11 خطوة لبناء عادات مسائية

في عام 1961، نشر ماكسويل مالتز (Maxwell Maltz)، الحاصل على دكتوراه في الطب، كتاباً بعنوان "علم التحكُّم الآلي النفسي" (Psycho-Cybernetics)"، وهو مصطلح عرَّفه بأنَّه: "توجيه عقلك نحو هدف مفيد ومثمر؛ حتى تتمكَّن من الوصول إلى أعظم شعور في العالم؛ وهو راحة البال.



لقد ناقش "مالتز" في هذا الكتاب أهمية العادات بِعدِّها عاملاً ضرورياً للإنتاجية، وقد بيَّن أنَّ الأمر يتطلَّب ما لا يقل عن 21 يوماً للتخلي عن صورة ذهنية قديمة، واستبدالها بأخرى. وقد استند "مالتز" إلى دراسات قائمة على التجريب، إلى أن أصبحت استنتاجاته حقيقة شائعة الآن.

تقول هذه الدراسات أنَّ الأمر يستغرق 21 يوماً لتكوين عادة جديدة، أو التخلُّص من عادة قديمة؛ ولكن قد أثبتت الأبحاث أنَّه لا يوجد بالفعل وقت محدد لتكوين العادات، وأنَّ الأمر قد يستغرق من 18 إلى 254 يوماً لتصبح العادة تلقائية؛ فبناء العادات وتشكيلها هي إجراءات شخصية للغاية، وتختلف من شخص إلى آخر اختلافاً كبيراً.

إقرأ أيضاً: الدليل الكامل لتكوين عادات راسخة

ما الفرق بين العادة والروتين؟

إنَّ بناء العادات موضوع بحثي شائع، وهو أكثر شيوعاً من الروتين، ومن الهام فَهْمُ الاختلاف بينهما؛ إذ تتطلب العادات تلميحاً أو إشارة، وبمرور الوقت تصبح جزءاً من الروتين؛ على سبيل المثال: أنت عادةً ما تغسل يديك بعد دخول الخلاء؛ لذا يُعدُّ دخول الخلاء هنا بمثابة إشارة لغسل يديك.

إنَّه أمر اعتيادي كونه سلوك غير واعٍ أخبرنا به آباؤنا، والمدرسون، وحتى اللافتات المنشورة في الحمامات العامَّة؛ وأمر به الدين الإسلامي الحنيف.

يُعدُّ غسل اليدين بمفرده عادة، وقد يكون أيضاً جزءاً من مجموعة عادات؛ وهذا هو الروتين، فعلى سبيل المثال: ربما يبدأ روتينك الصباحي بالإشارة الأولى وهي المنبه؛ لِيَلِي ذلك تناول القهوة، والقراءة الصباحية، ثم الاغتسال، ثم دخول الخلاء (مع غسل اليدين)؛ ثم ارتداء الملابس وأخيراً ركوب السيارة للذهاب إلى العمل؛ فكلٌّ من هذه الأنشطة هي عادات بمفردها، ولكن بجمعهم معاً يشكلون روتيناً صباحياً متكاملاً.

لماذا يجب أن يكون روتينك هادفاً؟

ربما تمتلك روتيناً يومياً بالفعل، سواء كان هادفاً أم لا، فهناك عادات معيَّنة قد اخترتها، بعضها جيد وبعضها الآخر سيئ، وأصبحت تُشكِّل روتينك اليومي؛ فعلى سبيل المثال: إذا كنت ترغب في تناول الحلوى بعد أيَّة وجبة، تصبح هذه العادة مرتبطة بإشارة تناول الطعام، وتصبح مع مرور الوقت تصرُّفاً شبه تلقائي.

الهدف إذاً إعادة تشكيل الروتين لمساعدتك على تحقيق جميع العادات التي تريد تنميتها، والتي تضمن الإنتاجية، والنوم المريح، والصحة العامة والسلامة؛ ويعني هذا أيضاً تحسين طرائق التخلُّص من العادات التي لا تريدها، مثل: تناول الحلوى بعد الطعام؛ إذ يتطلب ذلك اهتماماً يومياً وهادفاً بتصرفاتك، وما إن تتمكَّن من بناء روتين صحي، حتى تتحرَّر قوتك الذهنية لعمل الأمور الكبيرة، وهي الأهداف.

أليسَ الروتين الصباحي أكثر أهمية؟

يًعدُّ الروتين الصباحي موضوعاً شائع التداول، ولكن يجب التفكير في الروتين المسائي باعتباره أساساً هاماً لبناء الروتين الصباحي؛ فكلما كانت ليلتك أفضل، كان صباحك أفضل، فإذا كنت تقضي أمسياتك، وأنت تتناول الوجبات الخفيفة؛ والحلوى في أثناء مشاهدة التلفاز، فكيف ستشعر في صباح اليوم التالي؟

وعلى النقيض، ماذا لو أمضيت أمسياتك وأنت تمارس بعض التأمل؛ وتدوِّن يومياتك وتتحدَّث إلى أحبائك لبعض الوقت؟

يشير كل هذا إلى أنَّ روتينك الصباحي، والمسائي، مرتبطان ارتباطاً وثيقاً، ولا أفضلية لأيٍّ منهما على الآخر؛ لذا سنتعرَّف على بعض الخطوات التي تساعدك على بناء الروتين المسائي.

11 خطوة لبناء روتين مسائي:

يجب أن تعرف أولاً أنَّ الروتين أمر شخصي للغاية، وهو قابل للتعديل والتخصيص حسب ما يُناسبك، فلا تقع في فخ محاولة بناء روتين ليس مناسباً لك؛ فلن يؤديَ هذا سوى إلى الإحباط والإخفاق، تذكَّر هذا وأنت تطبِّق هذه الخطوات:

1. تحديد روتينك الحالي:

هذا أمر هام للغاية؛ فربما تتَّبع بالفعل عشرات العادات اليومية التي لا تدرك أنَّك تقوم بها، فابدأ بتعديل مجموع عاداتك عن طريق الاحتفاظ بدفتر صغير معك في جميع الأوقات، ودوِّن كل فعل تتذكَّر أنَّك تقوم به؛ فهل تستيقظ قبل جرس المنبه بدقيقتين؟ دوِّن ذلك، وهل تضيف دائماً ملعقة سكر إضافية إلى قهوتك صباحاً؟ دوِّن ذلك.

بقدر ما تبدو هذه الأفعال غير ضارة، فهي مرتبطة بالتصرفات غير الواعية التي تُشكِّل هوياتنا، ويُمثِّل إدراكها الخطوةَ الأولى في تحديد العادات التي نريد إبقاءها أو استبدالها.

إقرأ أيضاً: أفضل 10 تطبيقات لتسجيل الملاحظات في عام 2021

2. تحديد إشارات تناسبك:

إذا كنت ترغب في بناء عادة جديدة، فامنح نفسك الإشارات اللازمة لها؛ لهذا السبب تُعدُّ التذكيرات اليومية في تطبيقات النظام الغذائي؛ والتمرينات الرياضية الشائعة فعَّالةً للغاية؛ فهي تجبرنا على الخروج من الروتين التلقائي، وتذكِّرنا بالإجراء الذي نحاول إدخاله في روتيننا الجديد.

من الجيد أن تحاول جعل الإشارات طبيعية قدر الإمكان؛ على سبيل المثال: إذا كنت تحاول تناول الفواكه والخضروات الطازجة وجباتٍ خفيفةً بدلاً من رقائق البطاطس أو الحلوى، فضع أطباقاً من المنتجات الطازجة على عدة طاولات في أرجاء منزلك، وحضر أكياس خضار مقطَّعة؛ لتناولها وجبةً خفيفة لتسهيل التقاطها عندما تكون في عجلة من أمرك.

3. جعل الروتين خاصاً بك:

لا تحاول أن تعيش أسلوب حياة لا يتناسب مع ما تفضله؛ فإذا كنت تجد صعوبة في تناول وجبة الإفطار؛ وفي تناول حصَّة يومية من الفواكه، والخضروات، على سبيل المثال، قد يكون عصير الفاكهة هو الخيار الأفضل بالنسبةِ لك، ويمكنك وضع الخلاط على المنضدة (الإشارة) كجزء من روتينك المسائي، وبإمكانك تجميد جميع مكونات العصير في علب فردية؛ وبخلاف ذلك، قد لا يُسعفك الوقت لتقطيع الفاكهة؛ أو إخراج الخلاط من الرف في الساعة 7 صباحاً.

4. انسَ الرقم السحري، فالروتين أسلوب حياة:

ما الروتين الهادف إلَّا تغييرات في أسلوب الحياة. لاحظ كلمة "الحياة" في تلك الجملة؛ فالمقصود أنَّ الروتين لا يتعلق بضبط سلوكياتك وممارساتك؛ لمدة 30 يوماً لتحقيق إنتاجية أفضل، فقد يستغرق بناء عادة ما بين 18 إلى 254 يوماً كما ذكرنا؛ وهذا المجال واسع لسببٍ ما، وهو أنَّه يختلف باختلاف الأشخاص، وباختلاف العادات خاصةً، فقد يكون شُرب ثمانية أكواب من الماء يومياً؛ أسهل من الجلوس لكتابة 1000 كلمة كل يوم على سبيل المثال؛ كما يعدُّ تحضير عصائر الفاكهة يومياً أمراً سهلاً للغاية، وقد يستغرق حوالي 30 يوماً ليصبح جزءاً من روتينك؛ ولكن قد تكون عادة ممارسة التمرينات البدنية أكثر صعوبةً بالنسبة لك؛ إذ يتطلَّب ذلك العديد من الإشارات، والكثير من الخطط، وبذل بعض الجهد لتكوين هذه العادة.

5. تقليل قراراتك:

لأنَّ اتباع العادات ليس بالأمر اليسير؛ يَصعُب بناء الروتين؛ فعلى سبيل المثال: يُنصَح باستبدال مشاهدة التلفاز بالقراءة لمدة ساعة قبل النوم كجزء من الروتين المسائي؛ إذ كشفت الأبحاث أنَّه في أثناء النوم، تعالج أدمغتنا الأفكار وتحللها؛ وتعمل على حل مشكلاتنا الكبيرة والأفكار المعقَّدة؛ لذا فمن المرجَّح أن يعمل عقلك على أفكار هادفة قد تُحسِّن حياتك إذا قرأت شيئاً مثيراً للتفكير قبل النوم.

وفي هذه الحالة يمكنك حسم قرارك بعدم مشاهدة التلفاز والقراءة بدلاً من ذلك، وذلك عن طريق إخفاء جهاز التحكم عن بعد، ووضع الكتاب؛ أو القارئ الإلكتروني في مكان قريب مثل طاولة القهوة؛ إذ يفيد هذا في جعل الإشارة سهلة المنال؛ مما يسهِّل تبني العادة من خلال تقليل القرارات.

6. تقليل الإغراءات التي تؤدي إلى العادات السابقة:

قد تبدو هذه الخطوة بديهية، ولكنَّها نصيحة هامة يجب تذكُّرها؛ إذ تتشكل العادات من خلال الإشارات، فإذا كنت معتاداً على شرب المشروبات الغازية في حوالي الساعة 3 مساءً، فاستبدل تلك المشروبات بزجاجات من الماء.

7. تحديد موعد نهائي لاستخدام الأجهزة الإلكترونية:

تظهر العديد من الأبحاث أنَّ الأجهزة الالكترنية قد تؤثر سلباً علينا في الليل؛ إذ يعمل الضوء الأزرق المنبعِث من الشاشات على إقلاق راحة أذهاننا ونومنا، كما أنَّ للدوبامين الذي يُفرَز في أثناء تصفُّح وسائل التواصل الاجتماعي تأثير سلبي علينا أيضاً؛ ما قد ينعكس سلباً على مزاجنا وحتى حالتنا الجسدية؛ ناهيك عن أنَّ أغلب ما نشاهده على التلفاز ليس هادفاً للغاية؛ لا يعني هذا أنَّ عليك بيع تلفازك، ولكن يعني أنَّ بإمكانك التحكُّم في الأمر؛ من خلال تحديد موعد نهائي صارم لاستخدام الأجهزة الإلكترونية؛ فيسمح لك ذلك بالاسترخاء بصورة طبيعية؛ وبتخصيص ساعات المساء للقيام بأشياء مفيدة؛ مثل: التواصل مع الآخرين، أو تدوين قوائم الامتنان في دفتر يومياتك.

إقرأ أيضاً: 12 نصيحة للتخلص من إدمان الهواتف الذكية

8. القيام بنشاط مهدِّئ:

قد تواجه أحياناً مشكلة في الاسترخاء ليلاً؛ وقد تساعد بعض تمرينات التمدد البسيطة؛ على الشعور بالاسترخاء بصورة طبيعية في فترة ما قبل النوم؛ وقد يرى البعض أنَّ قراءة فصل سريع من روايتهم المفضلة يكفي لهذا الغرض؛ لكن تذكر أنَّ النشاط لا ينبغي أن يكون شاقاً؛ إذ قد يجعل ذلك جسمك وعقلك في حالة نشاط، وهذا ليس ما نسعى إليه قبل النوم.

9. عدم الفزع من تفويت يوم دون القيام بالروتين الجديد:

لقد كشفت الأبحاث جانباً آخر مثيراً للاهتمام؛ وهو أنَّ تكوين العادة لا يُفترض أن يكون صارماً جداً كما كنَّا نظن؛ إذ ذكرت دراسة أجرِيَت عام 2010 أنَّ المشاركين الذين فاتهم يوم؛ دون اتباع الروتين الجديد؛ لم يعانوا صعوبات في تكوين العادات على الأمد الطويل مقارنة بالمشاركين الذين قاموا بتطبيق الروتين كل يوم.

يُشكِّل هذا تغييراً في أسلوب الحياة؛ ما يعني أنَّ هذا ليس الوقت المناسب لجَلد ذاتك على يوم ضائع هنا وهناك؛ كما قد يجعلنا هذا النوع من الاستجابة السلبية؛ نشعر بمقاومة أكبر للتغيير عموماً؛ لذا تقبَّل يومك الفائت وعُد إلى الروتين مباشرة.

10. التخطيط لصباح اليوم التالي:

إنَّ أفضل جزء من الروتين المسائي هو التخطيط لصباح اليوم التالي؛ فهو جزء من النشاط المُهدِّئ الذي يساعدك على إضفاء "طابع ختامي" على يومك؛ ومثلما قد تغلق حسابات مطعم أو متجر، قيِّم أحداث اليوم: ما الذي سار بشكل جيد؟ وما الذي أنجزته؟ وما الذي لا يزال يستوجب العمل؟ سيساعدك ذلك في وضع خطة لصباح اليوم التالي؛ ثم عندما تستيقظ من الفراش، يمكنك استكمال اليوم بهدف ومغزى، بدلاً من قضاء الساعات الأولى (التي هي أفضل ساعات يومك) في القيام بمهام غير مُجدِية أو مشتِّتة للانتباه.

إقرأ أيضاً: وضع خطة عمل ليوم الغد يزيد إنتاجيتك ويساعدك على الاسترخاء

11. تتبع التقدُّم الذي أحرزته:

على غِرار دفتر المهام الذي نصحنا به في بداية إصلاح الروتين، احتفظ بدفتر يوميات أثناء تكوين مجموعة عادات جديدة؛ وحدِّد ما الذي ينجح معك؟ وما الذي يمكنك فعله بسهولة؟ وما الذي يصعُب عليك؟ يُتيح لك ذلك متابعة روتينك الجديد بما يتناسب معك أكثر؛ والأهم من ذلك، أن تتذكَّر أنَّ الروتين ليس عقاباً أو تحدياً لمدة 30 يوماً من شأنه أن يحل مشكلاتك؛ بل هو وسيلة لتحقيق الأهداف، وتعزيز الإنتاجية وراحة البال.

 

المصدر




مقالات مرتبطة