نحن لا ننكر هنا الموهبة أو الذكاء، فمعلوم أنَّ بعض الأشخاص يتعلمون أسرع من غيرهم، يقول عالم النفس "جون كارول" (John Carroll): "لا يكمن الفرق بين الطلاب في قدرتهم على تعلم أشياء معينة، وإنَّما في سرعة تعلمها"، باختصار يتعلم بعض الأشخاص بسرعة، ويتعلم آخرون ببطء، لكن يمكنهم جميعاً تحقيق الهدف إذا حصلوا على الدعم المناسب.
قدرة الجميع على التعلم:
ثمة أدلة قوية على أنَّ الموهبة تؤثر في سرعة التعلم لا في المحصلة النهائية، إليك بعض منها:
1. التأثير القوي للمعرفة السابقة في المهارات:
المعرفة السابقة بالموضوع هي أحد أفضل مؤشرات التحصيل التعليمي، وهذا أمر منطقي، فعندما تكون لديك معرفة كبيرة، لن تضطر إلى تعلم أشياء كثيرة، ومن ثم تكون أقدر على فهم المعلومات الجديدة وإضافتها إلى معلوماتك السابقة.
في تجربة مشهورة، طلب الباحثون من الطلاب قراءة نص عن مباراة بيسبول واختبروا قدرتهم على تذكر النص، وجد الباحثون أنَّ القدرة على القراءة لم تكن مؤثرة بقدر المعرفة بلعبة البيسبول، في الواقع، كان أداء الأشخاص الضعيفين في القراءة الذي يتمتعون بمعرفة كبيرة في لعبة البيسبول أفضل من القرَّاء الجيدين الذين لا يعرفون اللعبة.
يقول بعض علماء النفس إنَّ كل القدرات المكتسبة هي في الواقع معرفة مخفية، تبدو هذه النظرية منطقية أكثر إذا وسَّعنا تعريف المعرفة لتشمل المهارات الإجرائية والمعتقدات الضمنية، وليس فقط المعرفة الأكاديمية.
إذا كان صحيحاً أنَّ معظم قدراتنا المعرفية ترتكز على المعرفة المكتسبة، فإنَّ الحجة القائلة إنَّ مهارة أو موضوعاً ما لا يمكن تعلمهما هي في الأساس حجة مفادها أنَّ بعض الأشخاص غير قادرين على تعلم أنواع معينة من المعرفة.
2. يتغير حمل الذاكرة العاملة استجابة للتغيرات في الخبرة:
تفيد إحدى النتائج الموثقة جيداً بأنَّ الذكاء السائل، أي القدرة على التفكير المنطقي والاستدلال بمرونة، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بسعة الذاكرة العاملة، في حين أنَّ العلاقة الدقيقة بين الاثنين ما تزال موضع نقاش، فإنَّ أحد التفسيرات للارتباط الوثيق هو أنَّ سعة الذاكرة العاملة الأكبر تسهل الذكاء بالسماح للشخص بحفظ مزيد من الأشياء في ذهنه في وقت واحد.
من النتائج الأخرى التي توصلت إليها الأبحاث المتعلقة بالخبرة هي أنَّ الخبراء يستطيعون حفظ معلومات أكثر في وقت واحد من المبتدئين، ويبدو أنَّ هذه مهارة محددة مرتبطة بالتدريب، لا بتحسن في قدراتهم العامة، وتختلف النظريات عن كيفية قدرة الخبراء على القيام بذلك.
"تفيد نظريات التقطيع" (Chunking Theories) بأنَّ الخبراء يتمكنون من ضغط المعلومات في أنماط معقدة، في حين تفيد "نظريات الاسترجاع" (Retrieval Cue Theories) بأنَّ الخبراء يستخدمون مساحة الذاكرة طويلة الأمد لتتبع المهمة، وربما كلاهما على حق، وهذا يعني أنَّك أذكى في الموضوعات التي تتمتع فيها بالخبرة والتدريب الكافيَين.
3. المهارات التي يتعلمها الجميع محكومة بالثقافة والزمن:
في العصور الوسطى، كانت معرفة القراءة والكتابة موهبة نادرة مخصصة لطبقة خاصة، ولو كنت تعيش في ذلك الوقت، لسمعت أنَّ القراءة شيء لا يستطيع معظم الناس تعلمه، ومع ذلك، في عصرنا هذا، يعرف الجميع تقريباً القراءة والكتابة.
يرجع تحديد المهارات والموضوعات التي يمكن تعلمها في المقام الأول إلى مدى أهميتها في المجتمع، إذ يتعلم معظم الناس القراءة لأنَّ القراءة عنصر أساسي في الأداء في مجتمعنا، لذلك نمنح الوقت والتدريب المناسبَين للقرَّاء الناشئين، وعلى النقيض من ذلك، فإنَّ تعلم الصيد، أو تسمية النباتات والحيوانات، أو التحدث بعدة لغات، هي مهارات أتقنتها المجتمعات السابقة بانتظام، ولكنَّنا لا نركز عليها على نطاق واسع اليوم.
بالطبع، في ظل ثقافة معينة، تجد أشخاصاً أفضل في القراءة أو الصيد أو اللغة من غيرهم، وقد يرى بعض الناس هذه الأشياء سهلة، ويراها بعضهم الآخر صعبة.
الفكرة هنا هي وجود تباين بين الثقافات المختلفة أكبر بكثير من التباين الموجود داخل الثقافة الواحدة عندما يتعلق الأمر بالمهارات التي يتعلمها الجميع، وهذا يتوافق مع فكرة أنَّ الغالبية العظمى من الناس تستطيع تعلم أي شيء تقريباً إذا أولته اهتماماً كافياً.
شاهد بالفديو: 13 طريقة لتطوير التعلم الذاتي والتعلم بسرعة
لماذا نشعر أنَّ بعض الأشياء مستحيلة التعلم؟
إذا كان أي شخص تقريباً يستطيع تعلم أي شيء تقريباً، فلماذا لا يبدو الأمر بهذه الطريقة؟
إليك بعض الأسباب الشائعة التي تجعل التعلم أصعب مما ينبغي:
1. نحن نحكم على الكفاءة النسبية لا الإمكانات المطلقة:
مرة أخرى، تحدد الموهبة والخبرة السابقة معدل سرعة التعلم أكثر من إمكانات التعلم لدينا، ولكنَّنا في الغالب نقيس معدل سرعة التعلم لا التحصيل النهائي، في المدارس، ولهذا السبب، ينتهي بنا الأمر إلى اختيار المواهب، بدلاً من إجمالي الإمكانات.
ربما في هذا حكمة، فلا أحد يستطيع أن يتعلم كل شيء، لذلك يستحسن معرفة الأشياء التي لديك موهبة فيها، كما أنَّ موارد التعلم محدودة أيضاً؛ لذا ربما يتعين علينا حجز بعض المهارات للأشخاص الأكثر موهبة.
لكن من الأحسن الاكتشاف المبكر للطلاب الذين لا ينجحون على الفور في مهارة ما وتقديم توضيحات وتدريبات إضافية لهم، وفي كثير من الأحيان، نعاقب التعثر المبكر في التعلم بدلاً من مساعدة هؤلاء الطلاب على النجاح.
2. نفشل في شرح وتقسيم المهارات والموضوعات المعقدة:
سبب آخر يصعِّب تعلم بعض المواد هو عدم تدريسها تدريساً وافياً، إذ لا تُشرح المعلومات التي يحتاج إليها الطلاب لفهم المشكلة شرحاً وافياً لتجنب تخطي الوقت المحدد للدرس، والنتيجة هي أنَّ بعض الطلاب يمكنهم فهم ما فاتهم وبعضهم الآخر لا يقدرون على ذلك، وهذا يجعل بعض المواد غير قابلة للتعلم عملياً بالنسبة إلى العديد من الطلاب، حتى لو كان بإمكانهم تعلمها، من حيث المبدأ.
إذا كنت تواجه صعوبة في موضوع ما، فإنَّ الافتراض الأفضل هو أنَّك تفتقر إلى المعرفة والمهارات الأساسية اللازمة لتسهيل الأمر، وقد يستغرق بناء هذه المهارات وقتاً طويلاً، ولكنَّك ستنجح إذا خصصت لها الوقت الكافي، ويمكن أن يصبح تعلم أي شيء أسهل إذا شرحناه شرحاً وافياً وقسَّمناه إلى أجزاء أصغر.
3. تشجعنا معتقداتنا على اختيار التخصص المناسب:
غالباً ما نركز على نقاط القوة النسبية بدلاً من القدرة المطلقة، وتشير إحدى الدراسات إلى أنَّ جزءاً من الفجوة في المشاركة في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات بين الرجال والنساء لا يرجع، كما يُقترح عادةً، إلى كون الرجال أفضل من النساء في الرياضيات، وإنَّما السبب المحتمل هو أنَّ النساء أفضل من الرجال في اللغات، حيث يختار الناس التخصص في أفضل مجالاتهم، الأمر الذي قد يدفع النساء عن غير قصد بعيداً عن فرص العمل الأكثر ربحاً في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
في بعض الأحيان، نحن نركز على نقاط قوتنا ونتجنب نقاط ضعفنا، فقد يكون هذا مضللاً لأنَّنا قد نظن أنَّنا غير قادرين على تعلم الفنون أو الرياضيات، في حين امتلاكنا لقدرات كافية ولكنَّها ليست بجودة مهاراتنا الأخرى.
بهذه الطريقة، يتعزز اعتقادنا بأنَّنا جيدون فقط في أشياء معينة مع أنَّنا قادرون على تعلم أي شيء تقريباً، ولكن بمعدلات مختلفة.
في الختام:
يشير كل هذا إلى تسهيل عملية التعلم، عندما تواجه صعوبة في موضوع ما، ركز على المعرفة الأساسية، يؤدي سد أي فجوات في تلك المعرفة الأساسية إلى توسيع قدرتك على التوفيق بين المعلومات القديمة والجديدة، ويجعلك أذكى في المجال الذي تختاره، وقد يستغرق الأمر بعض الوقت، ولكنَّه ليس صعباً إلى حد الإحباط.
أضف تعليقاً