للقيام بذلك من الضروري أن نفهم أولاً إلى أين وصل اليوم مجال العمل لتوقع تحديات وفرص المستقبل؛ لهذا السبب غاص تقرير حديث في أعماق آراء قادة الموارد البشرية لفهم المسألة بشكلٍ أوضح عن طريق أولئك الذين يعملون في الخطوط الأمامية.
تُظهِر دراسة حديثة أجراها موقع "أتشيفرز" (Achievers) شملت 132 شخصاً من قادة الموارد البشرية والعاملين فيها أنَّه على الرغم من أنَّهم رائعون عموماً في دعم التوازن الصحي بين العمل والحياة ودعم مهمة المنظمة، إلَّا أنَّ هناك بعض العقبات التي ما تزال تمنعهم عن الوصول إلى النجاح التجاري الأمثل. فلنلقِ نظرةً أقرب.
أهمية الثقة:
من المنطقي أن تكون الثقة الحافز الرئيس لأداء الموظفين، وإذا كان الموظف لا يثق بالقيادة، فمن غير المرجح أن يبذل جهداً - خاصةً الجهد الطوعي - لتحقيق أهدافه من أجل المضي قدماً في العمل، وتُظهر بيانات من تقريرٍ أُصدِر عام 2019 بعنوان "تقرير فورتشن 500 لأفضل التوجهات السائدة" أنَّ الموظفين يرغبون في العمل في مؤسسةٍ لفترةٍ طويلةٍ أكثر بخمس مرات إذا رؤوا أنَّ الإدارة جديرة بالثقة؛ إذ إنَّ القوة العاملة التي تثق وتحترم قادتها، تصبح أكثر إخلاصاً للشركات؛ وهذا ما يؤدي في المحصلة إلى العمل بشكل أفضل.
لسوء الحظ يعتقد 79% من قادة الموارد البشرية في يومنا هذا أنَّ قوَّتهم العاملة لا تثق بقيادتها.
وفقاً لتقرير نُشِر مؤخراً بعنوان "التمكين والثقة: مفتاحا تفاعل الموظفين" (Empowerment and Trust: The "Keys to Employee Engagement): يوافق واحد فقط من كل خمسة من القادة والعاملين في مجال الموارد البشرية على أنَّ موظفيهم يثقون ثقةً عميقة بقادة شركاتهم، ويملك هذا الافتقار الواسع إلى الثقة تأثيراً هائلاً في الحفاظ على الموظف وعلى الثقافة، وفي الواقع قال 59% من الموظفين إنَّ شعورهم بعدم الثقة تجاه القيادة قد أدى إلى ترك المؤسسة؛ وذلك وفقاً لاستطلاعٍ ذُكِر في بحثٍ أجرته "شركات كين بلانشارد" (Ken Blanchard Companies).
يذكُر مقياس "إيديلمان للثقة" (Edelman Trust Barometer) في آخر نسخةٍ منه أنَّ الموظفين يملكون ثقةً برب عملهم أكثر مما قد يظنه قسم الموارد البشرية: "على الصعيد العالمي، يثق 75% من الموظفين بأنَّ رب العمل يقوم بما هو صائب".
إنَّ القادة مسؤولون عن تحديد اتجاه ثقافة المنظمة؛ لذلك فمن المنطقي أن تزدهر الثقة بالقيادة إذا بنوا بيئة تعاونية تعزز المشاركة والاحترام المتبادل.
قليلون من يمتلكون نظام تغذيةٍ راجعة:
تُحدَّد خبرة الموظف من خلال القيمة والتقدير والاحترام الذي يتلقاه في العمل، ويرغب الناس جوهرياً في القدوم إلى العمل وإحداث تأثير كبير، كما يتحمَّس الأفراد إلى وظائفهم ويظلون ملتزمين عندما تتشكل لديهم مشاعر إيجابية تجاه زملائهم وعندما يشعرون بأنَّ عملهم يحظى بتقدير القادة والأقران.
ومع ذلك - ولسوء الحظ - وجد استطلاع شركة أتشيفرز لدينا أنَّ 22% فقط من قادة الموارد البشرية يشعرون بأنَّ لديهم نظاماً فعالاً لتعزيز ثقافة التغذية الراجعة؛ وهذا يزيد عدد الموظفين الذين فقدوا الاهتمام بعملهم والذين يكلفون الشركات مليارات الدولارات سنوياً.
ينتج عن امتلاك ثقافة التغذية الراجعة - التي تعزز التواصل المستمر والدائم - تجربةً أفضل للموظفين، التي تؤثر تأثيراً إيجابياً في مقاييس المواهب الإجمالية مثل الإنتاجية والحفاظ على الموظفين والتفاعل.
إنَّ الموظفين المُمكِّنين هم موظفون متفانون، ولديهم الموارد والأدوات التي تسمح لهم بالشعور بأنَّهم جزء حيوي من المنظمة؛ وهذا يقودهم ليس فقط إلى أن يكونوا أكثر إنتاجيةً؛ وإنَّما أيضاً إلى استثمار جهودهم في نشر اسم العلامة التجارية والثقافة التنظيمية؛ كما أنَّ الموظفين الذين لديهم إمكانية الوصول إلى قنوات التواصل لتقديم الملاحظات ورفع المشكلات إلى المديرين في وقتٍ مبكر، يزيدون من تمكين حلقة التغذية الراجعة؛ وهذا يعزز بيئة عمل تعاونية وشاملة.
ومع ذلك، تفتقر العديد من المؤسسات إلى التواصل المُتبادل في الأقسام؛ فلا توجد لدى واحدة من كل سبع مؤسسات طريقة رسمية للاستماع للموظفين، وبدلاً من ذلك ما تزال الشركات تنشر الأخبار من خلال إمطار الموظفين برسائل البريد الإلكتروني أو عن طريق ملصقات معلقة في غرفة الاستراحة.
يؤدي عدم وجود أنظمة شاملة إلى حدوث عجزٍ في تبادل المعلومات، ولكن ربما الأهم من ذلك يمكن أن يؤدي إلى شعور الموظفين بأنَّهم غير مسموعين؛ إذ تحتاج المنظمات إلى تمكين صوت الموظف لاستخلاص تعليقاتٍ ذات مغزى تعكس الاحتياجات الفعلية ورغبات القوى العاملة.
شاهد بالفديو: 7 نصائح لتحفيز الموظفين من دون اللجوء إلى المال
بناء ثقافة تمنح الأولوية للموظفين:
إنَّ مستقبل تفاعل الموظفين ومفهوم التغذية الراجعة سيبقيان مشرقَين باستمرار، ولكن ما تزال هناك تحديات يجب التعامل معها قبل بلوغ النجاح الأمثل، ولكي تتغلب منظمة ما على تحديات المشاركة والثقة في يومنا هذا، يحتاج قادة الموارد البشرية إلى إدخال أنظمة تواصل تلقى قبول جميع الأجيال.
ومع ذلك، مع انضمام الأجيال الجديدة إلى القوى العاملة؛ يحتاج قادة الموارد البشرية إلى أن يعوا حياة هؤلاء كمستهلكين وإلى أن يُزوَّدوا بالتكنولوجيا التي تدعم نجاحهم؛ إذ إنَّ جيل الألفية والجيل زد هم أشخاص رقميون، وبحلول عام 2024 سيشكلون أكثر من نصف القوة العاملة. وفقاً لـ 42% من محترفي الموارد البشرية في استطلاع شركة "أتشيفرز"؛ لن تكون برامج التفاعل والتعليقات فعالة إلَّا إذا كانت تتطابق مع تفضيلات وقيم الموظفين الذين يخدمونها.
يسمح المشهد الرقمي اليوم للمستهلكين بتخصيص وضبط تفصيلات وجودهم عبر الإنترنت والتواصل معهم. وعلى هذا النحو، يحتاج قادة الموارد البشرية إلى أن يكونوا قادرين على التعامل مع القوى العاملة المتطورة وتقديم التجربة الرقمية نفسها في مكان العمل، التي اعتاد الموظفون عليها كمستهلكين.
من الواضح أنَّ التكيف لتلبية احتياجات القوى العاملة المتغيرة هو المفتاح للبقاء في ميدان المنافسة وتعزيز تجربة الموظف الإيجابية والقيِّمة.
أضف تعليقاً