لكن عندما يمتلك الإنسان المال الوفير يختلف الأمر، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، [سورة التغابن، الآية 16]؛ ليؤكِّد لنا الله تعالى على أهمية إخراج الزكاة والصدقة، فالصدقة تطفئ غضب الرب، وتكفِّر الخطايا والآثام، وتقينا من النار؛ لذلك تُعدُّ الصدقة من العبادات المُحبَّبة إلى الله تعالى، والتي يجزي عباده عنها عظيم الثواب، سواء كانت صدقة مؤقتة، أم جارية.
فما هو الفرق بين الصدقة المؤقتة والجارية؟ وكيف يمكننا تعليم الصدقة للطفل؟ وغيرها من الأسئلة التي سنجيب عنها في مقالنا، مع ذكر أفضل الأمثلة وقصص قصيرة عن الصدقة والصدقة الجارية أيضاً.
مفهوم الصدقة الجارية:
المعنى الحرفي للصدقة الجارية هو عمل الخير الذي يستمر الانتفاع منه، فهو جاري كما جريان النهر دائم التدفق، وبحسب الشريعة الإسلامية فالصدقة الجارية هي أحد أنواع الصدقات التي تتَّسم بالاستمرارية؛ إذ يُتبرَّع لمرة واحدة بمال أو أرض أو أي شيء يفيد محتاج أو فقير، ويبقى أجرها مستمراً حتى بعد وفاة المتبرِّع؛ لأنَّ الفائدة منها مستمرة، فثمرة الصدقة متجدِّدة؛ وذلك هو الفرق بينها وبين الصدقة المؤقتة التي يثاب عليها الإنسان وقت دفعها فقط؛ كأن تتصدَّق بطعام أو لباس، فقد قال الرسول الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم.
الصدقة تختلف عن الزكاة، فلا يوجد لها شروط كما الزكاة إذ يوجد نصاب معيَّن من الأموال؛ وإنَّما الصدقة هي إنفاق تطوعي يتوقف على رغبة المسلم وعلى قدرته أيضاً وعلى احتياج الفقراء، فلا يوجد وقت محدَّد للتبرع؛ وإنَّما يمكن في أي وقت يراه المسلم مناسباً، كما يجب أن تكون نيَّته نيل رضى الله تعالى وثوابه فقط.
قصة قصيرة عن الصدقة للأطفال:
يجب علينا بدايةً معرفة كيفية تعليم الصدقة للطفل؛ وذلك من خلال ما يأتي:
- خصِّص حصَّالة يُجمَع فيها المال من أفراد الأسرة وأرسلها إلى المحتاجين.
- شجِّع الطفل على التبرع ببعض الملابس التي لا يحتاج إليها للفقراء والمحتاجين أو للجمعيات الخيرية.
- اصطحب طفلك إلى دار الأيتام، ودعه يضع بعض المال في صندوق التبرع، ليشعر بقدرته على العطاء.
- شجِّع طفلك على التبرع بألعابه التي سَئِمَ منها لأطفال آخرين لا يستطيعون شراء الألعاب؛ وذلك بعد توضيح أهمية التصدق بها من الجانب الإنساني الذي يتسبَّب بإدخال الفرحة إلى قلوب الأطفال، ومن الجانب العملي سيتيح مكاناً لتخزين أشياء جديدة، وبعد استيعابه لذلك يمكنك شرح أهمية الصدقة من الجانب الديني.
قصص قصيرة عن الصدقة:
أن تروي قصصاً عن الصدقة لطفلك هي من الوسائل التي تفيد أيضاً في تشجيعه عليها، إليك بعض القصص القصيرة عن الصدقة للأطفال:
قصة سعيد:
عاد سعيد من مدرسته يوماً جائعاً، فوضع حقيبته، وأسرع إلى أُمه يطلب منها تحضير وجبة الغداء له، فوضعت أمه الطعام، وجلس يتناوله بمتعة، وفي أثناء ذلك نظر إلى غرفة المكتبة فرأى والده يقوم بوضع الكتب في كراتين، فسأل أُمه: ماذا يفعل أبي؟ فأجابته: والدك يقوم بتجميع كتبه الهامَّة ليأخذها إلى المسجد، فتوجَّه سعيد إلى والده بعد أن أنهى طعامه وسأله: أبي هل تريد بيع كتبك الهامَّة؟ فضحك والده وأجابه: كلا، أريد أن أتبرَّع بها لمكتبة المسجد كي تكون صدقة جارية عنِّي، فاستغرب سعيد كلامه وسأله: ما تعني بصدقة جارية؟ فأجاب الوالد: حين أتبرَّع بهذه الكتب لمكتبة المسجد سيقرؤها كثير من الناس، وكلما قرأ أحدهم هذه المعلومات القيِّمة واستفاد منها في حياته سيكافئني الله بكثير من الحسنات، سواءً في حياتي، أم بعد الممات، فقال سعيد لوالده: انتظرني قليلاً لأعود، وهرول سريعاً إلى حجرته ليعود حاملاً صندوقاً ثقيلاً، فسأله والده: ما الذي تحمله يا ولدي الحبيب؟ فأجابه: لقد جمعت الكتب والمجلات والقصص كي يقرأها الأطفال ممَّن يزورون المسجد فتكون صدقة جارية عني، ففرح والده كثيراً واحتضنه.
قصة كريم:
ذهب كريم بصحبة والده إلى دار المسنين يوماً، وعندما وصلا قابل والده مدير الدار ليسأله عمَّا يمكنه تقديمه من خدمات تساعد على جعل حياة المسنين أفضل، فأجابه أنَّهم يريدون شراء خزانات جديدة لتخزين المياه، فالدار يعاني من نقص في كمية المياه، فتبرَّع والد كريم بمبلغ من المال، وعندما عادا للمنزل سأله كريم عن ذلك، فأجابه تبرعت بالمال صدقة جارية عنِّي، فكلما احتاج أحدهم إلى المياه ووجدها سيكافئني الله؛ لأنِّي ساهمت بذلك، فأسرع كريم وجلب حصالته وأعطاها لوالده وطلب منه إيصالها لمدير الدار لاحقاً كي تكون صدقة جارية عنه.
قصة سليم:
ينتمي سليم لعائلة تمتلك من المال الكثير، ويوماً كان سليم يجلس مع عائلته مساءً يتبادلون الأحاديث، فأخبرهم أنَّ عليَّاً صديقه في المدرسة الذي يسكن مع عائلته في بيت مستأجر لم يتمكَّن والده من شراء منزل صغير لهم، فعمله غير جيد، ولم يتمكَّن من جمع كامل المبلغ، كما سيقوم صاحب المنزل بإخراجهم منه قريباً؛ لأنَّه يريد أن يسكنه، فطلب منه والده أن يعرِّفه إلى علي كي يأخذه إلى والده، وعندما التقى بوالد علي أعطاه المبلغ الذي يحتاج إليه لاستكمال ثمن المنزل، وقال له إنَّ هذا المبلغ هو صدقة جارية عنه، فأخبر سليم والده أنَّه سيجمع مصروفه لمدة شهر ويعطيه لعلي لمساعدة والده بشراء احتياجات المنزل الجديد صدقة جارية عنه، ففرح والد سليم كثيراً؛ لأنَّه زرع بابنه هذه الصفة الحميدة.
قصص قصيرة أخرى عن الصدقة الجارية:
قصص الصدقة الجارية كثيرة في الحياة، وأفضلها هي القصص التي حدثت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ومع الصحابة، إليك منها ما يأتي:
اتقِّ الله ولو بشق تمرة:
روي أنَّ عائشة رضي الله عنها قد اشترت جارية ووضعتها في بيتها، فنزل جبريل عليه السلام وقال: "يا محمد أخرج هذه الجارية من بيتك، فإنَّها من أهل النار"، فأخرجتها عائشة ودفعت إليها القليل من التمر، فأكلت الجارية نصف تمرة، وأعطت النصف الآخر إلى فقير كانت قد صادفته في طريقها، فجاء جبريل عليه السلام وقال: "يا محمد إنَّ الله تعالى يأمرك أن ترد الجارية، فإنَّ الله أعتقها من النار؛ لأنَّها تصدقت بنصف تمرة"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة اشتري نفسك من النار ولو بشق تمرة".
قصة صدقة جارية ببئر رومة على المسلمين من مال عثمان رضي الله عنه:
عندما أتى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم المدينة لاحظ قِلَّة المياه العذبة فيها، فليس فيها ماء عذب غير بئر رومة، فقال حينها الرسول صلى الله عليه وسلم: "من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة؟"، وقال أيضاً: "من حفر بئر رومة فله الجنة".
حينها رأى عثمان بن عفان رضي الله عنه معاناة المسلمين، فقد كانوا يشترون الماء العذب من رجل يهودي يمتلك بئر رومة؛ لذلك ذهب عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى الرجل اليهودي وطلب منه أن يبيعه بئر رومة، فأبى أن يبيع البئر كله، فاشترى منه نصف البئر فقط باثني عشر ألف درهم، وخُصِّص يوم لليهودي ويوم لعثمان، وعندما يأتي يوم عثمان يأخذ المسلمون الماء العذب الذي يكفيهم لمدة يومين دون مقابل؛ لذلك فعندما رأى الرجل اليهودي ذلك ذهب لعثمان وباعه النصف الآخر من البئر بثمانية آلاف درهم، حينها أصبح بئر رومة بكامله لعثمان بن عفان رضي الله عنه وتبرَّع به للمسلمين.
دينار أنفقته على أهلك فهو لك صدقة:
روي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي عام حَجَّةِ الوداع من وَجَعٍ اشْتَدَّ بي، فقلت: يا رسول الله، قد بلغ بي من الوَجَعِ ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يَرِثُنِي إلا ابنةٌ أَفَأَتَصَدَّقُ بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت: فالشَّطْرُ يا رسول الله؟ قال: لا، قلت: فالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير، إنَّك إن تَذَرَ وَرَثَتَكَ أغنياء خيرٌ من أن تَذَرَهُم عالَةً يَتَكَفَّفُونَ الناس، وإنَّك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجِرْتَ بها، حتى ما تجعل في امرأتك".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دينارٌ أنفقته في سبيل الله، ودينارٌ أنفقته في رقبة، ودينارٌ تصدَّقت به على مسكين، ودينارٌ أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك"، لندرك من خلال ذلك أنَّ الإنفاق على الأبناء والزوجة والأهل ليس واجباً فحسب؛ بل إنَّها صدقة يُثاب عليها.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً: "ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة، وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة، وما أطعمت زوجك فهو لك صدقة، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة".
في الختام:
الصدقة الجارية هي التي يُتبرَّع فيها وتستمر الاستفادة منها لسنوات طويلة حتى بعد موت المُتبرِّع، فيُثاب عليها الإنسان كلما استفاد أحدهم من صدقته، وقد حثَّنا الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم على التصدُّق كلما استطعنا، فهي كفارة عن الذنوب، وتقرِّبنا من الله تعالى، ليفتح لنا أبواب الخير في جميع مجالات الحياة.
لذا يجب تعليم الطفل الصدقة من خلال شرح فضلها في حياتنا، وذكر الأمثلة والقصص التي تساعد الطفل على فهم معنى الصدقة وخاصةً الجارية منها، ويجب أن تكون قدوة حسنة لطفلك، فجميع القصص والأمثلة تجعلنا نستنتج أنَّ الطفل يفعل ما يفعله والده، فإن تصدَّقت أمامه وفعلت الخير دائماً سيفعل هو أيضاً ذلك.
أضف تعليقاً