قالت "نورين ليهي" (Noreen Leahy)، الأستاذة المشرفة في المدرسة: "عندما تتكبد هذه الخسائر، واحدة تلو الأخرى، فهذا أمر غير طبيعي".
بالنسبة إلى "ليهي"، تدل حالات انتحار الطلاب على وجود أزمة في الحالة النفسية لليافعين كانت تتشكل منذ سنوات؛ حيث لاحظَت ارتفاعاً مقلقاً في الاكتئاب والقلق والميل إلى الانتحار بين الطلاب، وكان في منطقتها التعليمية فريق من المتخصصين في الصحة النفسية، لكنَّ "ليهي" قالت إنَّهم لا يستطيعون تأمين الرعاية طويلة الأمد التي يحتاج إليها العديد من الطلاب.
وتقول: "لا تنسَ أنَّ اختصاصيي علم النفس والناشطين الاجتماعيين والاستشاريين يوجدون في المناطق التعليمية ليتأكدوا من أنَّ الطلاب يتعلمون؛ حيث لسنا أجنحة طبية، ولا نقوم بالمعالجة النفسية؛ لذا فإنَّ ما يمكننا فعله للطلاب محدود للغاية"، كما قالت إنَّها رأت حاجة ماسة إلى إيصال الطلاب بالرعاية النفسية بسرعة وسهولة؛ حيث ألهمَتها المآسي التي حدثَت عام 2019 إلى إيجاد طريقة.
أدَّت رؤيتها في النهاية إلى تكوين شراكة مميزة بين العديد من المناطق التعليمية في منطقتها ومستشفى الأطفال القريب، و"مركز كوين الطبي للأطفال" (Cohen Children’s Medical Center)؛ وهو جزء من "نظام نورثويل الصحي" (Northwell Health system)؛ حيث تُوفِّر هذه الشراكة وصولاً فورياً إلى خدمات الرعاية النفسية للطلاب وتتضمن الدعم المستمر لموظفي المدرسة في معالجة الصحة العقلية للأطفال، وإنشاء شبكة أمان للصحة النفسية للأطفال والعائلات في المنطقة لم تكن موجودة من قبل.
وفي داخله هناك مركز صحي سلوكي جديد، افتتحته المستشفى في يناير 2020؛ حيث يُقيَّم الطلاب من قِبَل الطبيب النفسي للأطفال في المركز ومستشار الصحة النفسية، اللَّذَين يبدآن العلاج ويستمران فيه حتى يصل الطفل إلى الرعاية طويلة الأمد في المجتمع.
يعكس الارتفاع المقلق في قضايا الصحة العقلية الذي لاحظهُ مُديرو المركز التعليمي الاتجاهات الوطنية؛ حيث إنَّ ما يقرب من واحد من كل خمسة أطفال في الولايات المتحدة تنطبق عليه معايير اضطراب الصحة النفسية، وارتفع معدل محاولات الانتحار بين اليافعين خلال العقد الماضي، وفقاً "لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" (Centers for Disease Control and Prevention).
شاهد بالفيديو: أسباب انخفاض الطاقة عند الشباب والمراهقين
في أنحاء البلاد، لا يتلقَّى معظم الأطفال الذين يعانون من مشكلات الصحة النفسية العلاج؛ حيث يوجد نقص في مقدمي الخدمة الذين يعملون مع الأطفال، وقد يستغرق الأمر شهوراً للحصول على موعد.
قال الدكتور "أوجوال رامتكار" (Ujjwal Ramtekkar)؛ وهو طبيب نفسي للمراهقين والأطفال في مستشفى "نيشن وايد للأطفال" (Nationwide Children’s Hospital): "تتراوح أوقات الانتظار في المتوسط لرؤية اختصاصي الصحة النفسية على أساس الطوارئ ما بين شهرين إلى ثلاثة أشهر وعلى أساس منتظم تصل إلى 12 شهراً، وهو غير مقبول كوقت انتظار".
وكما يقول "رامتكار" دون الحصول على الرعاية في الوقت المناسب، فسينتهي الأمر بالعديد من الأطفال بتفاقم الأعراض، وفي النهاية يصلون إلى قسم الطوارئ بالمستشفى "كأسرع طريقة لتجنب أزمة نفسية، أو كأسرع طريقة للحصول على نوع من تقييم الصحة العقلية".
قالت "تينا سميث" (Tina Smith)، المديرة التنفيذية للتعليم الخاص في "مدرسة أوشن سايد سكول ديستركت" (Oceanside School District): "لهذا الأمر تأثير مضاعف"، وقالت إنَّه من الشائع أن ترى الطلاب يؤخَذون إلى غرفة الطوارئ (ER) فقط ليُخَرَّجوا بعد فترة وجيزة ويُعادوا إلى المدرسة دون خطة لمتابعة الرعاية.
وتقول: "ثم تبدأ المشكلات بالخروج عن السيطرة مرة أخرى، وبعد ذلك يُعادون إلى المستشفى وإلى قسم الطوارئ بالتحديد"، ومع أخذ تلك المخاوف في الحسبان، بعد انتحار الطلاب في عام 2019، بدأت "ليهي" تبليغ مخاوفها للزملاء وأعضاء مجلس إدارة المدرسة والآباء الآخرين، بما في ذلك "جينا ماري باوندز" (Gina-Marie Bounds)، مديرة في "مستشفى كوين" للأطفال.
ونقلَت "باوندز" الفكرة إلى رئيس قسم الطب النفسي للأطفال في حالات الطوارئ ومسؤولي المستشفى الآخرين في "كوين"؛ حيث بدؤوا بالعمل، ونشرت "ليهي" الخبر في المناطق التعليمية المجاورة، الذين كانوا يتعاملون مع مشكلات مماثلة، وأقنَعَتهُم بالانضمام، وبعد أشهر عدَّة، فتح مركز الصحة النفسية أبوابه.
قالت "ليهي": إنَّ ذلك كان توقيتاً مناسباً للغاية؛ وذلك نظراً لأنَّ العديد من المستشفيات الكبيرة في أنحاء البلاد شهدت ارتفاعاً في عدد الأطفال الذين يعانون من أزمات نفسية في أقسام الطوارئ الخاصة بهم، فإنَّ مركز الصحة السلوكية الجديد قد عكس النتيجة؛ حيث انخفض عدد زيارات الصحة النفسية إلى غرفة الطوارئ من قِبل الطلاب من المناطق التعليمية بنسبة 60% على الأقل في عام 2020 مقارنة بالعام السابق.
تقول إدارات المدارس أيضاً: إنَّ المركز الصحي أدَّى دوراً هاماً في الوقاية من خلال تعزيز العافية العاطفية للطلاب والأسر وموظفي المدرسة، ويجتمع موظفو المدرسة والمركز الصحي مرتين في الشهر عبر "زووم" لتبادل الآراء وطرح الأفكار لمعالجة مخاوف الصحة والعافية الناشئة للموظفين والعائلات.
المساعدة المناسبة في الوقت المناسب:
يتلخَّص هدف المركز الصحي الجديد في توفير الرعاية للأطفال بمجرد ظهور الأعراض، ويتكوَّن طاقم المركز من طبيب نفسي للأطفال، ومستشار للصحة العقلية، ومساعد طبي، ويقع بجوار مكتب طبيب الأطفال وعلى بعد أميال قليلة من المناطق التعليمية التي يخدمها، وعندما يصل الطفل لأول مرة، يُقيَّم لتحديد ما إذا كان يحتاج إلى دخول المستشفى.
قالت الدكتورة "فيرا فوير" (Vera Feuer)، نائبة الرئيس المساعد للصحة العقلية في المدرسة في "نورث ويل هيلث" (Northwell Health)، والتي ساعدَت على إنشاء المركز وتُشرِف عليه الآن: "لا يحتاج معظم الأطفال إلى ذلك؛ بل يحتاج معظم الأطفال إلى عيادة خارجية".
ويبدأ المركز هذه الرعاية على الفور من الأدوية و/ أو العلاج، معتمداً على ما يحتاج إليه كل طفل حتى يستقر وضعه، ولكي يُحال إلى الرعاية المستمرة مع مزود الرعاية في المجتمع.
في يناير، اتصلَت "تارا" (Tara) - وهي من السكان المحليين - بالمركز الصحي لتحديد موعد لأختها ذات الـ 17 ربيعاً، والتي كانت تعاني من أنماط نوم غير منتظمة ونوبات هلع لشهور؛ إذ أصبحت "تارا" مؤخراً الوصي القانوني على أختها؛ حيث لا تَستخدِم "أخبار كايسر للصحة" (KHN) أسماءَها الأخيرة؛ وإنَّما تستخدم فقط الاسم الأوسط للأخت - ياسمين - لحماية خصوصيتها.
قالت "ياسمين": إنَّها شعرَت بالاختناق في أثناء نوبات الهلع، وقالت: "شعرتُ بأنَّني أركض، وكأنَّ قلبي أصبح يخفق بشدة، وكأنَّني كنتُ أُحشَر في صندوق صغير".
اجتمعَت "ياسمين وتارا" مع مستشار الصحة النفسية في مركز الصحة السلوكية؛ حيث كانت جلسات المتابعة مفيدة "لياسمين" التي تعلمَت أهمية التحدث مع صديق موثوق به أو شخص بالغ في أي وقت شعرَت فيه بالتوتر، وقالت "تارا": إنَّ العيادة ساعدَت "ياسمين" على التواصل مع طبيب نفسي قريب تراه الآن في جلسات العلاج الأسبوعية.
إزالة المعوقات أمام الفئات الأضعف:
يوفِّر المركز الصحي الجديد شبكة أمان هامة للأطفال الذين لا سند لهم، مثل "أليسا غيبالدي" (Alyssa Gibaldi) البالغة من العمر 17 عاماً، والتي رفضَ مقدمو خدمات الصحة العقليَّة أن تتلقى الرعاية بسبب إعاقتها.
تدرسُ "أليسا" في مدرسة "أوشن سايد" (Oceanside High School)، وهي اجتماعية للغاية كما تقول والدتها "جينيفر" (Jennifer)؛ حيث تقول: "إنها مثل عمدة المدرسة؛ إذ إنَّ الجميع يعرفها".
كانت "أليسا" مصابة بمتلازمة داون وزادت الجائحة قلقها، وفي الخريف الماضي، أصبحت هادئة للغاية وذهبَت إلى ما وصفَته جنيفر بأنَّه "حالة شبيهة بالزومبي"، تقول: "لم تستطع التحدث أو الحركة أو الكلام، ولم تستطع أن تأكل بنفسها".
في مرات عدَّة، اتصلَت "جينيفر" بالطوارئ، ونُقِلَت "أليسا" في سيارة إسعاف إلى غرفة الطوارئ وأُدخِلَت المستشفى، وبعد أن استبعد أطباء الأعصاب أن تكون لديها نوبات وغيرها من الحالات، اقترحوا على "أليسا" رؤية طبيب نفسي.
لكنَّ "جنيفر" قالت: إنَّ "أليسا" قوبِلَت بالرفض مراراً وتكراراً من قِبل مزودي الخدمة قائلين إنَّهم لم يأخذوا تأمينها أو إنَّهم لا يعملون مع الأطفال ذوي الإعاقة، وكان ذلك عندما تواصلت "جينيفر" مع ممرضة المدرسة، التي أحالت الأسرة إلى مركز الصحة السلوكية الجديد، واستعرضَت الطبيبة النفسية للأطفال بالمركز، الدكتورة "زويا بوبيفكر" (Zoya Popivker)، السجلات الطبية "لأليسا" وأدوية للاكتئاب والقلق.
قالت "جينيفر": إنَّهم حصلوا على الأدوية صباح يوم سبت، "وبحلول ليلة السبت، خرجت من حالة الجمود تلك، ومنذ ذلك الحين، عادت إلينا، وعادت إليها شخصيتها".
استمرت "أليسا" في الذهاب إلى مركز الصحة السلوكية لأشهر عدَّة، حتى تمكَّنتا من الانتقال إلى طبيبة نفسية تعمل مع الأطفال ذوي الإعاقة.
التنسيق بين المدرسة والمستشفى:
قال "رامتكار": إنَّه من المنطقي أن تتعاون مستشفيات الأطفال مع المدارس؛ لأنَّ هذا هو المكان الذي يقضي فيه الأطفال معظم يومهم، وغالباً ما يعرف موظفو المدرسة طلابهم جيداً ويمكنهم اكتشاف العلامات المبكرة، وهذا هو السبب في أنَّ المدارس في أنحاء كثيرة من البلاد تعمل على إقامة شراكات مع مقدمي رعاية الصحة العقلية القريبين.
لكنَّ مثل هذه الشراكات ما زالت تعتمد على موارد رعاية الصحة النفسية ضمن نطاق المجتمعات التي تخدمها؛ حيث وجدت دراسة أُجرِيَت عام 2019 أنَّ 70% من المقاطعات كانت دون طبيب نفسي واحد ممارس للأطفال.
قالت "ليهي": "إنَّ مشاركة مركز الصحة السلوكية عبر مناطق تعليمية عدة يؤدي إلى تعاون أفضل وتوفير في التكاليف؛ حيث إنَّ السعر الذي تدفعه منطقتها مقابل الخدمات أقل من تكلفة موظف واحد بدوام كامل، وتساهم الدولة في تغطية جزء من المبلغ".
سيضيف مستشفى "كوين" للأطفال مركزاً صحياً سلوكياً جديداً هذا الصيف، وسيتوسع ليضم 14 منطقة تعليمية، وفي هذه المرحلة، سيتمكَّن حوالي 60.000 طالب في المنطقة من الحصول على دعم فوري للصحة النفسية عندما يحتاج إليها.
أضف تعليقاً