يُعرَّف "القلق الاجتماعي" (Social Anxiety) على أنَّه مشكلة عقلية صحية شائعة تبدأ عادةً بمرحلة المراهقة، ويرتبط القلق الاجتماعي بخوف دائم من أحكام الآخرين، وتراود الأشخاص القلقين اجتماعياً أفكار متكررة من قبيل: "لن يكون لدي أيُّ شيء لقوله"، "سأبدو مملاً" أو "يظنني الناس غبياً"، ومن المحتمل أيضاً أن تكون لديهم أفكار سلبية ومشوَّهة حول الصورة التي يظهرون بها في المواقف الاجتماعية؛ كتخيُّل أنفسهم وهم يحمرون خجلاً أو يرتجفون.
تؤثر هذه المخاوف في كيفية تصرف الأشخاص الذين يعانون من القلق الاجتماعي، وغالباً ما تدفعهم إلى التراجع عن إظهار شخصياتهم الحقيقية للآخرين وإخفائها أيضاً؛ الأمر الذي يبدو كإضافة الزيت فوق النار؛ إذ يصبحون أكثر قلقاً من أن ينظر إليهم الناس على أنَّهم مملون أو هادئون، وبالنسبة إلى بعضهم تصل شدَّة القلق بهم إلى درجة أنَّهم يتجنبون المواقف الاجتماعية تماماً.
"اضطراب القلق الاجتماعي" (Social Anxiety Disorder): هو حالة صحية عقلية تتميز بقلق اجتماعي شديد، تصيب واحداً من بين كل 20 شخصاً في مرحلة ما من حياتهم. وجد الباحثون في "جامعة أوكسفورد" (Oxford University) أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي تُثير العديد من المشكلات لهؤلاء الأفراد؛ إذ تنتقل جميع مخاوفهم اليومية التي يواجهونها إلى عالم الإنترنت.
على سبيل المثال، يشعر الناس بالقلق في أثناء نشرهم تغريدةً ما خوفاً من أن تُسيء للآخرين أو أنَّ رسالة يرسلونها ستبدو مملة؛ الأمر الذي يُغير طريقة استعمالهم لوسائل التواصل الاجتماعي، فنجد أنَّهم يتراجعون مثلاً أو تندُرُ مشاركتهم لأي شيء يخصهم.
يتمحور معظم يومهم حول التفكير فيما سينشرونه على الإنترنت، فتعتريهم مخاوف بشأن الأفكار التي يُكوِّنها الناس عنهم؛ تماماً كما يحصل في تفاعلاتهم المباشرة خلال لقاءاتهم اليومية، كما تشكل محادثات الفيديو صعوبات لهم أيضاً فعند استعمال تطبيقات كـ "فيس تايم" (FaceTime) أو "زووم" (Zoom)، تكون صورتهم حول نفسهم مشوَّهة، ولكنَّ الحقيقة مختلفة؛ ففي الواقع لم يلاحظ الآخرون أياً من هذه الأمور.
نعم، هذه المخاوف موجودة لدينا جميعاً ولكنَّها تُعَدُّ عابرة بالنسبة إلى الكثيرين منا في مرحلة ما عندما نستعمل الإنترنت للتفاعل مع الآخرين، ولكن يختلف الأمر بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعانون من القلق الاجتماعي المنهِك؛ إذ إنَّ هذا الاضطراب قد يستهلكهم بالكامل.
إذا كنتَ قَلقاً اجتماعياً، فإنَّ الحل لا يكمن في تجنب وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت بشكلٍ كامل؛ إذ إنَّك باتخاذك لهذا الخيار ستدفع تكلفة باهظة للغاية؛ فإنَّه غالباً ما توضع الخطط الاجتماعية عبر منصات الإنترنت، كما أنَّ وجود شبكة تواصل جيدة لديك عبر الإنترنت هو أمر حيوي للعديد من الوظائف، وتمتلك المواقع والتطبيقات الاجتماعية القدرة على إضحاكنا وتُمكِّننا من مشاركة لحظة خاصة أو مناسبة معيَّنة مع أحبائنا، كما وتتيح لنا إقامة علاقات وصداقات جديدة.
وفي عام 2020 على وجه التحديد أصبح الاتصال بالإنترنت جزءاً لا يتجزأ من عالمنا الاجتماعي، وإذا كنت تشعر بالقلق الشديد من المشاركة مع الآخرين، فالخطر الحقيقي يكمن في أنَّك قد تعزل نفسك وتصبح وحيداً في الوقت الذي تحتاج فيه إلى التواصل مع الآخرين أكثر من أي وقت مضى؛ لذا بدلاً من ذلك، لماذا لا نستفيد بالحصول على الدعم والتوجيه اللازم حول أفضل طريقة لاستعمال وسائل التواصل الاجتماعي؟
حتى إذا كنت لا تعاني من القلق في تفاعلاتك الاجتماعية التي تحدثُ وجهاً لوجه، فقد تجد أنَّ القلق عبر الإنترنت يمنعك من مشاركة المزيد عن نفسك أو تكوين علاقات إيجابية وأعمق مع الآخرين، وإذا كنت ترغب في تخفيف وطأة الإرهاق أو التوتر الذي تُسببه وسائل التواصل الاجتماعي، فإليك بعض النصائح العملية الأساسية التي وُضِعَت بِناءً على الأساليب السلوكية المعرفية الموصى بها للأشخاص الذين يعانون من القلق الاجتماعي:
1. تذكَّر أنَّ منشوراتك على وسائل التواصل الاجتماعي هي مجرد جزء من منشورات عديدة غيرها:
توجد جوانب عدَّة تميِّز التواصل عبر الإنترنت عن ذلك الذي في حياتنا اليومية، ومن الممكن أن تزيد هذه الجوانب القلق الاجتماعي، وقد يكون أحد هذه الجوانب هو "المشاركات" (Shares) و"الإعجابات" (Likes)؛ فعندما تنشر شيئاً وتنتظر لترى عدد الـ "أحببته" أو "أعجبني" التي تتلقاها، يمكن أن تشعر كما لو أنَّ شعبيتك أو قيمتك أصبحت مجرد رقمٍ على وسائل التواصل الاجتماعي، وعلاوة على ذلك، يكون الرقم عاماً؛ بمعنى أنَّه إذا شاركت شيئاً لم يُعجِب الآخرين على ما يبدو، فيوجد سجل مفتوح يحتوي على جميع هذه المعلومات وبمقدور الجميع أن يراه.
إذا وجدت نفسك تحدِّق في شيء نشرته للتو وتتساءل لماذا لم يُعجَب أحدٌ به أو تشعر بالقلق من أنَّ ما كتبته كان غبياً، فانظر إلى الأمر نظرةً مختلفة.
بغضِّ النظر عن اختلافهم معك، توجد العديد من الأسباب الأخرى التي قد تجعل الأشخاص في قائمة أصدقائك أو متابعيك لم يستجيبوا إلى ما شاركت، فربَّما - وبكل سهولة - فاتهم منشورك أو كان انتباههم مشتَّتاً، فتذكَّر الحجم الهائل للمنشورات التي شاهدتها في ذلك اليوم - ربما المئات أو حتى الآلاف - فإذا شعرت بأنَّك تواجه صعوبة في التعامل مع نفسك في هذه الحالة، فلا تنسَ أنَّ الآخرين يتصفحون كمية هائلة من المحتوى بسرعة أيضاً.
قد تبدو رسالتك أو منشورك أو صورتك وكأنَّها أخبار رئيسة في اللحظة التي تنشرها أو ترسلها بها، ولكن في الواقع، من المرجَّح أن ينتقل الآخرون بعد مشاهدتها إلى المنشور أو الرسالة التالية أو استكمال يومهم؛ وهذا بسبب وجود الكثير من الأمور الأخرى التي تجري في حياتهم، وليس بسبب وجود مشكلة في منشورك؛ لذا تذكَّر دائماً أنَّ أفكارك الناقدة للذات هي مجرد أفكار وليست ما يفكر فيه الآخرون.
2. غيِّر تركيز انتباهك:
تُظهر الأبحاث أنَّ القلق الاجتماعي ينتج عن التركيز في الذات فقط؛ لذلك بدلاً من أن يكونوا مندَمجين ومركِّزين في أثناء المحادثة، غالباً ما سينصبُّ تركيز الأشخاص القلقين اجتماعياً على أنفسهم؛ مراقبين كيفية ظهورهم، وفي الكثير من الأحيان، يفترض الشخص القلِق اجتماعياً الأسوأ؛ إذ إنَّه من الممكن أن تراوده أفكار سلبية حول كيفية ظهوره على وسائل التواصل الاجتماعي، كما أنَّه أكثر عرضة لتفسير التعليقات الغامضة التي ينشرها الآخرون على تطبيق "فيسبوك" (Facebook) مثلاً بطريقة سلبية.
ركز قدر الإمكان - عند الدردشة مع شخص ما عبر الإنترنت - في هذا الشخص وانتبه إلى الآخرين وأصغِ باهتمام بدلاً من التفكير فيما تبدو أنت عليه، وعند إجراء مكالمة فيديو، صغِّر صورة الفيديو الخاصة بك أو أَخفِها؛ إذ ستساعدك هذه الخطوة على التركيز أكثر في المحادثة بدلاً من النظر إلى صورتك بشكلٍ متكررٍ، وتوجد إمكانية كبيرة أنَّ هذه الخطوات ستجعلك تبدو أفضل مما تعتقد، وعلى النقيض تماماً فإنَّ التركيز في نفسك سيجعلك تشعر بمزيد من القلق.
وبالمثل عند استعمال تطبيقات التواصل الاجتماعي، ركز في محتوى الآخرين أكثر من التركيز في المحتوى الخاص بك، وعوضاً عن التحقق باستمرار من عدد الأشخاص الذين أحبوا منشورك أو شاهدوه؛ استمتع بالمحتوى المتاح، ومن ثم، ابحث عن الأشخاص والمنشورات التي تجعلك سعيداً، وانظر إلى مشاركات الآخرين نظرةً إيجابية.
3. لا تُقارِن نفسك بالآخرين:
من السهل - عند تصفح وسائل التواصل الاجتماعي - الوقوع في فخ مقارنة نفسك بالآخرين سواءً من حيث كيف يبدو شكلهم أم كمية المتعة التي يحظون بها أم مدى الشعبية التي يتمتعون بها، ولكن تُظهِرُ الأبحاث أنَّ "المقارنات الاجتماعية حول الأفضلية" - كاعتقادِك مثلاً أنَّ الآخرين لديهم حياة أفضل من حياتك - يمكن أن يكون لها تأثير ضار في احترام الذات؛ لذلك من اللازم تجنُّب هذه العادة إن أمكن.
في الواقع نادراً ما تعطينا وسائل التواصل الاجتماعي لمحة حقيقية عن حياة شخص آخر. فإن نظرنا في صفحات وحسابات أصدقائنا، فقد يبدو الأمر كما لو أنَّ كل ما يفعلونه هو الخروج والاستمتاع؛ في حين أنَّ الحقيقة هي أنَّهم يقضون أسبوعهم معظمه على الأريكة وهم يشاهدون الأفلام والمسلسلات، وبنظرة عامة قد يتبيَّن أنَّ أصدقاءك دائماً ما يظهرون بمظهر مثالي، ولكن لا أحد منا يبدو دائماً كما هو في صورة سيلفي أُخِذَت بعناية.
إذا وجدت أنَّك تقضي الكثير من الوقت وأنت تقارن نفسك بالآخرين، فتوقف وانتبه إلى ما تفعله، واطرح السؤال التالي: هل قيامي بهذا الأمر يساعدني؟ وهل هذه المقارنة عادلة؟ وهل أرى الصورة الكاملة لحياة هذا الشخص أم أنَّني أنظر فقط إليها من خلال نافذة صغيرة؟ ثُم أعِد - إن أمكن - تركيز انتباهك في شيء آخر؛ إذ يمكنك محاولة التفكير بشكل أكثر واقعية في المنشور أو البحث عن محتوى آخر أو محاولة القيام بشيء آخر بعيداً عن وسائل التواصل الاجتماعي.
4. شارك أكثر دون تفكير مُفرِط:
إذا وجدت أنَّ الأفكار السلبية تمنعك عن المشاركة في وسائل التواصل الاجتماعي، فاسأل نفسك: "ماذا سأُخبر أصدقائي الذين لديهم القلق نفسه؟" فربما بمشاركتك المستمرة هذه تشجِّعهم على المحاولة على الأقل، وعلى الاقتناع بأنَّ مخاوفهم حول فهمهم بشكل خاطئ لن تتحقق على الأرجح، وكما سيساعدهم هذا الأمر، سيساعدك أنت أيضاً.
من السهل الاستمرار في تصفح المحتوى اللانهائي عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعدم نشر أي شيء وتجاهل الرسائل والشعور بالقلق من أنَّ أي شيء تفعله سيُنتَقَد، ولكن يوجد دليل على أنَّ هذا النهج السلبي الذي يتبعه بعض الأشخاص عند استعمال وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يكون مرتبطاً بمستويات أعلى من أعراض الاكتئاب والقلق؛ لذا وبدلاً من التصفح السلبي، اندمج وشارك المزيد عن نفسك.
إذا جلست بهدوءٍ في أثناء الدردشات الجماعية، فشارك في الحديث قليلاً، وإذا كان من النادر أن تنشر أي شيء على وسائل التواصل الاجتماعي، فشارك شيئاً ما؛ حتى ولو شاركت كبداية منشوراً لشخص آخر، وإذا لم تكن قد تواصلت مع شخص آخر عبر الإنترنت منذ زمن، فأرسل رسالة للاطمئنان على هذا الشخص ومعرفة ما يفعله في حياته. عند القيام بذلك، لا تفرط في التخطيط لما ستقوله، وقد يدهشك فيما بعد اكتشاف أنَّ تصرفك على طبيعتك يجعل ردود فعل الناس أفضل مما تعتقد.
لا تراقب - بعد مشاركتك أكثر على الإنترنت - تفاعل الآخرين مع ما نشرته أو إعطاء أهمية كبيرة له، واستمر في حياتك وركز في نشاط مختلف، وفي حال لم تكن معتاداً على ذلك، فقد تشعر بعد المشاركة والنشر على وسائل التواصل الاجتماعي وكأنَّك تقف في شارع مزدحم وتصرخ عبر مكبر الصوت، ولكنَّ الحقيقة مختلفة تماماً، فالأمر في الواقع أشبه بالتحدث همساً إلى حشدٍ صاخبٍ وثرثار.
المصدر: 1
شاهد بالفيديو: 9 خطوات تساعدك على السيطرة على القلق
أضف تعليقاً