عادةً، الأشياء التي نرغب في تغييرها هي تلك التي نقوم بها للدفاع عن أنفسنا، وتحمي هذه السلوكات الدفاعية ضعفنا، وقد تشمل الانسحاب من الخلافات، أو التحمس الزائد في المحادثات، أو أن نصبح غامضين في تفكيرنا أو مجموعة متنوعة من الأفعال الأخرى، بعضها قد تعترف بها كأشكال خفيفة من استجابات "الكر أو الفر".
مهما كانت رغبتنا في التخلص من هذه السلوكات، يجدر بنا النظر في الأشياء الإيجابية التي قد تقدمها هذه السلوكات الدفاعية، وتهدف هذه الأفعال الدفاعية في كثير من الحالات إلى الحفاظ على سلامتنا من التهديدات، وفي بعض الأحيان تعمل بشكل جيد، حتى لو كان لها تأثير سلبي في الآخرين.
لا تحتاج إلى تهديد لتشعر بالتهديد:
المفتاح لفهم هذه السلوكات هو الاعتراف بأنَّه حتى لو لم يكن هناك تهديد فعلي، قد نشعر بالضعف وأنَّه لا يوجد - على الأمد القصير على الأقل - ما يمكننا فعله لتغيير هذه التصورات.
عندما نشعر بالتهديد، نكون تحت ضغط شديد، ويمكن أن يكون من الصعب جداً التوقف عن ممارسة السلوكات التي نعتقد أنَّها ستجعلنا أكثر أماناً، تخيَّل الأمر؛ تخيَّل وضعاً يهددك، ويقترح شخص ما عليك أن تتخلى عن دفاعاتك، فهل ستفعل ذلك؟ طبعاً لا.
لكن إذا قمت بذلك، ستشعر عادةً بمزيد من التهديد والاستعداد أكثر للدفاع عن نفسك.
العمل على دفاعاتنا النفسية:
عند العمل على دفاعاتنا، يجب أن نضع في حسباننا أنَّ الشعور بالضعف يجعل التغيير أكثر صعوبة؛ لذلك إذا شعر الناس بأنَّهم قادرون على الدفاع، فسوف يشعرون بالأمان والاطمئنان، ومع مرور الوقت قد يؤدي هذا الأمان إلى شعور طبيعي بالطمأنينة وتقليل الحذر والدفاعات.
مفارقة الدفاعات النفسية:
على الرغم من أنَّ الدفاعات النفسية توفر درجة من الراحة وشكلاً من أشكال الأمان، إلا أنَّها تميل أيضاً إلى التشويش والتكيف غير الصحي في حياة البالغين، ومع ذلك، تشكِّل درجات متفاوتة من تكوين الدفاع ضرورة افتراضية للطفل في طور التطور، ويختبر جميع الأطفال كمية معينة من الألم العاطفي والإحباط في سنوات تطورهم منذ بداية حياتهم.
يكون الرضيع عرضة لأقصى درجات الضعف والاستجابة الكاملة للضغوطات، ومع ذلك، يصعب اكتشاف الصدمات النفسية وانحراف التواصل الوالدي من الخارج خلال هذه الفترة، إنَّه وقت تطور الدماغ بشكل سريع وتوصيل الخبرات العاطفية، والرضيع ليس لديه كلمات أو لغة للتعبير عن حالته العاطفية أو شرحها.
حتى في جوٍّ هادئ نسبياً، قد يحدث بعض الضرر بسبب الاستجابة المكثفة لحواس الرضيع، على سبيل المثال، زيادة التحفيز أو نقصه، ويوفر اعتماد الرضيع المطول على والديه للبقاء البدني والنفسي الشرط الأول لتكوين الدفاع، فحاجة الرضيع إلى دعم الأم هي حاجة مطلقة، وفشل توفيرها يكاد يكون شبه عالمياً من حيث الدرجات المتفاوتة من عدم الاستقرار العصبي، هي القاعدة بدلاً من الاستثناء.
قد تؤثر التفاعلات التافهة مع والدين غير حساسين بشكل جدي في رفاهية الطفل، وحتى مع وجود والدين جيدين نسبياً، توجد بعض القيود والنواقص التي تضر بتكوين الذات الناشئة.
خلال الـ 18 شهراً الأولى من الحياة، يتم توصيل اتصالات عصبية هامة في دماغ الرضيع أو الطفل الصغير، وعندما يختبر الطفل تفاعلات قاسية أو مفزعة مع والديه، يجعل التوتر الذي يختبره من الصعب على الطفل إنشاء كلمات للمشاعر أو إنشاء قصة ذات مغزى لحياته الداخلية.
يُظهر الأطفال الذين تعرضوا للإساءة الجسدية مستويات عالية من العاطفة السلبية، في حين يُظهر الأطفال المهمَلون تسطحاً في العاطفة، ولكن أسوأ سيناريو يتمثل في الطفل الذي يختبر كل من الإساءة والإهمال.
يوجد اتفاق على أنَّ الصدمات البينية الشديدة قد تتجاوز أي عامل من عوامل المرونة الجينية أو الاجتماعية أو النفسية، وفيما يتعلق بالآثار طويلة الأمد للإهمال والتعذيب وغيرها من العوامل البيئية الضارة في وظيفة الكبار، أظهرت الأبحاث أنَّ عدد التجارب الطفولية السلبية يتناسب طرداً مع شدة الاضطرابات الطبية والنفسية للكبار.
للأسف، حتى لو نجا الطفل من آثار إصابته بصدمات بينية بشكل نسبي دون أذى كبير، سيتعين عليه التعامل مع التأثيرات المؤلمة للقلق الوجودي، وتشكل مخاوف الموت وحدها سبباً كافياً لتشكيل الدفاع النفسي.
ثمة صراع أساسي داخل كل شخص يتمحور حول الاختيار بين التصدي للوقائع المؤلمة أو تجنُّبها، والسؤال هو ما إذا كان يجب علينا العيش مع الألم العاطفي أم أن ندافع عن أنفسنا ونهرب إلى عالم غير واقعي.
نحن جميعاً مُعرَّضون لهذا الصراع الأساسي، فيؤثر تحوُّل هذا الصراع نحو نمط حياة أكثر دفاعية سلباً في الصحة العاطفية والوظيفة الشاملة للفرد، ومع ذلك، فإنَّ تكوين الدفاعات النفسية لا يمكن تجنبه عندما يتراكم القلق والألم العاطفي في الطفل في طور التطور.
شاهد بالفيديو: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية
وصف أسلوب حياة الشخص الدفاعي:
عندما يكون الناس في حالة دفاع، يميلون إلى تجنُّب تأثيرات تجاربهم وفقدان الشعور الكبير بأنفسهم وبالآخرين، وفي هذه الحالة الدفاعية للنفس، يتمركز تركيزهم داخلياً على أنفسهم بدلاً من أن يكون نحو الخارج والناس، وتتضرر قدرتهم على تقديم وقبول الحب، ويميلون إلى تقييد التعاملات الشخصية كالأخذ والعطاء.
في كتاب "العدو الداخلي: نظرية الفصل والعلاج بالصوت"، أبرز الكاتب أنَّ هذه الحالة الداخلية يجب أن تُميَّز عن الوقت الذي يقضيه الفرد وحده في التأمل الذاتي، والتفكير الداخلي، والعمل الإبداعي، والتأمل، أو السعي الروحي والفكري الآخر.
بشكل أساسي، يتضمن ذلك عملية النظر إلى الشخص نفسه بصفته كائناً أكثر من كونه شخصاً، فيطوِّر كل فرد طرائق خاصة لتقديم نفسه وتحنيطها والانفصال عن المشاعر غير المريحة وتجارب الحياة.
الخصائص الرئيسة للشخص الدفاعي:
تشمل الخصائص الرئيسة للشخص الدفاعي ما يأتي:
- فقدان الشعور ودرجات متفاوتة من الانحدار الشخصي.
- الميل نحو الاعتماد على المواد والسلوكات الإدمانية المرضية للذات.
- تفضيل الانعزال وتحقيق الرغبة في الخيال على الرضى المستمد من الإنجازات الحقيقية أو العلاقات.
- تجاهُل الآخرين وتجاهُل الذات بمواقف ساخرة وشكوك تجاه الآخرين وتوجيه الانتقادات للذات.
أضرار الدفاعات النفسية:
بشكل أساسي، تقوم الدفاعات النفسية مثل التبرير، والكبت، والإنكار، والإسقاط بتقييد تجربة الحياة، وتشويه تصوُّر الفرد للواقع، وتميل إلى تكوين استجابات غير صحيحة، وتجنُّب المخاطر الضرورية، وتؤدي دوراً كبيراً في تكرار الاضطراب، فيميل الناس إلى تكرار نفس الأخطاء والاختيارات غير المناسبة.
كما تؤثر الدفاعات سلباً في العلاقات، خاصة مع الشريك أو الأطفال، وإنَّها تسهم في فهم نوايا الآخرين بشكل خاطئ وعدم التواصل السليم مع الآخرين.
لا يمكن أن يكون الفرد دفاعياً بطريقة بريئة، فالدفاع لا يؤثر فيك فقط، بل يؤثر أيضاً في الآخرين، خاصة أقرب الناس إليك، ويميل الدفاع إلى أن يمنع أو يتداخل مع تطوير علاقات حقيقية ومرضية، ويتركك وحيداً متوتراً تجاه أولئك الذين قد تتبادل معهم مشاعر دافئة وحميمة.
في حال كنت دفاعياً، فإنَّك تقطع الاتصال بقدرتك على تجربة الإحساس الحقيقي، سواء كان جيداً أم سيئاً، وتسير عبر حياتك في حالة من الخمول والخدر العاطفي.
يعاني الأفراد المدافعون من عقدة الذنب، خاصة الذنب الوجودي، ويشعرون بالندم على حياة لم يعيشوها بشكل كامل، وإضافة إلى ذلك، يكونون عرضة لأفكار الانتقاد الذاتي عن كونهم دفاعيين أو غير متاحين، وتملأ الحياة الدفاعية الأفراد بشعور العجز وتحافظ على ربطهم بماضٍ قد يكون مؤلماً.
على الرغم من أنَّنا قد ندرك جزئياً أنَّنا لم نعد بحاجة إلى نوع الحماية التي قدمتها دفاعاتنا في السابق، لكنَّنا غالباً ما نتشبث بها كما لو كانت حياتنا تعتمد عليها، على سبيل المثال، لماذا يحتفظ الكثيرون برؤية مشوهة أو حتى سلبية لأنفسهم، بصرف النظر عن مدى عدم واقعيتها؟ ولماذا يكون من الصعب جداً تغيير هوية خاطئة أو التخلي عن دفاعات العادات الأخرى حتى عندما ندرك تأثيراتها الضارة؟
تتميز حياة الشخص المدافع عادةً بالتمسك اليائس بالروابط الإدمانية والاعتماد على أنماط العادات التي توفر للنفس الراحة، ونظراً لأنَّ هذه الأنماط الدفاعية تتغذى على نفسها وتصبح في النهاية عادية؛ فيحدث تدهور تدريجي في مجمل المجالات الوظيفية، وتسبب هذه الأنماط فقدان الطاقة، وتؤثر أيضاً سلباً في مجالات حياتهم الهامة وتقتصر على مبادراتهم.
في الختام:
جميع البشر عُرضة لدرجة معينة من الصدمة في سنوات تطورهم وعرضة لتطوير دفاعات لصد الألم، وعلى الرغم من أنَّ هذه الآليات الدفاعية تقدم درجة معينة من الراحة، لكنَّها تؤدي أيضاً إلى التشويه والسلوكات غير الصحية في حياة الكبار.
يميل الأفراد الذين يكونون أكثر دفاعاً إلى أن يكونوا محدودين عاطفياً ومشددين ومعزولين وغير واثقين، ويعتمدون بشكل كبير على المواد والروتينات المريحة للنفس، ويواجهون مشكلات في الحفاظ على علاقات شخصية مرضية.
على النقيض، يميل الأفراد الذين يكونون أقل دفاعاً إلى الشعور بالحرية، ولديهم إمكانات أكبر لتجربة مشاعرهم، ومن ذلك زيادة القدرة على الشعور بفرح وسعادة الحياة، وزيادة تقبُّلهم للحميمية، كما أنَّهم أكثر وعياً بالألم الذي يكمن في الحياة، ويبدو أنَّهم أكثر استجابة وتكيفاً مع الأحداث التي تؤثر في رفاهيتهم.
الأشخاص الذين يكونون غير دفاعيين بشكل نسبي يستطيعون العيش بشكل كامل وأصيل، ويميلون إلى التعامل بشكل أكثر إنسانية مع الآخرين.
وفي ضوء مزايا العيش غير الدفاعي، كيف يمكننا التعرُّف إلى دفاعاتنا والتعامُل معها بشكل أفضل؟ بوضوح، لا يوجد حل بسيط ولكن بشكل عام، يمكننا تجنُّب الاتجاهات الصارمة، والبقاء متاحين للنقد البناء والسعي إلى تجربة تحليلية نفسية توفر أقصى تعرُّض وفهم لدفاعاتنا.
أضف تعليقاً