اعتمد "جلادويل" في صياغة قاعدته على ورقة بحثية نشرها عالم النفس السويدي "أندريس إريكسون" (Anders Ericsson) في عام 1993، فيشرح "إريكسون" في هذا البحث أنَّ الممارسة الهادفة على الأمد الطويل تساعد على الوصول لمستويات عالية من الإتقان.
كما أجرى عالم النفس "جون هايز" (John Hayes) بحثاً على نخبة المؤلفين الموسيقيين، والفنانين، والشعراء، وقد تبين أنَّ إنتاج الأعمال الفنية رفيعة المستوى يحتاج لخبرة لا تقل عن 10 سنوات في المجال.
مفاهيم خاطئة عن فرضية العشرة آلاف ساعة:
يفترض أحد المفاهيم المغلوطة عن قاعدة العشرة آلاف ساعة أنَّ العامل الحاسم لإتقان المهارة هو المدة الزمنية الفعلية لممارستها واستخدامها في التطبيقات العملية.
هذه النتيجة غير منطقية، وذلك لأنَّ أي شخص يمارس مهارة ما في وظيفته سيصل لمدة 10000 ساعة من التطبيق المتواصل في نهاية المطاف، ومع ذلك ثمة عدد قليل جداً من الفنانين، والموسيقيين، ولاعبي الشطرنج اللامعين على مستوى العالم، وتثبت ندرة المواهب ومستويات الأداء المتميزة على مستوى العالم أنَّ ممارسة المهارة لفترة زمنية مطولة لا تكفي لإتقانها.
يشرح "إريكسون" أنَّ الممارسة وحدها لا تكفي لإتقان المهارة، بل يجب أن تعقد العزم على إتقانها بإشراف كوتش خبير؛ بمعنى أنَّ ممارسة العزف على سبيل المثال لا تكفي لإتقان هذه المهارة، بل يجب أن يتدرب العازف على المقطوعات الصعبة باستمرار تحت إشراف كوتش خبير يقدم التوجيهات والملاحظات التي تساعد العازف على تحسين أدائه.
تؤدي الممارسة المستمرة إلى تعزيز عملية التعلم وترسيخ خطوات العمل في الذاكرة حتى تصبح تلقائية ولا تحتاج للتفكير، ويمكن فهم العملية عن طريق النظر في مراحل تعلم القراءة، فيقوم الطفل بتمييز الحروف بصعوبة بالغة في البداية، لكنَّها تصبح مألوفة بالنسبة إليه بسهولة بعد الممارسة، ثم ما يلبث أن يبدأ بقراءة النصوص دون أن ينتبه للأحرف بحدِّ ذاتها.
يمكن أن تكون هذه التلقائية نقمة على الفرد، لأنَّه يصبح عاجزاً عن مراقبة أدائه وتحسينه بعد الوصول لمستوى معيَّن من الإتقان، وهنا تبرز أهمية الممارسة بنيَّة الإتقان التي تطغى على الممارسة العادية أو التلقائية.
دقة الأبحاث العلمية:
شرح "إريكسون" في بحثه أنَّ الممارسة بنيَّة الإتقان هي التي قصدها عندما قال إنَّ تعلم أية مهارة يتطلب عشرة ألاف ساعة من الممارسة، وليس الممارسة العادية، ولكن هل هذا الافتراض مُثبَت علمياً؟
انتقادات بحث إريكسون:
تعرض بحث "إريكسون" لعدة انتقادات بعد أن ذاع صيته حول العالم، ويُذكَر منها ما يأتي:
1. تركيز إريكسون على الممارسة أكثر من الموهبة:
انتقد بعضهم تركيز "إريكسون" على الممارسة أكثر من الموهبة، فهو يفترض أنَّ مستويات الأداء والإتقان العالية تنجم عن المواظبة على الممارسة ولا تأخذ عامل الموهبة بالحسبان، عارض بعض علماء النفس الآخرين نظرية "إريكسون" لأنَّ معدلات التعلم تختلف من فرد لآخر بطريقة لا يمكن تفسيرها بالممارسة فقط.
تنجم مستويات الأداء العالية عن توفر عاملي الموهبة الفطرية والممارسة بنيَّة الإتقان، فلا يمكن أن يتميز الفرد ويتقن مهاراته دون ممارسة، ويستحيل أن يتطابق معدل التعلم بين الأفراد حتى عندما تكون ظروف الممارسة والكوتشينغ موحدة، ما يعني أنَّ الأداء الاستثنائي يشترط توفر عاملي الموهبة الفذة والاجتهاد في العمل.
تجدر الإشارة إلى أنَّ إتقان المهارات يعتمد على الاجتهاد والمواظبة على الممارسة أكثر من الموهبة الطبيعية؛ لأنَّ الإنسان يستطيع أن يعوِّض نقص الموهبة عن طريق الجد وزيادة الجهود المبذولة، ولكن إذا بذل كل فرد نفس الجهد كما يفعل المتفوقون على مستوى العالم، فإنَّ الاجتهاد وحده لا يفسر الاختلاف بينهم.
2. الاجتهاد في الممارسة لا يفسر تفاوت أداء النخبة:
يحتج بعضهم بأنَّ الاجتهاد في الممارسة لا يفسر تفاوت أداء النخبة في مختلف قطاعات العمل، وقد كشفت نتائج أحد استطلاعات الرأي أنَّ تأثير الممارسة في مستوى الأداء يبلغ حوالي 26% في حالة الألعاب، و21% في مجال الموسيقى، و1% في النجاح المهني.
رد "إريكسون" على هذه الانتقادات ووضح موقفه من الموهبة مفترضاً أنَّ معظم القدرات والمواهب الفطرية قابلة للتحسين عبر الممارسة والتدريب، ونشر "إريكسون" بعد ذلك تفنيداً يدحض فيه النتائج التي تنفي تأثير الممارسة في مستوى الأداء، محتجاً بأنَّ هذه الدراسات تخلط بين الممارسة بنيَّة الإتقان وطول مدة الممارسة العادية للمهارة.
خلاصة القول: تُعد فرضية الممارسة بنيَّة الإتقان نموذجاً مقنعاً ومفيداً وفعالاً لتنمية المهارات، ولكن لا يمكن نفي دور المواهب والقدرات الفطرية وغيرها من العوامل في تحسين الأداء.
انتقادات فرضية العشرة آلاف ساعة:
تحدث "إريكسون" عن دراسة أثبتت تحسن أداء الموسيقيين على مرِّ التاريخ مع تطور تقنيات التلقين والتدريس وظهور منهجيات جديدة وفعالة في التعلم. ذكر "إريكسون" أيضاً أمثلة عن مؤلفات موسيقية يؤديها العازفون بإتقان وبراعة في هذه الأيام رغم أنها كانت تعد صعبة فيما مضى.
يمكن ملاحظة التقدم في أداء الأفراد في عدة مجالات رياضية وعقلية وترفيهية، وقد ارتفعت معايير تصنيف النخبة مع زيادة القدرات وتطور مستوى المهارات مع مرور الوقت.
يقوم تصنيف الأداء العالي على نظرية المقارنة الاجتماعية، وهذا يعني أنَّ مقدار الممارسة أو الموهبة اللازمة لبلوغ هذا المستوى يعتمد بشكل كامل على الوقت والجهد الذي يستثمره بقية المنافسين في تنمية مهاراتهم.
تتطلب المجالات التنافسية وقتاً أطول لإتقان المهارات بسبب وجود عدد كبير من الأفراد الذين يخصصون وقتاً طويلاً لممارسة المهارة وتنميتها بطريقة مدروسة وهادفة.
على فرض وجود مجالين يضم الأول 100 فرداً، والثاني 100000، بحيث يتبع زمن الممارسة توزع منتظم، وتكون الممارسة العامل الوحيد المتحكم بالأداء، فيحتاج الفرد في المجال الأول لبذل مجهود أقل من الثاني في الممارسة لكي يتميز ويصبح من النخبة.
لكنَّ الممارسة ليست العامل الوحيد الذي يتحكم باكتساب المهارات على أرض الواقع، فثمة إقبال كبير على تحقيق التميز في مجالات معيَّنة، ولكن لا تحظى بعض المجالات على تقدير أفراد المجتمع ولا يحاول إلَّا قلة قليلة منهم استثمار وقتهم في إتقان مهاراتهم.
شاهد بالفيديو: 9 استراتيجيات فعالة لإتقان المهارات الجديدة
عوامل تعتمد عليها مستويات الموهبة:
فيما يأتي 4 عوامل تعتمد عليها مستويات الموهبة وتصنيفات النخبة على مستوى العالم:
- عدد الممارسين في مجال العمل.
- عدد الممارسين بنيَّة الإتقان في المجال.
- الحد الأدنى المطلوب لبلوغ مستوى النخبة في الأداء.
- المساهمة النسبية للممارسة وغيرها من العوامل، مثل الفرص العشوائية، والمواهب الفطرية، والمحسوبية السياسية.
يمكن أن يحتاج الفرد لأكثر من 10000 ساعة عندما يعتمد إتقان المهارة بشكل رئيس على الممارسة، ويرتفع مستوى تصنيف النخبة ويزداد عدد الملتزمين بالممارسة.
لكن يقل عدد الساعات عندما تعتمد المهارات بشكل رئيس على الموهبة أو الحظ، أو يكون عدد الملتزمين بالممارسة قليلاً، أو تنخفض مستويات النجاح اللازمة لبلوغ مرتبة النخبة.
في الختام:
فيما يأتي تلخيص للأفكار الواردة في المقال:
- تنطبق قاعدة العشرة آلاف ساعة على الممارسة بنيَّة الإتقان لا على الممارسة العادية.
- الموهبة والممارسة عاملان هامان لتحسين الأداء.
- يختلف مقدار التباين في تأثير الممارسة في الأداء من مجال إلى آخر.
- يعتمد تصنيف النخبة على المقارنات الاجتماعية، وهذا يعني أنَّ بلوغ هذه المستويات العالية يتطلب بذل مجهود أكبر من المنافسين.
- يقل عدد ساعات الممارسة اللازمة لبلوغ هذه المستويات عندما يقل عدد الممارسين، ومقدار التزامهم، والعائد على مجهود التدريب والممارسة.
أضف تعليقاً