القصد من ذلك الانتقال بالجيل التالي من الإنترنت وتحويله من فضاء ثنائي البعد إلى آخر ثلاثي البعد، هو التحول من الشاشات الذكية والهواتف إلى الدخول إليها والمشاركة في تفاعلاتها ومشاهدتها من (2D) إلى (3D) وفكرة إلغاء الهواتف الذكية، ولا بد من الإشارة إلى أنَّ "مارك" اقتبس فكرة مشروعه من رواية "ستيفنسون" (الخيال العلمي).
ما هي تقنية الميتا فيرس؟
الميتا فيرس مصطلح مكون من جزأين (Meta verse) باللغة الإنجليزية، فالجزء أو المقطع الأول (META) ويعني "ما وراء"، أما المقطع الثاني فهو (Verse) مشتق من كلمة (universe) التي تعني "العالم"، ومجموع المقطعين "ميتا فيرس" يعني "العالم الماورائي".
لقد ذُكر المصطلح لشرح ما ستكون عليه التطورات المستقبلية للإنترنت المرتكزة على تقنية ثلاثية الأبعاد، وعَدِّ الواقع الافتراضي مدرَكاً وحقيقياً، فقد ركز "مارك" على هذه التقنية حتى أصبحت مجموعة لا متناهية من العوالم الافتراضية تنتشر لمساحات واسعة عبر الإنترنت، فاستبدل عملية الدخول إلى عالم الإنترنت بتقنيات أخرى مثل نظارات الواقع الافتراضي مشابهة للتي تُشاهَد بها ألعاب الفيديو حالياً، ومن هنا انطلق نحو توسيع الفكرة إلى مجالات أخرى، بحيث تعرض أي شيء تقع عليه عينك في الواقع الحقيقي لتصبح متصلة بالجيل الخامس للإنترنت.
عند البحث في ماهية هذه التقنية قد نجد عدداً كبيراً من الأفكار والمفاهيم والتعريفات التي تحاول توضيحها، ففي الواقع هي تحمل العديد من الدلالات، لكن في المجمل تشير إلى تطور الإنترنت خاصةً، وتوصف بأنَّها مساحات عبر الإنترنت تتيح للأشخاص التواصل الاجتماعي والعمل واللعب بصفة (أفاتار).
التعليم في عالم الميتا فيرس:
باتت التكنولوجيا ضرورة ملحة في مجالات الحياة كافة، حتى إنَّها أضحت الركن الأساسي للحياة في القرن الحالي، وللتعليم نصيب كبير في ظل ما مررنا به من أزمات، فالاعتماد عليها أمر ملح في العمل الأكاديمي ومؤسسات التعليم جميعها، والكوارث والأوبئة والحروب المنتشرة في العالم، وجهت أنظار الجميع إلى الاستفادة مما توفره التكنولوجيا التي عُدَّت مساعداً أول في التغلب على الظروف.
أصبح عالم الميتا فيرس داعماً للتعليم عن بعد ودخل قطاع التعليم بشكل واسع، وانتشر من خلال تقنيات عدة تعمل معاً وتتيح للمستخدم التواصل والعمل في بيئة افتراضية جمعت الواقع الافتراضي والواقع المعزز والبيئات ثلاثية الأبعاد (3D)، يندمج المستخدم بها وكأنَّها واقع مستمتعاً بما يقوم ومحققاً جانباً من السعادة والمتعة.
تقنيات عالم الميتا فيرس في التعليم:
1. تقنيات الواقع الافتراضي (Vr):
تعمل هذه التقنية على محاكاة التجارب الواقعية والمواقف، ونجد فيها الألعاب والتعليم والتدريب والشبكات الاجتماعية، وكذلك ممارسة الأعمال، وتتمتع هذه التقنية بخصائص عدة كالتفاعلية والتشاركية والتعاون والانغماس والحضور عن بعد والمحاكاة والتنقل في اختيار المحتوى وإمكانية التعديل، إضافة إلى التحكم الذاتي، وتعمل أيضاً على تبسيط الواقع الحقيقي الذي يعد معقداً، وتساهم إسهاماً كبيراً في تنويع استخدام استراتيجيات وأساليب التعليم؛ إذ تقدم هذه التقنية استراتيجيات:
- التعليم التعاوني.
- التعلم القائم على المشاريع.
- التعلم عن طريق حل المشكلات.
وفرت هذه التقنية محتوى دراسياً يستطيع فيه المتعلم أن يدخل ويخرج من البيئة التعليمية، ويتنقل للحصول على المعلومات في أي وقت وفي أي مكان دون الالتزام بالمواعيد الرسمية للدراسة في البيئات الواقعية التقليدية.
2. تقنيات الواقع المعزز (AR):
تعد هذه التقنية نسخة تفاعلية لبيئة العالم الحقيقي، تقوم على إسقاط الأجسام الافتراضية والمعلومات في بيئة المستخدم، فتوفر له معلومات وبيانات بوصفها موجهاً له، فهي مصممة لإضافة عناصر رقمية إلى مناظر العالم الواقعي وبتفاعل محدد.
لقد أصبح لهذه التقنية أهمية كبيرة في مجال التعليم، فالبيئة التعليمية بيئة خصبة لتطبيق هذه التقنية بشكل واسع، فقد عملت هذه التقنية (AR) على تحويل الكتب الورقية إلى منصات عرض تفاعلية عبر مواقع التواصل تصل إليها باستخدام الأجهزة الذكية، وبدلاً من قراءة قصة تاريخية يمكن صنع تلك القصة بتقنية (3D) ثلاثية الأبعاد تروي هذه القصة بطريقة ممتعة، وهنا سهلت هذه التقنية الشرح على المعلم بحيث يفهم الطالب المطلوب منه بكل متعة ويحفظ ذلك دون نسيان.
طُبِّقت هذه التقنية المعززة لإثارة دافعية وحماسة المتعلمين، ولتقديم الخبرات التعليمية بنماذج ثلاثية الأبعاد، وكيفية التعامل مع المواد الخطرة كالتفاعلات النووية والكيميائية بمواد العلوم والطب والفيزياء والكيمياء، ويمكن تطبيقها بسهولة في الحصة الدرسية، فهي معززة للتعليم التعاوني والتفاعلي بين الطلبة.
3. تقنيات الواقع المختلط (XR):
يُطلق عليها الواقع المدمج، وهي أحدث المصطلحات التقنية في مجال التعليم، وانتشر في الآونة الأخيرة استخدامها وتضمينها في الفصول والمناهج الدراسية، فهي تغني العملية التعليمية وتساهم في إيصال المعلومات بسرعة وبشكل أوضح وأقرب إلى أذهان الطلبة، وتجمع هذه التقنية بين البيئات الحقيقية والافتراضية معاً والتفاعل بين الطلبة والعناصر المراد تعليمها، فهي تداخل بين تقنية الافتراضي وتقنية المعزز تحت اسم الممتد أو المختلط أو المدمج.
4. نظارات الواقع الافتراضي والواقع المعزز:
تتيح نظارات الواقع الافتراضي والمعزز للمتعلمين التفاعل مع مجموعة كبيرة ومتنوعة من الكائنات الافتراضية المتعلقة بالعملية التعليمية أو المادة، فهي تعمل على زيادة حجم العالم من حولنا، وتُدرَس فكرة تخفيض أسعارها في الأسواق لكي تكون متاحة لكافة الناس لأغراض تعليمية مختلفة، وتطويرها من نظارات إلى عدسات لاصقة، وذلك تماشياً مع التطور السريع في عالم التكنولوجيا.
إيجابيات عالم الميتا فيرس:
- يعد من التجارب الممتعة، فمن خلاله يمكنك ممارسة الرياضة والتواصل الاجتماعي وعقد الاجتماعات وإعطاء الدروس، وكل ما تريد.
- يلغي المسافات الجسدية والزمنية، ويربط العالم ببعضه بوصفه بيئة حقيقية.
- عُدَّ في الأزمات والجوائح الوسيلة الوحيدة للتفاعل بين الناس، فقد وفر اتصالاً حقيقياً بين الأسر وبين الأصدقاء والمعارف.
- يعمل على تطوير وسائل التواصل التي اجتاحت العالم بكل مواقعه، وهذه الخطوة من أهم إيجابيات عالم الميتا فيرس.
- كان له دور في الحصول على فرص عمل مختلفة ومتعددة وجديدة باستخدام الإنترنت.
- ساهم في تطوير التعلم والتعليم عبر الإنترنت، فقد أتاح الفرصة لمعظم المتعلمين حول العالم لمتابعة دراستهم، وذلك باستخدام منصات تعليمية.
سلبيات عالم الميتا فيرس:
- تخوُّف من انحسار الإنسانية، فقد يلجأ الأفراد إلى هذا العالم الافتراضي هرباً من واقع أليم ورغبة بالابتعاد عن المشكلات.
- تخوُّف من عدم وجود خصوصية وأمان، فنحن ندرك جيداً أنَّ بياناتنا يتم جمعها.
- يشكل عالم الميتا فيرس خطراً على الصحة العقلية لمستخدميه، فاندماج الأشخاص بالعالم الافتراضي وابتعادهم عن الواقع قد يؤدي إلى أعراض الذهان والاكتئاب واحتمالية الانفصال الدائم عن الواقع.
- يميل رواد الإنترنت إلى أن يكونوا قساة، فلا يتقبلون الاختلافات والفروق بين الناس، فيحدث ما يسمى التنمر الافتراضي من قِبلهم.
- عدم قدرة المسؤولين عن عالم الميتا فيرس على مراقبة جميع المستخدمين أو الأصح العدد الهائل من المستخدمين، وهذا يُعرِّض الميتا فيرس لأن يكون بيئة مخلة بالأخلاق وسامة.
- عدم توفر الإنترنت في العديد من الأماكن ومشكلات الاتصال سيقفان عائقاً أمام استخدام هذا العالم بشكل صحيح، وخاصةً أنَّه يتطلب سرعة إنترنت (4G) وربما (6G).
في الختام:
أصبحت التكنولوجيا اليوم عصب العالم المحرك، ودائماً ما يحاول الإنسان تحقيق الاستفادة القصوى من التكنولوجيا وتوظيفها في الميدان التعليمي خاصةً، هذا الميدان المعني بتربية الأجيال المستقبلية وإعدادها بالشكل الذي يتناسب مع متغيرات العصر ومتطلبات المجتمع في آنٍ واحد، ولعالم الميتا فيرس أهمية كبيرة في مختلف مجالات الحياة، هي تكنولوجيا التطور الطبيعي للإنترنت التي تمثل بيئة افتراضية تدعم وصول المتعلم والمعلم إلى الحقائق الافتراضية.
بفضل استخدام هذه التكنولوجيا؛ أي تقنية الميتا فيرس سيغدو التعليم أكثر فاعلية، كما سيكون أكثر متعة بالتأكيد وسينافس بيئة التعليم التقليدية، وربما ستصبح الطرائق التقليدية طي النسيان يوماً ما، فالمجتمع البشري عامة في ضوء هذا التطور التكنولوجي الكبير لن يقف مكتوف الأيدي؛ بل سيسعى جاهداً وكعادته إلى دخول هذه الموجة التي ستغزو العالم أجمع عاجلاً أم آجلاً.
يجب علينا؛ أي على المجتمع العربي بالتحديد الحذر في استخدامها وتوظيفها في الأشياء المفيدة وعدم الإدمان عليها، كما حدث عندما قام الإنسان باستخدام عالم مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة (فيسبوك)، والحرص على استغلال نقاط القوة في هذا العالم وإدراك نقاط ضعفه وتجاوزها، إضافة إلى الابتعاد عن كل ما قد يسببه من أضرار، فبناء جيل متحضر ومثقف ومنفتح وواعٍ يحتاج دائماً إلى الانخراط في الموجات العالمية ومحاولة استغلال كل فرصة تتيحها للمضي بالمجتمع نحو التقدم والازدهار.
أضف تعليقاً