ولا يستقيم إسلام المسلم إلّا بأدائها، لما لها من دور في التقريب بين أغنياء المسلمين وفقرائهم، وخلق روح التعاطف والمحبة بين أبناء المجتمع، وتحقيق التكافل الاجتماعي في المجتمع المسلم وتأمين حاجة الفقراء والمساكين وأبناء السبيل والأيتام والأرامل وكفاية مستحقيها عن الحاجة والسؤال.
وقد أجمع علماء الإسلام سلفاً وخلفاً على أنّه لا يتم إسلام المرء إلّا بأداء الزكاة، فمن أنكر وجوبها فهو كافر، ومن امتنع عن أدائها مع اعتقاده وجوبها تؤخذ منه قهراً وعنوة كما فعل الخليفة الصديق أبو بكر رضي الله تعالى عنه مع الذين امتنعوا عن أداء الزكاة بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
1. تعريف الزكاة:
والزكاة في اللغة: النماء، يقال زكا الزرع إذا نما، وأيضاً بمعنى التطهير، كذلك بمعنى الصلاح.
وشرعاً: تمليك مال مخصوص لمستحقه بشرائط مخصوصة.
2. أدلّة وجوب الزكاة:
فرضت الزكاة في السنة الثانية من الهجرة، وهي واجبة بالكتاب والسنة والإجماع، وهي أحد أركان الإسلام الخمسة، وهي قرينة الصلاة في كتاب الله.
أمّا دليل فرضيتها من الكتاب:
قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} سورة البقرة:110
وقال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} التوبة:103
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} سورة المعارج:25
وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}سورة البينة:5
وأمّا السنة فكثيرة:
منها قوله صلّى الله عليه وسلّم: (بُنِيَ الإِسلامُ على خمْسٍ : شهادةُ أنْ لا إِلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ مُحمدًا رسولُ اللهِ، وإِقامُ الصَّلاةِ، وإِيتاءُ الزكاةِ، وحَجُّ البيْتِ، وصوْمِ رَمَضانَ)، وفي حديث معاذ رضي الله عنه لما بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن (فأعلمْهم أنَّ اللَّهَ افترضَ عليْهم صدقةً في أموالِهم تؤخذُ من أغنيائِهم وتردُّ على فقرائِهم).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أمِرتُ أن أقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يشهَدوا أن لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ فإذا شَهِدوا أن لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ واستقبَلوا قبلتَنا وصلُّوا جماعتَنا وأَكلوا ذبيحتَنا حُرِّمت علينا دماؤُهم وأموالُهم إلَّا بحقِّها لَهُم ما للمسلِمينَ وعليهم ما على المسلِمينَ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أنَّ أعْرابِيًّا جاءَ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: يا رَسولِ اللهِ، دُلَّنِي علَى عَمَلٍ إذا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الجَنَّةَ، قالَ: تَعْبُدُ اللَّهَ لا تُشْرِكُ به شيئًا، وتُقِيمُ الصَّلاةَ المَكْتُوبَةَ، وتُؤَدِّي الزَّكاةَ المَفْرُوضَةَ، وتَصُومُ رَمَضانَ، قالَ: والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لا أزِيدُ علَى هذا شيئًا أبَدًا، ولا أنْقُصُ منه، فَلَمَّا ولَّى قالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: مَن سَرَّهُ أنَّ يَنْظُرَ إلى رَجُلٍ مِن أهْلِ الجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إلى هذا".
وأمّا الإجماع:
فقد ذكره كثير من العلماء، قال ابن قدامة: وأجمع المسلمون في جميع الأعصار على وجوبها (المغني 2/433).
3. شروط الزكاة ووجوبها:
أجمع العلماء على أنّ الزكاة تجب على كل مسلم حرٍّ بالغ عاقل مالكٍ النصابَ ملكاً تاماً حال عليه الحول، فيما عدا الزروع والثمار فإنّه يجب فيها من دون حول الحول، واختلفوا في المرتد، والصبي، والمجنون، والعبد، وما خلا المالك ملكاً تامًّا. (وهذه مسائل مبسوطة في مظانها في كتب الفقه).
4. حكمتة الزكاة وفضلها:
الزكاة فيها تطهير للنفس والمال، ورفعة في الدرجات، وحصول للبركة، وزيادة في الأجر والمثوبة، ونفي للفقر، ومواساة للمحتاجين، وترابط للمجتمع المسلم.
وقد حدّد الله عز وجل مصارفها فقال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} التوبة: 60
ومن اسم الزكاة يتّضح لنا ما فيها من الزكاء والطهارة والنماء، وقد قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} التوبة: 103، فهي تعتبر طهراً للمال، وعلاجاً شافياً لأمراض البخل والشح والطمع والأنانية والحقد.
وقد وعد الله أهل الزكاة والإنفاق بالبركة والزيادة والنماء فقال: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} سبأ: 39، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (ما نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِن مالٍ).
وللزكاة دور كبير في تحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي في المجتمع المسلم، فالله عز وجل قسم الأرزاق بين عباده حسب مشيئته، وفضل بعضهم على بعض في الرزق، فجعل منهم الغني والفقير، والقوي والضعيف، وفرض على الأغنياء حقاً معلوماً ونصيباً مفروضاً يؤخذ منهم ويرد على الفقراء كيلا يكون المال دولة بين الأغنياء، وليحصل الفقراء على العيش الكريم، فلا يمنّ غني بنفقته، فالمال مال الله وهو الذي أوجب فيه حق النفقة والمواساة. وهذا من أروع صور التكافل في المجتمعات. (مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى(.
كذلك فإنّ الزكاة تعبير عملي عن أخوة الإسلام، وتطبيق واقعي لأخلاق المسلم من جانب المزكي، كذلك فإنّ لأداء الزكاة دور كبير في تحقيق الأمن والاستقرار، فحينما يحصل الفقير على حقّه ويحصل على ما يؤمن حياته فإنّه يبتعد عن إحداث أي اضطرابات في حياة المجتمع الإسلامي ويشعر أنّه ضمن جماعة ترعى حقّه فيعم الأمن والأمان والسلم والسلام طبقات المجتمع.
كذلك فإنّه متى ما أدّى الغني حق الفقير اختفت من المجتمع الإسلامي مظاهر الحسد، وسلموا من غوائل الضغينة وعاش الجميع في إخاء ومحبة ومودة وسعادة وهناء.
أيضاً فإنّ الزكاة تكفر الخطايا وتدفع البلاء، وتجلب رحمة الله، قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} الأعراف: 156.
5. موقف الإسلام من مانعي الزكاة:
من أشد المصائب التي يبتلى بها الإنسان داء البخل الذي يجعله يظن أنّ بخله يحفظ أمواله من الضياع، أو أنّه يزيده مالاً فوق ماله، مع أنّه لو علم ما يصيبه من الخسران في الدنيا وما يحيق به من العذاب في الآخرة، مع ما يفوته على نفسه من الأجر والبركة، فإنّه لو أدرك ذلك لكان مسارعاً في إخراجها، بل ويزيد من الصدقات والمعروف.
وقد جاء الوعيد الشديد في كتاب الله تعالى لمن بخل ولم يؤدِ زكاة ماله.
فقال تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} آل عمران:180.
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(34)يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ(35)} التوبة
ففي الامتناع عن أداء الزكاة إثم عظيم، وضررٌ كبير على الفقراء والمحتاجين، وتعرض لغضب الله وعاجل عذابه، لذا فمنع الزكاة يهدم بناء المجتمع ويقوض دعائمه، لذا فإنّ من امتنع من الأغنياء عن أداء الزكاة فإنّها تؤخذ منه قهراً، وإن كانوا جماعة لهم سلطان وقوة قاتلهم الإمام حتى يؤدّوا الزكاة كما فعل أبو بكر رضي الله تعالى عنه مع مانعي الزكاة.
ومن أنكر وجوبها وهو عالم ولم يخفَ عليه حكمها فهو كافر مرتد بإجماع المسلمين بخلاف من تركها مع عدم جحدها فهذا تؤخذ منه بقوة السلطان ويعزره الإمام إن لم يكن له عذر، وهو داخل في الوعيد الشديد الذي جاء في مانعي الزكاة.
وممّا جاء في تهديد مانعي الزكاة في السنة النبوية، حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ما من صاحِبِ ذَهبٍ ولا فِضَّةٍ، لا يُؤَدِّي مِنْها حقَّها، إلَّا إذا كان يومُ القِيامةِ، صُفِحَتْ لهُ صَفائِحُ من نارٍ، فأُحْمِىَ عليْها في نارِ جهنَّمَ، فيُكْوَى بِها جنْبُهُ، وجَبينُهُ، وظهْرُهُ، كُلَّما بَرُدَتْ أُعيدَتْ لهُ، في يومٍ كان مِقدارُهُ خَمسينَ ألْفَ سنةٍ، حتى يُقضَى بين العِبادِ، فيُرَى سبيلُهُ، إِمّا إلى الجنةِ، وإمَّا إلى النارِ. ولا صاحِبِ إبِلٍ، لا يُؤَدِّي مِنْها حقَّها - ومِنْ حقِّها حلْبُها يومَ وُرُودِها – إلَّا إذا كان يومَ القِيامةِ، بُطِحَ لها بِقاعٍ قَرقرٍ، أوْفَرَ ما كانَتْ، لا يُفقَدُ مِنْها فَصيلًا واحِدًا، تَطؤُهُ بِأخْفافِها، وتَعضُّهُ بِأفْواهِها، كُلَّما مَرَّ عليه أُولاها، رَدَّ عليه أُخْراها، في يومٍ كان مِقدارُهُ خمسينَ ألْفَ سنةٍ، حتى يَقضِىَ بين العبادِ، فيُرَى سبيلُهُ، إمَّا إلى الجنةِ، وإِمَا إلى النارِ. ولا صاحِبِ بَقرٍ، ولا غَنَمٍ لا يُؤدِّي مِنْها حقَّها، إلَّا إذا كان يومُ القِيامةِ بُطِحَ لها بِقاعٍ قَرْقَرٍ لا يَفقِدُ مِنْها شيئًا، ليس فيها عَقْصاءُ، ولا جَلْحاءُ، ولا عَضْباءُ، تَنطحُهُ بِقِرُونِها، وتَطؤُهُ بأظْلافِها، كُلَّما مَرَّ عليه أُولَاها، رَدَّ عليه أُخْراها في يومٍ كان مِقدارُهُ خَمسينَ ألْفَ سنةٍ، حتى يُقْضَى بين العِبادِ، فيُرَى سبيلُهُ، إمّا إلى الجنةِ، وإمّا إلى النارِ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (مَنْ آتاهُ اللهُ مالًا فلَمْ يؤَدِ زكاتَهُ مُثِّلَ له يومَ القيامَةِ شجاعًا أقرَعَ لَهُ زبيبتانِ يطوِّقُهُ يومَ القيامَةِ ثُمَّ يأخُذُ بلِهْزِمَتَيْهِ يعني بِشِدْقَيْهِ ثُمَّ يقولُ: أنا مالُكَ أنا كنزُكَ ثُمَّ تلا النبىُّ: ولَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ القيامَةِ).
وعنه أيضاً قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إذا ما رَبُّ النَّعَمِ لَمْ يُعْطِ حَقَّها تُسَلَّطُ عليه يَومَ القِيامَةِ، فَتَخْبِطُ وجْهَهُ بأَخْفافِها).
وفي الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (ولم يمنَعوا زكاةَ أموالِهم إلَّا مُنِعوا القطْرَ من السَّماءِ ولولا البهائمُ لم يُمطَروا).
فأي ترهيب بعد هذا الترهيب، وأي وعيد بعد هذا الوعيد، فليتّقِ الله مانع الزكاة وليتب إلى ربه فإنّه يقبل توبة التائبين.
أخي الصائم .. ها نحن في العشر الأواخر من شهر رمضان، عشر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران، فليكن لك من الإنفاق نصيب، ولا تكن ممّن يبخلون فيستحسرون، أدِّ زكاة مالك في وقتها، وتصدق بفضول مالك فينميه الله لك ويضاعفه لك أضعافاً كثيرة {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} البقرة: 245
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وكتبنا جميعاً من عتقائه من النار.
أضف تعليقاً