لقب بعروة الصعاليك حيث جمع فيما بينهم وقادهم في الغارات ووزع عليهم الغنائم، فكان يسرق من الأغنياء لإطعام الفقراء والمساكين، ولا يغزو من أجل النهب والسلب، فأضفى على الصعلكة نوعًا من الاحترام والتقدير.
من هم الصعاليك؟
الصعاليك هم أفراد انتموا إلى قبائل مختلفة ولكنَّهم قرروا عدم الانتماء لسلطة قبائلهم، فعُرِف عنهم بأنَّهم انشقوا عنها ومنهم من طُرِد منها، لذلك قسمت الصعاليك إلى ثلاث فئات رئيسة:
1. فئة الخلعاء الشذاذ:
هم الأفراد الذين قامت قبائلهم بخلعهم نتيجة أفعالهم غير المتوافقة مع عادات وأعراف وتقاليد القبيلة، مثل قيس الحدادية.
2. فئة أبناء الحبشيات السود:
هم الذين نبذهم آباؤهم فلم يمنحوهم نسبهم، مثل تأبط شراً والشفرى.
3. فئة احترفت الصعلكة:
قامت بأفعال إيجابية فلم يُخلعوا من قبائلهم إنَّما حظوا بمكانة مرموقة فيها، لأنَّهم عملوا على استرداد حقوق الفقراء بالرغم من قيامهم باعتراض قوافل الأغنياء وأخذ الأموال والأشياء الثمينة منهم، ولكن ليس الغرض من ذلك النهب والسرقة؛ إنَّما الغرض هو مساعدة الفقراء والمحتاجين من المرضى أو المستضعفين في قبائلهم، وغالباً كانوا يستهدفون الأغنياء ممن عرفوا ببخلهم وأخلاقهم السيئة.
أبرز الشخصيات من فئة الصعاليك الثالثة نذكر عروة بن الورد، الذي عُرِف بأنَّه صعلوكاً يمتلك صفات فريدة، فقد تحلَّى بالشجاعة والإقدام والمروءة، فقد جعلته تلك الصفات سيداً للصعاليك، وقد صرخ المستضعفون ونادوه قائلين : "أغثنا يا أبا الصعاليك"، فمن هو عروة بن الورد؟ ولماذا استحق ذلك اللقب بجدارة؟
هذا ما سنتعرف إليه في مقالنا الحالي، كما أنَّنا سنحدثك عن شعر عروة بن الورد الذي خلد حتى يومنا الحالي، فتابع القراءة.
نبذة عن عروة بن الورد:
هو الشاعر عروة بن الورد بن زيد بن عمر بن عبد الله بن ناشب بن هريم بن لديم بن عوذ بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن الريث بن غضفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر بن نزار، أحد أكرم وأهم شعراء العصر الجاهلي وأيضاً أحد فرسانها الفريدين، كما أنَّه صعلوك من صعاليكها الشجعان والأجواد، فأطلق عليه نتيجة ذلك العديد من الألقاب والمتعلقة بالصعاليك خاصة مثل "عروة الصعاليك" و"أمير الصعاليك" و"أبا الصعاليك"، فقد جعل عروة بن الورد من الصعلكة تياراً فكرياً وحركة تسعى إلى نصرة ومساندة الضعفاء والمظلومين؛ لذلك استحق تلك الألقاب بجدارة.
ولد عروة بن الورد في الجزيرة العربية وأقام في الحجاز تحديداً، وتزوج من سلمى الغفارية ثم من تماضر العبسية، أما أولاده فيذكر أنَّهم حسان ووهب ومالك وزيد.
حياة عروة بن الورد:
ينتمي عروة بن الورد إلى قبيلة عبس بينما والدته من قبيلة نهد، كما ذُكر في شعر عروة بن الورد أنَّه كان شديد الهجاء لأخواله ويسخط على العلاقة التي جمعت والده بوالدته، وغالباً يعود ذلك إلى كون قبيلة نهد ليست بمستوى قبيلة عبس، فقد قال عروة:
هم عيَّروني أنَّ أمي غريبةٌ
وهل في كريم ماجد ما يُعيَّر
عن خطأ أبيه بزواجه من أمه قال عروة بن الورد:
لا تلم شيخي فما أدري به
غير أن شارك نهداً في النسب
كان في قيس حسيباً ماجداً
فأتت نهدٌ على ذاك الحسب
كما ورد في شعر عروة بن الورد عن أخواله ما يأتي:
ما بيَ من عار إخالُ علمتُه
سوى أنَّ أخوالي إذا نُسبوا نَهد
لكن بالرغم من نعت عروة بن الورد لنسب أمه، لكنَّه مدحها ووصف شخصيتها الرائعة وكرمها في شعره فقد تعلق بها كثيراً، ويذكر أنَّ والد عروة بن الورد كان يؤثر عليه أخيه الأكبر، فشعر عروة بالظلم في بدايته وأثر ذلك في شخصيته ومسيرته في الحياة.
بشكل عام، تحلى عروة بن الورد بمكارم الأخلاق، وهذا ما جعل معاوية بن أبي سفيان يقول عن عروة بن الورد: "لو كان لعروة بن الورد ولد، لأحببتُ أن أتزوَّج إليهم"، وقد ذُكِرت غيرها الكثير من الأحاديث التي تمدح كرمه وقدرته على تفريج الشدائد عن الناس، فمثلاً ذُكِر أنَّ عبد الملك بن مروان قال فيه: "من زعم أنَّ حاتماً أسمح الناس، فقد ظلم عروة بن الورد".
ذات يوم غزى عروة بن الورد قوماً من بني كنانة فأصاب فتاة تدعى سلمى الغفارية وتُكنَّى "أم وهب"، فقام عروة بن الورد بعتقها وتزوجها، وكانت سلمى راغبة بذلك الزواج، وقد ذُكرت سلمى في شعر عروة بن الورد، فوصف خوفه عليها لكونه يقوم بالغارات باستمرار ويلقي بنفسه إلى التهلكة، وهذا ما جعله يقول لسلمى: "لا تلوميني يا بنت منذر، ونامي إن شئت وإن لم ترغبي في النوم فاسهري، اتركيني واتركي نفسي لأمر هو خير لي قبل أن يحين الموت لا ينفع البيع والشراء، وتبقى الأحاديث ويزول الفتى غير الخالد، إذا غفل عن الهموم والمصائب العظيمة".
بمرور الزمن وبعد قتل رفاق عروة بن الورد الصعاليك، شعر عروة بأنَّه لا جدوى من عمله، فلا يمكن تغيير حال كامل الجزيرة العربية وبشكل شامل، فقرر حينها أن يعود إلى قبيلته الأم ويصالح الأسياد فيها، فعادت إليه مكانته المرموقة بين أفراد قبيلته والعرب عامة، وركَّز على الإصلاح المحلي في القبيلة، فلم ينفك عن مناصرة المظلوم ومساندة العبد والفقير لدرجة أنَّ عروة بن الورد كان يؤثر الآخرين على نفسه، فظهر عليه التعب ونحف جسده، فبدأت الناس تلومه على ذلك وتعيِّره فرد عليهم بما يأتي:
إنِّي امرؤ عافي إنائي شركةٌ
وأنت امرؤ عافي إنائك واحد
أتهزأ مني أن سَمنتَ وأن ترى
بوجهي شحوب الحق والحق جاهد
أقسِّم جسمي في جسوم كثيرة
وأحسو قَرَاح الماء والماء بارد
ليدرك الجميع مدى زهد عروة بن الورد في الحياة، ومدى حرصه على إظهار الحق لو تطلَّب ذلك منه الكثير.
شعر عروة بن الورد:
تميز عروة بن الورد بأنَّه شاعر وليس فارساً شجاعاً فحسب، فقد كتب العديد من القصائد، وله ديوان شعر قد شرحه ابن السكيت، ويُذكَر بأنَّ شعر عروة بن الورد قد تم جمعه من قبل الأصمعي وابن السكيت، ولكن لم يصل للناس إلا الثاني.
وهو من رواد الشعر الجاهلي فقد ترك شعر عروة بن الورد بصمة وأثراً في تاريخ الأدب العربي أظهر فيه فسلفته ورؤيته الفكرية، وبحسب النقاد والمحللين فإنَّ رؤيته تساعد على حل كثير من المشكلات الحياتية، وهذا ما دفع الكثيرين للتحليل والبحث والكتابة عن عروة بن الورد، بدءاً من سوق عكاظ الذي تحدث فيه الناس كثيراً عنه ثم المؤرخين الإسلاميين ثم العصر الحديث، فقد أنتجت العديد من الأعمال في المسرح والسينما والتلفاز أيضاً لتجسيد شخصية عروة بن الورد كونها شخصية تاريخية هامة جداً.
أما بالنسبة إلى منافسيه في الشعر، فقد تنافس عروة بن الورد مع عنترة بن شداد في الشعر لأنَّهما شاعران عُدَّا أفضل شعراء العصر الجاهلي، ولكن اختلفت حياة عروة بن الورد عن حياة عنترة بن شداد؛ فعروة من أثرياء قبيلته بينما عنترة بدأ حياته عبداً ثم أصبح فارساً شجاعاً وحصل على سيادة قومه، فذلك ما تسبب بوجود فروقات في شعر عروة بن الورد عن شعر عنترة بن شداد.
خصائص شعر عروة بن الورد:
تميَّز شعر عروة بن الورد بعدة نقاط نتجت عن شخصيته وطريقة تفكيره في الحياة بشكل عام، وهي ما يأتي:
- ابتعد عروة بن الورد في شعره عن التصنع والتكلف أو الإكثار من التأملات الذاتية.
- ظل عروة بن الورد قريباً من الواقع وما يتضمنه من قصص.
- تميز شعر عروة بن الورد بسهولة الألفاظ ووضوحها وسلاسة الصياغة، فشعر الجميع بسرعة فهم كلماته.
- برع عروة باستخدام أسلوب النقاش ومحاورة الآخرين، وكان يعرف جيداً كيف يوضح المواقف ويبرز المعاني الحقيقية بوجود الأمثلة الدالة على رأيه، وباستخدام اللوحات المتناقضة التي تساعد على شرح الموقف الذي يتحدث عنه.
- إنَّ شعر عروة بن الورد مثل شعر مختلف الصعاليك، فقد غلب عليه أنَّه مقطوعات صغيرة أو عدة أبيات يتم قولها في مناسبة معينة.
وفاة عروة بن الورد:
عندما قامت حرب الداحس والغبراء بين قبيلتي عبس وذبيان خسرت العرب خسائر فادحة، فالضحايا نتيجة الحرب كثر، ومن بينهم أفضل الفرسان، فقد خسر العرب الفارسان والشاعران عروة بن الورد وعنترة بن شداد أيضاً، وكانت وفاة عروة بن الورد قبل الإسلام بحوالي ست وعشرين سنة كما يقال، ويذكر أيضاً أنَّ عروة بن الورد قد توفي في أحد غاراته.
في الختام:
عروة بن الورد شاعر جاهلي وفارس شجاع وصعلوك تميز بنصرة الفقير وحبِّه لإحقاق الحق على حساب حياته وصحته ونفسه، فقد رفع عروة بن الورد من شأن الصعاليك وعُدَّ من الأسياد، أما شعر عروة بن الورد فتميز بأنَّه واقعي يصف أفكاره وفلسفته في الحياة، وكانت قصائده مقطوعات ليست بالطويلة غالباً.
كما أنَّه استخدم الكلام الوضح والصور الواقعية وابتعد عن التصنع في شعره؛ لذلك تميز بالسلاسة والبساطة، وبالرغم من ذلك فقد ترك بصمة واضحة في الشعر والأدب وفي الحياة بشكل عام، فقد قام بكثير من الغارات وساهم في تفريج الشدائد، فحقق بذلك مكانة مرموقة بين العرب.
أضف تعليقاً