تخيّل بيئة عمل يُنظر فيها إلى المهام كفرص لتعزيز النمو الشخصي وتطوير المهارات، لا كأعباء تُثقل كاهل الموظفين، بيئة يشعر فيها كل فرد بقيمته ودوره المحوري في النجاح الجماعي. هذه البيئة النابضة بالحيوية تتجاوز الحدود التقليدية للأدوار الوظيفية، لتصبح مساحة حقيقية لتبادل الأفكار و التجربة وتنمية المهارات.
يرى الدكتور سليمان محمد الطماوي، أمين عام ورئيس الشعبة المصرية للمعهد الدولي للتنمية، أنَّ التفويض الفعّال يُعد قوى خفية تخلق قادة المستقبل، فهو لا يقتصر على تفويض المسؤوليات فحسب، بل يمتد ليكوّن أداة استراتيجية تدفع المؤسسات نحو القمة من خلال تعزيز الثقة والابتكار والتعاون.
لذلك في هذا المقال، سنُبحر في أعماق مفهوم التفويض لاستكشاف منافعه الحقيقية وآلياته الناجحة، وسنوضح كيف يُمكن أن يصبح هذا الأسلوب القيادي بوابة لبناء فِرَقٍ متماسكة وتحقيق أداءٍ استثنائي.
ما المقصود بالتفويض في المجال المؤسسي؟
يُعرّف الخبراء في موقع Mindtools التفويض على أنَّه: عملية نقل المسؤولية والصلاحيات من القائد إلى أفراد آخرين في الفريق أو المنظمة مع الحفاظ على إشرافه أو توجيهه.
ويتجاوز التفويض مجرد توكيل المهام؛ فهو استراتيجية قيادية تهدف إلى تمكين الأفراد وتعزيز كفاءاتهم وتحفيزهم ليكونوا شركاء في تحقيق أهداف المؤسسة. إذ يُعد التفويض الفعّال أداة محورية في تعزيز الابتكار وتحقيق التميز المؤسسي، حيث يوفّر مساحة واسعة للإبداع والتفكير المستقل.
وفقاً لنظرية التفويض الإداري (Administrative Delegation) التي طوّرها الباحث هنري فايول (Henri Fayol) في بداية القرن العشرين: يُعد التفويض من العناصر الأساسية لإدارة المؤسسات. يعتقد فايول أنَّ التفويض يُسهِم في تقسيم العمل بكفاءة أكبر، ويُحسّن قدرة القيادة على التركيز على المهام الاستراتيجية.
وبفضل التفويض، يُمكن للقائد نقل بعض المسؤوليات اليومية إلى الموظفين المتمكنين، مما يسمح له بتخصيص الوقت للقرارات الاستراتيجية والتوجهات المستقبلية.
يُعد التفويض الفعّال من أبرز أساليب القيادة الحديثة؛ إذ يتجاوز عملية توزيع المهام الروتينية إلى دور أعمق وأوسع. في كتابه "The 5 Levels of Leadership"، يوضّح الكاتب جون ماكسويل (John C. Maxwell) أنَّ التفويض يُعد من أرفع مستويات القيادة، وليس المقصود هنا توزيع الأعمال اليومية على الموظفين فقط، بل منحهم الصلاحيات اللازمة لاتخاذ قرارات مُستقلّة، مع تقديم التوجيه المناسب الذي يساعدهم على تحقيق النجاح.
يشير ماكسويل إلى أنَّ التفويض يُعبِّر عن ثقة القائد في قدرة أعضاء فريقه على تقديم أداء فعّال وتحقيق نتائج متميزة. فعندما يُفوّض القائد المسؤوليات بذكاء، يرسّخ بذلك علاقة من الثقة المتبادلة مع موظفيه؛ مما يعزز من روح المبادرة لديهم. وبدلاً من التدخل المباشر في كل قرار، يقوم القائد بتوجيه الفريق وتقديم المشورة الاستراتيجية؛ ليُتيح لهم المساحة اللازمة للإبداع واتخاذ القرارات التي تؤثر إيجابياً على الفريق والمؤسسة بأسره.
التفويض في هذا السياق لا يعني التخلي عن بعض المهام فقط، بل يعني تمكين الفريق وتوفير الأدوات والمعرفة التي يحتاجونها ليكونوا قادرين على اتخاذ قرارات مؤثرة. تخلق هذه الممارسات بيئة عمل إيجابية تجعل الموظفين يشعرون بالمسؤولية تجاه أهداف المنظمة؛ مما يؤدي إلى تحسين الإنتاجية والأداء العام.
وقد أشار ماكسويل إلى أنَّ التفويض هو أساس بناء فِرَق قيادية قوية، فعندما يُفوض القائد المهام إلى موظفيه، فإنَّه لا يعزز استقلاليتهم المهنية فقط، بل يُشجع على تطوير مهارات القيادة داخل الفريق أيضاً.
فالقائد الذي يُفوض بصورة فعّالة يزرع بذور القيادة في جميع أعضاء الفريق؛ مما يمكّنهم من تحمل المسؤولية وتوجيه الآخرين في المستقبل. كما أنَّ هذا يُساعد في استدامة الأداء العالي داخل الفريق على الأمد الطويل.
خلاصة القول: التفويض الفعّال هو أكثر من مجرد توزيع الأعمال؛ هو استراتيجية لبناء فِرَق قيادية قادرة على اتخاذ القرارات وتحقيق النتائج المستدامة. فمن خلال التفويض، يمنح القائد موظفيه الثقة ويُشركهم في العملية القيادية؛ مما يعزز الإبداع ويُحسّن الأداء المؤسسي.
التفويض وبناء الثقة: كيف يساهم التفويض في خلق بيئة عمل داعمة؟
التفويض وبناء الثقة يشكّلان معاً ركيزة أساسية حيث يؤدي التفويض دوراً محورياً في تعزيز الثقة داخل الفريق. عندما يمنح القائد المهام والصلاحيات للأفراد بوضوح وثقة، فإنَّه يرسل رسالة قوية تُعبّر عن تقديره لمهاراتهم وقدراتهم. هذا النهج لا يعزز الإنتاجية فقط، بل يخلق أيضاً شعوراً بالانتماء والاحترام المتبادل.
إذاً، كيف تتكامل عملية التفويض مع بناء الثقة لتطوير فِرَق عمل متماسكة ومبدعة؟ دعونا نتعمق في هذه العلاقة الحيوية ونستكشف تأثيرها على ديناميكية العمل والإنتاجية.
1. التفويض كأداة لبناء الثقة
التفويض هو وسيلة قوية لإظهار الثقة في قدرة الفريق على أداء المهام. فعندما يقوم القائد بتفويض مهام معينة، لا يقتصر الأمر على منح الأفراد فرصة لأداء مهام جديدة، بل يُظهر أيضاً إيمانه بقدرتهم على اتخاذ القرارات وتنفيذ المهام بنجاح.
فقد أشار الباحث كيني توماس (Kenneth Thomas) إلى أنَّ التفويض الفعّال لا يُحسّن من أداء الأفراد فحسب، بل يعزز شعورهم بالثقة الذاتية أيضاً؛ مما يؤدي إلى تحفيزهم وزيادة التزامهم بالعمل.
علاوة على ذلك، أكَّدت دراسة أجرتها جامعة هارفارد للأعمال Harvard Business Review أنَّ التفويض الفعّال يُسهم بصورة كبيرة في تحسين الثقة بين الموظفين والقادة، حيث يعزز العلاقة بينهما ويخلق بيئة من التعاون المتبادل.
على سبيل المثال، إذا قرر قائد في شركة أن يُفوض أحد موظفيه باتخاذ قرارات تتعلق بتحسين واحدة من العمليات الإنتاجية، فإنَّه لا يمنحه فرصة للتطوير المهني فحسب، بل يُظهر له ثقته في قدرته على قيادة التغيير أيضاً. في المحصلة، يعزز هذا التفويض من ثقة الموظف في نفسه، ويزيد من التزامه بتحقيق النجاح، مما ينعكس إيجابياً على الأداء العام للمؤسسة.
شاهد بالفيديو:9 مفاتيح للتفويض بنجاح
2. أثر التفويض في خلق بيئة عمل داعمة
يظهر بوضوح في تمكين الموظفين وتحفيزهم على اتخاذ قرارات مدروسة ضمن مسؤولياتهم. عندما يتم التفويض بصورة فعّالة، يتمكّن الموظفون من المساهمة بآرائهم وتنفيذ المهام بإبداع؛ مما يعزز شعورهم بالثقة والانتماء للمؤسسة.
لا يُساهم هذا النوع من التفويض في زيادة الأداء الفردي فقط، بل يُعزز بيئة تتسم بالتعاون والتفاعل الإيجابي، حيث يُنظر إلى الموظف كمحرك أساسي في المنظمة بدلاً من مجرد منفذ للمهام.
إذ أكّدت دراسة أجراها موقع McKinsey & Company على أهمية التفويض في خلق بيئات عمل مرنة وداعمة، ويسهم التفويض الفعّال وفقاً لهذه الدراسة في تمكين الموظفين من اتخاذ قرارات استراتيجية تؤثر بصورة إيجابية على تطوير المؤسسة؛ مما يعزز مرونتها وقدرتها على التكيف مع التحديات الجديدة.
أكّد الخبراء في موقع Gallup في تقرير نُشر على الموقع، أنَّ التفويض الفعّال يرفع من مشاركة الموظفين في القرارات اليومية، ويعزز شعورهم بالانتماء والتحفيز؛ مما يُسهم في زيادة الإنتاجية وتحقيق الابتكار داخل المؤسسة.
على سبيل المثال، في إحدى الشركات الكبرى في مجال التكنولوجيا، قرَّر المدير التنفيذي تفويض فريق صغير من الموظفين المبدعين مسؤولية اتخاذ قرارات استراتيجية تتعلق بتوسيع نطاق المنتجات.
هذا التفويض أتاح الفرصة لهم لتقديم حلول جديدة ومبتكرة؛ مما ساعد الشركة على اكتساب ميزة تنافسية في السوق، ونتيجة لهذا التفويض، تم تعزيز بيئة العمل من خلال تبادل الأفكار والإبداع بين الموظفين، وهذا انعكس بصورة إيجابية على الأداء العام للمؤسسة.
3. التفويض والثقة المتبادلة بين القائد والموظف
التفويض الفعّال لا يتوقف عند توزيع المهام بل يشمل بناء الثقة المتبادلة بين القائد وموظفيه. عندما يمنح القائد موظفيه السلطة واتخاذ القرارات ضمن نطاق معين، فإنَّ ذلك يُظهر احترامه لهم ولقدراتهم، وهو ما يعزز من الثقة المتبادلة. هذه الثقة لا تُسهم في زيادة الأداء الوظيفي فقط، بل تخلق بيئة عمل أكثر استقراراً وتعاوناً.
يوضّح أدريان سادلر (Adrian Saddler)، خبير القيادة والمستشار الإداري، في دراسته حول "الثقة في القيادة"، أنّ التفويض هو أداة فعّالة لبناء الثقة بين القائد وفريقه.
ويشير سادلر إلى أنَّ القادة الذين يعطون موظفيهم مزيداً من الصلاحيات يُشعرونهم بالقدرة على اتخاذ القرارات، وبالتالي يُحفّزونهم للقيام بمسؤولياتهم بصورة أفضل. بالإضافة إلى أنَّ هذا النمو في الثقة يُعزِّز بدوره مستوى التفاعل الإيجابي في بيئة العمل؛ مما يساهم في زيادة الابتكار والإنتاجية داخل المؤسسة.
يؤكد الكاتب جون سي. ماكسويل (John C. Maxwell) في كتابه "The 21 Irrefutable Laws of Leadership" أنَّ الثقة بين القائد وفريقه هي الأساس لأي نجاح طويل الأمد.
الثقة في هذا السياق تُعد عاملاً محورياً في التفويض الفعّال. وفقاً لماكسويل، القيادة ليست مجرد إرشاد، بل بناء علاقات قائمة على الثقة والتقدير المتبادل، والقائد الذي يُظهر الثقة في موظفيه يعزز بدوره من التزامهم تجاه أهداف المنظمة.
مثال بسيط يوضّح هذه الفكرة هو حالة شركة Zappos الأمريكية التي تشتهر ببيئة العمل المبدعة. في Zappos، يُشجَّع الموظفون على اتخاذ قرارات هامة بأنفسهم دون الحاجة للرجوع إلى القائد في كل مرة.
على سبيل المثال، عندما يواجه موظفو خدمة العملاء مشكلة مع عميل، يُسمح لهم باتخاذ القرار المناسب دون العودة إلى المدير. هذه السياسة تخلق بيئة من الثقة المتبادلة بين القائد والموظف، حيث يثق القائد في حُكم الموظف وتقديره للأمور، بينما يشعر الموظف بالتقدير والاحترام من قبل القيادة.
يمكن القول إنَّ التفويض الفعّال هو أكثر من مجرد توزيع للعمل؛ إنَّه استثمار في تطوير الأفراد وبناء ثقافة الثقة المتبادلة. من خلال تمكين الموظفين ومنحهم المسؤولية، يشعرون بالتقدير والتحفيز؛ مما يعزز إنتاجيتهم وتعاونهم. وفي نهاية المطاف، يُسهم التفويض في خلق بيئة عمل داعمة وابتكارية تؤدي إلى تحسين الأداء التنظيمي وتحقيق الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة.
من سلالم التسلق إلى شبكات التعاون: رحلة نحو مؤسسات أكثر مرونة
شهدت المنظمات في العقود الأخيرة تحولاً جذرياً في هياكلها التنظيمية، فلم تعد الهياكل الهرمية التقليدية قادرة على مواكبة تعقيدات بيئات الأعمال المتغيرة؛ بدلاً من ذلك، ظهرت الحاجة إلى هياكل مرنة تعتمد على شبكات التعاون وهو تحول يعكس تطوراً استراتيجياً نحو مؤسسات أكثر ديناميكية وابتكاراً.
الهياكل الهرمية: تحديات وأوجه القصور
الهيكل الهرمي التقليدي هو النظام الذي يُتخذ فيه القرار على المستويات العليا، ويُنفذ عبر تسلسل من الأوامر والتعليمات التي تنتقل من أعلى إلى أسفل. من الناحية التاريخية، كان هذا النموذج فعالاً في المنظمات التي تعمل في بيئات مستقرة، حيث تكون العمليات الروتينية هي السائدة، ولكن بدأت هذه الهياكل تواجه تحديات كبيرة مع التغيرات السريعة في بيئات الأعمال وتزايد العولمة.
يوضح الكاتب هنري مينتزبرغ في كتابه "The Structuring of Organizations" أنَّ الهياكل الهرمية تعاني من عدة قيود، أبرزها البيروقراطية التي تفرض قيوداً على اتخاذ القرارات بسرعة.
إذ تؤدي البيروقراطية إلى وجود طبقات متعددة من الموافقات مما يبطئ استجابة المنظمة لتغيرات السوق، كما أنَّ هذا النوع من الهياكل يفرض المسافة بين القيادة والموظفين؛ مما يجعل من الصعب تحقيق التعاون الفعّال وتبادل الأفكار بين المستويات المختلفة. كما أنَّ الهيكل الهرمي يمكن أن يكون مقاوماً للتغيير، مما يُعيق الابتكار في بيئات العمل التي تتطلب مرونة عالية وسرعة في التكيف.
شبكات التعاون: الهيكل المرن للألفية الجديدة
في المقابل، نشأ تحول نحو الهياكل الشبكية أو شبكات التعاون، التي تُعد أكثر مرونة وتكيفاً مع التغيرات السريعة. هذا النموذج يعتمد على العلاقات الأفقية بين الأفراد والوحدات التنظيمية داخل المنظمة، بدلاً من التسلسل الهرمي الصارم. يتم تسهيل تدفق المعلومات بحرية عبر المستويات في هذا النموذج؛ مما يعزز من الإبداع والابتكار.
يشير مانويل كاستلز في نظرية التنظيم الشبكي (Network Organization Theory) إلى أنَّ الهيكل الشبكي يعزز التعاون بين فِرَق العمل عبر الحدود التقليدية للمنظمة. يعتمد هذا النموذج على فكرة أنَّ الكفاءة والابتكار لا يتحققان من خلال التسلسل الهرمي، بل عن طريق التعاون الواسع بين الأفراد في الشبكات؛ مما يتيح للمؤسسات التكيف بسرعة مع التغيرات والاستجابة بصورة أكثر مرونة لاحتياجات السوق.
على سبيل المثال، الشركات التكنولوجية الكبرى، مثل "Google" و"Spotify" تتبنّى هذا النموذج الشبكي لتوفير بيئة عمل أكثر مرونة، حيث يكون العمل الجماعي والتعاون بين الفِرَق الموزعة حول العالم عنصراً أساسياً في نجاحها؛ إذ تعمل هذه الشركات ضمن فرق مُتمكنة، تملك صلاحيات كبيرة في اتخاذ القرارات؛ مما يسمح لها بالتفاعل السريع مع التغيرات في الأسواق التكنولوجية والتكيف مع المتغيرات.
لذلك، يرى كاستلز أنَّ هذا النموذج يقدم مزايا رئيسية:
- زيادة المرونة: يسمح للشركات بالاستجابة بصورة أسرع للتغيرات الخارجية.
- تعزيز الابتكار: يعزز التفاعل المتكرر بين الفِرَق المتنوعة، مما يخلق بيئة خصبة للأفكار الجديدة.
- توزيع السلطة: يُقلّل من الاعتماد على القيادة الفردية ويعزّز اتخاذ القرارات التشاركية.
لماذا يعد هذا التحول ضرورياً؟
الانتقال من السلالم التنظيمية إلى الشبكات هو أكثر من مجرد تغيير في الهيكل التنظيمي؛ إنَّه تحول في العقلية الثقافية والإدارية للمؤسسات. كما قال بيتر دراكر: "أفضل طريقة للتنبؤ بالمستقبل هي صنعه"، والمؤسسات التي تتبنّى هذا التحول تصبح أكثر استعداداً لمواجهة التحديات المستقبلية.
يشير الكاتب جاري هاميل (Gary Hamel) في كتابه "The Future of Management" إلى أنَّ المؤسسات يجب أن تتخلى عن أنظمتها القديمة التي تعتمد على السيطرة، وأن تنتقل نحو أنظمة أكثر شفافية وتعتمد على التعاون بين الأفراد. في بيئة الأعمال المتغيرة بسرعة، تصبح المؤسسات التي تبني شبكات تعاون قوية أكثر قدرة على التكيف والنجاح في مواجهة التحديات المعقدة.
ولتحقيق هذا التحول، يجب عليها اتخاذ خطوات مدروسة نحو بناء شبكة تعاونية فعّالة:
- يبدأ التحول الثقافي ببناء ثقافة تنظيمية قائمة على الثقة والانفتاح؛ مما يعزز التواصل الفعّال بين الموظفين ويسمح لهم بمشاركة الأفكار والملاحظات بحرية.
- من الضروري تعزيز التكنولوجيا واستخدام الأدوات المناسبة التي تدعم التواصل الفوري والتعاون بين الفِرَق المختلفة داخل المنظمة وعبر الحدود الجغرافية.
- يجب إعادة تصميم العمليات التنظيمية بالابتعاد عن النماذج الخطية التقليدية، واعتماد نماذج مرنة تسمح بتدفق العمل أفقياً بدلاً من التسلسل الهرمي الصارم.
- تؤكد نظرية القيادة التحويلية التي وضعها بيرنز وباس على أهمية دور القائد في بناء شبكات التعاون، حيث يُركز القادة التحويليون على الإلهام والتمكين، ويعملون على تحفيز الفِرَق لتحقيق أهداف مشتركة.
تساعد هذه الديناميكية في تطوير بيئة عمل تشجع على المشاركة الفعّالة وتبادل المعرفة، مما يعزز من قدرة المؤسسة على التكيف وتحقيق النجاح في بيئات الأعمال المتغيرة.
التفويض ليس مجرد نقل للمسؤوليات، بل هو استثمار في الأشخاص والعمليات. إنَّه عملية استراتيجية تعتمد على الثقة والتمكين لتحقيق نتائج استثنائية. وكما قال وارن بنيس، أحد أبرز مفكري القيادة: "القادة الكبار لا يخلقون أتباعاً، بل يصنعون قادة."
شاهد بالفيديو: 11 مهارة تنظيمية يحتاجها كل قائد ذكي
التفويض كأداة لتعزيز الذكاء الجماعي وتحقيق الابتكار في الفريق
تُعد نظرية الذكاء الجماعي (Collective Intelligence) من المفاهيم الرائدة في فهم كيفية عمل الفِرَق والمجموعات بفعالية؛ لتحقيق نتائج تفوق مجموع مساهمات الأفراد. الفكرة الأساسية وراء الذكاء الجماعي هي أنَّ المجموعة عندما تتعاون بصورة جيدة وتشارك المعرفة والموارد، يُمكنها اتخاذ قرارات أفضل وحل المشكلات بكفاءة أكبر من أيّ فرد بمفرده.
من هذا المنظور، يُعد التفويض أداة قوية لتعزيز الذكاء الجماعي داخل الفريق؛ مما يساهم في تحقيق الابتكار والنجاح المؤسسي. عندما يتم تفويض المهام بصورة مدروسة، يُسمح لكل عضو في الفريق بالمساهمة بمهاراته وخبراته الخاصة؛ مما يعزز من تنوع الأفكار والمعرفة المشتركة.
وفقاً لدراسة أُجريت في جامعة ميشيغان (University of Michigan)، أظهرت الأبحاث أنَّ الفِرَق التي يتم فيها التفويض بفعالية تتمتع بقدرة أعلى على التوصل إلى حلول مبتكرة؛ لأنَّ التفويض يُشجع الأفراد على استخدام مهاراتهم الفردية في سياق أكبر، ويزيد من التفاعل والتعاون بين أعضاء الفريق.
تُساعد هذه الديناميكية في تحفيز الابتكار، حيث يمكن لكل عضو تقديم أفكار جديدة من زاويته الخاصة. علاوة على ذلك، يُعد التفويض أداة فاعلة لتحفيز التفكير الجماعي، فعندما يُمنح الموظفون المسؤولية والحرية في اتخاذ القرارات ضمن نطاق مهامهم، فإنَّ ذلك يُعزز الثقة المتبادلة بين الأفراد. بالمقابل، يساعد هذا السلوك في تعزيز بيئة عمل داعمة وإيجابية، ويُسهم في إنشاء بيئة عمل تُشجّع على تبادل الأفكار والابتكارات الجديدة.
تشير الدكتورة كارول دويك (Carol Dweck)، في كتابها "Mindset: The New Psychology of Success"، إلى أنَّ التفويض الفعّال يساعد في تعزيز "عقلية النمو"، التي تشجع الأفراد على تَقبُّل التحديات والتعلم المستمر. هذا يعزز من قدرة الفريق على التكيف مع التغيرات والابتكار.
يُحفز التفويض الإبداع الجماعي أيضاً عن طريق تقليل الإجراءات البيروقراطية الصارمة، وإعطاء الأفراد مساحة أكبر لتطوير حلول جديدة. أظهرت الدراسة التي أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، أنَّ الفِرَق التي تتبنّى التفويض على نطاق واسع في عمليات اتخاذ القرار تكون أكثر قدرة على الابتكار مقارنة بالفِرَق التي تعتمد على أسلوب الإدارة التقليدي الذي يترك القرارات الرئيسية للقادة فقط.
يتيح التفويض في هذه الحالة للفريق أن يُساهم جميع أعضائه في التفكير الاستراتيجي؛ ما يُعزز من الذكاء الجماعي ويزيد من قدرة الفريق على إنتاج أفكار جديدة.
علاوة على ذلك، يُعد التفويض أداة لتوزيع المسؤولية داخل الفريق، ما يؤدي إلى تعزيز الالتزام الجماعي. حسب الدكتور جون ماكسويل (John Maxwell) في كتابه "The 21 Irrefutable Laws of Leadership"، أنَّ القادة الناجحين هم الذين يُفوضون المهام ويمنحون الآخرين فرصة القيادة؛ مما يساهم في تحفيز الالتزام الجماعي وتحقيق الأهداف المشتركة. عندما يشعر الأفراد أنَّهم جزء من العملية ويتم تكليفهم بمسؤوليات حقيقية، فإنَّهم يكونون أكثر رغبة في المساهمة الفعالة في الابتكار وحل المشكلات.
في الختام
يُمكن القول إنَّ التفويض لا يُعد مجرد أداة لتوزيع المهام، بل هو عنصر أساسي في تعزيز الذكاء الجماعي داخل الفريق. من خلال التفويض الفعّال، يمكن تعزيز التعاون وتبادل الأفكار وتحفيز الابتكار الذي يساهم في نجاح المؤسسة بصورة عامة.
يسمح التوزيع المدروس للمسؤوليات لكل عضو في الفريق بتقديم مساهماته الفردية في سياق جماعي؛ ما يؤدي إلى تحسين الأداء الجماعي بصورة عامة وتحقيق ابتكارات مؤسسية غير تقليدية.
أضف تعليقاً