لقد فكَّر كثيرون في هذا السؤال، وقد تختلف الإجابة وَفقَ من تسأل، ففي هذا المقال سوف نستكشف كيف تطوَّرت الكتابة مع الزمن والشخصيات المشهورة؟ وكيف يعني أن تصبح كاتباً؟ وسوف نحدِّد ونحلِّل الأفرادَ المؤثِّرين الذين ساهموا في هذا المجال، وسنناقش وجهات النظر المختلفة عما يعنيه أن تصبح كاتباً.
تعريف الكتابة:
الكتابة هي شكلٌ من أشكال الفنِّ الخالد الذي قُدِّرَ واعتُزَّ به خلال التاريخ، وتعدُّ القدرة على توصيل الأفكار والقصص والعواطف من خلال الكلمات المكتوبة أداةً قويَّةً لديها تساهم في تشكيل الآراء وحبِّ التغيير وربط الناس من خلال الثقافات والأجيال، وأن تصبح كاتباً لا يعني فقط إتقان حرفةِ الكتابة، ولكن أيضاً يعني تبنِّي طريقة فريدة للنَّظر إلى العالم والتعبير عن نفسك تعبيراً إبداعيَّاً.
كيف تطورت الكتابة مع الزمن؟
كان فنُّ الكتابةِ جزءاً لا يتجزَّأ من الحضارة الإنسانية منذ بدايتها، من الكَتَبة القدامى الذين يُسجِّلون الأحداث الهامَّةَ على ألواحٍ طينيةٍ إلى مؤلِّفي العصر الحديث الذين يكتبون الروايات الأكثر مبيعاً، تطورت الكتابة بمرور الوقت ولكنَّها ظلَّت شكلاً أساسياً من أشكال التعبير، ففي الحضارات القديمة مثل بلاد ما بين النهرين ومصر، كانت الكتابة مخصَّصة للنُّخبة وكانت تستخدم في المقام الأول لحفظ السجلَّات والأغراض الإدارية، ومع ازدياد تعقيد المجتمعات، زادت الحاجة إلى التواصل الكتابي، وهذا أدَّى إلى تطوير أنظمة الكتابة وانتشار معرفة القراءة والكتابة.
خلال العصور الوسطى، أصبحت الكتابةُ مرتبطةً ارتباطاً وثيقاً بالدين والعلم، قام الرهبان بنسخ وحفظ النصوص الهامَّة، وهذا يضمن انتقال المعرفة من خلال الأجيال، شهد عصر النهضة تجدُّد الاهتمام بالأدب والشعر، فقدَّم الكتَّاب مثل "ويليام شكسبير" و"دانتي أليغييري" مساهماتٍ كبيرةً في هذا المجال، وأحدث اختراع آلة الطباعة في القرن الخامس عشر ثورةً في طريقةِ نشر المعلومات، وهذا جعل الكتب في متناوَل عامَّة الناس ومهَّد الطريق لصعود الأدب الحديث.
الكُتَّاب المشهورون عبر التاريخ:
على مرِّ التاريخ، كان هناك عددٌ من الأفراد الذين كان لهم تأثيرٌ كبيرٌ في مجال الكتابة، فمن الشعراء والروائيين إلى الكتَّاب المسرحيِّين وكتَّاب المقالات، ساهم هؤلاء الكتَّاب في تشكيل المشهد الأدبي وألهموا أجيالاً من القرَّاء.
فيما يأتي، نذكر بعضاً من أشهر الشخصيات:
1. "ويليام شكسبير":
الذي غالباً ما يُنظر إليه على أنَّه أعظمُ كاتبٍ مسرحيٍّ في اللغة الإنجليزية، وما تزال أعماله ومن ذلك "روميو وجولييت" و"هاملت"، تُدرَّس وتُقدَّم على نطاق واسع حتى اليوم، وهذا يظهر تأثيره الدائم في الأدب.
2. "جين أوستن":
التي أصبحت رواياتها مثل "كبرياء وتحامل" و"العقل والعاطفة" من كلاسيكيات الأدب الإنجليزي، وإنَّ ملاحظات "أوستن" الدقيقة للأعراف المجتمعية وذكاءها الحاد أكسباها مكانةً بوصفها إحدى أكثر المؤلِّفين المحبوبين في كل العصور، ففي عالم الشعر ترك شعراء مثل "إميلي ديكنسون" و"والت ويتمان" أيضاً علامات لا تُمحى في عالم الأدب بشعرهم المُبتكَر ووجهات نظرهم الفريدة.
3. "فيرجينيا وولف":
الكاتبة الرائدة في مجال حقوق المرأة والتي اشتهرت بروايتيها "السيدة دالواي" و"إلى المنارة"، وكان لأسلوب "وولف" في تيار الوعي واستكشافها لأدوار الجنسين تأثيرٌ دائمٌ في العالم الأدبي ويستمر في الصدى لدى القرَّاء اليوم.
4. "إرنست همنغواي":
الذي جعله نثره المُتقطِّع وتركيزه على موضوعات الذكورة والحرب، أحدَ أكثر المؤلفين شهرةً في القرن العشرين، تعكس روايات "همنغواي"، مثل "العجوز والبحر" و"وداعاً للسلاح"، تجاربه الخاصة بوصفه مراسلاً حربياً وافتتانه العميق بالحالة الإنسانية، ومن بين الأفراد المؤثرين الآخرين في عالم الكتابة "توني موريسون"، و"غابرييل غارسيا ماركيز"، و"جي كيه رولينغ"، جلب كلٌّ منهم صوتَه ومنظوره الفريد إلى المشهد الأدبي.
شاهد بالفديو: 7 نصائح لكتابة محتوى ناجح
دور الكتابة في نهضة المجتمع:
فيما يأتي شرحٌ للطَّرائق التي يمكن من خلالها أن تساهم الكتابة في تغيير المجتمع:
1. نشر المعرفة والوعي:
أدى اختراع آلة الطباعة في القرن الخامس عشر إلى جعل إنتاج الكتب أيسرَ وأقلَّ تكلفةً، وهذا سمح بتوزيع الأدب والفلسفة والاكتشافات العلمية على نطاقٍ أوسع، وقد ساعد إضفاء الطابع الديمقراطي على المعرفة على تغذية الفضول الفكري وإلهام أفكارٍ جديدة، وهذا أدَّى إلى التقدُّم في مجموعةٍ متنوعةٍ من المجالات من الفن والأدب إلى العلوم والفلسفة.
2. تشكيل الحركات الثقافية والفنية في عصر النهضة:
استخدم الشعراء والكتَّاب المسرحيون والروائيون الكلمةَ المكتوبةَ لاستكشاف موضوعاتٍ معقَّدة مثل الحب والأخلاق والطبيعة البشرية، وابتكر مؤلفون مثل "دانتي وشكسبير وثيربانتس" أعمالاً أدبية خالدة ما تزال تلقى صدىً لدى القرَّاء حتَّى اليوم، ولم تستحوذ هذه الروائع الأدبية على روح عصر النهضة فحسب، بل ساعدت أيضاً على تحديد قيم ومعتقدات تلك الفترة.
3. تقدُّم الفكر العلمي خلال عصر النهضة:
استخدم علماء مثل "كوبرنيكوس، وجاليليو، وكيبلر" الكلمةَ المكتوبة لتوصيل أفكارهم الثورية عن طبيعة الكون، ومن خلال الكتب والمجلات الأكاديمية، تحدَّى هؤلاء المفكِّرون المعتقداتِ التقليديةَ ووضعوا أسسَ العلم الحديث، وأثارت كتاباتهم المناقشات، وألهمت أبحاثاً جديدة، وبشَّرت في النهاية بعصرٍ جديد من الاكتشافات العلمية.
4. التحوُّل السياسي والاجتماعي:
استُخدِمت المنشورات والبيانات والمنشورات لنشر الأفكار عن الحكومة والقانون والحقوق الفردية، وأصبحت الكلمة المكتوبة أداةً قويةً للناشطين السياسيين والمصلحين الذين سعَوا إلى تحدِّي سلطة الملوك وقادة الكنيسة، واستخدم كتَّابٌ مثل "مكيافيلي وروسو ولوك" أقلامَهم للدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، وهذا أثَّر في مسار التاريخ السياسي لقرون قادمة.
كيف نطور موهبة الكتابة؟
إنَّ تطويرَ موهبة الكتابة هو مسعى أثارَ اهتمام الأفراد عبر التاريخ، من السومريين القدماء الذين كانوا يحفرون الرموز المسمارية على الألواح الطينية، إلى كتَّاب العصر الحديث الذين يصنعون الروايات على أجهزة الكمبيوتر المحمولة، فكانت الرغبة في التعبير عن الذات من خلال الكلمات المكتوبة مسعى خالداً.
فيما يأتي نذكر أهم الطرائق الأساسية لتطوير موهبتنا في الكتابة:
1. الممارسة الدائمة:
مثلما يصقل الموسيقي مهاراتَه من خلال ساعات من الممارسة والتكرار، يجب على الكاتب أن يلتزم بالكتابة باستمرار لتحسين حرفته، وهذه الفكرة ردَّدها الكاتب الشهير "ستيفن كينج"، الذي قال مقولته الشهيرة: "إذا كنت تريد أن تصبح كاتباً، عليك أن تفعل شيئين قبل كل شيء: اقرأ كثيراً واكتب كثيراً"، فيسلِّط هذا التركيز على الممارسة الضوءَ على أهمية تخصيص الوقت والجهد لتطوير موهبة الكتابة.
2. دراسة أعمال الكتَّاب المعروفين بعمق:
يوفر تحليل التقنيات والأساليب والهياكل التي يستخدمها المؤلفون الناجحون رؤىً قيِّمةً عن حرفة الكتابة، على سبيل المثال، قد يدرس الكتَّاب الطموحون اللغةَ الوصفية لـ "تشارلز ديكنز"، أو تقنيات السرد لـ "فيرجينيا وولف"، أو تطور شخصية "جي كيه رولينج"، من خلال الانغماس في أعمال الكتَّاب البارعين، ويمكن للمؤلِّفين الطَّموحين الحصولَ على الإلهام والتعلم من أسلافهم.
3. الاستفادة من ملاحظات الأصدقاء أو المختصِّين:
يساعد النقد والتعليقات البنَّاءة الكتَّابَ على تحديد مجالات التحسين وصقل مهاراتهم، ويعدُّ معظم المؤلِّفين الناجحين التعليقاتِ التي تلقَّوها من الآخرين مفيدةً في نموهم بوصفهم كتَّاباً، فمثلاً تحدَّثت الكاتبة الشهيرة "مارغريت أتوود" عن أهمية تلقِّي ردود الفعل على أعمالها المبكِّرة، وهذا ساعدها على تطوير موهبتها الكتابية.
مبادرات إنسانية لرعاية موهبة الكتابة:
إضافة إلى الشخصيات الفردية، ظهرت عدَّة ورشات عمل ومؤتمرات وخلوات كتابية بوصفها وسيلةً هامَّةً لتطوير موهبة الكتابة، وتقدِّم منظماتٌ مثل رابطة الكتَّاب، وبرامج الكتابة (AWP)، واتِّحاد الكتَّاب الكندي المواردَ وفرصَ التواصل والدعم للكتَّاب الطَّموحين، وتوفِّر هذه التجمعات مساحةً للكتَّاب للتواصل مع أقرانهم، وتلقِّي التعليقات عن أعمالهم، والتعلم من المؤلِّفين المعروفين والمتخصِّصين في هذا المجال، ومن خلال المشاركة في ورشات العمل والمؤتمرات الخاصة بالكتابة، يمكن للكتَّاب تعميقَ فهمهم للحرفة وتكوين اتصالات داخل مجتمعِ الكتابة.
باختصار، إنَّ تأثيرَ تطوير موهبة الكتابة لا يقتصر على الكاتب الفردي، إنَّما يمتدُّ ليؤثِّر في المجتمع ككلٍّ، ومن خلال الأدب والشعر والصحافة وأشكال الكتابة الأخرى، يتمتَّع الكتَّاب بالقدرة على إلهام وتثقيف وإثارة الفكر، وتتمتَّع الكتابة بالقدرة على تجاوز حدود الزمان والمكان والثقافة، وربط الأشخاص من خلفيات وتجارب متنوِّعة، ومن خلال تطوير مواهبهم الكتابية، يمكن للكتَّاب المساهمةَ في الجسم الجماعي للمعرفة الإنسانية والإبداع، وتشكيل العالم بطرائق عميقة.
شاهد بالفديو: أشهر الكتاب والأدباء العرب ومؤلفاتهم
كيف يمكن للكتابة أن تواكب عصرنا الحالي؟
بالنظر إلى المستقبل، من الواضح أنَّ مشهدَ تنمية المواهب الكتابية يتطوَّر استجابةً للتقدُّم التكنولوجي والاتجاهات المجتمعية المُتغيِّرة، ومع ظهور المنصَّات الرقمية، ووسائل التواصل الاجتماعي، وفرص النشر الذاتي، أصبح لدى الكتَّاب طرائق أكثر من أيِّ وقت مضى لمشاركة أعمالهم والتواصل مع القرَّاء، وإنَّ إضفاءَ الطابع الديمقراطي على صناعة النشر، والذي تغذِّيه منصَّات الإنترنت مثل Medium، وWatpad، وSubstack، قد فتح إمكانات جديدةً للكتَّاب لتطوير مواهبهم والوصول إلى الجماهير في جميع أنحاء العالم، ومع ذلك فإنَّ هذا المشهد الرقمي يطرح أيضاً تحدِّيات فيما يتعلَّق بمراقبة الجودة، والسرقة الأدبية، وإشباع المحتوى، وهو ما يجب على الكتَّاب التعامل معه بعناية.
ماذا يعني أن تصبح كاتباً؟
إنَّ تأثيرَ أن تصبح كاتباً يمتدُّ إلى ما هو أبعد من عالم الأدب والفن، ويتمتع الكتَّاب بالقدرة على تشكيل الرأي العام، وإثارة الحركات الاجتماعية، وإحداث التغيير في المجتمع، ومن خلال كلماتهم، يمكن للكتَّاب رفع مستوى الوعي بالقضايا الملحَّة، والدفاع عن العدالة والمساواة، وإعطاء صوت للمهمَّشين والمضطهدين، يتمتَّع الكتَّاب بالقدرة على إلهام التعاطف وتعزيز التفاهم وسدِّ الفجوة بين الأشخاص من خلفيات ومعتقدات مختلفة.
تكمن أهمية أن تصبح كاتباً في قوَّة الكلمات لإلهام الأفراد وتعليمهم وتمكينهم لإحداث التغيير في العالم، وتتيح لنا الكتابةُ التواصلَ مع الآخرين على مستوى عاطفيٍّ عميقٍ، ومشاركة وجهات نظرنا وتجاربنا الفريدة، وإحداث تأثير دائم في أولئك الذين يقرؤون أعمالنا، ومع استمرار تقدُّم التكنولوجيا وظهور أشكال جديدة من الاتصالات، سيصبح دور الكتَّاب في تشكيل سرد مجتمعنا أكثر أهمية.
في الختام:
إنَّ السؤال عمَّا يعنيه أن تصبح كاتباً، هو سؤالٌ معقَّدٌ ومتعدِّد الأوجه، وقد فكَّرت فيه أجيالٌ من المفكِّرين والمبدعين على مرِّ التاريخ، واستخدم الكتَّاب كلماتِهم لإلهام التجربة الإنسانية وتحدِّيها وإلقاء الضوء عليها، وتشكيل القلوب والعقول بطرائق عميقةٍ، لقد تركت شخصيات رئيسة مثل "شكسبير وأوستن وولف وهمنغواي" علاماتٍ لا تُمحى على المشهد الأدبي، في حين يواصل الأفراد المؤثِّرون مثل "موريسون وماركيز ورولينج" دفعَ حدود ما هو ممكن في عالم الكتابةِ.
أضف تعليقاً