ما هو الندم وكيف يؤثر في حياتنا؟
يُعد الندم من المشاعر السلبية والمعقّدة نوعاً ما التي يمكن أن يتعرض لها أي شخص نتيجة فعل معيّن ارتكبه في الماضي أو فرصة لم يتمكن من استغلالها. ويُعد فهم تأثيره النفسي في الأفراد أمراً هامّاً لمعرفة كيفية التعامل مع الندم، ويكمن تأثيره كما يلي:
1. إثارة مجموعة من المشاعر السلبية الأخرى
إذ يرتبط الندم بالشعور بالحزن نتيجة الخسارة والفرصة الضائعة، وأيضاً لوم الذات وتأنيب الضمير وتوجيه الغضب نحو الذات والظروف أو نحو أشخاص مرتبطين بالموقف الذي تسبب بالندم، وأحياناً يرتبط الندم بالعار، وذلك حسب نظرة المجتمع للموضوع، وإنّ تلك المشاعر تعوق النمو الشخصي.
2. يرتبط الندم غالباً بالتفكير الاجتراري
وهو نمط من التفكير الذي يميزه انشغال الفرد بالناحية السلبية من موضوع معين. عندها، يكون تركيز الفرد الدائم حول القرار الذي تأسف عليه والعواقب التي ترتبت على ذلك، والتفكير الاجتراري غير منتج فلا يؤدي لإيجاد حل أو وجهة نظر تقلل من المشاعر السلبية تلك، كما أن التوقف عن تلك الأفكار المتكررة صعبة مما يجعل التغلب على الندم أصعب بكثير.
3. التأثير السلبي في العلاقات الاجتماعية
وذلك نتيجة الشعور بالخجل والقلق والتوتر الدائم؛ إذ لا يرغب من يشعر بالندم بالتواصل كثيراً مع الآخرين والتحدث عن حياته.
4. التغيير الإيجابي
في حال تم تحويل الندم إلى دافع للتعلم والاستفادة من الأخطاء، وتجنب الوقوع بالأخطاء ذاتها مستقبلاً.
شاهد بالفيديو: 10 أسباب وراء شعورك بالندم
لماذا يعتبر الندم دافعاً قوياً؟
تكمن وظيفة التعامل مع الندم تعاملاً صحيحاً في تحويله من مشاعر سلبية إلى محفز قوي للتغيير الإيجابي والنمو الشخصي. في ما يلي، الأسباب التي تؤدي إلى تحويل الندم إلى دافع:
1. تجنب تكرار الأخطاء ذاتها
الشعور بالندم يخلق لدى الإنسان رغبة في تجنب الألم الذي نتج عن سلوك سابق كالندم – مثلاً – على إهمال الدراسة والرسوب، ثم الرغبة بالنجاح والتعويض في السنة التالية، أو الندم على خسارة علاقة نتيجة الغضب والتسرع، ثم تطوير مهارات التحكم في النفس والتواصل الهادئ للحصول على علاقات جيدة مستقبلاً.
2. محاولة تصحيح الأخطاء
في بعض الظروف والحالات، يمكن إصلاح الخطأ الذي تسبب في الندم. ينتج ذلك عن الشعور بالمسؤولية والرغبة في جبر الضرر الذي تسبب به الفرد للآخرين، كأن تقول كلاماً جارحاً لأحد، ثم تندم وتحاول إصلاح العلاقة بأفعالك وألفاظك الجميلة، أو – مثلاً – الندم على عدم مساعدتك لصديق أو شخص محتاج طلب منك العون، فيلهمك الندم لمساعدة عديدٍ من الأشخاص عوضاً عن ذلك.
3. النمو الشخصي
يحفزنا الشعور بالندم على العمل أكثر والاستفادة من الأخطاء وتطوير أنفسنا، من خلال تعلم مهارات جديدة مهنية وشخصية لتطوير حياتك نحو الأفضل.
4. تقدير الفرص الحالية
يمنح الندم الإنسان درساً يجب الاستفادة منه؛ فبدلاً من البكاء على الماضي والحسرة على فرصة لم يتمكّن من استغلالها، يدفعه للانتباه جيداً لما يحدث حوله ليلاحظ الفرص الموجودة التي يمكنها تغيير حياته نحو الأفضل. كذلك الأمر بالنسبة للأشخاص، فبدلاً من الندم على صديق خسرته، امنح الأولوية للأحبّة والأصدقاء الحاليين واستمتع بوقتك معهم.
التحول من الندم إلى دافع إيجابي: خطوات عملية
إنّ تحويل الندم إلى دافع، يحفّزك إلى التعامل مع الفشل بصورة صحيحة، وإنّ تحقيق التغيير الإيجابي، يكون من خلال اتباع خطوات عملية وفق التالي:
1. الاعتراف بالشعور بالندم وتقبله
تُعد هذه الخطوة أولى الخطوات وأهمّها، فلا ينفع إنكار الشعور بالندم ودفنه دون الحديث عنه؛ إذ يجب أن تقتنع بفكرة أن الندم هي شعور طبيعي وجزء من تجربة إنسانية يمكن للجميع أن يقع فيها. لذلك، اسمح لنفسك بأن تشعر بالندم دون خجل أو حزن ودون محاولة إخفائه.
2. تحليل الموقف
بدلاً من أن تحبس نفسك في التفكير بما تسبب بشعورك بالندم، اسأل نفسك جيداً:
- ما الذي حدث؟
- كيف حدث؟
- ما دورك في ذلك؟
- ما دور الظروف المحيطة أيضاً؟
- ما الأخطاء التي وقعت بها؟
- كيف كانت النتيجة ستكون إن لم تتخذ القرار ذاته؟
- هل تلك الفرصة هي نهاية الحياة، أم أنّها كغيرها من الفرص، أي يمكن أن نحصل على أفضل منها لاحقاً؟
اكتب تلك التفاصيل لتحدّد الأسباب التي أدت إلى الندم ولتحدّد – أيضاً – النقاط التي تساعدك على التغلب على الندم بالاستفادة من التجربة السابقة في المستقبل.
3. مسامحة نفسك
يؤدي الشعور بالذنب إلى لوم الذات وجلدها باستمرار. لكن إن لم تكون رحيماً بنفسك، لا يمكنك التعامل مع الندم. لذلك، اعترف أنّ الإنسان، يمكن أن يقع بالأخطاء بغضّ النظر عن مستواه التعليمي والثقافي والاجتماعي، ويمكن أن يخطئ بالتقدير حتى بوجود كثيرٍ من المعطيات والأدلّة التي تساعده على اتخاذ قرار صحيح.
وتكون مسامحة الذات من خلال توجيه العبارات الإيجابية لها، مثلاً أن تقول لنفسك: "يمكنني النجاح مجدداً وأنا استحق ذلك؛ فعلت ما استطعت في ذلك الوقت ولم أكن أمتلك الخبرة والمعرفة التي لدي الآن لاتخاذ قرار مُغاير؛أستحق فرصةً أخرى وسأنجح هذه المرة".
4. التركيز على الحاضر
لا يمكن لأي شخص تغيير ما حصل سابقاً، فلا تحصر تفكيرك بكيفية التغيير بل وجه الطاقة والاهتمام نحو الوقت الحالي فكر في ما تملكه من مهارات، ومقدرات، ومميزات، وأشخاص محبين وإيجابيين في حياتك، وعمل يمكن أن تحقق منه نجاحاً مميزاً.
ويكون تطبيق ذلك بوضع قائمة بالأشياء الإيجابية التي تملكها في حياتك والتركيز على كيفية الاستفادة منها في تحقيق الأهداف والوصول إلى النجاح الشخصي والمهني.
5. تحويل الندم إلى دافع
يمكنك التعامل مع الفشل أو الحسرة الناتجة عن عدم فعل شيء ما من خلال فعله الآن، فإن كنت قد وقعت في خطأ ابحث عن كيفية إصلاحه وإن كان السبب هو مهارة لا تملكها، فإنّك تملك الوقت لتعلمها. لذلك، ابحث عن دورات لتعليم وتعزيز مهاراتك لتتمكّن مستقبلاً من تلافي تلك الأخطاء واتخاذ القرارات السليمة.
6. طلب الدعم
لا تتردد في التحدث عن مشاعرك لصديق مقرب أو لأحد أفراد العائلة فعندما تتحدث عن المشاعر السلبية يخف الضغط والعبء ويساعدك الآخرون في النظر إلى المشكلة من وجهات نظر مختلفة.
وإن كنت لا ترغب بالتحدث عن مشكلتك لشخص يعرفك للحفاظ على السرية، فاستعن بمستشار أو اختصاصي يقدم لك الدعم المعنوي والنصائح الفعّالة التي تساعدك على تخطّي هذا الشعور والبدء من جديد والاستمرار في ما بدأت به من سابقاً.
7. ممارسة الامتنان
يمنع الندم الإنسان من الاستمتاع بما يمتلك من أشياء إيجابية وبالتفاصيل الجميلة اليومية التي تحدث. لذلك، فكّر يومياً – قبل أن تنام – بيومك الذي مر واشكر الله على التفاصيل الجيدة حتى البسيطة منها، كأن تمتنّ لكونك لم تتأخر صباحاً عن الوصول إلى العمل ولم تتأخر ظهراً عن موعد الغداء مع العائلة؛ فتلك الأشياء البسيطة نعمة إن لم نقدرها جيداً تزول.
شاهد بالفيديو: 20 أمراً يندم عليها المرء في حياته
كيفية استخدام الندم لتحديد أهدافك الشخصية والمهنية
يساعد الندم على خلق قوة تمكنك من التعامل مع الفشل وتحديد أهدافك الشخصية والمهنية من جديد والتغلب على الندم، وذلك من خلال ما يلي:
1. تحديد رغبة الإنسان الحقيقية
نندم – عادةً – عند إجراء تغيير أو التصرف بطريقة لا تناسب رغباتنا وأحلامنا وقيمنا الأساسية. لذلك، يحرّض الندم الإنسان على تحليل الموقف الذي مر به واكتشاف رغبته الحقيقية.
ولتطبيق ذلك، فكّر جيداً بالوقت الذي ندمت فيه وما محور الندم. مثلاً، بقيت في عمل غير مناسب لك لفترة زمنية طويلة ولم تتمسّك بشغفك أو مبادئك، فربما تطلّب العمل القيام ببعض الإجراءات التي أبعدتك عن النزاهة، ثم استخلص من ذلك الموقف القيم الأساسية وحدد شغفك الحقيقي ليكون عملك وأهدافك المستقبلية تتماشى معه.
2. تحديد النقاط التي يجب تغييرها أو تحسينها
يكشف الندم العيوب؛ فعندما تفكر بموقف أخطأت تقديره أو فرصة ضائعة وتشعر بالحسرة، لا تنسَ أن تفكر في السبب، والذي سيكون – غالباً – عادةً سلبيةً، أو مهارة ضعيفة، أو افتقاد خبرة معينة. لذلك، يدفع الندم الإنسان لتغيير السلبيات وتحسين المهارات ليتمكن من تحقيق ما يرغب به.
3. منح الأهداف أولوية
بعد تحديد الأهداف المستقبلية، يساعدك الندم على منحها الأولوية هذه المرة لكي لا تقع في الفخ نفسه مجدداً؛إذ يدفعك خوفك من الشعور بالندم مرةً أخرى إلى الاهتمام الكبير والفوري.
التعلم من الندم: دروس حياتية لا تُقدّر بثمن
الندم جزء طبيعي من النمو الشخصي، وإنّ التعلم من الندم أمرٌ هامّ للغاية؛ إذ يجب أن تمر التجربة الفاشلة دون أن تتخذ ما حدث فيها درساً تتعلم منه مستقبلاً.
لذلك، يُعد الندم مصدراً من مصادر الحكمة؛ إذ إنّ كثيراً من الدروس لا يمكن أن نتعلمها بطريقة أخرى، مثل تقدير اللحظة الحالية، والتعاطف مع الآخرين، وضرورة إجراء تغييرات إيجابية تمكننا من التغلب على الندم، ومسامحة الذات بدلاً من اللوم الذي يعوق التقدم.
وتذكر دائماً، إنّ معظم الشخصيات الناجحة حول العام، مروا بلحظات الفشل، ولكن لم يسمحوا لها بالسيطرة عليهم، مثل أوبرا وينفري التي مرت بتجارب مؤلمة في حياتها فكانت الدافع القوي لها.
في الختام
لا تسمح للندم بالسيطرة عليك، يمكنك الآن التعامل مع الندم والتغلب عليه لفتح آفاق جديدة في الحياة؛ وذلك من خلال قراءة مقالنا الذي يساعد على تحويل الندم إلى دافع نحو التعلم والنمو الشخصي. لذا، استفد من تلك النصائح وابدأ – الآن – تطبيق الخطوات العملية وتقدم بثقة نحو حياة ناجحة وسعيدة.
أضف تعليقاً