هذه إحدى النتائج الرئيسة لدراسة حديثة أجراها علماء في سويسرا؛ إذ قاموا بتقييم التأثيرات المحتملة لتغير المناخ في القهوة، والكاجو، والأفوكادو، والتي تُعدُّ من المحاصيل الهامة المتداولة عالمياً، ويقوم بإنتاجها قلة من المزارعين، وخاصة في المناطق الاستوائية.
القهوة هي الأكثر أهميةً على الإطلاق مع بلوغ العائدات المتوقعة 460 مليار دولار أمريكي في عام 2022، في حين تبلغ أرقام الأفوكادو والكاجو 13 مليار دولار، و6 مليارات دولار على التوالي.
وفي الوقت الذي تُستخدم القهوة بوصفها مشروباً محفزاً، فإنَّ الأفوكادو والكاجو من المحاصيل الغذائية المستهلكة على نطاق واسع، والغنية بالزيوت النباتية الأحادية غير المشبعة، وغيرها من العناصر الغذائية المفيدة.
لقد خلُصت هذه الدراسة إلى أنَّه من المرجح أن تؤدي التغيرات المناخية المتوقعة إلى تراجعٍ كبير في مساحة الأراضي الصالحة لزراعة هذه المحاصيل في بعض المناطق الرئيسة التي تُزرع فيها حالياً، وهذا بدوره يمكن أن يؤثِّر في كلٍّ من المزارعين والمستهلكين في جميع أنحاء العالم.
لقد ركزت معظم الأبحاث - حتى هذا التاريخ - التي أُجريت لمعرفة التأثيرات المستقبلية لتغير المناخ على المحاصيل الأساسية، مثل: القمح، والذرة، والبطاطا، والبذور الزيتية التي تزرع في المناطق المعتدلة، وقد عكس هذا ميل علماء المناخ إلى التركيز على الآثار الخطيرة المحتملة لتغير المناخ في النظم البيئية المعتدلة، وخاصةً بسبب تغير درجات الحرارة وأنماط هطول الأمطار.
كان هناك في المقابل الاهتمام القليل بالنظم البيئية الاستوائية التي تشكل حوالي 40% من مساحة الأراضي حول العالم؛ إذ يعيش هناك أكثر من 3 مليار شخص يكسبون رزقهم، ومن المتوقع أن يُضاف إليهم مليار شخص آخرين بحلول خمسينيات القرن الحالي.
كما تحافظ المناطق الاستوائية على مستودعات هائلة للتنوع الحيوي، فضلاً عن كونها مناطق لزراعة عدة محاصيل هامة، والتي تعدُّ مصدر دخل وغذاء للمجتمعات البشرية الضخمة التي تسكنها.
يؤكد البحث الحديث النتائج المستخلصة من العدد المحدود من الدراسات الموجودة حالياً المتعلقة بمحاصيل البن، والكاجو، والأفوكادو، ويوسِّع نطاقها توسيعاً كبيراً.
يتمثل أحد الابتكارات الهامة في الدراسة بفحص معايير الأرض والتربة، إضافةً إلى العوامل المناخية الصرفة، مثل أنماط درجة الحرارة وهطول الأمطار، وهذا يمكِّنهم من تقديم نظرة أكثر دقةً عن التأثيرات المستقبلية، والتي قد تُحدِث تغييراً كبيراً في صلاحية بعض المناطق الاستوائية لزراعة محاصيل معينة؛ وذلك بسبب التغيرات في بعض العوامل كدرجة حموضة التربة أو بنيتها.
تُكمل الدراسة الحديثة بحوثاً حديثةً أخرى عن زيت النخيل، وعلى الرَّغم من أنَّه مثير للجدل وكثيراً ما ارتبط بإزالة الغابات إلا أنَّ زيت النخيل ما يزال أحد أهم المحاصيل الاستوائية من حيث تغذية الإنسان؛ إذ يساعد على تغذية أكثر من 3 مليار شخص.
بمراجعة عدة تحليلات عن كيفية تأثير تغير المناخ في تفشي الأمراض وإجمالي النقص في زيت النخيل، كان الاستنتاج الواضح بأنَّ من المرجح أن يزداد معدل موت الأشجار ازدياداً ملحوظاً بعد عام 2050، ممَّا قد يؤدي إلى القضاء على كثير من المحاصيل في الأمريكيتين، وإضافةً إلى ذلك من المتوقع أن يشهد معدل الإصابة بمرض تعفن الساق زيادةً هائلةً في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا.
شاهد: 8 حلول للحد من ظاهرة التلوث البيئي
خطورة المشكلة وتعقيدها:
بدأت هذه الدراسات مجتمعةً بالكشف عن المدى المثير للدهشة، والتعقيد المرافق لتأثيرات تغير المناخ والعوامل المرتبطة به في بعض المحاصيل الأكثر نمواً في المناطق الاستوائية، والأهم من ذلك، أنَّ التأثيرات لن تتوزع بالتساوي، وقد تستفيد بعض المناطق من تغير المناخ.
على سبيل المثال، من المرجح أن تصبح أجزاء من الصين، والأرجنتين، والولايات المتحدة صالحةً لزراعة البن تماماً، بينما ستشهد البرازيل وكولومبيا تراجعاً في خصوبة أراضيهما، ومن المحتمل أن تكون معظم هذه التغييرات "محدودة" الآن - على الأقل لبقية هذا القرن - بمعزلٍ عن الاستجابة البطيئة المخيبة للآمال لقادة العالم فيما يتعلق بالحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
لذلك سيكون من الضروري التكيف مع التغيرات الجارية في المناطق الاستوائية، على سبيل المثال، عن طريق تحويل زراعة محاصيل معينة إلى مناطق أخرى؛ إذ ستكون تأثيرات المناخ أكثر اعتدالاً.
لكن يبدو من المرجح أنَّه أيَّاً كانت التدابير المعتمدة للتخفيف من وطأة المشكلة، فإنَّ معظم المحاصيل الاستوائية ستصبح أكثر ندرة؛ ومن ثمَّ ستكون أغلى ثمناً في المستقبل، وفيما يتعلق بالقهوة، قد تتحول من مشروب يومي رخيص إلى إحدى الملذات غالية الثمن التي تتذوقها في المناسبات الخاصة فقط.
أضف تعليقاً