصف بصفات صديقه، فإنَّه على حق؛ ولا يُعَدُّ هذا صحيحاً في جوانب التأثير الاجتماعية فحسب، بل في تلك التي لها علاقة بالمعلومات أيضاً؛ فإذا كنت مُدمناً على ترديد كلام نشرات الأخبار، فسرعان ما ستُحِس بالقلق والاستياء والغضب الدائم.

إذا لم تحصل على شيءٍ سوى متعةٍ الهدفُ منها "الهروب من الواقع"، فستجد أنَّ التعامل مع الواقع حولك قد ازداد قسوةً؛ وإذا كان كلُّ ما تفعله هو متابعة الأسواق والإحساس بالقلق كلَّما شهدت تقلُّباً ما، فسيُحدِّد المال والمكاسب والخسائر شكل نظرتك إلى السوق؛ لكن ماذا لو شربت من ينابيع الحكمة العميقة المُتشبِّعة بالفلسفة؟ هل تفكِّر دائماً في نماذج تُمثِّل ضبط النفس والرصانة والشجاعة والشرف؟ إذا كنت تفعل ذلك، فستتحلى يوماً بهذه الصفات أنت أيضاً.

يقول غوته: "قل لي مع من تقضي وقتك، أقول لك من أنت"، ويقول غاسيت: "قل لي بما تهتم، أقول لك من أنت". تذكَّر هذا في المرة القادمة التي تُحِس فيها برغبةٍ في تصفُّح فيسبوك.

13. "أن تصاحب قَدَماً أفضل من أن تصاحب لساناً" - زينون الإيلي (Zeno of Elea):

زينون الإيلي (Zeno of Elea)

تستطيع دائماً النهوض بعد السقوط؛ لكن تذكر أنَّك لا تستطيع التراجع أبداً عن الكلام بعد أن تقوله، لا سيما الفَظَّ والمؤذي منه.

14. "أستطيع استعادة الأراضي؛ أمَّا الوقت، فلا يمكنني استعادته أبداً" - نابليون بونابرت (Napoleon Bonaparte):

نابليون بونابرت (Napoleon Bonaparte)

يمكن غزو الأراضي مراراً وتكراراً، ويمكن أن تنتقل السيطرة على هضبةٍ أو على سهلٍ معيَّن من طرفٍ إلى آخر عدة مرات خلال المعركة؛ لكن ماذا عن ضياع الفرص؟ وماذا عن اللحظات التي تعيشها الحضارات؟ لا يمكن أبداً أن تعود هذه اللحظات مرةً أخرى، وكذلك الفرصة التي تضيع.

لا يستطيع الإنسان أبداً أن يرجع بالزمن إلى الوراء حتى يستعدَّ للأمور التي كان من المفترض أن يستعد لها، ولا يستطيع أحدٌ أبداً أن يستعيد اللحظات الهامة التي ضُيِّعَت بسبب الخوف أو الغرور.

لقد كان نابليون بارعاً في كسب المساحات مقابل الوقت، حيث قال: "بإمكاني بكلِّ تأكيدٍ اتخاذ هذه الخطوات بعد أن مُنِحتُ الوقت الذي أحتاج إليه لإعداد قوَّاتي، أو حتى تحريكها إلى حيث أشاء"؛ لكنَّ معظم الناس سيِّئون جدَّاً في هذا، فترانا نُضيِّع ساعةً هنا أو فترةً من فترات بعد الظهر هناك، كما لو أنَّ بإمكاننا استعادتها مقابل بضعة دولارات تُدفَع لنا.

لا يدرك العديد من الناس حقيقة هذه الحكمة إلَّا بعد وقتٍ بعيد، وغالباً عندما يكونون على فراش الموت، أو حينما يعودون إلى التفكير في أحداث الماضي؛ لذا تذكَّر هذه الحكمة ولا تفعل ذلك.

15. "لن تعلم من يسبح عارياً إلَّا حينما ينحسر المَد" - وارن بافيت (Warren Buffett):

وارن بافيت (Warren Buffett)

مشكلة الشخص الذي يقارن نفسه بالآخرين أنَّه لا يعرف أبداً حقيقة حالِ أيِّ أحدٍ منهم. ماذا عن الزميل الذي يمتلك سيارةً جميلة؟ قد تكون سيارةً ناجيةً من حادثٍ خطير وقد قطعَت 100 ألف ميل، وماذا عن الصديق الذي يبدو دائماً أنَّه يسافر إلى أماكن بعيدة؟ قد يكون غارقاً في الديون ويوشك أن يُفصَل من عمله، وماذا عن حفل زفاف جيرانك الذي أحسست بسببه أنَّك قلقٌ على حفل زفافك؟ قد يكون كابوساً وكذبةً تامَّة.

يجيد الناس التظاهر، والأمور الجميلة التي تراها في الظاهر، فغالباً ما تكون غطاءً يخفي الخطر وانعدام المسؤولية.

لقد كان وارن بافيت يقول: "إنَّك لن تحس أنَّ الأمور قد ساءت إلَّا فجأة"؛ فإذا كنت تعيش حياةً تعلم أنَّها صحيحة، وإذا كنت تؤدي عملاً صالحاً، وتتخذ قراراتٍ سديدة؛ فلا تغترَّ بما يفعله الآخرون، سواءً اتخذ شكل وفرةٍ مصدرها أعمال غير أخلاقية، أم تشاؤم نابع من الهلع.

تعامل مع الحياة الفخمة التي يحياها الآخرون مثل قصص تحذير -مثل قصة إيكاروس وجناحيه- ولا تتعامل معها مثل مصدر إلهام أو انعدام الإحساس بالأمان، وتابع القيام بعملك، ولا تدع انحسار المَدّ يكشف عوراتك، وكن مستعداً.

إقرأ أيضاً: قصة نجاح رجل الأعمال وارن بافت

16. "فتِّش عن فضائل الآخرين وعن عيوبك" - بنيامين فرانكلين (Benjamin Franklin):

بنيامين فرانكلين (Benjamin Franklin)

لقد قال ماركوس أوريليوس كلاماً مشابهاً: "كن صبوراً على الآخرين وحازماً مع نفسك"، لماذا؟ لأنَّك أولاً الشخص الوحيد الذي يتحكَّم بحياتك، إذ يُعدُّ فرض معايير صارمةٍ يرفض الآخرون اتباعها رفضاً قاطعاً مَضيَعةً تامَّةً للوقت، وعاقبته بعد ذلك: الإحساس بالذهول والظلم عند العجز عن اتباعها؛ في حين أنَّ السبب الآخر هو عدم امتلاك أدنى فكرة عمَّا سيُكابده الآخرون، أو كابدوه.

ماذا عن ذاك الشخص الذي رفض بوقاحةٍ الدعوة التي وجَّهتها إليه بكلّ أَدَب؟ ماذا لو كان سعيه الجاد إلى الوفاء بالتزاماته العائلية يضاهي رغبته في احتساء فنجان من القهوة معك؟ أو ماذا لو كان يبذل أقصى ما بوسعه لقضاء مزيدٍ من الوقت مع الأشخاص الذين يحبُّهم؟ العبرة من هذا أنَّك لا تمتلك أدنى فكرةٍ عمَّا يكابده الآخرون؛ لذا التمس الأعذار للناس، وابحث عن الجانب الخَيِّر في شخصياتهم، وتعامل مع الأمور كما لو أنَّ هذا الجانب موجودٌ فعلاً، وحدد تصرفاتك على أساسه.

17. "لم يكن العالم واسعاً بما يكفي بالنسبة إلى أليكسندر الأكبر؛ لكنَّ الكفن كان كذلك" - جوفينال (Juvenal):

جوفينال (Juvenal)

عجيبٌ كيف تقهر قطعة قِماشٍ واحدةٍ صغيرة أعظم قادة العالم! تذكَّر أنَّنا جميعاً سواسية حينما يتعلق الأمر بالموت الذي يباغت جميع الناس -صغيرهم وكبيرهم- سريعاً.

ليس هامَّاً كم أنت مشهور، أو قوي، أو إلى أي مدى تعتقد أنَّك باقٍ على سطح الأرض؛ إذ سيصيب الأمر نفسه جميع البشر، ويمكن أن يحدث في اللحظات التي نتوقَّع ألَّا يحدث فيها، ثمَّ نكون جثثاً في النهاية.

إقرأ أيضاً: أقوال وحكم الفلاسفة والأدباء عن الموت

18. "أن تتطوَّر، يعني أن تتغير؛ لذا أن تكون مثاليَّاً، يعني أن تتغيَّر دائماً" - وينستون تشرشل (Winston Churchill):

وينستون تشرشل (Winston Churchill)

رغم أنَّ هذه أساساً ليست كلمات تشرشل -على الأرجح اقتبسها من جون هنري نيومان (John Henry Newman)- إلَّا أنَّه كان يتَّبع هذه الحكمة بكلِّ تأكيدٍ في حياته، وقد تحدث مازحاً عن تغيُّر تحالفاته السياسية باستمرارٍ قائلاً: "لقد قلت كثيراً من الكلمات الغبية حينما عملت مع حزب المحافظين، وقد تركته لأنَّني لم أُرِد الاستمرار بالتلفظ بكلماتٍ غبية".

لقد قال شيشرون حينما انتُقِد بسبب تغيير آرائه: "حينما أفكِّر في أمرٍ ممكن الحدوث، أصرِّح به؛ فأبقى بهذه الطريقة حُرَّاً عكس الآخرين كلِّهم".

ليس ثمَّة أمرٌ أكثر تأثيراً في الصعيد الذهني -أو غيره من الأصعدة- من تغيير المعتقدات والآراء والعادات التي تمسَّكت بها طويلاً؛ وكلَّما تغيَّرت، تحسَّنتَ على الأرجح.

19. "لا تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا" - السيد المسيح عيسى عليه السلام:

السيد المسيح عيسى عليه السلام (Jesus)

لا ينبِّه الإنجيل هنا إلى واحدةٍ من أسوأ عيوبنا فحسب، بل يسأل مباشرةً أيضاً: "وَلِمَاذَا تَنْظُرُ إلى الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟".

يشبه هذا ما قاله لوشيوس سينيكا (Lucius Seneca)، أحد أتباع المذهب الرواقي، والذي تَذكُر المصادر التاريخية أنَّه وُلِد في العام نفسه الذي وُلِدَ فيه السيد المسيح عليه السلام: "أنت تنظر إلى بثور الآخرين، بينما أنت نفسك مغطَّىً بأعدادٍ كبيرةٍ من الندوب".

لا تُضيِّع وقتك في إصدار الأحكام بحق الآخرين والإحساس بالقلق بسببهم، فلديك من المشكلات في حياتك ما يكفي، وعيوبك أسوأ -على الأرجح- من عيوبهم؛ لذا قُم بشيءٍ ما لإصلاحها.

20. "الوقت والصبر أقوى المُحارِبين" - ليو تولستوي (Leo Tolstoy):

ليو تولستوي (Leo Tolstoy)

يقول تولستوي أيضاً: "من يعرف كيف ينتظر، ينال كلَّ شيءٍ مع مرور الوقت".

حينما يتعلق الأمر بتحقيق أيِّ إنجازات هامة، فمن الضروري أن تتحلى بالصبر والشجاعة، وأن تعلمَ أنَّك تحتاج مقداراً من الصبر يضاهي مقدار ما تَظنُّ أنَّك تحتاجه من الجرأة والشجاعة؛ إذ تستطيع من خلال ما يكفي من الوقت والصبر أن تفعل أيَّ شيء.

إقرأ أيضاً: أقوال وحكم رائعة للأديب الروسي ليو تولستوي

21. "لا أحد ينقذنا إلَّا أنفسنا، ولن يستطيع أيُّ أحدٍ أن يفعل ذلك؛ بل ولن يتمكَّن أحدٌ من ذلك" - بوذا (Buddha):

بوذا (Buddha)

هل سننتظر من ينقذنا؟ أم سنستمع إلى دعوة ماركوس أوريليوس: "سارِع إلى إنقاذ نفسك إذا كنت تهتمُّ بها، وافعل ذلك حينما تكون قادراً عليه"؟

يجب علينا في مرحلةٍ من المراحل أن نضع مقالاتٍ كهذه جانباً ونتحرك؛ إذ لا يستطيع أحدٌ أن يؤدي عملاً لا يمكن أن يؤديه أحدٌ غيرك، والحل ليس في البحث عن حلولٍ أخرى، بل في اتخاذ القرارات والخيارات المناسبة؛ فمن يعلم كم من الوقت أضعت؟ أو ماذا ينتظرك غداً؟ لذا انهض، وابدأ الآن.

المصدر




مقالات مرتبطة