ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة أنجل كرنوف (ANGEL CHERNOFF)، تُحدثنا فيه عن حقيقة صعبة علينا مواجهتها.
هذه الحقائق، رغم صعوبتها، هي جزء لا يتجزأ من مسيرة حياتنا، وقد تكون سبباً في تغير مساراتنا وتشكيل رؤيتنا للعالم، وعندما يبدأ الزمن في الانقضاء، يصبح من الضروري أن نواجه هذه الحقائق قبل أن يمر العمر، حتى لا نندم على ما لم نفعله أو ما تركناه خلفنا.
لنبدأ بقصة كتبها زوجي مارك عن الليلة التي التقينا فيها.
كان شعرها بني فاتح وعيناها خضراوتان ساحرتان وابتسامتها مشرقة، لم أستطع تجاهل هذه الجاذبية، فهذه المرأة غامضة وأنا فضولي، ومع ذلك، بذلت قصارى جهدي لتجنب النظر إلى عينيها.
ولذلك كنت أحدق في طاولة البلياردو وأتظاهر بمراقبة الخطوة التالية لخصمي، لكني كنت أنتظر أن تنظر في الاتجاه الآخر، حتى أتمكن من إلقاء نظرة خاطفة على جمالها. ما كان يقلقني هو أنَّها قد تكون الفتاة التي التقى بها صديقي الليلة الماضية.
بعد ذلك، نظرت إلى عيني، في اللحظة التي قال لي فيها خصمي في اللعبة: "لقد كان دورك منذ خمس دقائق، فهل بالك مشغول في شيء ما؟"، ثم مشت بعيداً.
كنت أتساءل: "هل هذه هي الفتاة التي التقى بها صديقي؟ لكنها لا تبدو من نوع الفتيات التي قد تُعجب به"، لكنني عرفت الجواب فوراً، لأنَّ صديقي دخل الغرفة وقال: "مارك، هناك شخص أريدك أن تقابله".
فتبعته وقدمني إليها لقد كنت سعيداً للغاية، لأنَّها ليست الفتاة التي تعرف إليها في الليلة السابقة. وبعد ساعات، انتهت الحفلة، ولكن استمرت الفرقة في العزف، وبقيت أنا وأنجل نرقص، ومن ثم سألتها: "هل أنت مرهقة؟". فأجابت: "لا، الرقص هو ملاذي، فعندما أرقص، أكون مرتاحة مع نفسي.
واصلت الرقص معها، فقالت: "أشعر أننا جميعاً نتصرف على سجيتنا، ليس أنا وأنت فقط، بل العازفين أيضاً، وكل من في هذه الغرفة"، ابتسمتُ وأخبرتها أنَّني أوافقها الرأي لأن لحظات الحضور العاطفي مميزة وتجعلك تشعر بالحرية إذا عشتها بإخلاص.
بعد بضع أغانٍ أخرى، سألتني أنجل عما إذا كنت أرغب في الخروج إلى الشرفة الأمامية حيث الجو أكثر هدوءاً، لكي نتحدث عن الحياة"، فأجبتها: "أحب الحياة في هذا العالم"، فأجابتني وهي مبتسمة: "نعم، عالم يمكننا أن نكون فيه أحراراً".
قلت لها: "يمكننا أن نكون أحراراً من خلال الموسيقى أو الرقص أو أي شكل من أشكال التعبير عن الذات". قالت بينما كنا ذاهبين إلى الشرفة: "لقد فهمتني، والصدق في هذه المحادثة بدأ يجعلني أُعجب بك".
عيش اللحظة الحالية لتغيير حياتك
لماذا سردنا لك هذه القصة للتو؟ لأننا في بعض الأحيان نحتاج إلى تذكير. نحن بحاجة إلى أن نتذكر جمال وروعة الانهماك بشغف في اللحظة الحالية، وفي الناس، والحوارات، والأحداث الصغيرة التي لا تقدر بثمن.
نحن بحاجة إلى أن نتذكر ما يعنيه أن تكون حراً وعلى طبيعتك، ولأنَّنا في كثير من الأحيان، في وسط هذا الصخب، ننسى أن ننتبه ونكون ممتنين للفرص التي أمامنا مباشرة.
لذلك كتب مارك قصة عن ليلة من ماضينا البعيد يمكننا أن نتذكرها ونقرأها بتفاصيل حية لأننا كنا نعيش اللحظة بحذافيرها في ذلك الوقت.
لم نكن مشتتين لم نكن في عجلة من أمرنا للوصول إلى مكان أفضل، لم نكن نقاوم الأشياء، أو نحاول تغييرها بأي شكل من الأشكال، لقد كنا عشنا اللحظة بأكملها ونتيجة لذلك، غيَّرت تلك الليلة حياتنا، والآن، فكر في كيفية ارتباط هذا بحياتك.
شاهد بالفديو: 7 عادات يومية قد تقصّر العمر
الاعتراف بالحقيقة الصعبة وقبولها
مكان وجودك وما تفعله في أي لحظة أمر هام للغاية، لأنَّها اللحظة الوحيدة المضمونة لك، أنت لست في طريقك إلى مكان آخر أكثر أهمية، فالحاضر ليس مجرد نقطة انطلاق؛ إنَّه الوجهة النهائية، وقد وصلت إليها بالفعل.
وفي هذه اللحظة تكمن قوتك، طوال الوقت وكل يوم، يشعر الكثير منا أن الحاضر ليس كافياً وأنَّ حياتنا لا تستحق حضورنا الكامل هذه حقيقة صعبة، لكن علينا أن نعترف بأننا:
- نفكر باستمرار فيما سيحدث، كما لو أنه لا يكفي أن نقدر ما يحدث الآن.
- نجلس لنسترخي للحظة ثم نشعر على الفور بالحاجة إلى قراءة شيء ما على هواتفنا، أو تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، أو إرسال رسالة نصية إلى شخص ما، كما لو أن الاسترخاء للحظة ليس كافياً.
- نماطل عندما يحين وقت العمل، ونختار المزيد من عوامل التشتيت، كما لو أن إنجاز مهامنا لا يكفينا.
- ننزعج من الناس عندما يفشلون في الارتقاء إلى مستوى توقعاتنا، كما لو أن هويتهم لا تكفي.
- نرفض المواقف والأشخاص وحتى أنفسنا، لأننا نشعر أننا بحاجة إلى المزيد والمزيد.
ولكن ماذا لو فعلنا العكس؟
ماذا لو قبلنا هذه اللحظة، وكل شيء وكل شخص فيها (بما في ذلك أنفسنا)، ورأينا أنها كافية تماماً؟ ماذا لو اعترفنا أن الحياة تمضي وأن الوقت الذي نعيشه يكفينا دون الحاجة إلى مشاركته على وسائل التواصل الاجتماعي أو تصويره أو تغييره بأي شكل من الأشكال؟
ماذا لو قبلنا السيئ مع الجيد، وخيبات الأمل مع الدروس، والمزعج مع الجميل، والقلق مع الفرص، كجزء من صفقة شاملة تقدمها لنا هذه اللحظة وحدها؟ ماذا لو تأملنا اللحظة الحالية ورأينا كل شيء بوضوح دون أية مشتتات؟ استمر في التفكير في الأمر، وهل سنعيش حياة ذات مغزى؟ هل سيكون لدينا قصص أجمل نعتز بها ونحكيها للآخرين؟
أعتقد ذلك. وهذا يعني أنَّ الوقت الحاضر هو أفضل وقت للانتباه والنظر حولنا والشعور بالامتنان لصحتنا ومنازلنا وعائلاتنا وأصدقائنا وفرصنا، فلا شيء يدوم وكل شيء يحدث ويتغير أمام أعيننا، فدعونا نبذل قصارى جهدنا للاستمتاع باللحظة الحالية.
في الختام
وسط صخب الحياة اليومية، يسهل علينا أن ننسى أهمية عيش اللحظة الحالية، وننشغل بالتفكير في الماضي أو القلق بشأن المستقبل، بينما تفلت منا اللحظات الحاضرة دون أن ندركها. ولكن عندما نعيش اللحظة الحالية بحلوها ومرها، فإننا نعيش حياة ذات مغزى مليئة بالذكريات الجميلة، وننعم بالحرية والسعادة، ونستمتع بكل ما تقدمه لنا الحياة.
الحياة قصيرة، فلنعشها بكل ما فيها من جمال وبساطة.
أضف تعليقاً