في هذا الموضوع يطرح لنا الكاتب زياد ريس عدّة تساؤلات، يجيب عنها في كتابه "تجربتي لحياة أفضل".
هل تبحث عن سرِّ السعادة في الحياة؟
عليك أن تعلم أنَّ السعادة ليست في الحصول على الأموال، أو اعتلاء المناصب أو غيرها من أشياء الحياة المادية، ولو كان الأمر هكذا لما وجدنا معظم الأثرياء وهم في غم ومشكلات، ووجدنا كثيراً من الفقراء سعداء.
إنَّ سرَّ السعادة يقبع في ذاتك أنت، فهل نفسك راضية أم لا، فلم ترتبط السعادة يوماً بمستواك الاجتماعي أو رصيدك البنكي، وإنَّما ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمدى رضاك وقناعتك الذاتية عن الوضع الذي أنت فيه.
يوضح الأستاذ زياد ريس في كتابه "تجربتي لحياة أفضل" مفهوم السعادة من خلال النقاط الآتية:
طريقة التفكير والممارسة اليوميَّة لترتقي إلى أعلى درجات السَّعادة:
يمرُّ الإنسان بحياته اليوميَّة بتحدِّيات وانتكاسات كثيرة يعاني منها وتُخْرجه من إطار السَّعادة الذي رسمه لنفسه في حياته، وهذا طبيعيٌّ ومن السُّنن البشريَّة؛ فلا توجد سعادة دائمة، وثمة عوامل كثيرة تُعيد الإنسان إلى المسار الصحيح، ومنها التَّصالح مع الذَّات، والتعايش مع الحدَث والظَّرف الطارئ، وأهمُّها: الإيمان بالله والقضاء والقدر، والتسليم والرضى.
لكن أنت عليك أن تختار أين ستكون في درجات السَّعادة والعودة لها من خلال سلوكات ومُمارَسات ومحاكمات فكريَّة ذهنيَّة يوميَّة تساعد وتكون سبباً في تغيير حياتك، وعليك أن تكون مُتيقِّظاً مُترقِّباً مستحضراً للأساسيات التي تجعلك تعود للمسار الصحيح في طريقة التفكير والممارسة اليوميَّة لترتقي إلى أعلى درجات السَّعادة، ومنها الآتي:
- عليك أن تكتب السبب وراء تصرُّفاتك وما تفعله من ردود فِعْل عندما تُواجِه نكسةً أو تحدِّياً في الحياة اليوميَّة.
- اعلم أنَّ الحياة قصيرة.
- غَذِّ عقلك دوماً بشيءٍ إيجابي وقوي.
- تَحرَّك واعمل على الانتقال لمواقع جديدة من المحيط الذي وُضِعْتَ فيه.
- كنْ عارفاً بالمكان الذي تريد الذهاب إليه.
في هذا السياق عليك أن تعود دوماً إلى الخطوات الرئيسة في خارطة الحياة حسب الآتي:
- حَدِّد هدفك، وحَدِّد زمناً لتحقيقه.
- اكتب خارطة الطريق للوصول إليه، مع استمرار المُراجَعَة والتَّصحيح.
- عليك أن تتحلَّى بالالتزام والعزيمة والصبر.
- استمتع بالنَّجاحات المُحقَّقة الجزئيَّة التي تحصل عليها بالطريق.
الأهم من كلِّ ذلك أن يكون الهدف المرسوم والمستهدَف ضمنَ إطار الرِّسالة السماويَّة للإنسان، والمُتمثِّلة في عبادة الله تعالى، ثُمَّ إعمار الأرض.
يحضرني هنا أن أشير إلى الخلاصات التي خرجت بها الممرضة "بروني وير" الأسترالية التي تعمل بالمشفى لسنوات عديدة في قسم العناية بمَن هُم على مَشارف الموت ولا أمل في حياتهم، واستمعت لأمنياتهم قبل الموت، وما ندموا عليه في حياتهم، وألفت كتاباً بعنوان: "أكثر خمسة أشياء ندم عليها الراحلون".
وهي كالآتي:
1. الندم على التَّفكير والقلق بخصوص رأي النَّاس فيهم:
تمنوا لو أنَّهم ملكوا الشَّجاعة ليعيشوا الحياة التي أرادوها لأنفسهم، وليس تلك الحياة التي أرادها النَّاس لهم، وكما قال أحد الحكماء: إنَّ الإنسان يُضيّع نصف عمره قلقاً ممَّا يتوقَّعه الآخرون منه، ثم يكتشف أنَّ لا أحد يكترث له من البداية.
2. ندموا عن عدم التعبير عن مشاعرهم:
ذلك خوفاً من إغضاب الآخرين، فعاشوا حياةً سلبيةً لا روح فيها، وذلك جعلهم يَصْمُتون ولا يقولون ما في قلوبهم.
3. ندموا لعدم إدراكهم أنَّ السعادة بأيديهم:
السعادة ليست مرتبطة بحدثٍ خارجي، فأجَّلوا سعادتهم بانتظار شيءٍ يحدث، مع أنَّ السَّعادة قرار داخلي.
شاهد بالفيديو: كيف تنعم بالسعادة في حياتك؟
4. ندموا على ضياع عمرهم باللهث وراء جمع المال:
تمنوا لو أنَّهم لم يفوِّتوا فرصة مُعايَشة الآباء والأمهات في لحظات عمرهم الأخيرة، أو في مشاركة أبنائهم في اللحظات الجميلة، حتى لو كان بحجة لقمة العيش، كما تمنَّوا لو أنَّهم حافظوا على علاقاتهم بأصدقائهم.
5. ندموا لعدم قيامهم بالمغامرات وعدم التحلِّي بالشَّجاعة لمُلاحَقة الأحلام:
حتى تسلَّلت سنوات العمر من بين أيديهم دون أن يشعروا بأنَّ أحلامهم بقيت أحلاماً ولم تتحوَّل إلى إنجازات، وأنَّهم أعطوا المشكلات أكبر من حجمها.
السَّعادة والعطاء:
الحاجة إلى العطاء والمَنْح ليست حاجة ماديَّة للمعطَى له فقط، بل هي حاجة للمَانِح أيضاً، فالإنسان بحاجة حقيقيَّة إلى الشُّعور الدَّاخلي المتمثِّل بالرِّضى عن الذَّات عند قيامه بمساعدة أخيه الإنسان، وهذا الرِّضى يتحوَّل بطريقة ما إلى شعور بالسَّعادة.
العمل الإنساني حاجة مُلحَّة للمجتمع من النَّاحية النَّفسيَّة والماديَّة؛ فالحاجة الماديَّة للفقراء والمعسرين، بينما النَّفسيَّة والسَّعادة بالعطاء حاجة للميسورين تمنحهم السَّعادة وتُشْعِرهم بالطمأنينة والتَّصالح مع الذَّات، وهي مُرافِقَة للمَنْح والعطاء، والسَّعادة هنا تأخذ صفة الديمومة بالعوائد على الشَّخص نفسه خلاف المُتَع الوقتيَّة الأخرى.
إليك مقارنة لطيفة بين المتعة والسَّعادة ذكرها الطبيب الأمريكي المُتخصِّص في الغدد الصماء "روبرت هلوستج" في محاضرة له، توضِّح الفَرْق بينهما؛ وهي كالآتي:
- المتعة قصيرة الأمد، والسَّعادة طويلة الأمد.
- المتعة أمر غريزي، والسَّعادة أمر روحاني.
- المتعة هي الأخذ، والسَّعادة هي العطاء.
- المتعة يمكن تحقيقها بامتلاك المادِّيَّات، والسَّعادة لا يمكن تحقيقها بامتلاك المادِّيَّات.
- المتعة تَخُوضها وحدك، والسَّعادة تَخُوضها مع فئات المجتمع.
- المتعة المفرطة بجميع أنواعها تؤدِّي إلى الإدمان؛ سواءٌ كانت متعةً ماديَّةً أم سلوكيَّةً، في حين أنَّه لا يوجد ما يسمى "إدمان السَّعادة المفرطة".
- المتعة يُسبِّبها هرمون الدوبامين، والسَّعادة يُسبّبها هرمون السيروتونين.
يوجد أمر واحد يُعطِّل هرمون السيروتونين وذلك هو هرمون الدوبامين، ولذلك كلَّما زاد سعيك إلى المتعة كلَّما حصلت على سعادة أقل.
المقارنة أعلاه تُفسِّر جليَّاً كثيراً من الظَّواهر التي نعيشها، والتي تظهر حولنا؛ فإنَّ كثيراً من المتعة تأتي من خلال ممارسة المعاصي والمُحرَّمات من جَنْي المال، أو إشباع الغرائز الوقتيَّة، أو التَّسوُّق والتَّظاهر بمُغَالاة واضحة، ولكنَّها فعلاً كلها تأتي ضِمْن إطار المتعة الزائلة، بخلاف السَّعادة التي تتعمَّق وتتجذَّر في أعماق الإنسان، وتَرْسم هالة طويلة الأمد حوله مع مرور الأيام.
من العوامل التي تُغذِّي هذا الجانب العطاءُ تِجَاه الآخرين، والتفاعل المجتمعي الإيجابي مع كل مَن هو حولك، وبأساليب كثيرة؛ منها على سبيل المثال لا الحصر: "جبر الخواطر، حُسْن الظَّنّ، والتماس الأعذار للآخرين، مساعدة المحتاج، السَّماحة والعفو، الرِّضى، نقاء وصفاء القلب، والبعد عن الحقد والحسد"؛ وهذه كلها تندرج تحت مفهوم العطاء.
توجد مجموعة عوامل تساعد على تكريس السَّعادة الدَّائمة، منها ما يأتي:
- عدم الرَّبط بين السَّعادة والمُكتسبَات الوقتيَّة أو الحالة المزاجيَّة اللَّحظيَّة.
- العمل على برمجة حياتيَّة تتضمَّن العطاء ليكون جزءاً منها في حياتك المعاشيَّة الدوريَّة أو اليوميَّة. ودون حَصْرها بفئة أيديولوجيَّة أو جغرافيَّة أو قوميَّة.
- المُحافَظة على التَّواصل الفَعَّال مع الآخرين؛ فالعطاء يكون من خلال التَّفاعل مع الأطراف المحيطة.
- لا تستصغر قيمة عطائك، ولتكن ابتسامة وطلاقة الوجه والتَّحية باحترام وحرارة وودٍّ من أفعالك.
- تجديد المُصالَحة مع الذَّات بشكلٍ دوري، مع تصويب السُّلوك التطبيقي، وكذلك في طريقة التَّفكير.
وأخيراً، إنَّ العطاء عاملٌ هامّ في تكريس السَّعادَة، ولكم كلُّ الودِّ والاحترام.
في الختام:
عِيشُوا كما تريدون وليس كما يريد الناس مِن حولكم، ويكفي إرضاء ربِّ العالمين، وعَبِّرُوا عما تَشعرون به دون خوفٍ من أحد، ولا تُؤجِّلوا سعادتكم أبداً؛ فهذا قراركم أنتم، وعيشوا مع مَن تُحبُّون ولا تُفوِّتوا الفرصة، ولا تعطوا المشكلات أكبر من حجمها.
أضف تعليقاً