ما الذي حدث؟ ربما كان الوصول إلى الصالة الرياضية متعباً أكثر ممَّا ظننتَ، أو أنَّك قد وجدت نفسك متعباً جداً في المساء تعباً يمنعك من دراسة لغة البرمجة الجديدة تلك.
من السهل أن تلوم نفسك لافتقارها ضبط النفس أو التفاني، ولكن نادراً ما يحدث التغيير السلوكي بقوة الإرادة وحدها كما تؤكد عالمة السلوك ويندي وود (Wendy Wood)، وعوضاً عن ذلك، فإنَّ الأشخاص الأكثر ميلاً لإجراء تغييرات دائمة يستخدمون قوة إرادتهم أقل من البقية، فهم يعرفون كيفية تكوين عادات مفيدة.
العادات تشكل حياتنا:
العادات التي نكتسبها تنظم حياتنا اليومية وغالباً دون أن نلاحظ، تقول الدكتورة وود: "تمكنا في أثناء البحث من إظهار أنَّ الناس يتصرفون وفقاً للعادات أكثر بكثير ممَّا ندرك".
فمن المؤكد أنَّ البشر لديهم عقول متطوِّرة قادرة على الإبداع وحلِّ المشكلات ورسم الخطط إلا أنَّ عاداتنا اليومية؛ أي السلوكات اليومية الصغيرة التي نقوم بها دون تفكير هي التي تفسر كثيراً عن كيفية قضاء وقتنا وصرف طاقتنا.
لقد وجدت أبحاث الدكتورة وود أنَّ نحو 40% من سلوكاتنا اليومية هي عبارة عن عادات؛ لذلك يستحق الأمر إلقاء نظرة فاحصة على ماهية العادات، وما إن كان لها تأثير سلبي أو إيجابي في حياتنا.
ما هي العادات بالضبط؟
العادات هي سلوكات تلقائية، والتي تحدث بدلاً من اشتراط النية استجابةً للإشارات البيئية مثل وقتٍ معينٍ من اليوم أو الموقع، وفي الأساس يشكِّل عقلك ارتباطاً بين سياق معيَّن وسلوك معين، ثم تقوم بتنفيذ هذا السلوك؛ الطقس أو العادة في ذلك السياق دون التفكير فيه.
قد تكون العادات تصرفاتٍ، مثل التحقق من بريدك الإلكتروني بمجرد وصولك إلى العمل في الصباح، أو السير في طريق معين إلى المنزل كلَّ مساء، أو قضم الأظافر عندما تكون متوتراً، أو تصفح وسائل التواصل الاجتماعي عندما ترقد في الفراش ليلاً؛ إذ تتشكل العادات عندما تتلقى مكافأة على سلوك ما.
شاهد بالفيديو: كيف يمكن تكوين وترسيخ عادات جديدة في حياتك؟
كيف تتشكَّل العادات؟
يطلق دماغك ناقلاً عصبيَّاً يسمَّى الدوبامين عندما تتعرض لشيء مبهج؛ إذ يجعلك "إفراز الدوبامين" هذا تشعر بالرضى؛ لذا ستتحفَّز لتكرار هذا السلوك كي تُكافأ بالدوبامين مرة أخرى، ومع مرور الوقت يُخزَّن الرابط بين السياق والسلوك والمكافأة في مناطق من دماغك، مثل: العقد القاعدية والفص الظهري للمخ، والتي ترتبط بالعواطف والتعلم الضمني.
قد يكون تصفح وسائل التواصل الاجتماعي في الليل مثلاً ممتعاً من حين لآخر على الأقل؛ لذا ومن دون أن تدرك ذلك، فإنَّ هذا الأمل بالحصول على الدوبامين ثانيةً يُعيدُك إلى التحقق منه قبل النوم، ولن يمضي وقت طويل حتى تُخزَّن هذه العادة في دماغك وسيكون من الصعب تغييرها.
تستمرُّ العادات حتى بعد انتهاء المكافآت:
يمكن أن تصبح بعض العادات راسخةً جداً مع مرور الوقت لدرجة أنَّها تظل حتى بعد انتهاء المكافأة، فقد حاول الباحثون حثَّ الناس على تغيير سلوك بسيط في مكان العمل في إحدى الدراسات التقليدية عن تغيير العادات، مثل: صعود الدَّرَج بدلاً من استخدام المصعد، وقد حاول الباحثون تثقيف الناس فيما يتعلق بفوائد استخدام الدَّرَج، مثل: تقليل استخدام الكهرباء، وممارسة بعض التمرينات الرياضية السريعة، ولكن لم يشكِّل ذلك فرقاً.
لذا جعَل الباحثون أبواب المصعد تغلق أبطأ بـ 16 ثانية؛ أي ما يكفي من الإزعاج لدفع نحو ثلث الناس إلى صعود الدرج، لكنَّ الاكتشاف الأكثر أهمية هو استمرار الناس بصعود الدَّرج حتى بعد عودة سرعة المصعد إلى طبيعتها، فقد تمسكوا بالعادة.
نادراً ما تتغيَّر العادات بالمعرفة أو التخطيط أو قوة الإرادة وحدها:
تذكَّر أنَّ العادات تُخزَّن في مناطق من الدماغ، مثل العقد القاعدية والفص الظهري للمخ، وتشارك هذه المناطق في وظائف الحياة الأساسية، ومن ذلك الذاكرة الإجرائية (كيفية ركوب الدراجة مثلاً أو القيام بنشاطات أخرى) والعاطفة، وهي تعدُّ فطرية إلى حدٍّ ما، بدائية أيضاً؛ إذ تتشكَّل في وقتٍ مبكِّر من التطور لضمان أنَّ الحيوانات قد أتمَّت "الغرائز الأربعة البدائية الأساسية": التغذية والكر والفر والتكاثر.
توجَّه من ناحية أخرى قوة الإرادة والمعرفة الصريحة (كالقدرة على ذكر الحقائق) والتخطيط توجيهاً أساسياً بواسطة قشرة الفص الجبهي؛ فقشرة الفص الجبهي هي الجزء الأكثر تطوراً في الدماغ، ولكن بسبب انفصالها عن مكان تخزين العادات ترى الدكتورة وود أنَّها وحدها غير قادرة على تغيير العادات تغييراً مباشراً.
تقول الدكتورة وود: "تُخزَّن عاداتنا في نظام ذاكرة لا يمكننا الوصول إليه، ولا يمكننا القلق بشأنه، فهو طريقةٌ لحِفظ أهم المعلومات وحمايتها من التغيير".
مثلاً مثلما لم يقلِّل تثقيف الناس بفوائد صعود الدَّرج من استخدامهم للمصعد، فمن غير المرجح أن يغير تثقيف الناس فيما يتعلق بكيفية تناول الطعام تناولاً صحياً نظامَهُم الغذائي، وحتى تقديم المكافآت المالية لا يؤدي عموماً إلى تغيير دائم في العادات بعد انتهاء المكافأة.
كيف يمكنك تغيير العادات؟
اتخذ عادةً جديدة؛ باختصار أفضل طريقة لتغيير العادة هي استبدالها بعادة جديدة؛ ممَّا يعني أنَّ عليك إتمام سلوك جديد في سياق معين والحصول على مكافأة وتكرار هذا السلوك.
بالطبع، الأمر ليس سهلاً، فإنَّ تكوين عادات جديدة يعد تحدياً نتيجة لما يسميه علماء النفس "المقاومة"؛ أي الحواجز التي تحول دون إتمام السلوك، مثل: المسافة والوقت والجهد.
لذا ابتكِرْ بيئةً مفيدة: من أفضل الطرائق للتغلب على المقاومة هي ابتكارُ بيئة تجعل السلوك الجديد سهلاً ومثمراً؛ ستقلِّل البيئة الجديدة نظرياً من الإشارات القديمة التي أدت إلى عادات سيئة، وستزيد من الإشارات التي تؤدي إلى عادات جديدة مفيدة.
تقول الدكتورة وود: "من أهم الأمور المتعلِّقة بتغيير السلوك هو أنَّه يتعيَّن عليك العمل مع ما يدور حولك، فنحن حقاً بحاجة إلى بيئة من شأنها أن تسهِّل تحقيق أهدافنا".
هنا يأتي دور تخطيطك وتفكيرك، فإن كان الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية صعباً أو لم يعجبك فحسب، فابحث عن تمرينات روتينية منزلية تستمتع بها بالفعل، واترك ملابسك ومعدَّاتك الرياضية في مكان مناسب وواضح، وفي حال رغبت في بدء القراءة قبل النوم بدلاً من التحقق من هاتفك، ففكِّر في شحن هاتفك طيلة الليل في مكان بعيد عن فراشك، وابحث لنفسك عن كتاب يثير اهتمامك.
استثمر العادات لمصلحتك:
رغم أنَّ العادات تحظى بسمعة سيئة، إلا أنَّ استثمارها بحكمة يمكن أن يحسِّن حياتك كثيراً، فيمكن أن توفِّر العادات إضافةً إلى مساعدتك على تحقيق أهدافك شعوراً بالتنظيم والسيطرة وتعطي معنىً للحياة أيضاً؛ إذ يكتسب رياضيون عديدون محترفون مثلاً شعوراً بالثقة والسيطرة عندما يؤدون طقوساً معينة قبل أو في أثناء المباريات، بينما يمكن أن يكون للآخرين تقاليد عائلية أو روتين ذو معنى.
لكن حتى العادات البسيطة قد تكون مفيدة، ونظراً لأنَّ العادات تتطلَّب قليلاً من طاقة الدماغ، فيمكنها أيضاً توفير طاقة الدماغ لفعل أمور أخرى، مثل التفكير في أهداف حياتك الهامة أو الاتصال بوالدتك في أثناء عودتك إلى المنزل.
تقول الدكتورة وود: "عندما نتدرب على الأمور جيداً؛ إذ لا نضطر إلى التفكير فيها حينها يمكننا القيام بأمور أخرى، ويمكننا أن نفهم عالمنا".
أضف تعليقاً