نعم يمكن تحقيق ذلك والتفوق على الظروف والتقلُّبات الاقتصادية التي تحدث في العالم دون سابق إنذار، والتي تتسبَّب بخسارة كثير من الشركات لأعمالها، واسمها الذي عملت واجتهدت كثيراً ليصل إلى أكبر عدد من العملاء، والتي لا يمكن حماية الأعمال منها إلَّا في حال وجود نموذج عمل مستدام يساعد الشركة على أداء دور حيوي في إنشاء مستقبل ناجح ودائم.
رغم الضغوطات المتزايدة التي يتعرض لها كوكبنا يوماً بعد يوم، فالآن أصبحت استدامة الأعمال ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمسؤولية البيئية، ولأنَّ هذه العملية تتطلَّب التفكير العميق والانتباه للكثير من النقاط الهامة؛ سنقدِّم في مقالنا توضيحاً شاملاً لمعنى نموذج العمل المستدام، وأهميته وكيفية إنشائه لتضع شركتك على الطريق الصحيح نحو الاستمرارية والاستدامة على الأمد الطويل.
ما هو نموذج الأعمال المستدام وأهميته؟
تشير الاستدامة إلى القدرة على المحافظة على مستوى أو معدَّل معيَّن، كما أنَّ التنمية المستدامة تعني تلبية احتياجات الواقع الحالي، ولكن دون المساس بقدرة القادم من الأجيال على تلبية ما يحتاجون إليه، وارتباط الاستدامة بالأعمال يشير إلى توليد قيمة لمختلف الأطراف المعنية بالأمر من خلال الاستفادة من الموارد التي تساعد على تحقيق ذلك ولكن لن تبقى موجودة، بل قد تختفي بعد أشهر أو سنوات.
يسعى نموذج الأعمال الذي يعطي الأولوية للاستدامة إلى تحقيق ربح دائم، ويأخذ بالحسبان التأثيرات البيئية ومعالجتها ومختلف أصحاب المصلحة، ويؤكد "أثار شيل هوريتز" (خبير في مجال الربحية التجارية التحويلية والخضراء) وغيره من الخبراء، أنَّ الاستدامة في الأعمال التجارية هامة جداً للأسباب الآتية:
- الاستدامة توفر شيئاً ذا قيمة عالية جداً، لذلك تسمح للشركة بالاستمرار لعقود من الزمن.
- تجعل الاستدامة الشركة جذابة بنظر الجميع من موظفين أو عملاء أو أصحاب مصالح مشتركة لديهم الرغبة بممارسة الأعمال في شركات تفكر تفكيراً أعمق.
- الاستدامة لها تأثير بيئي إيجابي، فتساعد الكوكب على التعافي من الممارسات البيئية السيئة، التي قام بها الناس خلال السنين الطويلة الماضية، وتركِّز في تحقيق ذلك على الموارد المتجددة ودمج التكنولوجيا الخضراء في العمليات التجارية.
- تركِّز الاستدامة على العنصر البشري ضمن الأعمال، فتسعى إلى تعزيز العدالة الاجتماعية قدر الإمكان، من خلال توفير ظروف عمل جيِّدة ولائقة ومريحة وتسعى إلى الشمول والتنوع والعدالة في مختلف الأعمال الاجتماعية.
العناصر الأساسية لنموذج عمل مستدام:
عليك أولاً معرفة العناصر الأساسية لنموذج عمل مستدام لتتمكَّن من إنشاء نموذج خاص بعملك:
1. المحصلة الثلاثية النهائية:
التركيز عليها ضروري لقياس استدامة الأعمال، وهي الأداء الاجتماعي والمالي والبيئي للعمل، فالهدف يجب أن يكون تحسين تلك المحصلة الثلاثية.
2. الإشراف البيئي:
يجب على الشركة اتِّخاذ خطوات عملية وحقيقية للحفاظ على البيئة وحمايتها قدر الإمكان، بالتركيز على استخدام المواد والخدمات الصديقة للبيئة، بحيث يكون الالتزام بالإشراف البيئي بأفضل أشكاله.
3. الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية:
من واجبات الشركة أن تردَّ الجميل للمجتمع بالعمل الجاد على تطوير العمال والموظفين والعملاء، وتوفير فرص التدريب، وتحسين حياتهم لإحداث فرق إيجابي في المجتمع عامة.
4. التركيز على التحسين المستمر:
يجب أن تركِّز الشركة في خطتها على التحسين المستمر، لضمان استمرار النجاح على الأمد الطويل، لذلك من الضروري تحديد الأهداف العامة الأساسية وغيرها، والاستمرار في قياس التقدُّم.
5. العمل على الاستدامة الطويلة:
يتطلب استمرار العمل في الشركة على الأمد الطويل البحث والتركيز على الموارد التي تضمن الاستدامة، مثل الاستثمار في الطاقات المتجددة والعمل على تطوير التقنيات باستمرار والتوسع إلى أسواق جديدة.
كيفية إنشاء نموذج عمل مستدام:
أحد الأشياء الهامة التي يجب القيام بها لشركتك، هو إنشاء نموذج عمل مستدام، ويمكنك ذلك من خلال اتِّباع ما يأتي من خطوات:
1. فهم السوق المستهدف:
هي الخطوة الأولى والهامة جداً التي يجب أخذها بالحسبان عند إنشاء نموذج العمل المستدام، وتشمل المعرفة الجيِّدة للعملاء المثاليين، وما هي الاحتياجات التي يبحثون عنها والتي يمكن لخدماتك أو منتجاتك تلبيتها، فمن خلال ذلك يمكن وضع الخطة التسويقية المناسبة.
2. تحديد الطرائق التي يمكن من خلالها الوصول إلى السوق:
بعد تعرفك للفئة المستهدفة عليك معرفة السوق التي تصلك بهم وكيفية إقناعهم واكتسابهم، فربَّما تحتاج للتسويق من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال محركات البحث أو بالخروج إلى الشارع أو في الأسواق العامة، فمن الضروري اختيار الطريقة الأكثر تأثيراً فيهم.
3. تحديد مصادر الدخل الخاصة بشركتك:
هي خطوة ضرورية جداً مهما كان نوع العمل الذي تقوم به لتحديد الطرائق الرئيسة التي تأتي منها الإيرادات لعملك، ولا يجب التقليل من قيمة أي دخل يأتي لشركتك أو إهماله، فالشركات عادة ترى أنَّ مصدر الدخل هو مبيع الخدمات والمنتجات التي تقدِّمها، ولكن يوجد أيضاً الإعلانات مثلاً وأي مصدر دخل قادر على إحداث فرق معيَّن في إيرادات الشركة.
4. جعل تدفق الإيرادات لديك قابلا للتطوير:
تصبح مصادر الدخل التي حدَّدتها تبعاً للخطوة السابقة قابلة للتطوير، وكلما كان عملك في طريقه للنمو، ستنمو معه أيضاً، وإنْ كان عملك هو المبيع من خلال الإنترنت فقط، فيحب أن تركِّز على الوفاء مع العملاء وزيادة المبيعات باتباع هذه الطريقة وكذلك الأمر بالنسبة إلى مختلف الأعمال.
5. تطوير وتنويع تدفق الإيرادات والدخل:
لا يمكن التنبؤ بالمستقبل أبداً، فقد يجفُّ أحد مصادر الدخل، وهنا يجب أن تكون لديك مصادر دخل أخرى يمكن الاستعانة بها، فمثلاً إن كنت تقدِّم منتجاً معيَّناً، يمكنك أن تقدِّم معه خدمات متعلِّقة باستخدام المنتج.
شاهد بالفيديو: 8 خطوات لتكوين مصادر دخل متعددة
6. تقدير التكاليف الخاصة بعملك:
يجب أن تحصي كافة التكاليف التي تدفعها الشركة مقابل تقديم الخدمة أو المنتج من أسعار المواد الأولية المستخدمة وكل ما يلزم للصناعة من كهرباء ومياه مثلاً، وأيضاً التكاليف غير المباشرة، مثل أجور العمال والموظفين وإيجار المكان والنفقات اللازمة للتسويق أو الإعلان وما شابه ذلك.
7. التركيز على إبقاء التكاليف منخفضة:
هي طريقة جيِّدة لتضمن استدامة الأعمال في شركتك، وتبدأ بالتأكُّد من أنَّ التكاليف الخاصة بعملك يمكن التحكُّم بها وإدارتها لتبقى متماشية مع الإيرادات بالشكل المطلوب، ولتحافظ على التكاليف منخفضة، يمكنك الاستعانة بمصادر خارجية لبعض الأعمال أو الاستعانة بأشخاص أكثر خبرة لتوفير الوقت والجهد، وتوفير المال على الأمد الطويل.
لا تفعل كل شيء بنفسك، فإن كنت تعتقد أنَّك بهذه الطريقة تقلِّل التكاليف، فأنت مخطئ وفي الوقت ذاته يجب أن يكون فريق العمل صغيراً ويمتلك الخبرة الكافية والذكاء والمرونة والتكيُّف مع المتغيرات اللازمة لتطوير العمل، فشخص واحد يمتلك تلك الصفات أفضل من أشخاص 10 لا يمتلكون إلَّا القليل منها.
انتبِهْ جيِّداً إن اقتربَتْ التكاليف من التفوق على الإيرادات، فحينها أنت على طريق الخسارة ومن الصعب جداً المحافظة على شركتك على الأمد الطويل.
8. الاحتفاظ بالعملاء:
لا يجب أن تركِّز على اكتساب العملاء فقط، بل يجب أن تركِّز على الاحتفاظ بهم، ويتم ذلك من خلال تقديم احتياجاتهم تقديماً يحقِّق لهم السعادة، فإن كان العميل مرتاحاً، يضمن لك ذلك استمراره ومواصلة التعامل مع شركتك، ويمكن الاطلاع على مدى رضى العملاء من خلال البحث النشيط عن ردود أفعال العملاء وتكرارهم لعمليات الشراء.
9. التخطيط للمستقبل:
لا يقلُّ التركيز على المستقبل أهميةً عن التركيز على الحاضر، لذلك خُذْ بالحسبان التغيرات المحتمل حدوثها، وفكِّر جيِّداً بكيفية التوسع في نطاق عملك ربَّما بإنتاج خدمات أكثر أو تقديم الخدمة المختص بها بجودة أعلى، ومن الضروري أيضاً توقُّع حدوث مشكلات أو عراقيل في العمل، ويجب إنشاء خطة تساعد على تجاوز الصعاب مستقبلاً.
10. التعامل مع تقلبات السوق بمرونة عالية:
تحتاج مرونة الأعمال إلى تحليل مستمر للسوق وتتطلَّع من خلاله إلى توجه السوق ورغبات العملاء المتطورة بتطور الخدمات والتقنيات وخاصة التطورات التكنولوجية، وكيفية دمجها بالعمليات التجارية والسلوكات المتطورة بناءً على ذلك، فالاطِّلاع على ما سبق يعني التخفيف من تأثير التقلبات المفاجئة في السوق والتأقلم مع التغيرات بسهولة.
في الختام:
تحتاج مختلف الشركات والأعمال إلى نموذج عمل مستدام، فالاستدامة تساعد الشركة على الاستمرار لعقود من الزمن، كما أنَّها تجعل الأعمال صديقة للبيئة تحميها وتحافظ عليها، وتوفر للعمال رفاهية وراحة في العمل، ولإنشاء نموذج عمل مستدام تحتاج إلى فهم دقيق للسوق والفئات المستهدفة التي يجب تلبية احتياجاتها وتحديد الطريقة التي تعرِّفهم بالمنتج، إضافة إلى تحديد مختلف مصادر الدخل والحرص على تطويرها وتنويعها أيضاً، والسعي لتبقى التكاليف منخفضة قدر الإمكان بتحديدها أولاً وإدارتها جيِّداً.
لأنَّ السوق يتغيَّر باستمرار تبعاً للتغيرات الحاصلة في العالم؛ يجب أن تمتلك شركتك المرونة الكافية للتكيُّف مع التغيُّرات، وعموماً يجب أن تركِّز في خطتك على المستقبل كما تفكر في الحاضر وتتوقَّع المشكلات التي قد تحدث لتكون جاهزاً لتجاوزها والاستمرار على الأمد الطويل.
أضف تعليقاً