يجزم علماء النفس ومن خلفهم الأمثال الشعبية مثل: "العلم في الصغر كالنقش في الحجر" على الدور الهام للطفولة والتأثير البالغ لها في حياة الفرد اللاحقة، ففيها يتشرب الإنسان ماء القيم التي يشب عليها، ويتفاعل مع المواقف والأحداث وفق المهارات التي نشأ عليها.
انطلاقاً من دور الأسرة ومن بعدها المدرسة في تنمية المهارات الحياتية للطفل، قررنا أن نخصص هذا المقال للحديث عن أهم هذه المهارات الحياتية وكيفية تنشئة الطفل عليها.
أهم المهارات الحياتية للطفل:
كثيرة هي المهارات الحياتية التي يجب تنشئة الأطفال عليها، ليواجهوا الحياة بسلاسة ومرونة ويتقنوا كيفية التعامل مع المواقف بما ينسجم مع رؤاهم وتطلعاتهم، وفيما يأتي أهم المهارات الحياتية الواجب تنميتها عند الطفل:
1. مهارة حب الذات:
تتربع مهارة حب الذات على رأس قائمة المهارات الحياتية الواجب تنميتها عند الطفل، وتنطوي هذه المهارة على تعليم الطفل حب نفسه حباً غير مشروط، ومن ثمَّ حب الآخرين بنفس طريقة هذا الحب، ويساعد اكتساب الطفل لهذه المهارة على تقبل ذاته واختلاقه في المستقبل والتعامل معها بلطف، فلا يجلد نفسه عند كل فشل أو تقصير.
يمكن تعزيز هذه المهارة عند الطفل عن طريق التركيز على مدح أفعاله وشكله، فترتفع ثقته بذاته ويجد نفسه دائماً أهلاً للثقة والاحترام والحب، كما يكوِّن بذلك درعاً مضاداً للتنمر؛ هذه المشكلة التي تهدد الصحة النفسية للبشر في أيامنا هذه.
إنَّ تنمية هذه المهارة الحياتية تكون عن طريق التعبير للطفل بشكل مستمر عن الحب "أنا أحبك" دون أي سبب، وإذا ما سأل الطفل "لماذا" نجيبه "لأنَّك ابني" وهذا كافٍ.
لأنَّ أسوأ شيء يمكن أن يهدد حب الطفل لذاته هو إقران مشاعر الحب له بفعل جيد يقوم به، كترتيب غرفته أو تسريح شعره أو تحصيل علامة جيدة، كما أنَّ مدح شكل الطفل من شأنه أن يعزز ثقته بنفسه؛ إذ يجب دوماً أن يقال له: "انظر في المرآة إلى جمال عينيك ووجهك وشعرك وغير ذلك، واشكر الله لأنَّه منحك هذه الصورة الحسنة"، "أنت طفل ذكي وجميل ومحظوظ" وغير ذلك من العبارات الإيجابية التي تعزز حب الطفل لنفسه وثقته بذاته.
شاهد بالفيديو: 10 طرق لتعزيز ثقة الطفل بنفسه
2. مهارة تقبل الاختلاف واحترام الآخر:
إذا ما سمعت طفلاً في الثالثة من عمره ينتقد طفلاً آخر وينعته بألقاب تنمُّ عن اختلافه الشكلي أو المعنوي عنه، فاعلم أنَّ ذوي هذا الطفل لم يتعلموا أو يعلموه شيئاً عن مهارة تقبل الآخرين واحترام اختلافهم؛ فمهارة احترام الآخر وتقبله هي من أهم المهارات الحياتية للطفل، فهي تساعده على بناء علاقات اجتماعية متوازنة.
ألم تصادفوا على منصات التواصل الاجتماعي الطفلة الأوروبية التي صادفت في السوبر ماركت طفلة إفريقية ترتدي فستاناً كفستانها فصاحت "أبي، لقد وجدت توأمي"؟
إنَّ هذه الطفلة لم تركز على نقاط الاختلاف في الطول واللون والشكل واللكنة بينها وبين الطفلة الثانية؛ بل تقبَّلتها بفطرة سويَّة ونظرت إلى النقطة المشتركة بينهما، فإنَّ تعليم الطفل مهارة تقبُّل الاختلاف واحترامه مهارة ضرورية بعد انفتاح العالم على بعضه، وتخفف من مظاهر العنصرية والكراهية.
3. الاستقلالية:
تقول الدكتورة "ماريا مونتيسوري" صاحبة مدرسة "مونتيسوري" في التربية إنَّ لسان حال الطفل يقول "ساعدني لأفعل ذلك بنفسي"؛ إذ إنَّ الطفل كائن يميل بفطرته نحو الاستقلالية؛ لذا من الضروري تنمية هذه المهارة التي تُعَدُّ من أهم المهارات الحياتية للطفل، ففي لحظة معينة من عمر الطفل يطلِق عليها خبراء علم نفس النمو "الفترة الحساسة"، يُبدي الطفل اهتماماً غريباً بتعلم مهارة محددة كالأكل أو المشي أو لبس ثيابه بنفسه.
في هذه المرحلة يلح الطفل في الإصرار على القيام بهذا الأمر بنفسه، ومن أجل تنمية هذه المهارة الحياتية يجب استغلال هذه الفترة الحساسة وتعليم الطفل كيفية القيام بهذه المهمة، والصبر عليه حتى يتقنها بالشكل الأمثل.
فإنَّ الاستقلالية وجعل الطفل يخدم نفسه بنفسه واجب حقيقي لكي ينشأ الطفل مستقلاً، وليس من الرفاهية أو الدلال أبداً أن تستمر الأم في إطعام ابنها بيدها حتى الخامسة أو إلباسه ثيابه حتى العاشرة؛ إنَّها بذلك ودون أن تعي تجعل طفلها اتكالياً كسولاً.
4. الخصوصية:
لا بد من تعليم الأبناء مبادئ الخصوصية بوصفها مهارة من أهم المهارات الحياتية للطفل، وتبدأ الخصوصية من تعريفه بمفاهيم خصوصية جسده التي تحميه من المتحرشين عن طريق إدراكه بأنَّ جسده ملك له، ويُمنع لأي شخص وضع يده عليه دون استئذان مهما بلغت قرابته، كما أنَّ عدم إجبار الطفل على تقبيل الأقرباء نوع من أنواع توعيته إلى خصوصية جسده.
يندرج ضمن سياق الخصوصية خصوصية الأغراض؛ إذ يُمنع إجبار الطفل على مشاركة أغراضه مع الآخرين دون رغبة منه، وخصوصية البيوت والغرف يُمنع دخوله إليها دون استئذان؛ لذا فإنَّ تعليم الطفل الخصوصية وحدود استخدام أو لمس الأشياء الخاصة بكل شخص من شأنه أن يساهم في إنشاء إنسان يحترم ملكية غيره، وينمو أبعد ما يكون عن مفاهيم الاعتداء والاستباحة والسرقة.
5. الدفاع عن النفس:
إذا ما استطعنا تربية أبنائنا في بيئة مسالمة لطيفة فإنَّنا لن نستطيع حمايتهم من الأخطار الموجودة في العالم الخارجي التي سيضطرون إلى مواجهتها عاجلاً أم آجلاً في الشارع أو المدرسة أو بيئة العمل، ونحن هنا لا نشجع تعليم الطفل على العنف؛ بل ننوه إلى أهمية تنمية مهارة الدفاع عن النفس بوصفها واحدة من المهارات الحياتية الهامة للطفل.
فالطفل قد يتعرض للاتهام ممن حوله أو للاعتداء بالضرب من قِبل أقرانه؛ لذا يجب تعليمه كيفية الدفاع عن نفسه بإبعاد الطرف المعتدي وإخبار شخص بالغ، والدفاع اللفظي عن نفسه وشرح موقفه في حال تم كيل أي اتهام ظالم له، ونشير إلى أنَّ تعليم الطفل واحدة من الرياضات القتالية كالكاراتيه من شأنه أن يعزز ثقته بنفسه ويقويه في مواجهة أي اعتداء من قِبل رفاقه.
6. التربية المالية:
إنَّ مهارة التعامل مع المال هي واحدة من أهم المهارات الحياتية للطفل، وتبدأ تنميتها عن طريق تخصيص مصروف ثابت للطفل وتعريفه بأسعار الحاجيات والأغراض، ومبادئ الادخار من أجل الحصول على لعبة ما يتطلب شراؤها مبلغاً أكبر من مصروفه الأسبوعي.
إنَّ تعليم الطفل مبادئ التربية المالية وأصول الحصول على المال "مثل القيام بمهام إضافية كتنظيف الحديقة" ينشئ علاقة واضحة ومتوازنة بينه وبين المال، فلا يتعامل معه بمفاهيم الندرة ولا يبذره دون إحساس بالمسؤولية.
7. الذكاء العاطفي:
تُعَدُّ مهارة الذكاء العاطفي من أهم المهارات الحياتية للطفل والبالغ، وفيها يتعرف الطفل إلى مشاعره المختلفة، من سعادة وحماسة وحزن وغضب وملل ونعاس، وفيها أيضاً يتعلم أصول التعامل الصحيح مع كل من هذه المشاعر وكيفية التفريغ الفعال لها، فعادة ما يصرخ الأطفال تعبيراً عن الملل مثلاً، وهنا يكون دور المربي في سؤال الطفل عن شعوره وإخباره بأنَّ هذا يسمى شعور الملل، وتقديم مجموعة اقتراحات لنشاطات من شأنها تبديد هذا الشعور؛ كأن يقول: "أنت تشعر بالملل وأنت محق فأنت تلعب وحدك منذ نصف ساعة، هل تفضل أن نطبخ المعكرونة أم نركب البازل معاً؟".
إنَّ هذه الإجابة تُعرِّف الطفل بشعوره وتُشعره بالتقبل لهذا الشعور وتوضح له كيفية التعامل معه أو السيطرة عليه، وبهذا يتبنى الطفل هذا الأسلوب في تعاملاته وحياته.
شاهد أيضاً: قواعد هامة في تربية الطفل الوحيد
8. مهارات التواصل:
من أهم المهارات الحياتية الواجب تنميتها في الطفل هي مهارة التواصل، وهي مهارة تستثمر الجانب الاجتماعي الفطري في الأطفال، فعند الذهاب إلى مركز الألعاب يتحادث الأطفال دون معرفة سابقة، وهنا يكمن دور الأهل في السماح لهم بإنشاء هذه العلاقات تحت مراقبتهم وتعليمهم أصول تقديم أنفسهم بقول "اسمي كذا وعمري كذا"، كما أنَّ توزيع الطفل للحلوى لأصدقائه في الحضانة من شأنه أن يعزز مهارات التواصل لديه.
9. مهارة الاعتذار:
يعاني بعض الأطفال كثيراً من صعوبة التلفظ بكلمات الاعتذار حتى لو كان مخطئاً؛ لذا من أجل مجتمع أكثر تسامحاً لا بد من إدراج مهارة الاعتذار ضمن المهارات الحياتية للطفل، ولا يجب تعليم الطفل أنَّه يجب أن يكون الطرف المعتذِر دائماً؛ بل يجب أن يتعلم أنَّ المخطئ يعتذر.
إنَّ اعتذار الأم من طفلها يكون سبباً في تعليمه الاعتذار بالقدوة، فالاعتذار من شيم الأقوياء ولا ينقص من الإنسان شيئاً، مثل: "أنا آسفة لقد نسيت أن أشتري لك الحلوى التي طلبتها" عبارة كفيلة بتهدئة نفس الطفل وتعليمه مفهوم الاعتذار ببساطة وسهولة.
10. مهارة التعاون:
التعاون من المهارات الحياتية الهامة للطفل، ويمكن تنميتها عن طريق طلب المساعدة منه في أداء المهام المنزلية كنقل الصحون من المطبخ إلى طاولة الطعام، أو مسح الطفل للطاولة قبل الطعام، أو مساعدة الأم لطفلها على ترتيب غرفته وألعابه؛ وذلك لأنَّ تنمية مهارة التعاون في الطفل ستزرع في داخله أهمية هذا السلوك وآثاره الإيجابية وتساهم في إنشاء مجتمع متحاب متعاضد.
في الختام:
إنَّ تنمية المهارات الحياتية للطفل من شأنها أن تكون سبباً في إنشاء إنسان سوي ومتوازن يدرك قيمته في المجتمع ويعي الواجبات التي تترتب عليه بصفته عضواً في الأسرة أو المدرسة أو العمل، كما تساعد المهارات الحياتية الطفل على إدراكه لحقوقه ورفع استحقاقه ومواجهته لمواقف الحياة بمنطق ومرونة.
شاهد بالفيديو: تنمية المهارات الحياتية للطفل
أضف تعليقاً