قد يكون الغثيان الصباحي تجربة مزعجة ومؤثرة في جودة الحياة اليومية للمرأة الحامل، ولكن هناك عدة طرائق واستراتيجيات يمكن اتباعها للتخفيف من حدة هذا الشعور. لذا سنستعرض، في هذا المقال، بعض النصائح العملية التي تساعد المرأة الحامل على التكيف مع الغثيان الصباحي وتجاوزه بأسلوب صحي.
الأسباب المحتملة للغثيان الصباحي خلال الحمل
تُعد أسباب الغثيان الصباحي أثناء الحمل معقدة وتتداخل فيها عديدٌ من العوامل؛ إذ تؤثر التغيُّرات البيولوجية في جسم المرأة الحامل بطرائق مختلفة، مما يؤدي إلى ظهور هذا الشعور غير المريح. في ما يلي، تفسير لبعض الأسباب المحتملة:
1. التغيرات الهرمونية
- من أبرز أسباب الغثيان الصباحي هو الارتفاع المفاجئ في مستويات هرمون الحمل المعروف بهرمون الـ HCG؛ إذ يبدأ الجسم بإفراز هذا الهرمون بكميات كبيرة لدعم تطور الجنين والمشيمة.
- زيادة هرمون الإستروجين والبروجستيرون تؤدي أيضاً إلى تأثيرات في الجهاز الهضمي، إذ يعمل هرمون البروجسترون على إرخاء العضلات الملساء، بما في ذلك العضلات المبطنة للمعدة والأمعاء، مما يبطئ عملية الهضم وقد يؤدي إلى الشعور بالغثيان.
2. زيادة حساسية حاسة الشم والتذوق
تتزايد حساسية النساء الحوامل تجاه الروائح المختلفة، وقد يكون لبعض الروائح التي كانت محببة قبل الحمل تأثير مغاير أثناء الحمل، إذ تثير الشعور بالغثيان. وينتج هذا التأثير عن التغيُّرات الهرمونية التي تزيد من استجابة الجسم للروائح.
كما يُلاحظ أنّ بعض الأطعمة والمشروبات أو حتى الروائح البسيطة مثل القهوة، قد تثير الغثيان عند المرأة الحامل، وخاصةً خلال الأشهر الأولى.
3. التغيرات في الجهاز الهضمي
التغيرات في مستويات الهرمونات، بالإضافة إلى ضغط الرحم المتزايد على المعدة والجهاز الهضمي، يؤدي إلى صعوبة في عملية الهضم.
حيث تعاني بعض النساء من تباطؤ حركة الأمعاء مما يسبب الشعور بالانتفاخ والغثيان، وخاصةً عند تناول وجبات كبيرة أو ثقيلة. ويعتبر التباطؤ في حركة الجهاز الهضمي هو أمر طبيعي يحدث لضمان امتصاص أكبر قدر من العناصر الغذائية التي يحتاجها الجنين، ولكن يمكن لهذا أن يؤدي إلى الغثيان.
4. الإجهاد والتوتر
قد يكون القلق حيال الحمل أو المخاوف الصحية المستقبلية أحد العوامل التي تزيد من حدة الغثيان. فالتوتر والإجهاد يسببان تأثيراً سلبياً في المعدة والأعصاب، مما يزيد من احتمالية الشعور بالغثيان.
والنساء اللواتي يشعرن بالتوتر أو القلق المستمر قد يجدن أنفسهن أكثر عُرضةً للغثيان الصباحي.
5. نقص بعض العناصر الغذائية
تشير بعض الدراسات إلى أن نقص بعض العناصر الغذائية، مثل فيتامين ب6، قد يكون له دور في زيادة احتمالية الغثيان. حيث يعد فيتامين ب6 أحد الفيتامينات الضرورية لسلامة الأعصاب والجهاز الهضمي.
ويمكن أن يؤدي نقص المعادن مثل الحديد والمغنيسيوم أيضاً إلى تزايد الشعور بالغثيان. لذا، من الهامّ الحرص على تناول مكملات غذائية عند الضرورة ووفق إرشادات الطبيب.
نصائح للتخفيف من الغثيان الصباحي
يُعد الغثيان الصباحي أحد الأعراض التي يصعب على المرأة الحامل التعايش معها، وخاصةً في الأشهر الأولى. ولحسن الحظ، هناك عديدٌ من النصائح والإجراءات التي يمكن أن تساعد في تقليل هذا الشعور المزعج وتسهيل حياة الأم اليومية. إليكِ بعض النصائح الفعّالة للتخفيف من الغثيان الصباحي:
1. عدّلي النظام الغذائي
تُعد التغييرات في النظام الغذائي أحد أهم الخطوات للتعامل مع الغثيان الصباحي. حيث أن بعض الأطعمة قد تزيد من الشعور بالغثيان، بينما يساعد تناول وجبات خفيفة وصحية على تهدئة المعدة.
1.1. تناول وجبات صغيرة ومتكررة
تجنّبي تناول وجبات كبيرة، واستبدليها بوجبات صغيرة خفيفة موزعة على مدار اليوم. تكرار الوجبات يساعد على الحفاظ على مستوى ثابت من السكر في الدم، مما قد يقلل من الشعور بالغثيان.
2.1. الابتعاد عن الأطعمة الثقيلة والدهنية
قد تسبب الأطعمة الغنية بالدهون والتوابل اضطراباً في المعدة، مما يزيد من احتمالية الشعور بالغثيان. يُفضل التركيز على الأطعمة البسيطة مثل الخبز المحمص، أو الأرز، أو البسكويت الجاف.
3.1. الاحتفاظ بوجبة خفيفة قرب السرير
تناولي بعض البسكويت أو قطع من الخبز الجاف قبل النهوض من السرير صباحاً. يساعد هذا على تجنب انخفاض سكر الدم الذي قد يحدث في الصباح، وبالتالي يخفف من الشعور بالغثيان.
2. اشربي السوائل بانتظام
تُعد السوائل عاملاً هامّاً في المحافظة على رطوبة الجسم وتجنب الجفاف الذي قد يزيد من شدة الغثيان. لكن من الهامّ شرب السوائل بانتظام وليس بكميات كبيرة دفعةً واحدةً. بما يخصّ شرب السوائل، يجب مراعاة التالي:
1.2. تجنُّب شرب كمية كبيرة من الماء دفعة واحدة
تناول الماء على فترات متقطعة طوال اليوم؛ إذ إنّ شرب كميات كبيرة من السوائل مرة واحدة قد يثير الغثيان.
2.2. تجنُّب المشروبات التي تحتوي على الكافيين
قد يهيّج الكافيين المعدة ويزيد من الشعور بالغثيان، لذا يفضل الابتعاد عن القهوة والشاي الثقيل والمشروبات الغازية.
3.2. الاعتماد على شاي الأعشاب
يمكن لشاي النعناع أو شاي الزنجبيل أن يساعد في تهدئة المعدة وتخفيف الغثيان، ولكن يجب استشارة الطبيب قبل تناول أي نوع من الأعشاب.
3. استخدمي الزنجبيل
يُعرف الزنجبيل بخصائصه الطبيعية التي تساعد على تهدئة المعدة والتخفيف من الغثيان، وهو يعتبر خياراً آمناً للكثير من الحوامل.
1.3. تناوُل شاي الزنجبيل
إعداد كوب من شاي الزنجبيل الدافئ يمكن أن يكون مفيداً في الصباح أو خلال اليوم. يُفضل استخدام قطع طازجة من الزنجبيل لضمان فعالية أكبر.
2.3. استخدام كبسولات الزنجبيل
تتوفر في الصيدليات مكملات الزنجبيل على شكل كبسولات يمكن استخدامها بعد استشارة الطبيب. تُعد هذه الكبسولات خياراً لمن لا يفضلون طعم الزنجبيل.
3.3. تناول الحلويات أو المكسرات بنكهة الزنجبيل
تتوفر بعض الحلويات والمقرمشات بنكهة الزنجبيل، والتي قد تكون مناسبةً للمرأة الحامل للتناول كوجبة خفيفة.
4. مارسي تقنيات التنفس والاسترخاء
يزيد القلق والتوتر من الغثيان لدى بعض النساء. لذا، فإنّ تعلم تقنيات التنفس العميق والاسترخاء، يمكن أن يكون له تأثير إيجابي. عند ممارسة هذه التقنيات، يجب مراعاة التالي:
1.4. التنفس العميق والبطيء
تنفسي ببطء وعمق، وخاصةًَ عند الشعور بالغثيان. تساعد هذه التقنية على تقليل التوتر وإرخاء العضلات، مما قد يخفف من الشعور بالغثيان.
2.4. تجربة التأمل واليوغا
يمكن للتأمل واليوغا أن يساعدا في تهدئة الأعصاب وتخفيف التوتر، مما ينعكس إيجاباً على حالة المعدة. يمكن ممارسة اليوغا بلطف، أو الانضمام إلى دروس خاصة للحوامل.
3.4. استخدام الزيوت العطرية
تجد بعض النساء راحةً من الغثيان عند استنشاق روائح معينة (مثل زيت الليمون أو النعناع). ضعي قطرات من هذه الزيوت على منديل واستنشقيها عند الحاجة.
5. تناولي مكملات فيتامين ب6
يُعد فيتامين ب6 من الفيتامينات التي تساعد على التخفيف من الغثيان، وقد يصفه بعض الأطباء للنساء الحوامل اللاتي يعانين من غثيان شديد. عند تناول فيتامين ب6، يجب مراعاة التالي:
1.5. استشارة الطبيب
يجب دائماً استشارة الطبيب قبل تناول أي مكمل غذائي، خاصة خلال الحمل.
2.5. تناول الأطعمة الغنية بفيتامين ب6
يمكن الحصول على هذا الفيتامين من مصادر غذائية، مثل الحبوب الكاملة، والأسماك، والمكسرات، والدواجن.
متى يجب استشارة الطبيب؟
على الرغم من أنّ الغثيان الصباحي أمر طبيعي وشائع بين النساء الحوامل، إلا أنّ بعض الحالات تستدعي استشارة الطبيب، خاصةً إذا كانت الأعراض شديدة وتؤثر في الصحة العامة للمرأة. تعرفي على الأوقات التي يصبح فيها من الضروري الحصول على المساعدة الطبية:
1. استمرار الغثيان الشديد
إذا كان الغثيان مستمراً استمراراً لا يطاق، ويمنعك من ممارسة حياتك اليومية طبيعياً أو يعيقك عن تناول الطعام، فقد يكون ذلك علامةً على وجود مشكلة صحية تحتاج إلى متابعة طبية. في ما يلي، حالات تلزم فيها استشارة الطبيب:
2. فقدان الوزن السريع
في بعض الحالات، قد يؤدي الغثيان الشديد إلى فقدان كمية كبيرة من الوزن بسبب عدم القدرة على تناول الطعام أو شرب السوائل، وقد يكون ذلك مضراً بصحة الأم والجنين على الأمد الطويل. قد يشير فقدان الوزن السريع إلى حالة تُعرف باسم "التقيؤ الحملي المفرط"، وهي حالة تستدعي التدخل الطبي.
3. علامات الجفاف
يمكن أن يؤدي القيء المستمر إلى فقدان كمية كبيرة من السوائل، مما يزيد من خطر الجفاف. إذا لاحظتِ أعراضاً، مثل جفاف الفم، أو الدوار، أو قلة التبوُّل، أو الشعور بالتعب الشديد، فقد يكون ذلك علامة على الجفاف. الجفاف يمكن أن يؤثر سلباً في تدفق الدم إلى الجنين. لذا، من الهامّ معالجته بسرعة.
4. صعوبة الحفاظ على تناول الفيتامينات
تُعد الفيتامينات والمكملات الغذائية مثل حمض الفوليك ضروريةً لصحة الجنين ونموه السليم. إذا كان الغثيان يمنعكِ من تناول هذه المكملات، فقد تحتاجين إلى استشارة الطبيب لبحث بدائل أو طرائق أخرى لتلبية احتياجاتك الغذائية.
5. استمرار الغثيان بعد الأشهر الثلاثة الأولى
غالباً ما يخف الغثيان بعد الثلث الأول من الحمل، أي بحلول الأسبوع الثاني عشر تقريباً. إذا استمر بعد هذه الفترة، فقد يكون من الأفضل استشارة الطبيب للتأكد من عدم وجود مشكلة صحية تحتاج إلى متابعة.
يساعد التواصل مع الطبيب في تحديد ما إذا كانت الأعراض طبيعية أو إذا كانت هناك حاجة لاتخاذ إجراءات علاجية لضمان سلامة الأم والجنين.
في الختام
يُعد الغثيان الصباحي أحد الأعراض الشائعة والمزعجة التي تواجه عديداً من النساء الحوامل، لكنّه في الغالب يكون مؤقتاً ويختفي تدريجياً مع التقدم في الحمل. باتباع بعض النصائح التي تشمل تعديل النظام الغذائي، وشرب السوائل بانتظام، واستخدام الزنجبيل، إلى جانب ممارسة تقنيات التنفس والاسترخاء، يمكن للمرأة الحامل التخفيف من حدة هذا الشعور والتمتُّع بحمل أكثر راحةً.
من الضروري أيضاً أن تكون الحامل على دراية بالأعراض التي تستدعي استشارة الطبيب، لضمان سلامتها وسلامة جنينها. تذكري أنّ فترة الحمل مرحلة مؤقتة، والتحديات التي تصاحبها يمكن تجاوزها بالدعم الصحيح والاهتمام بالصحة الجسدية والنفسية.
أضف تعليقاً