وتصدَّرَت المركز الأول إقليمياً في المؤشر ذاته، كما حقَّقت أعلى درجة تاريخية لها في مؤشر تطور الحكومة الإلكترونية الصادر عن الأمم المتحدة، في دليل واضح على استثمارها المستمر على مدار عقدَين في تعزيز الحوكمة الرقمية.
تأتي هذه الإنجازات ضمن برنامج التحول الوطني، أحد أعمدة رؤية 2030، الذي يُحسِّن جودة الخدمات، ويرفع كفاءة البنية التحتية الرقمية، ويُعزِّز معايير الحياة.
ولكنَّ السؤال الذي يطرح نفسه: كيف أثَّر هذا التحول في حياة المواطن والمقيم في السعودية؟ وكيف حوَّلَت المملكة التكنولوجيا إلى جزء لا يتجزأ من يوميات الشعب السعودي؟
أثر التحول الرقمي في الحياة اليومية في السعودية
أصبحَ أثر ذاك التحول واضحاً وملموساً في عدد من جوانب الحياة، شهدَت المملكة تغيرات كبيرة في كيفية تفاعل المواطنين مع الخدمات الحكومية والتعليم والعمل والنشاطات اليومية وبشكل جعل الحياة أكثر سهولة ومرونة:
1. التحول في التعليم
أحدثَ التحول الرقمي نقلة نوعية في التعليم في المملكة العربية السعودية، جعلَت من التكنولوجيا ركيزة أساسية لتطوير العملية التعليمية، ممَّا انعكسَ إيجاباً على الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور. أصبح التعليم متاحاً للجميع حتى في المناطق النائية بفضل منصات تعليمية، مثل "مدرستي"، فتمكَّن أكثر من 6 ملايين طالب وطالبة من مواصلة تعليمهم في جائحة كورونا.
استُخدِمَت تقنيات متقدِّمة، مثل الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي لتقديم تجارب تعليمية مبتكرة، كإجراء تجارب علمية افتراضية واستكشاف أماكن تاريخية ثلاثية الأبعاد.
وفر التحول الرقمي بالنسبة للمعلمين أدوات تعليمية متطورة، مثل التقييم الذكي والتعلم التفاعلي. وفقاً لوزارة التعليم، دُرِّب أكثر من 200,000 معلم ومعلمة على استخدام تقنيات التعليم الرقمي بحلول عام 2022، كما حسَّنَت منصات مثل "نظام نور" إدارة العملية التعليمية، وتابعَت تقدُّم الطلاب بكفاءة.
استفادَ أولياء الأمور من إمكانية متابعة الأداء الأكاديمي لأبنائهم بسهولة عبر أنظمة، مثل "نور"، مع تقليل الفجوة في التواصل من خلال الاجتماعات الافتراضية. تحسَّنت جودة التعليم بفضل هذه الجهود مع تقديم محتوى رقمي عالي الجودة، وأصبح التعليم أكثر مرونة وتفاعلية.
2. التحول في العمل والإدارة الحكومية
أحدثَ التحول الرقمي ثورة حقيقية في طريقة تقديم الخدمات والتفاعل بين الجهات الحكومية والمواطنين والمقيمين. تُعدُّ منصة "أبشر" أحد أبرز إنجازات التحول الرقمي، فهي تقدِّم أكثر من 350 خدمة إلكترونية تغطي قطاعات متعددة، مثل الجوازات، والمرور، والأحوال المدنية. اختصرَت هذه المنصة الوقت والجهد على أكثر من 26 مليون مستخدم، فأصبح بإمكانهم إجراء المعاملات من أي مكان دون الحاجة إلى زيارة المكاتب الحكومية.
حسَّنَت بعض الأنظمة، مثل "منصة اعتماد" إدارة المشتريات والعقود الحكومية، ممَّا حقَّقَ مستويات أعلى من الشفافية وتوفير الوقت. بالإضافة إلى ذلك، طُبِّقَت تقنيات البلوك تشين لتوثيق العقود ومنع التزوير.
أصبحَ العمل عن بُعد على صعيد القوى العاملة جزءاً من ثقافة العمل في القطاع الحكومي، خاصة بعد جائحة كورونا، ممَّا أتاح مرونة أكبر للموظفين وزاد من إنتاجيتهم. وتشير الإحصائيات إلى أنَّ السعودية حقَّقت المركز الثالث عالمياً في ممكّنات التحول الرقمي الحكومي.
3. التحول في قطاع الصحة
شهِدَ قطاع الصحة في السعودية تحولاً رقمياً جذرياً ضمن رؤية 2030، ما حسَّن جودة الرعاية الصحية ووسَّع نطاقها عبر عدد من المبادرات، أبرزها:
1.3. منصة "صحتي"
توفِّر خدمات شاملة، مثل حجز المواعيد الطبية، وإدارة الوصفات الإلكترونية، والاستشارات الطبية عن بُعد.
2.3. إدارة الجائحة
أثبتَت تطبيقات، مثل "توكلنا" و"تطمن" فعاليتها في تتبُّع الحالات الصحية وتقديم الإرشادات والحد من انتشار فيروس كورونا.
3.3. السجلات الصحية الإلكترونية
وحَّدَت بيانات المرضى بين المستشفيات وحسَّنَت دقة التشخيص وقلَّلَت الأخطاء الطبية.
4.3. تقنيات الذكاء الاصطناعي
تُستخدم لتحليل البيانات الصحية وتشخيص الأمراض بسرعة، وتقديم خطط علاج شخصية تتناسب مع احتياجات المرضى.
5.3. التطبيب عن بُعد
أتاحت هذه التقنية وصول الرعاية الصحية إلى المناطق النائية، ممَّا مكَّن المرضى من استشارة الأطبَّاء دون الحاجة إلى التنقل.
4. التحول في التجارة والتسوق
أحدَثَ التحول الرقمي في السعودية ثورة في قطاع التجارة والتسوق، فأصبح التسوق الإلكتروني أساسياً في حياة المستهلكين. شهدَت المملكة نمواً كبيراً في منصات التجارة الإلكترونية، مثل "نون" و"سوق.كوم"، التي سهَّلت على الناس شراء المنتجات من أي مكان وفي أي وقت.
سرَّعَت أنظمة المدفوعات الرقمية، مثل "مدى" و"STC Pay" المعاملات التجارية وزادَت الأمان، ممَّا عزز ثقة المستهلكين في التسوق عبر الإنترنت. جعلَت التطبيقات الذكية التسوق عبر الهواتف المحمولة أكثر سهولة وراحة، بينما استخدَمَت المتاجر الإلكترونية تقنيات الذكاء الاصطناعي لتقديم توصيات مخصصة للمستهلكين بناءً على سلوكهم واهتماماتهم، وربَطَت منصات التواصل الاجتماعي، مثل "إنستغرام" و"فيسبوك" التجارة بالتسوق عبر الإنترنت، فأصبح بإمكان المستخدمين شراء المنتجات مباشرة من الحسابات التجارية.
5. التحول في الترفيه والثقافة
أصبح الاعتماد على التكنولوجيا أساسياً في تقديم تجارب مبتكرة وممتعة للمواطنين والمقيمين، فشهدَت منصات، مثل "شاهد" و"نتفليكس" إقبالاً متزايداً، ممَّا أتاح للمستخدمين الوصول إلى محتوى متنوع من أفلام ومسلسلات عبر الإنترنت في أي وقت.
بُثَّت الفعاليات والمهرجانات الرقمية، مثل "الرياض الفني" و"موسم جدة" مباشرة على المنصات الإلكترونية، وسمحَت للجمهور بالتفاعل والمشاركة عن بُعد.
نمَت صناعة الألعاب الإلكترونية، فاستضافت السعودية بطولات دولية وأصبحت وجهة لعدد من اللاعبين المحترفين، واستفادت المتاحف والمعارض من تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز لعرض القطع الفنية والتراثية، ووفَّرت بذلك تجربة ثقافية تفاعلية وغامرة.
أصبحَت المنصات الرقمية، مثل "مكتبة الملك عبد العزيز الرقمية" و"منصة إثراء" مصدراً هاماً للوصول إلى المحتوى الثقافي والتعليم الرقمي. جعلَت هذه المبادرات من السعودية وجهة رئيسة للترفيه والثقافة الرقمية، ممَّا أتاح للجمهور تجربة متنوعة تلبِّي كافة الاهتمامات.
التحديات التي تواجه التحول الرقمي في السعودية
على الرغم من التقدم الكبير الذي أحرزته السعودية في مجال التحول الرقمي، إلَّا أنَّ هناك عدداً من التحديات التي لا بد من التغلب عليها لتحقيق الأهداف الطموحة لرؤية 2030. وبينما تسعى المملكة لتطوير بنيتها التحتية الرقمية وتعزيز استخدامها في مختلف القطاعات، يظلُّ هناك بعض المعوقات التي قد تؤثر في سير هذا التحول، ومن بين هذه التحديات:
1. نقص الوعي الرقمي
رغم التوسع في استخدام التكنولوجيا، إلا أنَّ هناك فجوة في الوعي الرقمي لدى بعض فئات المجتمع، سواء كان ذلك من الأفراد أم المؤسسات؛ فنقص الفهم لكيفية استخدام التكنولوجيا بفعالية وأمان، قد يؤدي إلى الاستفادة المحدودة من الحلول الرقمية المتاحة.
يجهل بعضهم المخاطر المرتبطة باستخدام الإنترنت، مثل سرقة الهوية أو الهجمات الإلكترونية، ويهملون حماية حساباتهم الشخصية باستخدام كلمات مرور قوية أو تفعيل المصادقة الثنائية، كما أنَّ بعض الأفراد لا يزالون يفضلون الطرائق التقليدية للتفاعل مع المؤسسات الحكومية أو التجارية، مثل زيارة المكاتب بدلاً من استخدام الخدمات الرقمية المتاحة.
لا يدرك الكثير من أصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة الإمكانيات التي توفرها التكنولوجيا الحديثة، مثل التجارة الإلكترونية أو أدوات الإدارة الرقمية، ممَّا يحدُّ من قدرتهم على المنافسة، ويظلُّ بعض الأفراد مترددين في الشراء عبر الإنترنت بسبب نقص الثقة أو الوعي بكيفية القيام بذلك بأمان.
2. التحديات التقنية
يعتمد التحول الرقمي على بنية تحتية تقنية متطورة، ومع أنَّ السعودية حقَّقت تقدُّماً في هذا المجال، فقد تواجه بعض المناطق، خاصة النائية صعوبة في الحصول على الإنترنت عالي السرعة والخدمات الرقمية المتقدمة، كما أنَّ تطوير بنية تحتية رقمية قوية يتطلب استثمارات كبيرة في التقنيات الحديثة، وتدريب المهارات المتخصصة، ما يشكل عبئاً على القطاعَين الخاص والحكومي على حدٍّ سواء.
3. الأمن السيبراني
تزداد المخاطر المرتبطة بالأمن السيبراني مع تزايُد الاعتماد على التكنولوجيا، فتعدُّ حماية البيانات والمعلومات الشخصية والحكومية من الهجمات الإلكترونية أمراً بالغ الأهمية في عصر التحول الرقمي. رغم أنَّ السعودية قطعَت خطوات كبيرة في تعزيز الأطر الأمنية الرقمية، إلَّا أنَّ الهجمات السيبرانية تصبح أكثر تعقيداً مع تطور تقنيات الاختراق.
شاهد بالفديو: 10 نصائح تحفظ خصوصيتك على الإنترنت
دور الحكومة والشركات في تعزيز التحول الرقمي
يُعزَّز استخدام التقنيات الحديثة في مختلف القطاعات من خلال التعاون بين الحكومة والشركات، وبالتالي تتحسَّن جودة الحياة ويتسرَّع النمو الاقتصادي، فتتوفَّر فرص عمل جديدة. يحقق هذا التعاون أهداف رؤية السعودية 2030، مثل التنوع الاقتصادي، وتعزيز الابتكار، وتطوير البنية التحتية الرقمية التي تدعم التحول الرقمي في المملكة. إليك الدور الذي قدَّمته كلٌّ من الحكومة والشركات في عملية التحول الرقمي في السعودية:
1. دور الحكومة
1.1. وضع تشريعات وسياسات تسرِّع التحول الرقمي
مثل إطلاق "رؤية 2030" التي تحدد أهدافاً واضحة لتعزيز البنية التحتية الرقمية، مثل تطوير الإنترنت عالي السرعة وتسهيل الوصول إلى الخدمات الحكومية الإلكترونية عبر منصات.
2.1. تحفيز الاستثمارات
أطلقَت الحكومة برامج، مثل "برنامج التحول الوطني" و"مبادرات مركز أرامكو لريادة الأعمال" لدعم الاستثمارات في الابتكار التكنولوجي، كما أوجدَت بيئة تشريعية محفِّزة من خلال قانون حماية البيانات الشخصية، الذي يعزز الثقة في المعاملات الرقمية.
3.1. تعليم وتدريب الأفراد
أنشَئَت الحكومة عدداً من البرامج التدريبية لرفع مستوى الوعي الرقمي بين الأفراد والمواطنين، مثل الدورات التي تركز على المهارات الرقمية في مختلف مراحل التعليم.
2. دور الشركات
تعزز الشركات الخاصة التحول الرقمي من خلال ابتكار وتطوير حلول تكنولوجية متقدمة، مثل تطبيقات الخدمات المصرفية عبر الإنترنت، والتجارة الإلكترونية، وتقنيات الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين. تدعم الشركات الكبرى، مثل "STC" و"موبايلي" البنية التحتية الرقمية عن طريق تحسين شبكات الإنترنت والاتصالات.
تستثمر الشركات الكبرى في التعاون مع الحكومة والمراكز البحثية لتطوير حلول تقنية مبتكرة في مجالات، مثل الروبوتات والتطبيقات الصحية.
في الختام
التحول الرقمي الذي تبنَّته السعودية خطوة حيوية لِبناء مستقبل أكثر تقدُّماً واستدامة. حقَّقت المملكة من خلال التعاون المثمر بين الحكومة والشركات تقدُّماً كبيراً في عدد من القطاعات، مثل التعليم والصحة والاقتصاد. ورغم التحديات التي قد تواجه هذا التحول، فإنَّ رؤية السعودية 2030 توفر إطاراً واضحاً لتحقيق الأهداف الرقمية وتعزيز دور التكنولوجيا في تحسين حياة المواطنين والمقيمين.
أضف تعليقاً