سنستكشف في هذا المقال كيف يساهم الإعلام في تكوين الرأي العام، ونسلِّط الضوء على تأثيراته الإيجابية والسلبية، وأهمية التعامل النقدي والواعي مع المحتوى الإعلامي، فانضم إلينا في هذه الرحلة لفهم أعمق لدور الإعلام في حياتنا اليومية وكيف يمكننا استخدامه لتعزيز الوعي والمشاركة المجتمعية.
مفهوم الرأي العام:
ثمة عدد من المفاهيم المختلفة للرأي العام من وجهات نظر مختلفة، وبعض العلماء يرون أنَّ الرأي العام هو مجموع الآراء الفردية المتباينة تجاه قضية سياسية أو قرار حكومي، فيُتَّخذ القرار النهائي بناءً على رأي الأغلبية، وفي المقابل يرى آخرون أنَّ الرأي العام يتأثر أكثر بالحكومات منه بالمجتمع.
من الطرائق الشائعة لمعرفة الرأي العام هو نشر استطلاعات رأي على الجمهور، ويعبِّر الرأي العام عن مدى قبول المجتمع للقرارات والسياسات الحكومية أو رفضها، سواء كان ذلك بصورة إيجابية أم سلبية، فمثلاً، رأي الجمهور تجاه تخفيض الضرائب أو زيادة النفقات الدفاعية، وينظر خبراء السياسة إلى أنَّ الرأي العام قد يختلف باختلاف الموضوع المطروح، لذا لا يمكن عده ثابتاً تجاه جميع القضايا.
ما هي وسائل الإعلام؟
في عالَم الاتصالات الحديث، تُعدُّ وسائل الإعلام قناة فاعلة في توصيل المعلومات والأخبار إلى الجمهور، وتتنوَّع هذه الوسائل لتشمل الصحف والنشرات الإخبارية من خلال الإنترنت، والتلفزيون، والإذاعة، ووسائل التواصل الاجتماعي، والبريد الإلكتروني، والمدونات، وتؤدِّي هذه الأدوات المتنوعة دوراً حيوياً في ربط الأفراد بقضايا المجتمع وتمكينهم من المشاركة والتفاعل.
إضافة إلى ذلك، تولي منظمة اليونسكو أهمية خاصة بدور الصحفيين والناشطين في المجتمعات، فتُساهم في الدفاع عنهم وحمايتهم، فهؤلاء الأفراد يُعَدُّون حجر الزاوية في نقل الأخبار والمعلومات الموثوقة والمتوازنة إلى الجماهير، وهذا يُسهم في تعزيز الشفافية والمساءلة.
ما هو تأثير وسائل الإعلام في الرأي العام؟
إنَّ وسائل الإعلام في الواقع أداة قوية لتشكيل الرأي العام، فهي تؤثر في أفراد المجتمع من خلال توفير المعلومات والآراء المختلفة عن القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مختلف أنحاء العالم، وهذا التأثير يتحقَّق من خلال عدة وسائل:
- تُساهم وسائل الإعلام في تنوع الاهتمامات، فهي لا تقتصر على التغطية السياسية، بل تتناول أيضاً قضايا التنمية والتطور داخل المجتمعات.
- تتميَّز وسائل الإعلام بالاطلاع الدائم والمتابعة المستمرة للقضايا المجتمعية، وهذا يتيح للأفراد الوصول إلى أحدث المعلومات والتطورات.
- توفر وسائل الإعلام للأفراد فرص المقارنة والتباين بين مختلف القضايا، وهو ما يساهم في بناء وتصحيح الرأي العام.
إضافة إلى ذلك، تعدُّ وسائل الإعلام أداة اتصال أساسية بين الأفراد في جميع أنحاء العالم، كما أنَّها توفر للفرد معرفة ما يدور حول العالم بسرعة، وباتت وسائل الإعلام في الواقع جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية، وتُعدُّ وسيلة تعليمية مؤثرة في تشكيل مسارات الأجيال القادمة، وإضافة إلى ذلك، تُعدُّ الصحف الإخبارية أداة هامة للربط بين الحكومات والشعب، من خلال نشر معلومات هامة قد يصعب على المواطن العادي الوصول إليها.
شاهد بالفيديو: إيجابيات مواقع التواصل الاجتماعي
تأثير منصات الإنترنت في الرأي العام:
إنَّ تأثير منصات الإنترنت في الرأي العام هو موضوع هام وواسع النطاق، ويمكن تلخيص بعض من أهم التأثيرات الرئيسة على النحو الآتي:
1. تأثير منصات التواصل الاجتماعي:
في ظلِّ البيئة الرقمية المتطورة، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي كفيسبوك وتويتر وإنستغرام، جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، فنستخدمها لنتواصل مع الآخرين، ونجمع المعلومات، ونشكِّل آراءنا، ولقد أحدثت هذه المنصات ثورة في الطريقة التي نستهلك بها الأخبار ونشارك في المناقشات المتعلقة بمختلف القضايا، فأصبح لها تأثير كبير في تشكيل الرأي العام لدى الجمهور، فمن خلال المحتوى الذي ينشر على هذه المنصات، سواء كان أخباراً أم آراءً وتعليقات، يؤثَّر في إدراك الناس وتوجهاتهم نحو مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
2. تمكين الأصوات المهمَّشة:
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي قوة داعمة لصوت الشعب في عالمنا المعاصر، وبفضل هذه المنصات، أصبح بإمكان الأفراد والجماعات التي كانت مهمَّشة أو غير مسموعة من قبل مشاركة أفكارهم وتجاربهم على نطاق عالمي بسهولة، وهذا التأثير الديمقراطي لوسائل التواصل الاجتماعي له جانب إيجابي كبير، يتيح للمنسيين والمهمَّشين في المجتمع فرصة للتعبير عن أنفسهم والوصول إلى جماهير واسعة، كما يتحدَّى هذا الطابع الديمقراطي الهياكل التقليدية للسلطة، ويوفر منصة لشرائح المجتمع التي لم تكن ممثلة تمثيلاً كافياً من قبل.
3. انتشار المعلومات:
تعدُّ منصات التواصل الاجتماعي بمنزلة مكبِّرات صوت عالمية، قادرة على نشر المعلومات بسرعة جنونية في غضون ثوانٍ، سواء أكان ذلك قصة إخبارية عاجلة، أم مقطع فيديو لحظياً، أم صورة مثيرة للاهتمام، فإنَّ هذا المحتوى يمكن أن ينتشر كالنار في الهشيم من خلال الشبكات، ليصل إلى ملايين المستخدمين في وقت قياسي.
هذه السرعة الهائلة في نشر المعلومات لها تأثير كبير في تشكيل الرأي العام، فمن خلال التركيز على بعض الموضوعات والخطابات وإبرازها، تستطيع هذه المنصات التأثير في القضايا التي تكتسب الأهمية في المجتمع، وتتحوَّل وسائل التواصل الاجتماعي إلى قوة داعمة للصوت الشعبي، فيمكن للأفراد والجماعات المهمَّشة أو غير المسموعة سابقاً أن يشاركوا أفكارهم وتجاربهم على نطاق عالمي بسهولة.
4. انتشار المؤثرين:
في عصر الرقمنة، ظهرت طبقة جديدة من المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي تمتلك القدرة على التأثير تأثيراً كبيراً في الرأي العام، وهؤلاء الأفراد بحكم امتلاكهم لقواعد جماهيرية ضخمة وقدرات إقناعية متطورة، باتوا قادرين على التأثير في عقول وسلوكات متابعيهم في مجالات متنوعة، فمن الترويج للمنتجات إلى الدعوة للقضايا الاجتماعية.
في كثير من الأحيان يبدو الحد الفاصل بين الدعم الحقيقي والتأييد المدفوع غامضاً، وهذا يثير تساؤلات عن مصداقية هذه المنصات وشفافية المحتوى المقدم فيها، وهذا التطور في عالم التواصل الاجتماعي له تأثيرات متعددة في المجتمع وصناعة الرأي العام، ويحتاج إلى مزيد من التنظيم والرقابة للحفاظ على نزاهة المحتوى الرقمي.
تأثير وسائل الإعلام في القضايا وتشكيل الرأي العام:
تؤدي وسائل الإعلام دوراً أساسياً في تشكيل الرأي العام، وذلك من خلال الطريقة التي تُقدِّم بها القضايا وتُبرزها أو تقلِّل من أهميتها، وهذه العملية تُعرف بالتأطير، فتركِّز وسائل الإعلام على جوانب معيَّنة من الموضوع وتتجاهل أخرى، وهذا يؤثر في فهم الجمهور وتفسيره لتلك القضايا.
تُعرف إحدى تقنيات التأطير الفعَّالة بـ "التحضير"، والتي تتضمَّن التركيز على تفاصيل معيَّنة للتأثير في تقييم الجمهور، فمثلاً عُقبَ حدث مأساوي، قد تُسلِّط وسائل الإعلام الضوء على الخلفية الشخصية للجاني، وهذا يدفع الجمهور لتفسير الحدث من زاوية فردية بدلاً من معالجة العوامل المجتمعية الأوسع.
تقنية أخرى مؤثرة هي "وضع جدول الأعمال"، فتحدِّد وسائل الإعلام القضايا التي تستحق اهتمام الجمهور، وهذا يوجِّه التصور العام نحو موضوعات معيَّنة على حساب أُخرى، وخلال مواسم الانتخابات تُعطى الأولوية مثلاً للفضائح السياسية على حساب المناقشات الموضوعية، وهذا يحول الخطاب العام نحو الإثارة بدلاً من التحليل العميق.
إلى جانب ذلك، يؤثر تأطير وسائل الإعلام في إمكانية الوصول المعرفي للجمهور وتفسيرهم للمعلومات، و"التأطير العرضي" يركِّز على القصص الفردية، وهذا يثير ردود فعل عاطفية، بينما "التأطير الموضوعي" يسلِّط الضوء على القضايا المجتمعية الأوسع والتغيُّرات النظامية المطلوبة.
دراسات الحالة بوضوح تأثير التأطير الإعلامي في الإدراك العام، مثل تغطية قضايا الهجرة، وعندما تُصوِّر وسائل الإعلام المهاجرين بوصفهم تهديداً، يتزايد دعم السياسات التقييدية، أمَّا إذا ركَّزت على الجوانب الإنسانية لمساهمة المهاجرين، فإنَّ الرأي العام يتَّجه نحو سياسات أكثر شمولاً وإنسانية، وبصفتنا مستهلكين لوسائل الإعلام، يجب أن نكون على دراية بهذه التقنيات ونمارس النقد الفعال للمعلومات المقدَّمة.
يمكننا ذلك من خلال تنويع مصادرنا الإعلامية، والبحث عن إطارات متعددة للقضايا، وتحليل اللغة والمرئيات المستخدمة، والاعتماد على التحليل المتعمق بدلاً من العناوين فقط، فنصبح بهذه الطريقة أكثر وعياً بكيفية عرض القضايا علينا، وهذا يمكننا من تكوين آراء أكثر استنارة وفهماً.
تأثير أدوات التسويق في الرأي العام:
مؤخَّراً، وجدنا أنَّ الإعلان أصبح أداة قوية للتأثير في الرأي العام، وإنَّ الجاذبية العاطفية هي من أقوى أدوات الإعلان، فيستطيع المعلنون من خلال استغلال عواطفنا، إنشاء علاقة وطيدة بين علاماتهم التجارية والمستهلكين، فنجد استخدام تأييد المشاهير هو أسلوب آخر شائع في الإعلان، فعندما تُروِّج شخصية معروفة لمنتج أو خدمة، يمكن أن يؤثر ذلك تأثيراً كبيراً في الرأي العام.
لقد وضَّحت شراكة NIKE مع نجم كرة السلة "مايكل جوردان" كيف أنَّ هذا التعاون لم يعزِّز صورة العلامة التجارية فحسب، بل أثَّر أيضاً في التصور العام لجوردن بوصفه رياضياً ورمزاً ثقافياً، وإضافة إلى ذلك، يؤدي الإعلان دوراً في تشكيل الرأي العام في القضايا الاجتماعية، فغالباً ما تتضامن العلامات التجارية مع أسباب أو حركات لجذب المستهلكين المهتمين بهذه القضايا، ومن أمثلة ذلك حملة "الجمال الحقيقي" التي أطلقتها شركة "دوف" بهدف تحدِّي معايير الجمال التقليدية وإبراز نساء من مختلف أنواع الأجسام والأعراق، وهذا ساهم في التأثير في الرأي العام فيما يتعلَّق بصورة الجسد وقبول الذات.
في ظلِّ العصر الرقمي، أصبحت الإعلانات المستهدفة منتشرة انتشاراً متزايداً، فتجمع المنصات من خلال الإنترنت كميات هائلة من البيانات عن تفضيلات المستخدمين وسلوكاتهم وتركيبتهم السكانية، وهذا يسمح للمعلنين بتقديم رسائل مخصصة، وقد يكون لهذا النهج الشخصي تأثير عميق في الرأي العام، فمن المرجَّح أن يتفاعل الأفراد مع المحتوى الذي يتوافق مع اهتماماتهم ومعتقداتهم.
في الختام:
يتَّضح أنَّ دور الإعلام في تكوين الرأي العام، لا يمكن التقليل من شأنه في عصرنا الحالي، فالإعلام يمتلك قوة هائلة في تشكيل وتوجيه الأفكار والمواقف، وهذا يجعله أحد الأعمدة الأساسية في بناء المجتمعات وتطويرها، وإنَّ فهمنا العميق لدور الإعلام وأثره يمكن أن يساعدنا على تعزيز الوعي الجماعي والمساهمة في بناء مجتمع أكثر اطلاعاً وتوازناً.
أضف تعليقاً