حكم العملات الرقمية في الشريعة الإسلامية
تثير العملات الرقمية جدلاً واسعاً بين علماء الشريعة حول اعتبارها مالاً شرعياً أو غير شرعي لأن حكم العملات الرقمية والتداول بها يجب أن يكون مراعياً للضوابط والقواعد الشرعية المتعلقة بالنقد والتبادل التجارية، إليك بعضاً منها:
1. تحريم الربا
الذي يُعد من أكبر المحرمات في الدين الإسلامي، ويشمل الزيادة على رأس المال في المعاملات المالية المختلفة. يهدف تحريمه إلى منع الاستغلال وخاصة عندما يكون الإنسان بحاجة لها بالتالي تحقيق العدل والإنصاف في المعاملات المالية.
2. تحريم الغرر
وهو بيع شيء غير موجود ضمن الواقع أو له مواصفات محددة أي نوع من المخاطرة الزائدة ويتسبب به الجهل في المعاملات المالية.
3. تحريم الاحتكار
الذي يضر بمصالح الناس حيث يتم احتجاز سلعة عن السوق بهدف رفع سعرها واستغلال حاجة الناس لها.
4. ضرورة العدل
يجب تجنب الغش والخداع وذلك عبر تحديد أسعار عادلة وعدم التلاعب بالمقاييس والموازين والوفاء بالعقود والعهود.
5. النقود وسيلة
يجب أن تكون النقود مستقرة ومدعومة بأصول حقيقية فهي ليست وسيلة للتبادل.
بالإضافة لما سبق، فإنّ آراء الفقهاء في مدى اعتبارها عملة حقيقية متضاربة؛ إذ يعدّها بعضهم عملةً حقيقيةً، وسهلةً، وتسرع في عملية التحويلات المالية وجزء من الواقع التكنولوجي الحديث، بينما يشكك بعضهم الآخر في قيمتها ويخاف من تقلّباتها الشديدة، والمخاطر الأمنية المرتبطة بها.
مثلاً، يقول الشيخ عبد الله السلمي أنّ الحكم الشرعي للعملات الرقمية يختلف باختلاف العملة ومنصة التداول. كذلك الإقرار في 2017 من أمانة الفتوى ضمن دار الإفتاء المصري، أنّ التداول بالعملات الرقمية حرام شرعاً.
كما صرّحت الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف في الإمارات في 2021، أنّه يمكن التعامل بالعملات الرقمية الافتراضية والتجارة بها.
شاهد بالفديو: أنواع النقود وتاريخها
حكم التداول بالعملات الرقمية
قبل أن تعرف حكم العملات الرقمية والتداول بها يجب أن تعرف الفرق بين التداول النقدي والتداول الرقمي، وهو كما يلي:
1. التداول النقدي
يشمل تداول العملات التقليدية كالريال والدولار مثلاً، والسلع كالذهب والنفط، والأسهم والسندات؛ إذ تعتمد الأصول على قيمة مادية أو تمثل حصص ملكية. كما يمكن التداول بها عبر منصات تقليدية مثل البنوك والبورصة أو بالاستعانة بوسطاء ماليين، وتخضع عادة لرقابة هيئات حكومية ومؤسسات تضمن الحماية والأمان.
2. التداول الرقمي
ويشمل العملات الرقمية المشفرة، مثل عملة الإيثيريوم، والبتكوين، والرموز الرقمية الأخرى ،وتتميز باللامركزية والتقلبات السريعة، وتجري عبر منصات متخصصة عبر الإنترنت؛ إذ تجري عمليات شراء وبيع للرموز.
كما أنّ في كثيراً من المعاملات الرقمية لا يكون التقابض فورياً عليها، وتفتقر للرقابة المركزية الموحدة، بالتالي يزداد خطر الاحتيال ويوجد به شبهة الغرر؛ لأنّ التقلبات كثيرة. لذلك، تكثر التساؤلات إن كان التداول نوع من المقامرة ويثير ذلك الجدل الواسع في الأوساط الشرعية؛
إذ تجعل التقلبات السريعة والشديدة التداول بالعملات الرقمية أقرب للمضاربة، والمقامرة. كما أنّ التنبؤ بحركة الأسعار صعب، بالتالي تُعد قريبة للميسر إضافةً إلى أنّ البيئة غير المراقبة تكون غير آمنة للمستثمرين.
تختلف آراء الفقهاء حول حكم العملات الرقمية والتداول بها؛ إذ أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فتوى لتحريم التعامل بالبتكوين والعملات غير الرسمية الأخرى حيث لا تتوفر فيها أركان العملات ولا شروط النقود ووظائفها، ولكن يوجد مؤسسات دينية حول العالم أصبحت تقبل التداول بالعملات الرقمية مثل مسجد "شاكل لايت" في لندن الذي يقبل التبرعات بالبتكوين وإيثيريوم منذ عام 2018 وعدد من المصارف الإسلامية ضمن الإمارات أصبحت تقبل التداول بعقود "بلوك تشين"، ويمكن تقسيم الآراء إلى ثلاثة اتجاهات كما يلي:
التحريم المطلق
ومن أبرز المؤيدين له اتحاد علماء المسلمين، ومن الأحاديث التي يمكن الاستناد عليها حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: "قال رسول الله ﷺ: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد".
من الآيات التي تحث على العدل في المعاملات المالية قوله تعالى: {وأوفُوا الكيلَ إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم} (الإسراء: 35). كما ذكرنا سابقاً، فإنّ حكم العملات الرقمية والتداول بها متعلق بالرقابة التي تضمن العدل الأمان.
الجواز بشرط وجود قيمة معترف بها وتجنب الربا والغرر والميسر
لأنّ الله تعالى حرم الربا بقوله: {وأحلًّ اللهُ البيعَ وحرمَّ الرّبَا} (البقرة: 275)، وفي تحريم الغرر قال تعالى : {يا أيُّها الذينَ آمنوا لا تأكلُوا أموالكُمْ بينكُمْ بالباطل إلَّا أن تكونَ تجارةً عنْ تراض منكمْ} (النساء: 29).
التردد
يرى بعض العلماء أنّ المسألة تحتاج مزيداً من البحث والدراسة قبل إصدار حكم نهائي.
حكم العملات الرقمية وفق هيئة كبار العلماء
إنّ حكم العملات الرقمية والتداول بها، بحسب الفتاوى الصادرة عن هيئة كبار العلماء، أنّها محرمة ؛إذ يقول الشيخ عبد الله المنيع (عضو هيئة كبار العملاء) أنّ البتكوين والعملات الرقمية الأخرى محرّمة وأيضاً لا تملك معنى الثمينة؛ لأنّ النقد يجب أن يمتلك ثلاث ميزات أساسية، وهي: معيار تقييم السلع، وأن يكون مبنياً على قبول عام للإبراء، وأن يكون مستودعاً للثروة.
يجب وجود جهة ضامنة لتلك الميزات، بالتالي لا تتوافق مع ميزات العملات الرقمية المذكورة سابقاً، والأدلة الشرعية التي استندوا إليها هي ما يلي:
- الغرر: إذ تتميز العملات الرقمية بعدم اليقين.
- الربا: طبيعتها المضاربية تحتمل أن تُستخدم في معاملات الربا.
لكن اختلاف الآراء بين العلماء حول العملات الرقمية ناتج عن اختلاف وجهات النظر؛ فبعضهم يركز على كونها تسهل المعاملات المالية وجزء من الواقع التكنولوجي المتطور، والقسم الآخر يركز على مخاطرها الأمنية ويراها أقرب للمقامرة.
هل التداول بالعملات الرقمية حلال أم حرام؟
نلاحظ مما سبق، أنّ حكم العملات الرقمية والتداول بها يتعلق بالشروط التي يجب أن تتوفر لجعل التداول مشروعاً وهي تجنب الربا والغرر بحيث تكون المعاملات واضحة وشفافة وتجنب الميسر فلا يعتمد على الحظ والمقامرة، والتقابض الفوري لكي لا تكون المعاملات مبنية على وهم وأصول غير حقيقية بالإضافة إلى العدل بحيث لا يتم استغلال الآخرين، لذلك يمكن أن يوجد تداول رقمي متوافق مع الشريعة في الحالات التالية:
- يمكن تداول أصول حقيقية تمثل شركات حقيقية أو أصول مادية بشرط ألا تعمل تلك الشركات في مجالات محظورة أو مباحة.
- يجب أن يجري التداول بالمعاملات الرقمية عبر منصات تداول لها مبادئ تحترم أحكام الشريعة الإسلامية وبوجود أدوات للتداول حلال.
- تجنب التعامل بالفوائد الربوية حيث تفرض شركات التداول على الصفقات التي يقوم بها المتداول عمولات التبييت وهي نوع من أنواع الفوائد الربوية.
- الابتعاد عن المقامرة بحيث يتم دراسة السوق جيداً قبل الاستثمار فيه.
- التداول بعيداً عن استخدام الرافعة المالية (وهي التسهيل الذي تقدمه شركات الوساطة المالية للمتداولين تمكنهم من المتاجرة بأضعاف حجم رأس المال).
موقف الإسلام من الاستثمارات الحديثة
يتعلق حكم العملات الرقمية والتداول بها بحكم المضاربة والاستثمار في الفقه الإسلامي حيث تكون المضاربة مشروعة في الحالات التالية:
- تحديد رأس المال.
- تحديد نسبة الربح التي يحصل عليها كل طرف (صاحب المال والمضارب).
- أن تكون التجارة التي يقوم بها المضارب عملاً مباحاً.
- إنّ العقد بين الطرفين يجب أن يكون واضح ومحدد.
- أن تكون المعاملات خالية من الربا والغرر.
أما دور الفقه الإسلامي في ضبط التعاملات المالية الحديثة، فيتمحور حول تقديم إطار شامل للمعاملات المالية وتشجيع الاستثمار، الذي يعود بالخير والفائدة على الفرد والمجتمع، وتحريم المعاملات المالية التي تضر بالاقتصاد وتتضمن ربا، وغرر، واحتكار.
بالإضافة إلى تطوير أدوات مالية إسلامية حديثة متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، مثل الصكوك الإسلامية، وصناديق الاستثمار الإسلامية، والتأمين التكافلي؛ فلا يمكن إصدار حكم العملات الرقمية والتداول بها دون أن تضمن تجنب كافة المحرمات التي تضر بالإنسان والمجتمع.
في الختام
تتضارب الآراء حول حكم العملات الرقمية والتداول بها؛ لأنّ معاملات المسلم المالية يجب أن تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، فمثلاً اتحاد علماء المسلمين لا يجدها متوافقة مع القواعد الشرعية المتعلقة بالنقد، وقد ذكرنا في مقالنا مجموعة آراء وأدلة توضح حكم العملات الرقمية والتداول بها؛ فمن يريد الاستثمار وفق الضوابط الشرعية، عليه أن يتأكد من مشروعية النشاط وتجنب الربا، والغرر، والميسر.
لذلك، قبل الدخول في أية معاملة مالية، تأكد من فهمك للشروط والمخاطر، وتحقق من وجود فتوى متعلقة بهذا الاستثمار، كما يُفضل الاعتماد على الفتاوى الكتابية وليست الشفهية.
أضف تعليقاً