لقد تبّحرت في قيمي، واختبرت تقلّباتها، إلى أن عرفتُ من أنا؟ وما معنى وجودي؟ وأين تكمن قيمتي؟ نعم، لقد عشتُ حياتي في محاولةٍ للإجابة عن أكثر الأسئلة الوجوديّة؛ فلم أحيا حياةً تقليديّة. كلُّ ما في حياتي كان متفرِّداً، ومتميّزاً، ومختلفاً. استطعتُ أن أغوص في كلّ الأديان لأكتشف أخيراً الدّين الحقيقيّ، وغصتُ في التناقضات. نعم، مَن قال أنّ الحياة يجب أن تكون ثابتة؟ الحياة إن لم تكن مُتقلّبةً، مجنونةً وعقلانيّةً، متمرّدةً وحكيمةً، هادئةً وصاخبة؛ فلن تستحق حينها أن يُطْلَقَ عليها كلمة "حياة". نعم، أنا عاشقٌ للحياة، أعشق مراوغتها وبراءتها، لينها وقسوتها، بساطتها وتعقيدها، عاشقٌ لكلِّ ذرةٍ فيها، أتعلّم منها في كلِّ يوم.
أتظنّ أنّني بحّارٌ يجوب بلدان العالم، أم مسافرٌ يحلم باكتشاف ذاته وأعماقه، أم رجل أعمالٍ يقضي حياته في الطّائرة، ويستخلص من قراءاته وملاحظاته وسفراته أعظم الحكم؟
أنا في الحقيقة أبسط من ذلك بكثير: أنا شخصٌ عاشق، عاشقٌ لأسمى ما في الحياة، عاشقٌ لشيءٍ أضاءني، رفعني، وصنعني.
أجلس أغلب الأحيان في منزلي المتواضع، ولم تطأ قدمايّ أرضاً غير وطني، لكنّي غنيٌّ جداً، وحكيمٌ جداً، وروحي مُتدفقةٌ بالحياة، لأنّني في حالة عشقٍ حقيقيٍّ للكتاب؛ فهو الذي أوصلني إلى هذه المرحلة في حياتي، وهو من صقل شخصيّتي ومكّنني من إيجاد العمق في كلّ جزئيات حياتي. وهل من شيءٍ يستحق الحبّ أكثر منه؟ هو مُنقذي، وأملي، وكياني.
معرض الرياض الدوليّ للكتاب:
الكتب هي المحرّك الأساسيّ لنهضة الحضارات، ويهتّم العديد من الأفراد في مختلف البلدان والثقافات بممارسة القراءة، حيث تُقيم العديد من البلدان المبادرات والأحداث العديدة لتحفيز الآخرين على القراءة، ولعلّ واحداً من أهمّ الأحداث هو ما تشهده العاصمة السّعوديّة من تظاهرةٍ ثقافيّة، ألا وهي: معرض الرياض الدوليّ للكتاب.
يعدّ معرض الرياض الدوليّ للكتاب، إضاءةً مميّزةً ونوعيّةً للعمل الثقافيّ في المملكة العربيّة السعوديّة، بمشاركة أكثر من مليون ومئتي ألف عنوان كتاب، من دولٍ عربيّةٍ وأجنبيّة، ومن خلال أكثر من 500 دار نشر، إلى جانب الأجنحة الرسميّة لعددٍ من القطّاعات الحكوميّة ومؤسسات المجتمع المهتّمة بالثقافة والكتاب.
تقوم وزارة الإعلام والثقافة بدعمه ودعم أُطره التنظيميّة، حيث عملت الوزارة على إطلاق حزمةٍ من آليّات العمل النوعيّة لدعم خدمة الثّقافة والمثقّفين، ودعم المؤلِّفين والنّاشرين. وكان التّركيز نوعيّاً على تيسير عمليّة تداول المعرفة سواءً بصيغتها المِنبريّة في البرنامج الثقافيّ، أم بصيغتها التّسويقيّة الموجودة في ردهات المعرض، أم بصيغتها البصريّة والسمعيّة من خلال مواكبة فعاليات المعرض بمجموعةٍ من معارض الصور وغير ذلك، أم بصيغتها الإعلاميّة من خلال وسائل الاتصال المختلفة.
يُقام المعرض في الشّهر الثّالث من كلّ سنةٍ ميلاديّة، ويلتقي أكثر من مليون زائرٍ من المثقّفين والباحثين والنّاشرين من كلّ بلدان العالم على مدار عشرة أيام.
في أجنحة المعرض وفي أقسامه تمتزج آلاف العناوين من الكتب، التي تعتبر خلاصة التجارب وعصارة الأفكار من مختلف الثّقافات.
تحرص وزارة الثّقافة والإعلام على ظهور المعرض بشكلٍ مميّز يُرضِي جميع الأطراف في مختلف توجّهاتها الفكريّة والثّقافيّة، وكما تقوم الوزارة بتنظيم المبادرات والأمسيات الثّقافيّة والمحاضرات والنّدوات واللقاءات بالمؤلفين وورشات العمل وفعاليات الأسرة والطفل وحفلات توقيع الكتب والمؤلفات.
إحصائيّاتٌ دقيقة:
يعدّ معرض الرياض الدوليّ للكتاب، من أهمِّ المعارض على مستوى الوطن العربيّ، في حجم المبيعات وعدد الزّوار.
أُعتمِدت الكاميرات الحراريّة والأجهزة اللّوحيّة منذ عام 2018، أي في الدّورة العاشرة لمعرض الرياض الدوليّ للكتاب الذي كان شعاره: "الكتاب ذاكرةٌ لا تشيخ"؛ وذلك لرصد عدد الزّائرين، ولقياس حجم الشّراء من الكتب، وأكثرها مبيعاً.
لوحظ غياب الإحصائيّات الدّقيقة لحجم المبيعات، فطُرِحت فكرة فواصل الكتب؛ بحيث يكون لكلّ زائرٍ من النساء أو الرجال أو الأطفال، لونٌ معيّنٌ، وذلك بهدف معرفة عدد الزّوار الدّقيق، ومن أيّ جنس.
بالإضافة إلى ذلك، اعتمِدت الفاتورة التفصيليّة؛ التي تحوي على أسماء وعناوين الكتب المُباعة، بحيث يسهل الوصول إلى حجم المبيعات الفعليّ، والكتب الأكثر مبيعاً في المعرض.
فعاليات تنميّة الطفل:
يُشارك جناح الطفل في فعاليات معرض الرياض الدوليّ للكتاب؛ من خلال هويّةٍ متجددةٍ تتنوّع ما بين التّعليم والتّدريب والتّرفيه، ويهدف إلى تعزيز حبّ القراءة والكتابة لدى الطفل.
ولا يقتصر الجناح على الطفل، بل تستطيع العائلة مشاركته فيه. ويُقسم الجناح إلى مجموعةٍ من الفعاليات، مثل: الأركان، ورشات العمل، الحكواتي، والمسرحيّات الثّقافية.
تُدرَس ميول الطفل في فعاليّة الأركان، حيث يوجد ركنٌ للقراءة، وآخر للكتابة، وثالث للرّسم، وأركان أخرى تُحرِّك حواس الطفل، وتكشُف ميوله.
تُعتمَد أساليبٌ مشوّقة في الفعاليات، بحيث تساعد في جذب الطفل، وتنميّة حبّ التعلّم والقراءة لديه.
تأجيل معرض الرياض الدوليّ للكتاب 2020:
أطلقت وزارة الثّقافة شعاراً خاصاً بمعرض الرياض الدوليّ للكتاب 2020، وتضمّن الشعار تحويراً لاسم مدينة الرياض، ورسمه على هيئة كتبٍ مرصوفة في مكتبةٍ وبألوان مشتّقةٍ من ألوان الشعار الرسميّ للوزارة، ومُزجَت هذه العناصر في قالبٍ واحدٍ يعكس روح المعرض ويعبّر عن محتواه.
وقد أعلنت وزارة الثّقافة السعوديّة عن تأجيل معرض الرياض الدوليّ للكتاب، الذي كان من المقرر انطلاقه في الفترة من 2 إلى 11 أبريل (نيسان) 2020. وأكدّت وزارة الثّقافة أنّ التّأجيل جاء احترازاً وحرصاً على سلامة زوّار المعرض والعاملين فيه من الجنسيّات كافة. وقالت الوزارة أنّه تقرّر تأجيل موعد انعقاد الدّورة المقبلة من معرض الرياض الدوليّ للكتاب لأسبابٍ وقائيّة تتعلّق بفيروس "كورونا COVID – 19" واستجابةً للتّوصية الصادرة عن اللجنة المشكّلة بالأمر السّامي برئاسة وزير الصحة الّتي أوصت بتأجيل الفعاليّة لما يترتب عليها من مخاطر صحيّة.
الخلاصة:
تتحمّل معارض الكتب مسؤوليّةً كبيرةً في السعيّ إلى توعيّة المجتمع، وتنويره، ليتمكّن القارئ من الحصول على الكتب التي تنمّي ذكاءه وطموحه وثقته وإيمانه، وثقافته.
إلّا أنّنا نلاحظ مؤخراً انتشاراً لظاهرة التأليف، أيّاً كان المحتوى، دون التّقيد بمعايير واضحة، فيكون المحتوى دون المستوى المطلوب، ولا يحقّق قيمةً مُضافةً للقارئ. أو أنّ يكون الكاتب من مؤثري صفحات التّواصل الاجتماعي، ليُقرّر بعدها التأليف وخوض غمار المعارض الكبيرة، في ظلّ معايير غير واضحة، لتأتيَ دُوْرُ النّشر وتستغلّ مثل هؤلاء المشاهير بهدف التّرويج لمنتجاتها، ممّا يُضعف من مبيعات الكتب ذات المحتوى القيّم.
في حين تخضع دور النشر المشاركة في معرض الرياض الدوليّ لمعايير معينة؛ مثل: عدد إصدارات الدّار منذ تأسيسها وحتى وقت مشاركتها، وتنوّع الموضوعات حسب المعارف والتخصصات، والإصدارات الحديثة للدّار للعام السّابق للمعرض، والتّحكيم العلميّ للنشر، والذي يشمل سمعة المؤلِّفين الذين تطبع لهم الدار، ومقدار الإضافة العلميّة لهذه الكتب، إضافةً إلى الإخراج الفني وجودة الطباعة لإصدارات الدّار وخلّوها من العيوب والأخطاء.
فيجب أن يكون معرض الرياض الدوليّ للكتاب قدوةً لغيره من المعارض، من ناحية الخوف الحقيقيّ على مصلحة القارئ، والرغبة في جعله أفضل ما يكون.
أضف تعليقاً