لم يعد الاكتفاء بالمعرفة التقليدية كافياً، فالشركات والمؤسسات باتت تبحث عن مهارات تواكب التحديات الجديدة وتلبِّي احتياجاتها المتزايدة. وفي الوقت الذي يركِّز فيه القطاع الخاص على مهارات الكفاءة والابتكار والقدرة على التكيُّف مع التحولات السريعة، نجد أنَّ القطَّاع العام يعطي الأولوية للمهارات التنظيمية والإدارية، مع التشديد على الالتزام بالقوانين والأنظمة.
مع ذلك تتقاطع بعض المهارات بين القطاعين، ممَّا يعزِّز أهمية تطوير مجموعة متنوعة من القدرات لتحقيق النجاح المهني في أي منهما. في هذا المقال نستعرض أهم المهارات التي تُعدُّ مفتاحاً للتميُّز في القطاعين الخاص والعام.
المهارات المطلوبة في القطاع الخاص
تتطور متطلبات سوق العمل باستمرار، مما يجعل من الضروري أن يكون الأفراد على دراية بالمهارات التي يبحث عنها أرباب العمل في القطاع الخاص. هذه المهارات ليست مجرد مؤهلات أكاديمية، بل تشمل مجموعة واسعة من القدرات الشخصية والمهنية التي تمكن الفرد من التميز في بيئة العمل الديناميكية.
1. الابتكار والإبداع
تشير مهارات الإبداع إلى القدرة على توليد أفكار جديدة وغير تقليدية، وتحقيق قيمة مضافة من خلال ربط الأفكار بطرائق غير تقليدية. ففي القطاع الخاص، يطوِّر الإبداع المنتجات، ويُحسِّن الخدمات، ويبتكر طرائق جديدة لحلّ المشكلات.
من جهة أخرى، يُطبِّق الابتكار هذه الأفكار الإبداعية تطبيقاً عملياً بهدف تحقيق فوائد ملموسة، سواء من خلال زيادة الإنتاجية، أم تحسين الكفاءة، أم فتح أسواق جديدة. يشهد القطاع الخاص نمواً متزايداً في الوظائف التي تتطلب مهارات الإبداع والابتكار، ففي المملكة المتحدة مثلاً، من المتوقَّع أن ينمو القطاع الإبداعي بنسبة 5.3% من 2024 إلى 2030، وهو ما يعني خلق أكثر من 119,000 وظيفة إبداعية جديدة بحلول نهاية العقد.
يشير هذا النمو إلى الطلب المتزايد على الموظفين الذين يتمتعون بقدرة على التفكير الابتكاري، ممَّا يعزِّز من مكانة هذه المهارات بوصفها ركيزة أساسية في الاقتصاد الحديث. عموماً، تسهم مهارات الإبداع والابتكار إسهاماً كبيراً في دعم الاقتصاد العالمي، فيُشكِّل الاقتصاد الإبداعي قرابة 6% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وتستمر هذه القطاعات في النمو بمعدل يزيد عن ضعف معدل نمو الاقتصاد التقليدي.
تُعدُّ الوظائف الإبداعية من المهارات المميَّزة التي يحصل أصحابها على رواتب تنافسية، ووفقاً لآخر الإحصاءات، فإنَّ متوسط رواتب الوظائف الإبداعية في منتصف المسار المهني في الولايات المتحدة يتراوح بين 60,000 و110,000 دولاراً سنوياً. وتُظهر الإحصاءات الأخيرة أنَّ 77% من التنفيذيين يرون في الإبداع محرِّكاً لنمو الأعمال، في حين يعدُّ 85% من المهنيين التفكير الإبداعي أساساً لحل المشكلات، ممَّا يعزِّز من القدرة على التكيُّف مع التحديات المتزايدة في بيئات العمل الحديثة.
2. التركيز على النتائج
التركيز على النتائج هو أكثر من مجرد إنجاز المهام؛ بل هو نهج يُحقِّق الأهداف المحددة والملموسة التي تساهم مباشرةً في نجاح المنظمة. بدلاً من التركيز فقط على إكمال المهام اليومية، يفكر الموظف الذي يركِّز على النتائج دائماً في الكيفية التي يمكن بها مساهمة عمله في تحقيق أهداف أكبر للشركة.
3. روح المبادرة
تُعدُّ مهارة روح المبادرة من المهارات الأساسية التي تسهم في تحقيق النجاح الشخصي والمهني في القطاع الخاص. تُظهر الأبحاث أنَّ 70% من أصحاب الأعمال يفضِّلون توظيف الأشخاص الذين يُظهرون مبادرة قوية في العمل. تعكس هذه المهارة القدرة على التفكير الإبداعي واتخاذ القرارات السريعة.
إضافة إلى ذلك، يُعدُّ الأفراد الذين يمتلكون روح المبادرة أكثر قدرة على التكيف مع التغيرات السريعة في سوق العمل، وهو ما أكَّده 65% من المديرين التنفيذيين في دراسة حديثة. ففي عالم يتَّسم بالتغيرات السريعة والتطورات التكنولوجية، يمكن أن تؤدي روح المبادرة إلى الإبتكار، ممَّا يساهم في رفع مستوى الأداء وزيادة الإنتاجية في المؤسسات.
4. التركيز على العملاء
تُعدُّ مهارة خدمة العملاء من العناصر الأساسية التي تساهم في نجاح أي عمل تجاري في القطاع الخاص، فهي واجهة التواصل المباشر مع العملاء، وتتيح للموظفين فهم احتياجاتهم وتقديم الدعم الفوري، ممَّا يُحسِّن تجربة العميل ويبني علاقات قوية وطويلة الأمد.
وفقاً لدراسة أجرتها شركة "Zendesk"، فإنَّ 82% من العملاء يشعرون بالرضى عند تلقّيهم خدمة جيِّدة، بينما يُعتقد أنَّ 70% من تجارب الشراء تتأثر بخدمة العملاء. علاوةً على ذلك، تُظهر الإحصائيات أنَّ الشركات التي تستثمر في تحسين مهارات خدمة العملاء، يمكن أن تحقِّق عوائد أعلى بنسبة تصل إلى 25%، ممَّا يُبرز أهمية هذه المهارة في تعزيز النمو والربحية.
شاهد بالفيديو: 15 مهارة تساعدك على النجاح والتقدم في حياتك المهنية
5. مهارات العمل الجماعي
مهارة العمل الجماعي من العوامل الرئيسة التي تساهم في نجاح الفرق وتحقيق الأهداف المشتركة في أية منظمة. يتطلب العمل الجماعي تفاعلاً فعالاً بين الأعضاء، فيتعاون الجميع لتحقيق نتائج أفضل ممَّا يمكن تحقيقه بشكل فردي.
وفقاً لدراسة من جامعة "هارفارد"، أفادت 73% من الفُرق التي تعمل عملاً جماعياً بأنَّها تحقِّق نتائج أفضل، مقارنة بالفُرق التي لا تتعاون. كما أظهرت الإحصائيات أنَّ 86% من الموظفين يُشيرون إلى أنَّ نقص التعاون يعدُّ سبباً رئيساً للفشل في مكان العمل، وهذا يبرز تأكيد منظمات القطاع الخاص على أهمية تعزيز بيئة العمل التي تشجع على التعاون والتواصل، ممَّا يُحسِّن الأداء ويزيد الإنتاجية.
المهارات المطلوبة في القطاع العام
1. الالتزام بالقوانين
يُعدُّ الالتزام بالقوانين من المهارات الأساسية في القطاع العام، فهو ضروري لضمان تحقيق الأهداف العامة وحماية المصلحة الوطنية. يتطلب هذا الالتزام فهماً دقيقاً للوائح والسياسات الحكومية، بالإضافة إلى الحرص على تطبيقها بدقّة وشفافية.
فالموظفون الذين يلتزمون بالقوانين يعززون من ثقة الجمهور في المؤسسات الحكومية ويساهمون في الحفاظ على النظام والعدالة. كما أنَّ الالتزام بالقوانين يحقِّق الكفاءة في الأداء ويُحقِّق العدالة بين المواطنين من خلال تطبيق المعايير والقوانين على الجميع بانتظام.
2. المعرفة بالسياسات الحكومية
تعدُّ المعرفة بالسياسات الحكومية مهارة جوهرية في العمل بالقطاع العام، لأنَّها تتيح للموظفين فهم الإطار الذي تعمل ضمنه المؤسسات الحكومية وتنظيم مهامهم بما يتماشى مع الأهداف العامة للدولة، وتساعد هذه المعرفة على تنفيذ السياسات بفعالية وتوجيه الموارد باتِّجاه تحقيق الأولويات الوطنية، كما تتيح للموظف اتخاذ قرارات مستنيرة تعزِّز من جودة الخدمات المقدَّمة للمواطنين وتتماشى مع التوجهات الحكومية، بالإضافة إلى ذلك إنَّ فهم السياسات يُحسِّن التعاون بين القطاعات المختلفة ويضمن التنسيق الفعَّال بين الجهات الحكومية لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.
نقاط الاختلاف بين مهارات القطاعَين العام والخاص
1. التركيز على النتائج
يشكِّل التركيز على النتائج نقطة اختلاف بارزة بين مهارات العمل في القطاعَين العام والخاص. في القطاع الخاص، يكون التركيز على النتائج ملموساً ومباشراً، وترتبط الأهداف بزيادة الأرباح وتحقيق عوائد مالية للمؤسسة، ويقاس النجاح بالأداء المالي والقدرة على تلبية احتياجات السوق. بالتالي، يُقيَّم الموظفون بناءً على إنتاجيتهم ومدى قدرتهم على تحقيق هذه الأهداف بكفاءة.
في المقابل، في القطاع العام، ورغم أنَّ النتائج هامة، إلا أنَّ التركيز يكون أكبر على تحقيق المصلحة العامة وتقديم الخدمات للمواطنين بجودة عالية. وهنا لا يقاس النجاح بالربح المالي؛ بل بمدى تلبية احتياجات المجتمع وتحقيق التنمية المستدامة، وتُعطى الأولوية للشفافية والعدالة والمساواة في تقديم الخدمات، ويكون الإنجاز مرتبطاً بتأثير السياسات في رفاهية المواطنين وتحسين حياتهم، ممَّا يخلق تحديات مختلفة تتعلق بتحقيق نتائج طويلة الأمد، بدلاً من الأهداف الربحية الفورية.
العنصر |
القطاع العام |
القطاع الخاص |
الهدف الرئيس |
تحقيق المصلحة العامة وتلبية احتياجات المجتمع |
تحقيق الربح المالي وزيادة العوائد |
طريقة قياس النجاح |
جودة الخدمات وتأثيرها في رفاهية المواطنين |
الأداء المالي والإنتاجية |
النتائج المستهدفة |
تحسين مستوى الحياة والتنمية المستدامة |
تحقيق أرباح سريعة وزيادة الحصة السوقية |
التقييم |
بناءً على مدى تحقيق السياسات الحكومية والأهداف العامة |
بناءً على تحقيق الأهداف التجارية والمالية |
الأولوية |
الشفافية، والعدالة، والمساواة |
الكفاءة، والربحية، والتنافسية |
النتائج قصيرة/طويلة الأمد |
نتائج طويلة الأمد لتحقيق الأهداف الاستراتيجية |
نتائج قصيرة الأمد لتحقيق الربحية الفورية |
2. بيئة العمل
تمثِّل بيئة العمل نقطة اختلاف كبيرة بين القطاعَين العام والخاص؛ ففي القطاع الخاص، تُعدُّ بيئة العمل غالباً ديناميكية وسريعة التغيُّر، ويكون التركيز على الابتكار والتكيف مع المتطلبات المتغيِّرة للسوق، ويُتوقَّع من الموظفين أن يكونوا مرنين وقادرين على تحقيق الأهداف بكفاءة وسرعة، مع التنافسية العالية التي تفرض ضغوطات لتحقيق نتائج سريعة.
تعزز هذه البيئة من العمل الجماعي والتنافس بين الفُرق لتحسين الأداء وزيادة الإنتاجية، وغالباً ما تكون محفِّزة بأشكال من المكافآت المادية والترقيات السريعة. في المقابل، فإنَّ بيئة العمل في القطاع العام تكون أكثر استقراراً وتتركّز على الالتزام بالقوانين والإجراءات المنظَّمة للعمل.
ويتميَّز القطاع العام بروتين وظيفي واضح ومنظم، مع هيكلية إدارية محددة ودور أكبر للبيروقراطية. تدعم هذه البيئة الاستقرار الوظيفي والأمان الوظيفي للموظفين، ولكن قد تفتقر إلى السرعة في اتخاذ القرارات والتغيير مقارنةً بالقطاع الخاص. كما تقدِّم بيئة العمل هنا الخدمات العامة وفق معايير محددة، ممَّا يعني أنَّ الابتكار قد يكون أقل سرعة وأقل أولوية مقارنةً بالقطاع الخاص.
العنصر |
القطاع العام |
القطاع الخاص |
السرعة والتكيُّف |
بيئة عمل أكثر استقراراً وتركز على الالتزام بالإجراءات والقوانين |
بيئة عمل ديناميكية وسريعة التغيُّر تتطلب التكيُّف المستمر |
الابتكار |
يحدث الابتكار حدوثاً أبطأ، ويتطلَّب موافقات متعددة |
الابتكار سريع ومشجع لمواكبة متطلبات السوق |
الهيكلية |
هيكلية إدارية واضحة مع تركيز على البيروقراطية |
هيكلية مرنة وأكثر انسيابية مع تركيز على الكفاءة |
الأمان الوظيفي |
استقرار وأمان وظيفي أعلى |
أمان وظيفي أقل مع تفضيل الكفاءة والإنتاجية |
الروتين |
العمل بروتين يومي محدد وإجراءات واضحة |
الروتين أقل، ويُركّز على إنجاز المهام بسرعة وفعالية |
التقييم والمكافآت |
يعتمد التقييم على الأقدمية والالتزام بالقوانين |
يعتمد التقييم على الأداء وتحقيق النتائج المالية |
ضغوطات العمل |
ضغوطات العمل أقل نسبياً مع تركيز على الأهداف طويلة الأمد |
ضغوطات العمل أعلى بسبب التنافسية وتحقيق الربحية |
3. هيكل التنظيم
في القطاع العام، يكون الهيكل التنظيمي عادةً هرمياً ومتعدد الطبقات، مع وجود مستويات إدارية واضحة تسير وفق إجراءات رسمية وبيروقراطية صارمة.
يهدف هذا الهيكل إلى ضمان الالتزام بالقوانين واللوائح، وتوزيع المسؤوليات توزيعاً منظَّماً، ولكن يمكن أن يؤدي إلى بطء في اتخاذ القرارات وتطبيق التغييرات.
المسؤوليات محددة بدقة، فالموظفون غالباً ما يتَّبعون روتيناً يومياً ثابتاً، ما يعزز الاستقرار ولكنَّه يقلِّل من المرونة. وفي المقابل، يميل القطاع الخاص إلى هيكل تنظيمي أكثر مرونة وانسيابية، فالشركات الخاصة غالباً ما تتبنَّى هياكل أقل هرمية، ما يسمح باتخاذ القرارات اتِّخاذاً أسرع وتكييفاً أفضل مع التغيرات في السوق.
يميل توزيع الأدوار والمسؤوليات في القطاع الخاص إلى أن يكون أكثر مرونة، فيمكن للموظفين أن يتحمَّلوا مهاماً متعددة، فيُشجَّع الابتكار والمبادرة الفردية. تعزز هذه البيئة من القدرة على التكيف مع المنافسة وتحقيق النتائج بسرعة، لكنَّها قد تكون أكثر ضغطاً من حيث الأداء والسرعة في التنفيذ.
العنصر |
القطاع العام |
القطاع الخاص |
الهيكل التنظيمي |
هرمي وبيروقراطي، مع مستويات إدارية متعددة |
مرن وأقل هرمية، مع هيكل أقل تعقيداً |
اتخاذ القرارات |
بطء في اتخاذ القرارات بسبب الحاجة إلى موافقات متعددة |
اتخاذ القرارات أسرع بسبب التركيز على الكفاءة والمرونة |
توزيع المسؤوليات |
توزيع مسؤوليات واضح ومنظم مع أدوار محددة بدقة |
توزيع المسؤوليات مرن مع تحمل الموظفين لأدوار متعددة |
المرونة |
أقل مرونة بسبب الالتزام باللوائح والإجراءات الصارمة |
مرونة عالية للتكيف مع التغيرات والمنافسة. |
التغيير والابتكار |
التغيير بطيء بسبب البيروقراطية والهيكل الصارم |
التغيير سريع ومشجع لتحقيق الابتكار والمبادرة |
الروتين |
يعمل الموظفون بروتين يومي محدد |
يتمتَّع الموظفون بمرونة أكبر في أداء المهام |
الضغط |
ضغط أقل بسبب الاستقرار والروتين |
ضغط أعلى نتيجة للسرعة والتنافسية في بيئة العمل |
في الختام
تتطلَّب كل من بيئات العمل في القطاعَين العامّ والخاص مجموعة مميزة من المهارات المهنية التي تعكس طبيعة كل قطاع واحتياجاته. فبينما يركِّز القطاع العام على الالتزام بالقوانين والاستقرار والعمل وفق هيكل تنظيمي رسمي يهدف إلى خدمة المصلحة العامة، يتميَّز القطاع الخاص بالمرونة والابتكار والتركيز على النتائج المالية والأداء الفردي.
ورغم هذه الاختلافات، فإنَّ تطوير المهارات المطلوبة في كل من القطاعين يبقى ضرورياً لتحقيق النجاح والتفوّق المهني. تُمكِّن هذه الفروقات الأفراد من اختيار بيئة العمل التي تتناسب مع قدراتهم وطموحاتهم، سواءً كان ذلك من خلال الانخراط في القطاع العام أم الخاص، بما يعزِّز من فرصهم في تحقيق الأهداف المهنية والشخصية.
أضف تعليقاً