لقد بذلتُ كلّ ما في وسعي حتى لا أركز الاهتمام على هذا الموضوع لكنَّني بدأت مؤخراً أتلقى رسائل إلكترونية من القُرَّاء يطلبون مني فيها نصائح حول كيفية التعامل عاطفياً مع الوضع الاقتصادي الحالي. وهذه رسالةٌ إلكترونية أرسلها قارئٌ عزيز تتحدث عن الموضوع بشكلٍ مقتضبٍ ولطيف:
"أنهيت مؤخراً دراسة الماستر وأنا أعمل في وظيفةٍ جيدة جداً لكنَّني منشغلٌ دوماً بالتفكير في المستقبل المالي لأنَّ معظم المتاعب حول العالم مرتبطة بأمورٍ خارجة عن سيطرتي، فكيف أستطيع التحلي بسلوكٍ إيجابيٍّ في الحياة بشكلٍ عام في ظل هذه الأوقات العصيبة التي يعيشها العديد من الأشخاص المُجِدِّين".
سأقدم في هذه المقالة وجهة نظري في هذا الموضوع وسأستعرض بعض النصائح حول التعامل مع الخوف في أثناء فترات الانكماش الاقتصادي.
لقد تركت وظيفتي قبل أربعة شهور وأنا أعتمد الآن على الدخل الذي يأتيني من استثماراتٍ متنوعة، ومن المثير للاهتمام أنَّ غالبية استثماراتي هي في سوق الأسهم، وحينما انهارت الأسواق في هذا العام تراجعت قيمة استثماراتي بنسبة 50% ولا يزال التراجع مستمراً.
ويبدو أنَّني فقدت فجأةً نصف مدخراتي التي جنيتها بشق الأنفس، وجمعتها بحرصٍ شديد، واحتاجت إلى تخطيطٍ ماليٍّ دقيق. ونظراً إلى عدم امتلاكي دخلاً مالياً مضموناً وإلى الخسارة المالية الكبيرة التي أصبت بها، ولأنَّني امرأة عازبة، قد يكون من المنطقي أن أشعر بالقلق وأن يصيبني الفزع لكنَّ ذلك لم يحصل وأنا سعيدةٌ جداً في الواقع.
لماذا؟
ما الذي يمكن أن يتغير إذا أصبْتُ بالإحباط، أو القلق، أو التوتر؟ لا شيء. لن يحقق لي التذمر أو السماح للجسد أن يرزح تحت وطأة مشاعر القلق أي شيء.
لقد قررْتُ ألَّا أبدد طاقتي في التركيز على أمور تجعلني عديم الحيلة. وتذكَّر أنَّ كل أمرٍ نركز الانتباه عليه يزداد أثره اتساعاً ويزداد هو نفسه انتشاراً وأنَّ كل أمرٍ نفكر فيه، ونتحدث عنه، ونستمع إليه يملأ حياتنا بشكلٍ كبير.
أنا أعلم أنَّني حينما أركز اهتمامي على الخوف سأشعر بخوفٍ أكبر وسأبحث عن مزيدٍ من الأسباب التي تبرر إحساسي بالخوف. يشبه الأمر دوامةً لا قعر لها تستمر في سحبي إلى الأسفل إلى أن توقف حركتها بإصرارٍ وعزيمة وتختار وأنت بكامل إرادتك أن تركز الاهتمام على شيءٍ آخر.
اعترف أولاً أنَّ ثمَّة العديد من الأمور التي لا يمكننا التحكم بها كالطقس، والماضي، والناس، والاقتصاد. ومشاعر مثل القلق، والتوتر، والخوف تنتابنا عادةً حينما نركز الاهتمام على هذه العوامل الخارجية التي لا نستطيع التحكم بها. تذكَّر آخر مرةٍ كنت متوتراً أو قلقاً بسبب أمرٍ ما، على ماذا كنت تركز انتباهك؟ أكنت تركزه على عاملٍ خارجيٍّ لا يمكنك التحكم به؟
ثانياً تذكر أنَّ ثمَّة دائماً خياراتٍ متاحةً أمامك، فقد نشعر أنَّ الخيارات غير موجودة لأنَّنا لا نريد التفكير فيها – لأنَّ ذلك يجرح كبريائنا وغرورنا.
ثمَّة أمر وحيدٌ نستطيع التحكم به بكل تأكيد وهو أنَّنا نستطيع التحكم بالمعنى الذي نعطيه للأشياء والظروف، إذ تمنحنا وجهة النظر التي نستخدمها لتأويل موقفٍ معين عدداً واسعاً من الخيارات، وحينما يتغير معنى شيءٍ ما بالنسبة لنا يتغير تأويله أيضاً ومن ثمَّ تتغير عواطفنا تجاهه أيضاً وهذا يعني أنَّ مفتاح سلامتنا العاطفية موجودٌ بين يدينا.
بالنسبة إليَّ من المفيد أيضاً تذكُّر أنَّه مهما كان يحدث معي على الصعيدين العاطفي والذهني لن تتأثر أبداً أهم الأمور بالنسبة إليَّ – شخصيتي الحقيقية، وجوهر وجودي، واللمسة الإلهية التي تظهر داخلي غالباً على شكل حكمةٍ لا متناهية. وإنَّها لنعمةٌ أن نتذكر أنَّ ألقابنا الوظيفية، والأشياء التي نملكها، وظروفنا، وأفكارنا، والخوف الذي يسيطر على عقولنا لا تعكس شخصياتنا بكل تأكيد.
الحياة المتكاملة هي الحياة الغنية بالتجارب، وفرصة الحصول على تجارب مُرْضية للغاية لتحقيق النمو تأتي في البداية على شكل مِحَن غالباً، ومن خلال تخطي هذه المحن والتحديات نطور نقاط قوتنا الشخصية، وشخصياتنا، وأفكارنا – التي سنكون من دونها مملين تماماً وسنمَلُّ من حياتنا.
ماذا لو تمكنا من رؤية المنح التي تهبنا إياها المحن؟ جرِّب طرح أسئلةٍ مختلفة، فعوضاً عن القول: "لماذا أنا؟" أو "كم أنا مسكين" جرب أن تطرح على نفسك الأسئلة الآتية:
- ما الذي أستطيع تعلمه من هذا الموقف؟
- كيف يمكنني الاستفادة من هذه المحنة لأصبح شخصاً أفضل؟
- كيف يمكنني الاستفادة من هذه الفرصة لخدمة نفسي وخدمة الآخرين؟
- ماذا أستطيع أن أفعل لأصِلَ حيث أريد أن أكون؟
- ماذا أستطيع أن أفعل للحصول على الوضوح الذي أريده لأنتقل إلى وضعٍ يوفر لي مزيداً من الحلول؟
- كيف أستطيع الاستفادة من هذا الموقف؟
ماذا لو ركزنا الانتباه على الأشياء المهمة حقاً بالنسبة إلينا عوضاً عن تركيزه على الأشياء التي لا يمكننا التحكم بها والتي قد تحصل في وقتٍ ما في المستقبل البعيد؟ يُعَدُّ تركيز الانتباه على الخوف من الأشياء التي قد تحدث تضييعاً للموارد على عدة مستويات، فأولاً الشيء الذي تخشاه قد لا يحدث أبداً وهذا يعني أنَّ الوقت الذي قضيته في التفكير بهذا الشي كان سبباً في تشتيت الجهود، والعواطف، والانتباه، وثانياً إنَّ الطاقة التي استخدمتها في التفكير كان يمكن استخدامها في أمورٍ أكثر فعالية ومفيدةٍ فعلاً لحالتك.
تخيَّل أن تستثمر الوقت والجهد اللذين تبذلهما في البحث عن الأخبار التي تجعلك تشعر بالخوف وقراءتها في القيام بشيءٍ مفيدٍ أكثر بالنسبة إليك كتعزيز العلاقة مع الأشخاص الذين تحبهم، أو التواصل مع البشر والطبيعة، أو قراءة بعض الأمور المثيرة للتفاؤل، أو الاستماع إلى بعض المقاطع الموسيقية التي تعزز القوة، أو تعلم مهارات جديدة، أو صقل مهاراتك الحالية.
أنت من تكتب قصة حياتك فاجعلها قصةً تستحق الاهتمام من خلال القيام بالأمور الآتية:
1- تركيز الاهتمام على الأشياء التي يمكنك التحكم بها:
إنَّ الأشياء التي نركز الاهتمام عليها يمكنها أن تغير مشاعرنا تغييراً جذرياً. أنا أعرف كم من الصعب تركيز الاهتمام على شيءٍ آخر غير الألم الذي نشعر حالياً به فقد أحسست بهذا الإحساس من قبل وأعرف كم هو مؤلم، لكن من الممكن أن نبدل اهتمامنا إذا كنا ننوي أن نبدل حالتنا العاطفية.
من الجدير بالذكر أنَّه تخطي المستويات العاطفية يُعَدُّ تقريباً عملاً مستحيلاً، إذ إنَّنا على سبيل المثال لا نستطيع الانتقال فجأةً من الاستياء إلى الحماسة، حيث من الأسهل الانتقال عاطفياً من الاستياء إلى الغضب ومن الغضب إلى الإحباط ومن الإحباط إلى اللامبالاة ومن اللامبالاة إلى الولع. باتباع هذه الخطوات التدريجية الصغيرة نستطيع فعلاً تغيير مشاعرنا.
يجب عليك أن تعي أنَّ الأمور تحت سيطرتك وأنَّك تستطيع تركيز الاهتمام على وجهة النظر التي تساعدك، ألا ترى كيف أنَّك تستطيع تغيير معنى أي ظرفٍ خارجي إلى معنىً يحقق لك الفائدة؟
فنحن على سبيل المثال لا نستطيع التحكم بالتقلبات التي تشهدها حركة سهمٍ معين لكنَّنا نستطيع أن نرى أنَّ هذا السهم هو مجرد مال والمال موردٌ متجدد نستطيع دائماً الحصول على المزيد منه. ويمكننا أن نرى أنَّ صحتنا تستحق ألَّا نفكر في أمورٍ لا يمكننا التحكم بها.
2- الابتعاد عن متابعة الأخبار أو التقليل منها بشكلٍ كبير:
متى كانت آخر مرةٍ ذكرَتْ فيها مصادر الأخبار المتداولة خبراً مثيراً للتفاؤل وخالياً من الحديث عن الصراعات؟ نادراً ما يحصل هذا لأنَّ مثل هذه الأخبار لا تستحق أن تكون أخباراً فلن تجد أبداً على الأرجح أخباراً مثيرةً للتفاؤل تتصدر صفحات الأخبار.
الأخبار التي تستحق أن تكون أخباراً هي النزاعات، والحروب، والفضائح، والمعاناة، والخوف. قد لا تكون نية وكالة الأنباء أن تغرس الخوف في دواخلنا فقط لكنَّ عمل مُعِدِّي التقارير هو إعداد محتوى يسلط الضوء على المشاكل والمبالغة في إظهار خطورة المواقف الحالية. فإذا لم يكن الخبر سبباً في إثارة القلق على الصعيد العاطفي لن يقرأه الناس ولن يشاهدوه وستتوقف وكالات الأنباء عن العمل. متى كانت آخر مرةٍ شعرت فيها بشعورٍ جيد بعد مشاهدة أخبار المساء أو قراءة صفحة الأخبار الرئيسية؟
فكيف يمكن للاستمرار في القراءة عن أزمة الديون، أو أزمة الرهن، أو انهيار أسواق الأسهم، أو التسريح أن يمنحنا القوة، أو يزيد شعورنا بالتفاؤل، أو يعزز سلامتنا؟ كيف يمكن أن يكون ذلك مفيداً لنا؟ رسائل التذكير التي تصلنا بشكلٍ مستمر ستجعل اهتمامنا مُنصبَّاً دائماً على الشعور بالخوف عوضاً عن إيجاد الحلول والبحث عن الأمل. حتى الأشخاص الذين يجب عليهم ألَّا يشعروا بالقلق يشعرون بالقلق دون أن يكون ثمَّة حاجة إلى ذلك.
3- إظهار الشعور بالامتنان:
ما أهم شيءٍ في الحياة؟ ما الأشياء التي تشعر بالامتنان لوجودها في حياتك؟ من تحب؟ اكتب هذه الأشياء على ورقة ثم َّ أغمض عينيك واستحضرها في خيالك. أحسَّ بمشاعر الامتنان وقم بذلك بانتظام.
أكثر شيءٍ مهمٍ بالنسبة إليَّ هو علاقاتي مع أصدقائي المقربين وعائلتي، إذ إنَّ لحظات التواصل الحميمية مع أرواح الآخرين هي واحدةٌ من أثمن الأشياء التي يمكن أن نشعر بها وأكثرها إثارةً للتفاؤل والشعور بالرضا وأنا أقدِّر ذلك أكثر من أي شيءٍ آخر.
يساعدني تركيز الاهتمام على النعم الثمينة التي تكلل حياتي في فمهما فهماً صحيحاً، وحينما أفهمها فهماً صحيحاً أدرك أنَّني مستعدٌ لأن أضحي بممتلكاتي المادية مقابل الحفاظ على الصحة والعلاقات فأنا أعلم أنَّني أستطيع من خلال الدعم الذي يقدمه لي الأشخاص الذين أحبهم، والصحة الجيدة، والإصرار التعافي دائماً من الانتكاسات.
أترى كيف أنَّ تغيير نظرتك إلى الأمور يمكن أن يجعلك تشعر فجأةً بالثراء؟
4- التوقّف عن نشر الخوف:
توقف عن الحديث عن الصعوبات الاقتصادية، وعن إرسال المقالات التي تنشر الخوف إلى الأصدقاء، وعن الحديث عنها، وابدأ القيام بأشياءٍ تستطيع التحكم بها. إذا كانت احتياجاتك الأساسية في الوقت الحالي مُعرضةً للخطر (كفقدان الوظيفة، أو المأوى، أو الطعام) قم بخطواتٍ لتساعد نفسك. الحالة الاستثنائية الوحيدة التي تستطيع فيها الحديث عن الوضع الاقتصادي هي حينما تطلب المساعدة من الآخرين في أثناء الأوقات العصيبة.
5- تحسين أوضاعك:
أنت لستَ وحدك فنحن جميعاً شركاء فيما يحدث، والتاريخ سيعيد نفسه. الشتاء سيأتي وسيرحل بكل تأكيد، فتمالك نفسك، وفي أثناء ذلك ابذل كل ما في وسعك للحفاظ على نفسك.
6- تطوير إمكاناتك:
إلى جانب القيام بالأمور التي يمكنك التحكم بها ابحث عن المهارات التي تستطيع تعزيزها أو تعلمها في مجال عملك، إذ إنَّ أفضل طريقةٍ للحفاظ على العمل هي أن تكون موظفاً مميزاً، ومَرِناً، ومتعدد المهارات، فكُن مصراً على أن تصبح مميزاً في عملك بشكلٍ لا تخطئه العين ولا تتوقف أبداً عن التعلم.
7- الاستعداد لحالات الطوارئ:
إنَّ اختيار عدم تركيز الاهتمام على الخوف لا يعني ألَّا نستعد للأيام العصيبة فالاحتفاظ بالمال من أجل حالات الطوارئ إجراءٌ لا بُدَّ منه في جميع الأوقات وليس في أوقات الانتكاسات فقط.
إذا لم تكن تواجه صعوبةً في الحفاظ على احتياجاتك الأساسية اجعل جمع مبلغٍ من المال من أجل استخدامه في حالات الطوارئ ضمن أولوياتك مهما كان المبلغ الذي تستطيع ادخاره كل شهرٍ ضئيلاً، فالمهم هنا هو ممارسة الادخار. كن جاداً في القيام بذلك وستجني الثمرات في وقت الحاجة.
8- تركيز الاهتمام على الفوائد:
ثمَّة فوائد تقدمها لنا الأزمات الاقتصادية منها:
- انخفاض أسعار المحروقات.
- انخفاض أسعار العقارات، فإذا كان لديك رأس مالٍ يساعدك في الشراء ربما تحصل على صفقاتٍ رائعة.
- انخفاض أسعار الأسهم.
9- اختيار السعادة:
إنَّ اختيار طريق السعادة لا يعني الإصابة بالضعف أو تجاهل المشاكل العالمية ولا يعني أن نرسم ابتسامات مزيفةً على وجوهنا، بل يعني ببساطةٍ أن نختار ونحن بكامل إرادتنا أن نركز الاهتمام على الأشياء الجميلة التي تمنحنا المتعة وتجعلنا نبتسم ونشعر بالامتنان لأنَّنا أحياء.
تحيط بنا كل يومٍ الكثير من المعجزات وفرص الإحساس بالسعادة، ومثلما هو الحال مع الخوف تُعَدُّ القدرة على الإحساس بالمتعة ويُعَدُّ تقدير المعجزات أيضاً خياراتٍ متاحةً أمامك، فماذا تختار؟
أضف تعليقاً