تذكر "تريسي" أمثلة عن الحكايات التي تروى على مسامع الأطفال الصغار عن الساحرة المسنة والأميرة الحسناء الشابة، وتتحدث عن الشركات التي تجني المال من تصنيع منتجات تأخير علامات الشيخوخة، وتترسخ هذه الأفكار في عقل الفرد، ويعيش في حالة قلق وخوف مستمر من التقدم في السن، ولا يدرك التطور الذي يحدث له مع مرور الوقت، ويرى أن جسده يتداعى ويضعف مع تقدمه في العمر.
قد لا تدرك تأثير التقدم في العمر في حياتك في الوقت الحالي، لكنك ستواجه هذه الحقيقة لاحقاً، فيؤثر موقفك من التقدم في السن في طول عمرك، فقد أُجرِيت دراسة في عام 2002 عن طول العمر على 600 مواطن تجاوزوا سن الخمسين من سكان ولاية "أوهايو" (Ohio)، فتابعَ الباحثون حياة عينة الدراسة لمدة عقدين كاملين.
لقد بينت النتائج أن المعتقدات الإيجابية عن التقدم في السن تطيل عمر الإنسان بقرابة سبع سنوات ونصف، ولهذا السبب يجب التوقف عن الاستخفاف بإمكانات الأفراد بسبب أعمارهم، وتظهر التفرقة العمرية في مكان العمل في بعض السلوكات والأسئلة التي يتلقاها الموظف، ويذكر منها ما يأتي:
بعض السلوكيات والأسئلة تظهر التفرقة العمرية
1. متى تخطط للتقاعد؟
ينم سؤال التقاعد عن التفرقة العمرية من جهة، والتمييز الطبقي من جهة أخرى، وتؤكد "جيندرون" أن سؤال التقاعد: "يفترض أن كبار السن مقتدرون مادياً، ويرغبون بالتقاعد، ويحلمون به، وقد لا يكون أي من هذه الافتراضات صحيحاً، ويشعر الإنسان بوجود معنى وهدف من تجربته الحياتية عندما يعمل وينتج، كما يؤكد كثير من كبار السن أنَّهم ما زالوا في بداية مسيرتهم المهنية وأمامهم الكثير لينجزوه".
يمكن أن يطرح مدير التوظيف سؤال التقاعد خلال المقابلة على المرشح المسن لكي يعرف إلى متى ينوي العمل في الشركة، ولكن ينم هذا السؤال عن فظاظة المدير وقلة لباقته في الحديث، وأصدرت "الولايات المتحدة الأمريكية" قانون التفرقة العمرية في أوساط العمل في عام 1967 بهدف حماية العاملين بعد بلوغ عام الأربعين من ممارسات التفرقة العمرية.
مع ذلك يمكن أن يكوِّن زملاء العمل والمديرون افتراضات مجحفة بحق هذه الفئة، لذلك يجب ألا تسأل المرشح عن موضوع التقاعد، بل يفضل أن تستعلم عن مخططاته المهنية بعد مضي 3 سنوات، وتؤكد محامية التوظيف "دومينيك كاماتشو موران" (Domenique Camacho Moran) أن ثمة طريقة لائقة للاستعلام عن مخططات المرشح المستقبلية على الصعيد المهني، وذلك على النحو الآتي: "نتوقع أن تستمر الوظيفة لمدة 3 سنوات، فهل أنت مستعد للالتزام طوال هذه المدة إذا سارت أمور العمل على ما يرام؟".
يجب ألا يتدخل الموظف بحياة زميله الأكبر سناً، أو يخبره عما يجب أن يفعله في أوقات فراغه، وتشاركنا "جنين فاندربيرغ" (Janine Vanderburg) قائدة المنظمة المناهضة للتمييز في مواجهة الشيخوخة "تشينجينغ ذا ناراتيف" (Changing the Narrative) أحد الأسئلة المزعجة التي يتعرض لها الموظفون الأكبر سناً في مكان العمل: "ألا ترغب بقضاء مزيد من الوقت مع أحفادك؟" يفترض بعضهم أن كبار السن "لا يقدرون على التوفيق بين حياتهم الشخصية وعملهم مثلما كانوا في ريعان الشباب".
2. هل أنت متدرب؟
يمكن أن تطال ممارسات التفرقة العمرية فئة الشباب، فيحكم الناس على قدرات الموظف الشاب وإمكاناته بناءً على عمره أو مظهره إذا كان يبدو أصغر من المتوقع، وهذه السلوكات متفشية في أوساط العمل وهي تمنع كثير من الموظفين الأكفاء من استثمار مهاراتهم، وتعاني النساء ذوات البشرة السمراء خاصةً هذه السلوكات.
أجرت الباحثات "إيمي ديل" (Amy Diehl)، و"ليان ديوبينسكي" (Leanne Dzubinski)، و"آمبر ستيفينسون" (Amber Stephenson) استطلاع رأي شمل 913 امرأة تعمل في منصب قيادي في قطاعات التعليم العالي، والمنظمات غير الربحية، والرعاية الصحية، والمحاماة عن ممارسات التحيز التي يتعرضن لها في العمل.
كشفت المشاركات تحت سن الأربعين عن تعرضهن لممارسات وتعليقات تنتقص من إمكاناتهن وخبراتهن بسبب أعمارهن، وكتبت الباحثات في المقال المنشور في مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" (Harvard Business Review) في عام 2023: "يفترض المحيط المهني أنهن طالبات، أو متدربات، أو عاملات في فريق الدعم، أو مساعدات قانونيات، وتركز هذه الافتراضات الخاطئة تركيزاً رئيساً على ذوات البشرة السمراء".
تؤكد "ستيفنسون" أن الأسئلة من قبيل: "كيف يمكنك أن تفهمي في مثل هذا السن؟" تشكك بإمكانات النساء الأصغر سناً، وتستهين بخبراتهن، وقدرتهن على إنجاز المطلوب في هذه السن المبكرة.
شاهد بالفيديو: 6 خطوات لتغيير الوظيفة بعد سن الثلاثين
المعتقدات المقيدة الكامنة خلف ممارسات التفرقة العمرية
فيما يأتي 4 سلوكات ومعتقدات مقيِّدة كامنة خلف ممارسات التفرقة العمرية في أوساط العمل:
1. المرشح الشاب أجدر من نظيره الأكبر سناً
يفترض مسؤولو التوظيف أن المرشح الشاب مفعم بالحيوية والحماسة والروح المعنوية، وحس الإبداع أكثر من نظيره الأكبر سناً.
تقول "جيندرون": "يمتلك الموظف الأكبر سنَّاً أفكاراً إبداعية، وإن عملك في وظيفة معيَّنة لمدة طويلة لا يعني بالضرورة أنَّك استنفدت أفكارك ولم تعد قادراً على ابتكار أساليب وتقنيات إبداعية جديدة في عملك".
تشرح "جيندرون" أن التفرقة العمرية تتمثل في "جميع المواقف التي نستخدم فيها صفة "يافع" أو "مسن" في إصدار الأحكام على الآخرين"، وهذا يشمل المجاملات الشكلية مثل تسريحة الشعر التي "تجعلك تبدو أصغر سناً"، وهي تساهم في ترسيخ "معتقدات التفرقة العمرية التي تفترض أن النجاح، والسعادة مرتبطان بمظهر ومشاعر وتصرفات مرحلة الشباب".
2. اليافع أكثر خبرة في التعامل مع التكنولوجيا
تشرح "أليسون تشاستين" (Alison Chasteen) عالمة النفس الاجتماعي والباحثة في مجال التفرقة العمرية عن المعتقدات النمطية التي تفترض أنَّ الشباب أكثر خبرة في التعامل مع التكنولوجيا الحديثة، وتطلب إعلانات التوظيف توفر خبرة في التعامل مع التكنولوجيا الحديثة باستخدام مصطلحات تبرز التفرقة العمرية وتستهدف فئة الشباب بالتحديد على حدِّ تعبير "فاندر بيرغ".
3. التحيز الجيلي
يعبِّر التحيُّز الجيلي عن ممارسات إصدار الأحكام على الأفراد بناءً على جيلهم، وفيها تُنسَب افتراضات وسلوكات معينة على كل شخص ينتمي لجيل الألفية، وأفكار ومعتقدات أخرى عن "الجيل زد"، ويؤكد الباحثون في مجال العمر أن هذه الافتراضات خاطئة، وتقول "جيندرون" عنها: "لا يمكن تخمين مواصفات شخص ما بناءً على الجيل الذي ينتمي إليه".
تؤكد "فاندربيرغ" أنَّ تصنيف الأفراد وفقَ أجيالهم لا يختلف عن خرافات "التعامل مع الشخص بناءً على خصائص الأبراج الفلكية".
تنصح "فاندربيرغ" بتصنيف احتياجات الموظفين بناءً على المرحلة الحياتية الحالية، مثال: "ثمة عدد كبير من القواسم المشتركة بين الأفراد المسؤولين عن رعاية أطفالهم الصغار، أو المسنين في عائلتهم، لكنَّهم بالمقابل يختلفون عمن لا يتولى مثل هذه المسؤوليات في حياته".
الإنسان معتاد على تصنيف الأفراد وإطلاق الأحكام عليهم، ويجب أن يفكر ملياً عندما تخطر له مثل هذه التحيزات، وتقول "جيندرون" عن هذا الموضوع: "حاوِلْ أن تعرف أكثر عن الأشخاص في محيطك بناءً على تجربتهم الحياتية الخاصة دون أن تحكم عليهم وفقَ فئتهم العمرية، ولا يمكن الاعتماد على التصنيف العمري في تحديد صفات الآخرين".
4. التحدث مع كبار السن بلهجة متعالية
إياك أن تغير نبرة صوتك وأسلوب كلامك عندما تتحدث مع كبار السن، فتشرح "تشاستين" عن نمط من التفرقة العمرية الذي يحدث عندما يتكلم الفرد مع كبار السنِّ بلهجة طفولية محبَّبة وباستخدام أساليب لغوية مبسَّطة كما يتحدث إلى الأطفال الصغار.
تؤكد "فاندربيرغ" أنّ هذه النبرة المتعالية شائعة في أوساط الرعاية الصحية والأماكن العامة، ويحاول الموظف نتيجة هذه المعتقدات المغلوطة أن يفرض مساعدته على زميله الأكبر سناً رغماً عنه، وقد يسأله بكل صراحة: "هل أنت متأكد من قدرتك على تولي هذه المهمة؟" تؤكد "تشاستين" أنَّ هذه الأسئلة تدل على استخفاف الموظف بقدرة زميله الأكبر سناً على اتخاذ قراراته بنفسه.
تقول في هذا الصدد: "تعد هذه الأسئلة أحد أشكال التحيُّز، لأنها تؤدي إلى تقليل شعور التقدير الذاتي والإحساس بالكفاءة والقدرة على تولِّي مهام العمل، ويمكن أن تمنع الفرد من خوض التجارب الجديدة".
يتطلب التغلب على ممارسات التحيز تحديد دورك في هذه المشكلة، وتشرح "جيندرون" عن السؤال الذي يجب أن تطرحه على نفسك: "هل يؤثر عامل العمر فيما أوشك على قوله أو فعله؟" إذا كان جوابك "لا"، فهذا يعني أنك لا تمارس التفرقة العمرية، أمَّا إذا كان "نعم"، فعندها يجب أن تراجع نفسك وتجيب عن السؤال الآتي للتحقق من دوافعك: "هل تصدر أحكاماً وافتراضات الشخصية بناءً على عامل العمر؟".
أضف تعليقاً