في هذا المقال، سنقدم دليلاً شاملاً عن القطران، ونلقي فيه الضوء على أنواعه المختلفة، واستخداماته المتعددة، بالإضافة إلى فوائده وأضراره، لتوضيح دوره الحيوي في الحياة اليومية والصناعية.
ما هو القطران؟
القطران هو مادة سوداء لزجة تُستخلص عادة من معالجة المواد العضوية مثل الخشب أو الفحم أو النفط، يتكون القطران من مجموعة متنوعة من المركبات العضوية المعقدة، خاصةً الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات، ينتج عن تسخين المواد العضوية مثل الفحم أو الخشب عند درجات حرارة عالية، وهي عملية تُعرف بالتقطير الجاف أو الانحلال الحراري.
القطران له عدة صيغ كيميائية تعتمد على مصدره؛ على سبيل المثال، يتكون قطران الفحم من مركبات مثل النفثالين والأنثراسين والفينولات، في حين أنّ قطران الخشب يحتوي على مركبات مثل الكريوزوت وحمض الخليك بشكل عام، يمكن أن تتنوع تركيبته الكيميائية بناءً على المادة الخام التي يُستخرج منها، وكذلك ظروف الاستخراج.
تختلف تسميات القطران حسب الدول والمناطق. على سبيل المثال:
- في الدول العربية يُعرف عموماً بـ "القطران".
- في الدول الناطقة بالإنجليزية يسمى Tar.
- في بعض البلدان يُطلق عليه "الزفت" (خاصة في اللهجات المحلية في بعض الدول العربية).
- كما يُطلق عليه في بعض الأحيان "قطران الفحم" (Coal Tar) إذا كان مستخرجاً من الفحم أو "قطران الخشب" (Wood Tar) إذا كان مستخرجاً من الخشب.
يُستخدم القطران في عدة مجالات صناعية مثل العزل المائي، وصناعة مواد البناء، والطرق، كما يدخل في صناعة الأدوية ومستحضرات العناية بالبشرة في بعض الأحيان لما يحتويه من مركبات ذات خصائص مضادة للميكروبات.
أنواع القطران
القطران هو مادة سوداء لزجة يمكن استخراجها من مصادر متعددة، مما يؤدي إلى وجود أنواع مختلفة منه، تعتمد على مصدره وطريقة إنتاجه. في ما يلي أشهر أنواع القطران:
1. قطران الفحم (Coal Tar)
قطران الفحم هو نوع من القطران يتم استخراجه عن طريق تسخين الفحم عند درجات حرارة مرتفعة في عملية تعرف بالتقطير الجاف. يتم الحصول على هذا النوع عادةً كمنتج ثانوي في صناعة فحم الكوك المستخدم في أفران الحديد والصلب.
يتكون قطران الفحم من مئات المركبات العضوية المعقدة، أبرزها الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات مثل النفثالين والبنزو(a) بيرين.
يُستخدم قطران الفحم في عدة تطبيقات صناعية مثل تصنيع المواد العازلة والأسفلت، وأيضاً في مستحضرات طبية لعلاج الأمراض الجلدية مثل الصدفيّة والأكزيما.
2. قطران الخشب (Wood Tar)
يُستخرج قطران الخشب من تقطير الأخشاب، خصوصاً الأخشاب الصنوبرية مثل خشب الصنوبر، يتم استخراجه عن طريق تسخين الخشب في ظروف معينة، مما يؤدي إلى إنتاج قطران غني بالمركبات العضوية مثل الكريوزوت وحمض الخليك.
يستخدم هذا النوع من القطران في بعض الصناعات التقليدية مثل صناعة الصابون والعلاجات الموضعية، وفي حماية الأخشاب من الحشرات والتعفُّن، كما يُستخدم في بعض الثقافات للعناية بالحيوانات.
3. قطران النفط (Petroleum Tar)
يتم الحصول على قطران النفط كمنتج ثانوي من عمليات تكرير النفط الخام. يُستخلص عادة خلال إنتاج منتجات مثل البنزين أو الديزل، قطران النفط يشبه قطران الفحم في التركيب ولكنه يحتوي على نسبة أقل من الهيدروكربونات العطرية، مما يجعله أقل سمّية.
يُستخدم بشكل رئيسي في صناعة الطرق (الأسفلت) والمواد العازلة للبناء، وكذلك في بعض العمليات الكيميائية.
4. قطران الخث (Peat Tar)
يتم استخراج قطران الخث من تحلل النباتات في المستنقعات الرطبة بمرور الزمن، هذا النوع أقل شيوعاً من الأنواع الأخرى، ولكنّه يتميز بلزوجته العالية.
يُستخدم قطران الخث بشكل محدود في بعض التطبيقات الزراعية والبيئية كعامل مثبت للتربة في بعض البيئات الجغرافية.
5. قطران الخيزران (Bamboo Tar)
قطران الخيزران هو نوع أقل شيوعاً يتم استخراجه من عملية تسخين الخيزران. يستخدم بشكل رئيسي في الطب التقليدي في بعض الدول الآسيوية مثل الصين واليابان، حيث يُعتقد أن له خصائص طبية تساهم في علاج الأمراض الجلدية.
6. قطران العضويات البحرية
يتم استخراج هذا النوع من تحلل العضويات البحرية، مثل الطحالب أو بعض الكائنات البحرية الأخرى، هذا النوع نادر ويمتاز بمركَّباته العضوية الفريدة. يُستخدم في بعض التطبيقات الطبية والعطرية.
خصائص القطران
خصائص القطران متعددة وتختلف بناءً على نوعه ومصدره، ولكن هناك بعض الخصائص العامة التي يشترك فيها القطران بأنواعه المختلفة، سواءً كان مستخرجاً من الفحم، أو الخشب، أو النفط. في ما يلي أبرز الخصائص:
1. اللون والملمس
القطران يتميز بلونه الداكن، الذي يتراوح بين الأسود والبني الداكن، يكون قوامه لزجاً وسميكاً، ما يجعله صعب التسييل إلا عند تسخينه. في درجات الحرارة المنخفضة، يكون القطران أكثر صلابة، لكنّه يصبح أكثر سيولة مع ارتفاع درجة الحرارة.
2. الرائحة
للقطران رائحة مميزة، غالباً ما تكون نفاذة وغير مستحبَّة. هذه الرائحة تأتي من المركبات العضوية العطرية المتطايرة الموجودة فيه، مثل الفينولات والهيدروكربونات العطرية.
تختلف شدة الرائحة باختلاف مصدر القطران؛ على سبيل المثال، قطران الفحم يكون له رائحة نفاذة أكثر من قطران الخشب.
3. القابلية للاحتراق
القطران مادة قابلة للاحتراق بسهولة، مما يجعله مصدراً جيداً للطاقة في بعض التطبيقات الصناعية، ينتج عند حرقه دخان كثيف يحتوي على العديد من المركبات الكيميائية مثل أول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون، إلى جانب مركبات أخرى قد تكون سامّة.
4. المركبات الكيميائية
يحتوي القطران على العديد من المركبات الكيميائية العضوية المعقدة. من أبرز هذه المركبات الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات (PAHs) مثل النفثالين والبنزو(a)بيرين، والتي تتسم بعضها بخصائص مسرطنة.
يختلف التركيب الكيميائي باختلاف مصدر القطران، إذ يحتوي قطران الفحم على تركيزات أعلى من الهيدروكربونات العطرية مقارنةً بقطران الخشب.
5. المقاومة للماء
يتميز القطران بقدرته العالية على مقاومة تسرب الماء، ما يجعله مادة مثالية لاستخدامات العزل المائي، مثل طلاء أسطح المباني وخزانات المياه، وكذلك في صناعة الأسفلت والطرق، تمنح هذه الخاصية القطران قدرة على الحماية من التآكل والصدأ.
6. الخصائص الطبية
تحتوي بعض أنواع القطران، مثل قطران الفحم، على مركبات تُستخدم في الصناعات الدوائية. يتم استخدامه في تحضير بعض المستحضرات الطبية التي تُعالج مشاكل جلدية مثل الصدفية والأكزيما. هذه المستحضرات تُستعمل موضعياً لتهدئة الالتهابات والحكة.
7. الخصائص السامة
القطران يحتوي على مركبات سامّة، خصوصاً الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات، يمكن أن يسبب التعرُّض المطول للقطران، سواء عن طريق التلامس المباشر أو استنشاق الأبخرة الناتجة عن حرقه، مشاكل صحية مثل التهيج الجلدي، اضطرابات الجهاز التنفسي، وفي بعض الحالات قد يؤدي إلى تطور السرطان.
8. التفاعل مع المواد الكيميائية
يمتاز القطران بأنّه ثابت كيميائياً إلى حدٍّ ما، ولكنّه يمكن أن يتفاعل مع بعض المواد الكيميائية القوية مثل الأحماض القوية والقلويات، مما قد يؤدي إلى تفكك مكوناته أو تحللها، هذا يجعله مقاوماً للتآكل في بيئات معينة، ولكنّه عرضة للتحلل في بيئات كيميائية قاسية.
9. التحلل الحيوي
القطران ليس قابلاً للتحلل الحيوي بشكل سريع، مما يجعله مستداماً لفترات طويلة عند استخدامه في تطبيقات البناء والطرق ومع ذلك، فإنّ بعض مكوناته قد تكون ضارة للبيئة على المدى الطويل، خاصةً إذا تسربت إلى التربة أو المياه الجوفية.
بناءً على هذه الخصائص، يعدّ القطران مادة متعددة الاستخدامات، لكن يجب التعامل معها بحذر بسبب سميته وتأثيره البيئي.
طرق الحصول على القطران
يتم الحصول على القطران بطرق مختلفة حسب مصدره. من أبرز الطرق:
1. التقطير الجاف للفحم
يتم تسخين الفحم في أفران خاصة دون وجود الأكسجين، ما يؤدي إلى تحلله وإنتاج قطران الفحم كمنتج ثانوي.
2. تقطير الخشب
يُسخَّن الخشب الصلب، خصوصاً الصنوبر، في أفران مخصّصة للحصول على قطران الخشب، والذي يُستخدم في بعض الصناعات التقليدية.
3. تكرير النفط
ينتج قطران النفط كمنتج ثانوي أثناء تكرير النفط الخام لإنتاج الوقود مثل البنزين والديزل.
هذه العمليات تعتمد على تسخين المادة العضوية عند درجات حرارة عالية لاستخراج القطران بطرق آمنة وصناعية.
استخدامات القطران
القطران هو مادة متعددة الاستخدامات بفضل خصائصه الفريدة مثل اللزوجة العالية، والمقاومة للماء، والتفاعل الكيميائي، يتم استغلال القطران في العديد من الصناعات والمجالات بناءً على نوعه ومصدره، في ما يلي أبرز استخدامات القطران:
1. في بناء الطرق والأسفلت
أحد أكثر استخدامات القطران شيوعاً هو في صناعة الأسفلت المستخدم في تعبيد الطرق، يُستخدم قطران الفحم والنفط في تصنيع الأسفلت حيث يُخلط مع الحصى والرمل لتشكيل مادة قوية ومتينة تتحمل الأحوال الجوية المختلفة وحركة المرور الكثيفة، ويُساهم القطران في إعطاء الأسفلت خاصية مقاومة للماء والتآكل.
2. في العزل المائي
نظراً لمقاومته العالية للماء، يُستخدم القطران في عزل الأسطح والخزانات لحمايتها من تسرُّب المياه، يتم تطبيق طبقات من القطران على الأسطح لمنع تسرّب المياه إلى داخل المباني، خاصةً في المناطق المعرضة للأمطار الغزيرة أو الرطوبة العالية، كما يُستخدم القطران في عزل الأنابيب المعدنية للحماية من التآكل والصدأ.
3. في الصناعات الطبية
يُستخدم قطران الفحم في بعض المستحضرات الطبية المخصصة لعلاج مشاكل الجلد مثل الصدفية والأكزيما، يدخل القطران في تركيب الكريمات والمراهم التي تُخفف من الحكة والالتهابات الجلدية.
كما يُستخدم القطران أحياناً في شامبوهات علاجية لمكافحة القشرة وعلاج التهاب فروة الرأس.
4. في صناعة المواد الكيميائية
تُستخدم بعض المركبات المستخرجة من القطران، خاصةً الهيدروكربونات العطرية، في صناعة مجموعة متنوعة من المواد الكيميائية، يتم استخدامها في صناعة الأصباغ، المطاط الصناعي، المذيبات، والمواد الحافظة.
كما تُستخدم بعض مكونات القطران كمواد خام في تصنيع المنتجات الكيميائية الأخرى مثل الكريوزوت المستخدم في حفظ الأخشاب.
5. في صناعة الصابون
يُستخدم قطران الخشب تقليدياً في بعض الثقافات لصناعة الصابون القطراني، الذي يُعتقد أنّ له خصائص مطهرة ومضادة للبكتيريا. هذا الصابون شائع في المناطق الريفية ويُستخدم لعلاج مشاكل الجلد والجروح البسيطة.
6. في الزراعة والعناية بالحيوانات
في بعض المناطق الريفية، يُستخدم القطران لحماية الحيوانات من الحشرات والقوارض، يُدهن على فراء الحيوانات أو يتم إضافته إلى الأسيجة الخشبية لحمايتها من الحشرات الضارة.
يُعتقد أنّ القطران يمتلك خصائص مبيدة للحشرات تساعد في الوقاية من الأمراض الجلدية لدى الحيوانات.
7. في الصناعات البحرية
يتم استخدام القطران في طلي السُّفن والقوارب لحمايتها من التلف الناتج عن المياه المالحة والعوامل البيئية، قطران الخشب هو الخيار الشائع في هذا الاستخدام، حيث يعمل كطبقة واقية تمنع تسرب الماء وتعزز من عمر السفينة أو القارب.
إقرأ أيضاً: النفط: كيف يتم استخراجه؟ وما التأثير البيئي لاستخدام النفط كوقود؟
8. في الفنون والحرف التقليدية
في بعض الثقافات، يُستخدم القطران في الحرف التقليدية لصناعة الأدوات والمواد الفنية، يُستخدم مثلاً في بعض المناطق كطبقة حماية على الأثاث الخشبي، أو كعنصر في زخرفة الأدوات المصنوعة يدوياً.
كما يُستخدم القطران في إعداد بعض أنواع الدهانات التقليدية التي تُضفي لمعة خاصة وتحمي السطح المطلي.
9. في توليد الطاقة
يُستخدم القطران كمصدر للطاقة في بعض الصناعات، حيث يُمكن حرقه لتوليد الحرارة في الأفران الصناعية، هذا الاستخدام أكثر شيوعاً في الماضي، لكنه ما زال موجوداً في بعض المناطق النائية أو الصناعات التي تعتمد على مصادر طاقة تقليدية.
10. في الطب التقليدي
في بعض الثقافات، مثل الصينية والهندية، يُستخدم القطران في الطب التقليدي كعلاج طبيعي لمشاكل الجلد، الحروق، وبعض الأمراض التنفسية، يُعتقد أنَّ للقطران خصائص مضادة للبكتيريا والفطريات، مما يجعله علاجاً فعّالاً لمجموعة من الأمراض الجلدية.
فوائد القطران
فوائد القطران، وخاصة زيت القطران المستخرج من الخشب أو الفحم عديدة للبشرة والشعر. بالنسبة للبشرة، يُستخدم زيت القطران في علاج مشاكل الجلد مثل الصدفية، الأكزيما، وحب الشباب، حيث يساعد على تهدئة الالتهابات وتقليل الحكة. كما يعمل كمطهر طبيعي، مما يساهم في تنظيف الجلد وتخليصه من البكتيريا والفطريات.
أما للشعر، فإنّ زيت القطران يُستخدم في علاج قشرة الرأس والتهاب فروة الرأس، يُعزز نمو الشعر، ويعمل على تقوية بصيلاته، مما يساعد في تقليل تساقطه وتحسين صحته بشكل عام.
أضرار القطران
على الرغم من فوائد القطران العديدة، إلا أنّ له أضراراً محتملة، خاصةً عند التعرُّض المطول أو الاستخدام غير الصحيح. يحتوي القطران، خصوصاً قطران الفحم، على مركبات كيميائية سامة مثل الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات (PAHs)، التي قد تكون مسرطنة عند التعرض لها لفترات طويلة.
استنشاق أبخرة القطران أو ملامسته المباشرة للجلد قد يسبب تهيُّجاً، أو حساسية، أو مشاكل جلدية مثل الاحمرار والحكّة. كما أنّ استخدامه بشكل مفرط قد يؤدي إلى انسداد المسام وتفاقم بعض الحالات الجلدية.
لذا، يُنصح بالحذر والاعتدال في استخدامه مع استشارة طبيب عند الحاجة.
في الختام
يُعدّ القطران مادة متعددة الاستخدامات، تجمع بين الفوائد العملية في مختلف الصناعات والتطبيقات اليومية، سواء في بناء الطرق أو العناية بالبشرة والشعر.
ومع أنَّ أنواعه المختلفة تُقدم حلولاً متنوعة للتحديات الصناعية والطبية، إلا أنّ الاستخدام الحذر للقطران يبقى ضرورياً نظراً لبعض مخاطره الصحية، خصوصاً عند التعرض المطول أو غير المنضبط.
من خلال هذا الدليل الشامل، يتضح أن القطران لا يزال يؤدي دوراً مهماً في حياتنا، رغم التحذيرات التي تحيط باستخداماته، ويظلّ وسيلة فعّالة في العديد من المجالات الصناعية والتجميلية.
أضف تعليقاً