قبل أن نبدأ، من الضروري أن نفهم مستوى الطفل القرائي، وموقفه النفسي من القراءة، واتجاهه العام نحو التعلم. ففهم هذه الجوانب يمكّن الوالدين والمربين من اختيار الطريقة الأنسب لدعمه وتشجيعه على القراءة بروح إيجابية.
إذا كان طفلك يجد صعوبة في ربط الكلمات أو في فهم النصوص، فهذه المقالة موجهة إليك تحديداً. وهي مفيدة أيضاً للآباء والأوصياء الذين يرعون أطفالاً يعانون من عُسر القراءة (Dyslexia)، وهو اضطراب تعلمي يؤثر في قدرة الطفل على القراءة الدقيقة والفهم السليم.
ورغم أنَّ المقال قد يبدو مطوّلاً، إلا أن نتائجه تستحق المتابعة لمن يسعى حقاً إلى مساعدة طفله على تجاوز هذه الصعوبات.
في ما يلي، 10 طرائق فعّالة لمساعدة الطفل الذي يواجه صعوبة في القراءة:
10 نصائح لمساعدة الطفل الذي يواجه صعوبة في القراءة
توجد وسائل عديدة لتشجيع الأطفال على القراءة طوعاً، وأولها جعل التجربة ممتعة وليست إلزامية.
يمكن تحقيق ذلك مثلاً بالغناء المشترك، أو قراءة قصة مشوّقة للطفل، ثم دعوته لقراءتها بنفسه بصوتٍ عالٍ أمامك. لكن يجدر الانتباه إلى أنَّ هذه الطريقة لا تناسب جميع الأطفال، فلكلٍّ منهم نمط تعلمٍ خاص واحتياجات مختلفة.
لذا لا بدّ من تحديد نوع الصعوبة التي يواجهها الطفل وفهم أسبابها، كي نختار الاستراتيجية الأنسب التي تجعل التعلم مغامرة مشوّقة لا عبئاً ثقيلاً.
في ما يلي، عشر استراتيجيات فعّالة ننصحك بها لتحويل القراءة إلى تجربةٍ محبّبة ومليئة بالمتعة والمعنى:
1. شجّع الطفل على إعادة قراءة النص أكثر من مرة
تُعد إعادة القراءة من أنجح الأساليب في ترسيخ مهارة القراءة. فحين يقرأ الطفل النص نفسه مراراً، تترسخ الكلمات في ذاكرته ويصبح نطقها أكثر سهولةً. يعزّز هذا التكرار طلاقة القراءة ويزيد من ثقته بنفسه؛ لأنَّ الألفاظ والجمل تصبح مألوفةً لديه. إنَّها طريقة بسيطة وقديمة لكنَّها شديدة الفاعلية.
شاهد بالفيديو: 7 وصايا للوالدين للتعامل مع صعوبات التعلم عند الأطفال
2. استخدم مجموعة متنوعة من الكتب والمواد
القراءة لموضوع لا يثير اهتمام الطفل تشبه السير في طريقٍ بلا وجهة. لذلك، احرص على اختيار كتبٍ تلامس ميوله. إن كان يحب الحيوانات أو الفضاء أو القصص المصوّرة، فابدأ من هناك. للأطفال بين السادسة والعاشرة، يُستحسن البدء بكتبٍ مصوّرة أو قصص قصيرة يسهل فهمها، ثم الانتقال تدريجياً إلى مواد أكثر عمقاً مع تحسّن مستواه.
3. وفّر بيئة خالية من التوتر
تحتاج القراءة إلى طمأنينة وهدوء. حين يشعر الطفل بالراحة، يزداد تركيزه ويختفي القلق. لا تضع له مهلاً زمنيةً أو أهدافاً صارمة، بل اجعل الهدف هو الاستمتاع بالقراءة نفسها، لا إنهاء الكتاب بسرعة؛ إذ تُنبت البيئة المريحة حبّ القراءة أكثر مما تفعله الدروس المنظمة.
4. استفد من الأجهزة والتطبيقات الذكية
نعيش اليوم في عصر رقمي، ومن الممكن استثمار ذلك في خدمة التعلم. يمكن استخدام الهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية لتحميل تطبيقات تعليمية تشجّع الأطفال على القراءة بطريقة ممتعة. من بين التطبيقات والمواقع العربية المفيدة والمخصصة للأطفال: "عصافير"، و"حكايات بالعربي"، و"أبجد" (Abjjad)، وغيرها كثير من المنصات التفاعلية التي تجعل القراءة نشاطاً محبّباً وممتعاً للأطفال.
5. أظهر اهتمامك بقراءة الطفل
تؤثر طريقة تفاعل الأهل مع إنجازات الطفل في المدرسة كثيراً في تطوّره. فاستجابة الأبوين — سواء بالكلمة أو الموقف — تترك أثراً عميقاً في مدى حماسة الطفل لمواصلة التعلم. لذا، يجب متابعة تقدّمه وتشجيعه بعبارات صادقة مثل "أحسنت" أو "أراك تتحسّن يوماً بعد يوم". يغرس هذا النوع من الدعم المعنوي في الطفل دافعاً داخلياً للاستمرار والتحسّن.
6. اربط تجربة القراءة بالحياة الواقعية
يُعدّ الربط بين القراءة والعالم الحقيقي من أقوى الوسائل لتحفيز الأطفال. فحين يدرك الطفل أنَّ القراءة ليست مجرد تمرين مدرسي، بل وسيلة للتعبير والتواصل، يزداد اهتمامه بها.
يمكن تكليف الطفل بمهام واقعية مثل كتابة رسالة إلى المغني المفضل لديه، أو صديق مقرّب، أو جدّته. تساعده هذه الأنشطة على التعبير عن أفكاره ومشاعره، وفي الوقت نفسه تجعله يرى معنى لما يقرأ ويكتب.
ومع مرور الوقت، قد تنمو لديه رغبة في أن يصبح أستاذاً جامعياً أو كاتباً في المستقبل. لا يكتفي هذا الأسلوب الفريد بتحسين القراءة فحسب، بل يعزز كذلك الذاكرة طويلة الأمد.
7. تواصل مع المعلّم أو المستشار المدرسي
يجب ألا يشعر الآباء بأنّهم وحدهم في هذه المهمة، فالتعليم مسؤولية مشتركة بين الأسرة والمدرسة. فعند مناقشة حالة الطفل مع المعلّم، يُفضَّل ألا تكون المحادثة بمعزل عنه؛ إذ يساعده إشراكه في الحوار على فهم ما يحدث وتعلّم الدفاع عن ذاته (Self-Advocacy). كما ويشعر الطفل بدعم أكبر عندما يرى تعاوناً بين والديه ومعلّميه، مما يمنحه الإحساس بالأمان والرغبة في التحسّن، بدلاً من الشعور بالتهميش أو الإقصاء.
8. تابع تقدّم الطفل بانتظام
تؤثر ردّة فعل الوالدين تجاه تقدّم الطفل مباشرةً في حماسه للتعلم. لذلك، يُنصَح بتشجيع الطفل على قراءة فصل واحد من كتاب يومياً في المنزل، ثم قراءته بصوت عالٍ أمام أحد الوالدين. لا تطور هذه الممارسة مهارة القراءة فحسب، بل تنمّي كذلك قدراته في التعبير والتواصل، وتزيد ثقته بنفسه عندما يُتقن نطق الكلمات والجمل أمام الآخرين.
9. استخدم الكتب الصوتية (Audiobooks)
يتعلم بعض الأطفال بسرعة أكبر من خلال الاستماع. وهنا تمكن الاستفادة من الكتب الصوتية (Audiobooks) المنتشرة في الإنترنت أو المكتبات المدرسية. لذا، يمكن تشجيع الطفل على الاستماع إلى تسجيلات صوتية للكتب قبل قراءتها بنفسه؛ إذ يساعده ذلك على فهم المعاني العامة وتمييز النطق الصحيح للكلمات قبل البدء في القراءة الفعلية.
10. علّم الطفل تلخيص ما قرأه
عند قراءة أي نص، يُستحسن أن يُطلب من الطفل تلخيص الأفكار الرئيسة بعد الانتهاء. يساعد هذا الأسلوب على استيعاب المحتوى بعمق، ويقوّي ذاكرته وقدرته على الدراسة لاحقاً. كما يُعزز التفكير التحليلي لديه ويجعله أكثر قدرة على استخلاص المعاني من النصوص.
شاهد بالفيديو: 10 طرق لعلاج صعوبات التعلّم عند الطفل
دور الوالدين في مساعدة الطفل الذي يواجه صعوبة في القراءة
لا يمكن التقليل من أهمية دور الوالدين في غرس حب القراءة في نفوس الأطفال. فكثير من الصعوبات التي يواجهها الأطفال لاحقاً في القراءة تعود إلى غياب ثقافة القراءة المنزلية منذ السنوات الأولى.
يبدأ طريق الطفل نحو أن يصبح قارئاً ماهراً منذ لحظة ولادته، حين يسمع صوت والديه للمرة الأولى. فالطفل يتعلّم بالتقليد، وما يراه في المنزل ينعكس على سلوكه. لذلك، على الوالدين أن يكونا قدوةً في القراءة، وأن يشجعا أبناءهما على تقليد هذا السلوك منذ الصغر.
من الطبيعي أن يختلف الأطفال في سرعة التعلم، وأحياناً يشعر الوالدان بأنَّ طفلهم لا يحقق التقدّم المتوقع، وهذا أمر طبيعي تماماً.
بدلاً من القلق أو المقارنة، الأفضل هو تخصيص وقت للطفل لمساعدته على الدراسة وتحسين مهاراته القرائية بخطوات ثابتة ومتدرجة.
في بعض الثقافات، يميل بعض الآباء إلى مقارنة أبنائهم بأطفال آخرين، مما يضعف ثقة الطفل بنفسه ويؤثر سلباً في تفاعله الاجتماعي. لكن يجب أن نتذكر أن الأطفال يحتاجون إلى الوقت والطمأنينة لاكتساب المهارات، خصوصاً إذا كانت لديهم صعوبات تعلم.
كيف نساعد الطفل في حال إصابته بعُسر القراءة (Dyslexia)
قد تكون صعوبة القراءة مؤشراً على حالة تُعرف باسم عُسر القراءة (Dyslexia)، وهي اضطراب تعلمي يؤثر في قدرة الطفل على القراءة الصحيحة. ويعاني الأطفال المصابون بهذه الحالة من مشكلات في القراءة، والفهم، والإملاء، والكتابة. لذا إذا كان هناك شك في إصابة الطفل بعُسر القراءة، فيجب مراجعة مختص في التربية الخاصة أو مستشار مدرسي لتقييم الحالة بدقة ووضع خطة مساعدة مناسبة.
ومع ذلك، ليس كل تأخر في القراءة سببه عُسر القراءة. فقد تكون المشكلة ناتجة عن ضعف التركيز، أو الانتقال اللغوي (Language Shift) لدى الأطفال الذين يتحدثون لغةً مختلفةً في المنزل، أو صعوبات في المعالجة البصرية (Visual Processing Issues). فالأطفال الذين يواجهون مشكلات في التركيز يجدون صعوبة في الجلوس لفترات طويلة أو في الحفاظ على الانتباه، مما يعوق تعلمهم.
أما الذين يعانون من مشاكل بصرية، فقد يواجهون صعوبة في تمييز الحروف أو ترتيبها الصحيح، وقد تظهر لديهم رؤية ضبابية أو مزدوجة أثناء القراءة، فيلجؤون إلى إغلاق إحدى العينين أو التحديق لتعويض الخلل.
في الختام
الطفل الذي يواجه صعوبة في القراءة ليس عاجزاً، بل يحتاج فقط إلى طريقة تناسبه. فكل طفل يحمل نوعاً خاصاً من الذكاء، وطريقته الفريدة في التعلم. وهنا يكمن دور الوالدين في اكتشاف هذا الطريق ومرافقته فيه بصبرٍ وحب.
أما في حالات عُسر القراءة، فيُنصح التوجّه إلى مراكز التربية الخاصة التي توفّر الدعم المهني اللازم وتضع خطةً واضحةً لمساعدته على التقدّم. فالقراءة ليست مجرد مهارة مدرسية، بل هي جسرٌ نحو الفهم والإبداع وبناء الثقة بالنفس. وسيكتشف كل طفل، حين يجد من يفهمه ويدعمه، بداخله القارئ الذي ينتظره العالم.
أضف تعليقاً