تحب بعض الحيوانات الاستلقاء تحت أشعة الشمس الدافئة، وبعضها الآخر يفضِّل الاختباء منها، ولكنَّ التعرُّض لأشعتها بما له من فوائد إيجابية له أيضاً عواقب سلبية على جميع الأحياء.
مع ذلك ما يزال موضع تساؤلنا عمَّا إذا كانت الحيوانات بحاجة إلى الشمس للبقاء على قيد الحياة أم لا، وإن كانت تحتاج إليها، فماذا سيحدث إن لم تحصل على ما يكفي منها؟
في هذا المقال سنقدم إجابات عن كل هذه الأسئلة؛ لذا تابعوا معنا القراءة لنتعرَّف معاً.
هل تحتاج الحيوانات إلى ضوء الشمس للبقاء على قيد الحياة؟
تعتمد درجات حرارة أجسام الحيوانات ذوات الدم البارد مثل الزواحف والأسماك على درجة حرارة بيئتها، وهذا ما تحدده الشمس؛ إذ عندما تغيب الشمس تمتص أجسامها الحرارة التي تولدها؛ مما يساعدها على أن تصبح أكثر نشاطاً، لكن حين تكون بيئتها باردةً، فإنَّ أجسامها تصبح أبطأ في الحفاظ على هذه الطاقة، كما تعتمد العديد من الزواحف مثل الثعابين والسحالي أيضاً على الشمس لتنشط وتزيد من درجة حرارة جسمها خلال النهار.
على الرغم من أنَّ الخفافيش تختبئ للهروب من الشمس في أثناء النهار، إلَّا أنَّها تعتمد عليها بشكلٍ غير مباشر من خلال تغذيتها على الكائنات الحية الأخرى التي تستمد طاقتها منها.
تُعَدُّ الشمس أيضاً مصدراً أساسياً لفيتامين "د" الذي تحتاج إليه الحيوانات؛ فهو ضروري لنموها، وتعتمد العديد من الحيوانات على النباتات والأوراق والفواكه والزهور بوصفها مصدراً غذائياً أساسياً لها، ودون الشمس لن تستطيع هذه النباتات الحصول على الطاقة اللازمة لعملية التركيب الضوئي التي تحتاج إليها للنمو.
يوفر فيتامين "د" تثبيت الكالسيوم الذي يساعد على تكوين عظام وأسنان قوية، وتحصل عليه الحيوانات مباشرةً عن طريق التعرُّض للشمس بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق تناول النباتات.
أخيراً وُجِد أنَّ ضوء الشمس يحفز على التكاثر عند بعض الحيوانات مثل الطيور؛ إذ يعمل على تنشيط جهازها التناسلي لبدء أنشطة التكاثر، وخاصةً في فصل الصيف عندما تكون الشمس حادةً، كما أنَّها تساعد الطيور على الملاحة في أثناء الهجرة، وتساعد الحيوانات الأخرى على تحديد فترة سباتها الشتوي.
ماذا يحدث للحيوانات إن لم تتعرَّض لأشعة الشمس؟
قد تعتقد أنَّه من المستحيل ألَّا تحصل الحيوانات على القدر الكافي من ضوء الشمس لأنَّ الشمس تشرق كل يوم، لكن قد تؤدي الظروف المختلفة إلى ذلك؛ فعلى سبيل المثال إن كنتَ لا تُنزِّه حيوانك الأليف بانتظام في الخارج أو لا تسمح له باللعب في الهواء الطلق بين الحين والآخر، فأنت تحرمه من أشعة الشمس.
هذا الحرمان من الأشعة يأتي مع عواقب مختلفة على الحيوانات؛ إذ يؤدي نقص التعرُّض لضوء الشمس إلى نقص فيتامين "د"؛ مما سيؤدي إلى نقص في امتصاص الكالسيوم وتثبيته، وهذا من شأنه أن يُضعف عظامهما وأسنانها.
سيتوقف أيضاً التمثيل الضوئي عند النباتات كافة في حالة عدم وجود ضوء الشمس، وسوف ينهار نظامنا البيئي تماماً؛ وهذا يعني أنَّه لن تكون هناك أشجار أو محاصيل أو أعشاب أو أزهار أو فواكه تتغذى عليها الحيوانات؛ مما سيتسبب بنقص الطاقة وحدوث المجاعات، وفي النهاية الموت المحتوم.
أيضاً دون عملية التركيب الضوئي لا يمكن أن تحدث دورة الكربون؛ مما سيمنع من إنتاج الأوكسجين، وستنخفض مستوياته في الغلاف الجوي إلى حد خطر جداً.
عند بعض الحيوانات الأخرى مثل الماشية؛ يسبب نقص ضوء الشمس انخفاضاً في عملية التمثيل الغذائي لديها وزيادة إنتاج الميلاتونين؛ والميلاتونين هو الهرمون المسؤول عن النوم عند الحيوانات والبشر أيضاً، فيبقى الكائن خمولاً وتزداد ساعات نومه؛ مما يسبب له أضراراً مع مرور الزمن.
أيضاً فإنَّ نقص ضوء الشمس يعني أنَّ درجات الحرارة ستبدأ بالانخفاض، ولن يتمكن الإنسان والعديد من الحيوانات من العيش في درجات الحرارة المنخفضة جداً وستتجمد هذه الكائنات في النهاية حتى الموت.
كيف تحصل الحيوانات على الطاقة من الشمس؟
تحصل الحيوانات على الطاقة من الشمس بشكل غير مباشر، ويحدث هذا عندما تستهلك النباتات؛ إذ تحوِّل النباتات الطاقة من الشمس إلى طاقة كيميائية وتخزنها في أنسجتها، ويتم ذلك من خلال التمثيل الضوئي؛ إذ يُحوَّل ضوء الشمس إلى ثاني أكسيد الكربون والماء ويُستخدم لإنتاج السكريات في النباتات.
تعتمد بعض الحيوانات العاشبة على النباتات للحصول على الطاقة، بينما الحيوانات اللاحمة التي تتغذى على الأنواع الأخرى بما فيها العواشب تحصل على طاقتها من الشمس عن طريق التغذِّي على الحيوانات العاشبة التي تأخذ طاقتها من النباتات، وهكذا.
تستخدم هذه الحيوانات السكريات التي تحصل عليها من النباتات في المتقدِّرات "الميتوكوندريا" الخاصة بها؛ والتي تمثِّل مصانع الطاقة الخلوية في أجسامها وأجسامنا.
تنتج الميتوكوندريا الطاقة على شكل "Adenosine Triphosphate ATP"؛ وهو عبارة عن جزيء عالي الطاقة يخزن كل الطاقة التي نستخدمها، بالإضافة إلى استمداد هذه الحيوانات ذوات الدم الحار الطاقة مباشرةً من الشمس في أثناء الاستجمام تحت أشعتها؛ لذلك يوجد للشمس دور كبير في دورة الطاقة عند كل من الكائنات الحية وغير الحية.
هل تحتاج كل الأشياء الحية إلى ضوء الشمس؟
لقد تعلَّمنا جميعاً في المدرسة أنَّ كل كائن حي على الأرض يحتاج إلى ضوء الشمس للبقاء على قيد الحياة، لكن قد أظهرت الدراسات الحديثة أنَّه على الرغم من أنَّ الحياة كلها تقريباً تعتمد على الشمس، إلَّا أنَّه يوجد القليل من الكائنات لا تعتمد عليها.
النباتات ذاتية التغذية تنتج طعامها بنفسها؛ إذ تستخدم العناصر الغذائية التي تستمدها من التربة والطاقة من أشعة الشمس في صنع طعامها، وهذا يعني أنَّ النباتات تعتمد على ضوء الشمس من أجل بقائها.
والحيوانات العاشبة هي حيوانات تأكل النباتات وتعتمد عليها للبقاء؛ وهذا يعني أيضاً أنَّ الحيوانات العاشبة هي من فئة الكائنات التي لا تستطيع البقاء دون الشمس.
الحيوانات اللاحمة تأكل الحيوانات العاشبة التي تأكل النباتات التي تستمد طاقتها من الشمس، فكذلك الأمر تنضم إلى الفئة ذاتها في اعتمادها على الشمس من أجل البقاء.
إذاً من هي تلك القلة القليلة من الكائنات التي لا تحتاج إلى الشمس لتعيش؟
عُثِرَ على بعض الكائنات ذاتية التغذية في أعماق المحيط والتي تستخدم الطاقة التي تستمدها من نواة الأرض لصنع غذائها ولا تعتمد على أشعة الشمس؛ ومثال عنها البكتيريا التي تعيش بالقرب من نفاثات المياه الساخنة التي تأتي من أعماق الأرض؛ والتي تسمى بالفتحات الحرارية المائية.
هذه البكتيريا التي تسمى "الكائنات ذاتية التغذية الكيميائية" تحصل على طاقتها من المواد الكيميائية والحرارة الصادرة عن هذه الفتحات، كما أنَّها لا تحتاج إلى الأوكسيجين، ويتم ذلك من خلال عملية تُدعى التخليق الكيميائي.
تتغذى بعض الكائنات الحية مثل الدودة الأنبوبية العملاقة "Riftia Pachyptila" على هذه البكتيريا وتعيش دون حاجتها إلى ضوء الشمس أيضاً.
هل تحتاج الحيوانات البحرية إلى ضوء الشمس؟
لقد أثبتنا بالفعل أنَّ ضوء الشمس أمر حيوي لبقاء معظم الحيوانات على قيد الحياة، ولكنَّ الفارق هو أنَّ كل حيوان يتطلَّب مستويات مختلفة منه ويستمده بطرائق مختلفة؛ بل حتى إنَّ أشعة الشمس المتلقاة تحدد الموائل الطبيعية لبعض الحيوانات سواء كانت تحت سطح البحر أم على اليابسة.
تتطلب حيوانات البحر المختلفة مستويات مختلفة من ضوء الشمس، فلا يستطيع بعضها مثلاً العيش قريباً من سطح البحر بسبب الدفء الذي توفره الشمس، بينما يحتاج بعضها الآخر إلى الشمس من أجل التظليل المعاكس؛ وهو المسؤول عن تكيُّف بعض الحيوانات مثل سمك القرش.
التظليل المعاكس هو سمة من سمات الحيوانات حين يكون الظلام في الجهة العلوية والإضاءة من الجانب السفلي، ويعمل كأسلوب تمويه؛ إذ عندما ينظر إليها حيوان مفترس من الأعلى تبدو وكأنَّها تمتزج بظلام المياه بالأسفل، وحين يطاردها من الأسفل تبدو وكأنَّها اندمجت مع المياه المُضاءة في الأعلى.
كما تعيش حيوانات أخرى في أرضيات المحيط في أسفل القاع، وتعتمد في غذائها على النباتات والكائنات الميتة التي تغرق من السطح، لكن في النهاية الطاقة التي تستمدها هي طاقة من أشعة الشمس، ولكنَّ الاختلاف بالطرائق.
كيف يمكن أن تؤثر أشعة الشمس في سلوك الحيوانات ونشاطها؟
للطاقة المستمدة من أشعة الشمس تأثيرات مختلفة في الحيوانات بصرف النظر عن مجرد توفير الطاقة لطعامها؛ إذ يمكن أن يؤثر ضوء الشمس ومدة التعرُّض له في نفسية الحيوانات وسلوكاتها وتشكُّلها.
تمتلك معظم الحيوانات أغطية للجسم تحميها من أشعة الشمس؛ كالفراء والشعر، ولكنَّ الإشعاع الشمسي يمكنه ببساطة اختراق هذه الأغطية ويتسبب بتنشيط وتسخين وتأين البروتوبلازما بعد التعرُّض الطويل له؛ مما يسبب ظهور طفرات في الحمض النووي لدى هذه الحيوانات.
كما يؤثر ضوء الشمس أيضاً في أنماط حركة بعض الحيوانات، فنقول مثلاً هذه الحيوانات ضوئية؛ أي بمعنى أنَّها تتحرك بشكل إيجابي نحو ضوء الشمس أو تبتعد بشكل سلبي عنه، وتشمل الحيوانات الضوئية الإيجابية طحالب اليوغولينا وحشرة راناترا وما إلى ذلك، بينما تشمل الحيوانات الضوئية السلبية ديدان الأرض والرخويات وغيرها.
تتأثر سرعة حركة هذه الحيوانات أيضاً في الضوء؛ فتقلل معظم الحيوانات من معدل حركتها عند استجابتها للضوء، كما تستخدم حيوانات أخرى كالمفصليات والأسماك والطيور الشمسَ مرجعاً لتجد طريقها من مكان إلى آخر؛ إذ تستخدم الشمس كنقطة علامٍ.
يعمل ضوء الشمس على تحسين نمو الحيوانات مثل يرقات السلمون ويعوق نمو حيوانات أخرى كيرقات بلح البحر.
في الختام:
الشمس مصدر طاقة نظيف ومستدام، ودونها لا توجد أيَّة حياة على هذه الأرض، ومع القدر الصحيح والمناسب من التعرُّض لأشعة الشمس في أوقات محددة كل يوم، نستطيع وجميع الكائنات الحية الحصول على احتياجاتنا الأساسية من الطاقة والغذاء.
أضف تعليقاً