تأثير التأخير في حياتك:
يمكن أن يؤذيك التأخير الدائم في جميع مجالات حياتك؛ فقد درست الباحثة "ديانا ديلونزور" (Diana DeLonzor) أسباب التأخير وكتبت عن النتائج التي توصلت إليها في كتابها "لن تتأخر مجدداً أبداً" (Never Be Late Again)؛ إذ تقول إنَّ التأخير يُنظر إليه على أنَّه فظاظة أو حتى أسلوب لإظهار القوة من قبل الآخرين، ولكن في الواقع، هذا ليس هو الحال في كثير من الأحيان، فقد تكون أنت أكثر المتضررين من تأخيرك.
فكِّر في الأمر؛ فإذا كنت تتأخر عن العمل باستمرار، فربما يوبخك مديرك أو يطردك بسبب ذلك. تأخر في دفع الضرائب المترتبة عليك وستُغرَّم، وإذا تأخرت دائماً عن لقاء أصدقائك، فقد تفقد صداقاتك لأنَّهم سيشعرون بعدم الاحترام.
كما ترى، يُعَدُّ التأخير مشكلة أكثر خطورة مما يعتقده معظم الناس، وتقول "ديلونزور" إنَّ عادات التأخير تُغرَس من الطفولة، ومن ثم تبقى متأصلة في نفسك عندما تصبح بالغاً؛ وعلى هذا النحو، يمكن أن تشعر كما لو أنَّه لا توجد طريقة للتخلص من ذلك وكأنَّ التأخير هو مجرد جزء من شخصيتك، في الواقع - وعلى الرغم من ذلك - إنَّه شيء يمكنك تغييره لإيقاف تأثيره في حياتك.
ثلاثة أنواع من الأشخاص المتأخرين:
واحدة من أكثر النظريات إثارة للاهتمام التي توصلت إليها "ديلونزور" كانت الأنواع المختلفة للأشخاص المتأخرين؛ إذ حددت ثلاث مجموعات رئيسة وجميعها تعاني من التأخير لأسباب مختلفة، وفقاً للبحث.
- النوع الأول: "صاحب الموعد النهائي" (The Deadliner): هذا الشخص يعيش دائماً حالة مثيرة من الاندفاع للالتزام والوفاء بالموعد النهائي؛ إذ يقول هذا النوع من الأشخاص إنَّهم يبذلون قصارى جهدهم تحت الضغط، ولا يمكنهم التأقلم إذا شعروا بأنَّهم يضيعون الوقت؛ هذا يعني أنَّهم قد يثقلون أنفسهم بالمهام أو يندفعون من مهمة إلى أخرى دون انقطاع.
- النوع الثاني: "المنتج" (The Producer): يكره هذا الشخص فكرة إضاعة أي جزء من الوقت ويكون مُعداً رائعاً لقوائم المهام، ويُنشِئ حتماً قوائم لا يمكنه أبداً أن يأمل في إنهائها، وعادةً ما ينخرط هذا النوع من الأشخاص في "التفكير السحري"؛ وهذا يدفعهم إلى الاعتقاد بأنَّه في إمكانهم فعل المزيد في يوم واحد أكثر مما يمكنهم فعله في الواقع.
- النوع الثالث: "البروفيسور شارد الذهن" (The Absent-Minded Professor): من السهل صرف انتباه هذا النوع من الأشخاص، وإذا احتاجوا إلى مغادرة المنزل الآن، فسوف يتوقفون عند خروجهم من الباب لتركيز الصورة الملتوية، أو لإغلاق الستائر بشكل صحيح؛ إذ إنَّهم متأخرون دائماً لأنَّهم لا يستطيعون تحديد أولويات ما هو أكثر أهمية، وغالباً ما يكونون مصابين بنوع من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه أو اضطراب انتباه آخر يجعل من الصعب عليهم التركيز فيما يحتاجون إلى القيام به.
إذا رأيت نفسك في أي من هذه المجموعات، فحينئذٍ توجد لديك مشكلة تأخير تحتاج إلى معالجتها، ولكن لحسن الحظ من الممكن تغيير الأمور بغض النظر عن مدى شعورك بالسوء الذي تشعر به حيال مشكلتك.
كيفية البدء بالسيطرة على التأخير؟
قد تلاحظ أنَّك تكافح حقاً لإنجاز أي شيء في الوقت المحدد، ومع ذلك تشعر أيضاً بأنَّه لا يوجد وقت كافٍ في اليوم لإنجاز الأمور، ويمكنك التعامل مع هذا الأمر - كما يقول "جاريث جونسون" (Gareth Johnson) من موقع "أكاديمايزيد" (Academized) - بالتروي وتحليل الوقت؛ إذ يقول: "كنت أشعر وكأنَّني كنت أعمل طوال ساعات اليوم؛ ولكنَّني لم أستطع إنهاء أي شيء، فلقد بدأت أتأخر عن المواعيد النهائية، والتي بالطبع لم أستطع السماح لها بالاستمرار، ومن ثم اقترح عليَّ أحد الأصدقاء أن أسجل كامل وقتي على مدار أسبوع وأرى كيف كنت أقضيه حقاً".
يُعَدُّ تسجيل الوقت - وفقاً لمقال كتبه "ناغش بيلودي" (Nagesh Belludi) - أفضل طريقة لمعرفة كيف تدير وقتك؛ سجل على مدار الأسبوع كل ما تفعله بزيادات قدرها 10 أو 15 دقيقة، ومن المفارقات أنَّ هذا يمكن أن يكون مضيعة للوقت، ولكن مع ذلك، فإنَّ النتائج تستحق ذلك؛ ففي نهاية الأسبوع سيكون لديك تصوُّر شامل لكيفية استغلالك لوقتك حقاً.
ذُهِلَ كثيرون من الناس الذين جربوا هذا الأسلوب من مقدار الوقت الذي يهدرونه في اليوم؛ إذ يمر الوقت وينتهي بطرائق مختلفة عدَّة ودون حتى أن تدرك ذلك، فقد تقضي عشر دقائق كل يوم في التحدث إلى زملاء العمل في الوقت الذي يجب أن تعمل فيه، وربما تنشغل بتصفح وسائل التواصل الاجتماعي في الوقت الذي يجب فيه أن تتوجه إلى اصطحاب الأطفال من المدرسة، وقد تهدر وقتك أيضاً في إصلاح أشياء غير هامة بدلاً من معالجة المشكلة الرئيسة التي تواجهك.
سترى أيضاً أنَّك تقوم بعمل ينبغي حقاً أن يقوم به أشخاص آخرون، على سبيل المثال قد تكون مديراً تنفيذياً؛ ولكنَّك ما تزال تقضي بضع ساعات في الأسبوع في حجز الرحلات الجوية والفنادق لرحلة مقبلة، على الرغم من وجود مساعد يمكنه مساعدتك على تولي وظائف مثل هذه.
قد تظهر مشكلة أخرى في سجلك الأسبوعي؛ وهي أنَّك تضيع الوقت لأنَّك لا تمتلك المهارات أو الأدوات المناسبة للقيام بالعمل الذي بين يديك، وإذا كنت تقضي وقتاً طويلاً في محاولة التنقل في برنامج "مايكروسوفت إيكسل" (Microsoft Excel) أو كنت تجد صعوبة في استعمال برنامج غير مناسب للمهمة، فأنت تضيع الوقت، وستحتاج إما إلى تطوير المهارة أو تغيير الأداة لاستعادة ذلك الوقت.
الحلول:
بعد أن جمعتَ هذه البيانات الآن، سيتعيَّن عليك تحديد ما ستفعله بها؛ إذ سيعتمد ما تفعله إلى حد كبير على ما وجدته في سجلك.
فيما يأتي بعض الأمثلة عن الإجراءات التي قد ترغب في اتخاذها:
- إذا وجدت أنَّك تضيع الوقت بكونك غير منتج، فستحتاج إلى إيجاد طرائق لإزالة هذه النشاطات غير المنتجة من يومك؛ وقد يعني هذا أن تغلق هاتفك في أثناء عملك لمقاومة الرغبة في تصفح موقع "الفيس بوك" (Facebook)، وإذا كان زملاؤك في العمل يستهلكون وقتك، فسيتعيَّن عليك البدء بوضع حدود واضحة حتى يتوقفوا عن تشتيت انتباهك؛ إذ مهما كانت المشكلة، ستحتاج إلى إيجاد طريقة لحلها.
- إذا كنت تقوم بعمل يمكن للآخرين أداءه، فستحتاج إلى بدء تفويض المهام، ويمكنك استعمال مساعد، وإذا لم يكن لديك واحد، فقد حان الوقت الآن لبدء توظيف مساعد لك في مهامك؛ فقد يكون هذا الأمر صعباً بعض الشيء؛ لأنَّه يعني أنَّك تعطي التحكم والسيطرة إلى شخص آخر، ولكن من خلال القيام بذلك - على الرغم من ذلك - فأنت تستعيد الوقت الذي يمكن أن تنفقه على المشاريع الهامة حقاً، والتي لا يمكن لأحد سواك التعامل معها.
- إذا لاحظتَ أنَّك تهدر الوقت لأنَّك لا تمتلك المهارة أو الأداة المناسبة، فاحصل عليها. يؤجل الكثير من الناس تعلُّم مهارة أساسية؛ وذلك لأنَّهم يعتقدون أنَّهم أكبر سناً من أن يتعلموا هذه المهارة أو أنَّهم لا يحتاجون إليها حقاً، ومع ذلك، فإنَّ الوقت الذي يُوفَّر بمجرد معرفة ما تفعله لا يقدر بثمن، على سبيل المثال: إذا تلقيت دورة تدريبية في برنامج "إكسل" (Excel)، فلن تهدر الوقت أبداً في محاولة التعامل معه مرة أخرى. وينطبق الشيء نفسه على الأدوات؛ فقد يكون الأمر مكلفاً على الأمد القصير؛ ولكنَّ شراء الأداة المناسبة يعني أنَّك لن تعاني مع أداة غير مناسبة أو قديمة.
6 خطوات لإدارة وقتك بشكل أفضل:
لديك بالفعل الاستراتيجيات الرئيسة لإدارة وقتك بشكل أفضل، وتوجد الكثير من الاستراتيجيات الأخرى التي يمكنك تنفيذها لمساعدتك على تحسين الحفاظ على الوقت أيضاً. إليك بعضاً من أفضل الأشياء التي يمكنك تجربتها وأنت تتطلع إلى تغيير تفكيرك في إدارة وقتك:
- تفويض الأعمال المنزلية: لا يقتصر الأمر على العمل؛ حيث تحتاج إلى السماح للآخرين بتولي زمام الأمور، وإذا كنت من النوع الذي يشعر بالحاجة إلى تولي جميع المهام في المنزل، فستحتاج إلى معرفة كيفية التخلي عن هذا الأمر؛ فهو يجعلك تتأخر في التعامل مع الأشياء الهامة حقاً.
توافق الكاتبة المستقلة "جينا هاريسون" (Gina Harrison) في موقع "أساينمينت" (Assignment) وأم لثلاثة أطفال؛ إذ تقول: "كنت مقتنعة أنَّني كنت الشخص الوحيد الذي يعرف كيف ينظم ويرتب المنزل؛ وهذا يعني أنَّ معظم وقتي قد استُهلِك في محاولة متابعة أطفالي، وكان عليَّ أن أتعلَّم كيفية تفويض بعض المهام إليهم لترتيب المنزل وتوفير بعض الوقت لي، وبمجرد أن اعتدت على ذلك، اكتشفت أنَّه يمكنني إنجاز الكثير في الوقت الذي أضعته".
- القيام بالمهمة الأكثر صعوبة أولاً: دائماً ما ستكون هناك تلك الوظيفة التي لا تريد القيام بها، وربما كانت موجودة في قائمة المهام الخاصة بك لأسابيع. استمر في تجاهلها لفترة كافية وستجد أنَّ الموعد النهائي سيحل قريباً؛ وهذا يجبرك على إكمالها بسرعة. أفضل شيء تقوم به كل يوم هو التعامل مع المهمة الأصعب أولاً، ويكون الصباح عندما تكون أكثر إنتاجية، وتنهي أعمالك وتزيحها من أمامك.
توجد مقولة شهيرة للكاتب "مارك توين" (Mark Twain) حول ابتلاع ضفدع كل صباح؛ بهذه الطريقة لن يكون أي شيء آخر تفعله في ذلك اليوم مروعاً أكثر من ذلك، وإذا "ابتلعت الضفدع" في هذه المهمة، فستجد أنَّه من الأسهل بكثير معالجة ما تبقَّى من مهام القائمة.
- تتبُّع مقدار ما تنجزه كل يوم: يُعَدُّ سجل الوقت أداة تُستعمَل لمرة واحدة، ولكن من المفيد تتبع مقدار ما تفعله كل يوم. خذ الوقت في نهاية اليوم لقياس مقدار ناتج أعمالك. كم أنجزتَ؟ وهل هو أقل من المعتاد؟ ولماذا هذا؟ سيساعدك قياس النتائج بهذه الطريقة على البقاء على المسار الصحيح.
توجد الكثير من الأدوات عبر الإنترنت التي يمكن أن تساعدك على القيام بذلك؛ فإذا كنت كاتب محتوى أو مديراً، فستكون أداة مثل "إيزي وورد كاونت" (Easy Word Count) أسهل طريقة لمعرفة مقدار ما أنجزته في يوم واحد. تتبع تلك النتائج واستعملها لتحسين أدائك.
- تخصيص الوقت المناسب: إذا كنتَ من النوع الذي يخصص وقته دون أن يأخذ في الحسبان الحالات الطارئة، فستجد أنَّك غالباً ما تتأخر؛ لأنَّ أي خلل صغير في خططك يمكن أن يؤدي إلى تعثرك، وأفضل طريقة للتغلب على ذلك هي زيادة الوقت الذي تعتقد أنَّك بحاجة إلى استغراقه.
إذا كنت تعتقد أنَّ الرحلة تستغرق 23 دقيقة، فامنح نفسك 30 دقيقة لإكمالها؛ بهذه الطريقة إذا واجهت ازدحاماً مرورياً أو أيَّة مشكلة أخرى، فلن تتأخر. إذا وجدت أنَّك وصلت إلى وجهتك مبكراً، فيمكنك استعمال هذا الوقت للقراءة أو الرد على رسائل البريد الإلكتروني أو معالجة مهام أخرى في أثناء انتظارك.
- تقسيم المهام: إذا وجدتَ أنَّك تؤجل مهامك باستمرار، فقد يكون هذا لأنَّ المهمة الموجودة أمامك تبدو ضخمة للغاية ولا يمكن استيعابها، وهذا أمر شائع ولكن يمكن معالجته بسهولة. قسِّم تلك المهمة الكبيرة إلى مكوناتها الأصغر، وركز في إكمال كل مهمة صغيرة واحدة تلو الأخرى؛ إذ عندما تتبع هذا الأسلوب، تصبح مهامك أكثر قابلية للإدارة، ومن المرجح أن تنهيها في الوقت المناسب.
- تجنُّب الانحراف عن المسار: إذا كنتَ من نوع الأشخاص شاردي الذهن، فستحتاج إلى مساعدة للتركيز فيما تحتاج حقاً إلى القيام به، وإذا كان هناك شيء لا يمكنك صرف انتباهك عنه، فذكِّر نفسك بصوت عالٍ بمهمتك الرئيسة كلَّما بدأ انتباهك بالتشتت، على سبيل المثال: إذا كنت بحاجة إلى الخروج من المنزل وركوب السيارة، فقل بصوت عالٍ "أريد ركوب السيارة" عندما تشرع في القيام بشيء آخر، وقد تشعر بقليل من السخف أن تقوم بذلك، ولكن قد يجعلك ذلك أكثر وعياً عندما يتشتت انتباهك.
استعمل هذه النصائح والأدوات، ويمكنك أن تكون أكثر إنتاجية في حياتك اليومية؛ فمن الممكن إنهاء تأخرك إلى الأبد.
المصدر: 1.
شاهد بالفيديو: 10 طرق لتحسين مهارات إدارة الوقت لديك
أضف تعليقاً