تفوَّق جيف بيزوس (Jeff Bezos) مع صافي ثروة تقارب 112 مليار دولار، على الشريك المؤسِّس لشركة مايكروسوفت البرمجية بيل غيتس (Bill Gates)، في خضمِّ سعيه إلى خدمة عملائه بأكثر الطرائق التي تدر عليه الربح. وتمكَّن جيف بيزوس (Jeff Bezos) وبفضل إمبراطوريته العملاقة أمازون (Amazon)، من أن يكون أول شخص تتخطى ثروته الـ 100 مليار دولار.
كان بيزوس (Bezos) رجلاً عصامياً، ولم يولد لأسرة ثرية، فقد أنجبَته أمه وهي في السادسة عشرة من عمرها، وكان والده شخصاً مهمِلاً لواجباته الأسرية؛ لكنَّ هذا الشاب انطلق في حياته ليصبح بعدها المدير التنفيذي لشركة التجارة الإلكترونية المهيمنة أمازون (Amazon)؛ وكما يقولون: "يمكِن للتصميم أن يصنع المعجزات".
لذا تابِع معنا القراءة؛ حيث سنستعرض لك أهم عشرة دروس في القيادة يعلِّمنا إياها موقع أمازون (Amazon):
1. إعطاء الاستقلالية لموظفيك:
يدير الموظفون في أمازون أنفسهم بأنفسهم؛ إذ لديهم سيطرة كاملة على مشروعاتهم مما يمنحهم مجالاً أكبر للتفكير والابتكار والتوصل إلى أفكار تساعد الشركة على النمو بسرعة كبيرة، وهذا يعني بالطبع منحَهم الكثير من الثقة؛ ولكن بصفتك قائداً، من الضروري إرشاد المرؤوسين في الاتجاه الصحيح، بدلاً من الاتكال عليك في كل شيء. وإذا كنتَ تريد أن تنمِّي مؤسستك، فعليك السماح لموظفيك بإظهار مواهبهم، أعطِهم عملاً لينجزوه؛ لكنَّ الأهم من ذلك، امنحهم الثقة للإيمان بأنَّهم قادرون على تحقيق ذلك، وسترى كيف سيبهرونك بأفكار خلاقة.
2. نقل رؤية هادفة لموظفيك:
يشارك الصحفي "براد ستون" (Brad Stone) رؤيته العظيمة للشركة والمناسِبة إلى حد بعيد، في كتابه الأكثر مبيعاً: "المتجر الشامل" (The Everything Store)، حيث تطمح أمازون (Amazon) التي تقودها رؤية جيف بيزوس (Jeff Bezos) إلى أن تكون متجراً يبيع كلَّ شيء يمكِن للناس تصوُّره وبتكاليف مناسبة للجميع.
هذه هي الرؤية المفهومة التي رعاها جيف بيزوس (Jeff Bezos) باهتمام، ولا تخفى على أحد، بدءاً بالموظفين ووصولاً إلى جميع أصحاب المصلحة. وعندما يعرِف الأشخاص في مؤسَّسة ما الهدف الذي يسيرون تجاهه، سيتماهون مع ذلك الهدف؛ فالرؤية هي شيء يوجِّه الناس جميعهم في اتجاه واحد، دون تركِ مجال للخلافات والمشكلات.
3. رضا العميل هو الأهم:
تلخِّص مقولة جيف بيزوس (Jeff Bezos) التالية السر وراء نجاح شركة أمازون (Amazon): "كانت لدينا ثلاث أفكار كبيرة في أمازون (Amazon) تمسَّكنا بها على مدار الـ 18 عاماً الماضية، وهي سبب نجاحنا: منح الأولوية لرضا العملاء، والإبداع، والتحلي بالصبر".
حصلَت أمازون (Amazon) على الثناء كونها "المكان الذي تجد فيه كلَّ شيء"، ويكمن السبب وراء نجاحها الباهر في خدمة الزبائن الممتازة التي يقدِّمونها إلى عملائهم. وإذا حدث خطأ ما -من تقديم الطلب إلى التسليم النهائي للمنتج- تؤمِن أمازون (Amazon) دائماً أنَّ رضا العميل هو الأهم، وعلى عكس أفكار تطبيقات الأجهزة المحمولة الأخرى، يركز تطبيق أمازون (Amazon) على منحِ العملاء تجربة رائعة.
يسهِّل هذا الوضوح على موظفيهم اتخاذ القرار؛ حيث يركِّز أسلوب قيادة جيف بيزوس (Jeff Bezos) على فكرة أنَّ العميل لدى أمازون (Amazon) هو الأساس في تجارتها. وغُرسَت الفكرة نفسها في الموظفين ليسخِّروا أنفسهم لخدمة المستخدِم، وهذا هو سبب نجاح هذه الشركة وازدهارها.
عليك بصفتك قائداً أن تفعل الشيء نفسه؛ فليس عليك التركيز على رضا العميل فقط؛ بل أن تضع نفسك في مكانه وتحاول أن تشعرَ بما يَشعر به عند استخدام منتَجك.
4. الصبر:
بعد نجاة جيف بيزوس (Jeff Bezos) من الموت في حادث تحطم حوامة، عَرف ما يريده من حياته؛ فقد كانت الرؤية مستحيلة، لكنَّه لم يستسلم؛ إذ اضطر جيف بيزوس (Jeff Bezos) بعد عيشه طفولة معذبة، لقضاء أيام شبابه في مزرعة؛ فمع غياب التواصل مع العالم الخارجي أو البشر أو توافر الدعم المعنوي، شق جيف بيزوس (Jeff Bezos) طريقه بمفرده.
يتحدث عن تجربته قائلاً: "لقد عملتُ في إصلاح طواحين الهواء، وتلقيح الماشية، وأعمال روتينية أخرى، وكنتُ أشاهد المسلسلات التليفزيونية بعد ظهر كل يوم، وخاصة مسلسل "أيام حياتنا" (Days of our Lives)".
أَدهش نشوء فقاعة الإنترنت الناس في البداية؛ لكنَّ جيف بيزوس (Jeff Bezos) أراد الاستفادة منها؛ فقد كان صبوراً، وأيقن أنَّه يريد إنشاء بوابة للتجارة الإلكترونية، حيث يمكِن للعملاء الحصول على أيِّ شيء عن طريق البريد في غضون 48 ساعة.
يقول أيضاً: "سلكتُ الطريق المحفوف بالمخاطر لأتبعَ شغفي، وأنا فخور بهذا الاختيار"، حيث دفَعه هذا الصبر إلى التعرض للكثير من الانتقاد على طول الطريق؛ لكنَّ تحقيق رؤيته كان يستحق العناء. وفي كل دقيقة، تحول كلُّ صراع إلى تجربة أدت إلى نجاح موقع أمازون (Amazon).
5. عدم الخوف من الفشل الذريع:
عانى جيف بيزوس (Jeff Bezos) في بداية مسيرته كرائد أعمال الفشل الذريع، فمنذ بداية تأسيس موقع أمازون (Amazon)، علَّق بيزوس (Bezos) الكثير من الآمال على موقع "بيتس.كوم" (Pets.com)، وهي مؤسَّسة تبيع مستلزمات الحيوانات الأليفة بالتجزئة التي بدأَت عملياتها في تشرين الثاني من عام 1998 وصُفِّيت في تشرين الثاني عام 2000، والتي انهارَت نتيجة التركيز الشديد على حصة السوق بدلاً من كسب الأرباح. حتى أنَّه حلم ذات مرة أن يؤسس شركة لصنع أجهزة الهاتف المحمول؛ ولكن لم يُكتب له تحقيق هذا الحلم.
ينمُّ أسلوب قيادة بيزوس (Bezos) عن الكثير من المجازفات الكبيرة: بدءاً من استحواذ أمازون (Amazon) على المتجر الأمريكي لبيع الأحذية والملابس بالتجزئة عبر الإنترنت "زابوس" (Zappos) في صفقة لجميع الأسهم التي بلغَت قيمتها حوالي 1.2 مليار دولار في ذلك الوقت، إلى شرائها سلسلة متاجر "هول فود" (Whole Foods) للبقالة العضوية الخالية من المواد الصناعية التي كانت تُعدُّ مجازفة من كافة النواحي؛ لكنَّ هذه الأفكار الخارجة عن المألوف أوصلت أمازون (Amazon) إلى مستويات غير مسبوقة من النجاح.
يقول بيزوس (Bezos): "إذا كنتَ ستُقدِم على خطوات جريئة، فستكون تجارب لك؛ وحينما تكون تجارب، فلن تعرف مسبقاً ما إذا كانت ستنجح أم لا. من الطبيعي أن تكون التجارب عرضةً للفشل؛ لكنَّ تحقيق النجاح يعوِّض عن الكثير من التجارب الفاشلة".
6. الحرص على تعيين أفضل الموظفين:
تؤمِن إدارة أمازون العليا باختيار الأشخاص الأفضل، حيث يؤمِن بيزوس (Bezos) بضرورة تجربة جميع السبل بحثاً عما ينفع، كما يُظهر تعيين كريستين بوشامب (Christine Beauchamp) -الرئيسة السابقة للعلامة التجارية "رالف لورين" (Ralph Lauren)- كرئيسة لأزياء أمازون (Amazon) مقدار التفاني الذي تضعه أمازون في كلِّ مشروع.
يقول بيزوس (Bezos): "الحياة أقصر من أن نقضيها برفقة ضيقي الأفق".
7. ترقية الموظفين في الوقت الملائم:
في كتابه "نقرة واحدة" (One Click)، يعرض كاتب السيرة الذاتية "ريتشارد إل براندت" (Richard L. Brandt) مقابلات أجراها مع الموظفين السابقين في موقع أمازون (Amazon)، حيث يقول أحدهم: "تعمل شركة أمازون (Amazon) على ترقية الموظفين داخل الشركة على نطاق واسع"، ويمنح هذا الموظفين حافزاً كبيراً للعمل الجاد وبناء الفِرَق التي تتطلب قيادةً جديدة، مما يسمح للموظفين الجدد بالتطور في مناصبهم الحالية وتعزيز ثقافة العمل الدؤوب والإبداعي.
8. الاستحواذ على الصيحات الجديدة:
تبنَّى بيزوس (Bezos) الصيحات الجديدة للذكاء الاصطناعي، سعياً منه إلى استقطاب المساهمين، فكانت شركة أمازون على وشك الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة، وعلى خلاف العديد من عمالقة التكنولوجيا الذين تجاهلوا التغييرات الحاصلة وفشلوا في التطور، يركز بيزوس (Bezos) أكثر على انتهاز الفرص الجديدة.
9. عدم الاستهانة بالحدس لاتخاذ القرارات:
كان أحد الأسباب الرئيسة التي دفعت أمازون (Amazon) نحو التحرك بسرعة وتغيير الأشياء، هو تمكين الفِرَق الصغيرة من الابتكار بفاعلية. فكانت الميزة التي قدَّمَتها أمازون (Amazon) للشراء بنقرة نقلة نوعية في مجال التجارة الإلكترونية، والتي طورها فريق صغير من الأشخاص الذين كانوا يعملون على إيجاد طريقة جديدة لمساعدة العملاء على الشراء بصورة أسرع.
يدور أسلوب قيادة بيزوس (Bezos) حول إنشاء ثقافة في شركته تسمح للموظفين اتخاذ قرارات بالاستعانة بحدسهم ودعمهم سواء حالفهم الحظ في قراراتهم أم لم يحالفهم، طالما أنَّهم يسعون إلى إرضاء العميل.
10. الاختصار والوضوح:
في كتابه "المتجر الشامل: جيف بيزوس وعصر شركة أمازون" (The Everything Store: Jeff Bezos and the Age of Amazon)، يتحدث بيزوس (Bezos) عن الشيء الوحيد الذي يكرهه أكثر من غيره، وهو العروض التقديمية باستخدام باوربوينت (PowerPoint) التي تستغرق وقتاً طويلاً؛ لذا بدلاً من عقدِ الاجتماعات، يفضل المديرون والقادة في شركة أمازون (Amazon) عمل مذكرة مكتوبة من ست صفحات تتضمن جدول أعمال الاجتماع بالكامل.
يرشد هذا الجميع إلى أن يكونوا موجزين في نهجهم في طرح الأفكار، وكما قال بيزوس (Bezos): "كتابة جمل كاملة هي الأصعب لأنَّها تتكون من أفعال؛ كما تحتوي الفقرات على جمل استفتاحية، وليس بإمكاننا كتابة مذكرة منظمة سردية من ست صفحات دون ذهن صافٍ".
تدفع المذكرات القصيرة الموظفين نحو التفكير ملياً قبل نطقها، وتزيل الالتباس، وتُكسب محادثات الشركة مضموناً حقيقياً.
في الختام:
لقد خاطرَت شركة أمازون (Amazon) كثيراً، ولكن لم يُكتَب لجميع محاولاتها النجاح؛ إلا أنَّها استطاعت بفضل كفاءتها وحنكة قائدها تحقيق الكثير من الإنجازات؛ فمن خلال خلق ثقافة شركة يتولى فيها الموظفون زمام الأمور، تمكَّنت من احتلال الصدارة كعملاقة التجارة الإلكترونية. فلا يسعُ لأي شركة تحقيق الازدهار الذي حققَته هذه الشركة، ولكن يمكِنها أن تتعلم بعض الدروس القيادية من نجاحها الهائل.
أضف تعليقاً