ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتبة "إرين فالكونر" (Erin Falconer)، وتُحدِّثنا فيه عن طرائق التحفيز الذاتي.
يقتضي التحفيز الذاتي بهذه الطريقة الاستماع للصوت الداخلي والامتثال لسلطته عندما ينتقدك ويوبخك على تقصيرك في العمل، ويأمرك بتحسين أدائك ودرجاتك الدراسية في حال كنت طالباً، أو الحصول على ترقية في العمل.
تبدأ بعدها مرحلة الاجتهاد في العمل، وإذا عدت إلى التكاسل والتقصير مجدداً، عندئذٍ تستطيع أن تستخدم سلطتك الداخلية لتحفز نفسك وتجتهد في العمل من جديد.
تُعدُّ هذه الطريقة فاعلة في التحفيز، ويستخدمها معظم الأفراد، لكن تكمن المشكلة في أنَّها تحرم الإنسان من السكينة الداخلية التي يحتاج إليها لكي يحل عليه الإلهام والإبداع الخالص.
لهذا السبب يُفضَّل استخدامها في البيئات التي تتطلب موظفين مؤهلين ومدربين ومنضبطين وقادرين على التركيز الشديد كما في بيئات العمل ضمن المؤسسات.
هذه الطريقة في التحفيز لا تناسبني شخصياً، وأظن أنَّ مساوئها تتجاوز محاسنها بمراحل، وقد أقسمت ذات مرة بأنِّي لن أستخدمها مهما كان الثمن.
التعلم والتربية الذاتية:
توجد طريقة أخرى موجهة ذاتياً في التعلم والتربية تُعرَف باسم التعلم/ التربية الذاتية، وفيها يقرر الآباء منح الأبناء الاستقلالية الكاملة وعدم فرض السلطة الأبوية، ويزعم أنصار هذا النهج بأنَّ منح الأبناء حرية اتخاذ القرارات يؤدي إلى تنمية حس المسؤولية والمحاسبة الذاتية لديهم، وقد أُثبتت صحة هذا النهج، وبينت الدراسات أنَّ التربية بهذه الطريقة تُنتِج فرداً سوياً وسعيداً وحسن المعشر.
يجب أن تتخلص من السلطة الداخلية التي فرضها عليك المحيط الخارجي حتى تتبع هذا النهج المستقل، وتعمل على صياغة الضوابط الخاصة بك.
ستواجه بعض المشقة في البداية، وتتصرف كما يفعل الأبناء عندما يقرر آباؤهم منحهم الحرية وإنهاء السلطة الأبوية التي كانت مفروضة عليهم فيما مضى.
يميل الأبناء في مثل هذه الحالة إلى التمرد على الحدود والضوابط التي كانت تُفرَض عليهم سابقاً لفترة معينة حتى يقوموا بتعيين الضوابط الخاصة بهم، فيعمدون إلى مشاهدة التلفاز طوال الوقت، وتناول كميات كبيرة من الحلويات كما يحلو لهم، وإزعاج أشقائهم، وتجاوز القيود السابقة كلها.
أي إنَّ وضعهم سيكون كارثياً في البداية؛ لكنَّهم سرعان ما سيضجرون من مشاهدة التلفاز، ويبدؤون بالبحث عن نشاط آخر يملأ وقت فراغهم، وقد يتجهون حينها لتعلم الحِرف اليدوية مثل النجارة، أو لتنمية مهارات معيَّنة تساعدهم في حياتهم، كما أنَّهم سيصابون بالإعياء جراء الإكثار من تناول الحلويات، وعندها سيضعون حداً لتناولها؛ بل ويمكن أن يبدؤوا بتناول مزيد من الخضروات لتحسين صحتهم.
سيشعرون بالندم أيضاً عندما يشهدون نتائج أفعالهم الشائنة والمؤذية تجاه أشقائهم، وعندها سيبدؤون بتحديد الضوابط والإرشادات والتوجيهات الأخلاقية التي تردعهم عن إساءة التصرف مع الآخرين.
شاهد بالفديو: 9 التزامات للانضباط الذاتي
تنمية الانضباط الذاتي:
عندما تفرض سلوكات وتصرفات معينة على الطفل وتتحكم به من خلال تطبيق أساليب العقاب والمكافأة، فإنَّك تحرمه من تنمية قدرته على الانضباط الذاتي، وهذه القدرة موجودة بالفطرة داخل النفس الإنسانية، وهي أفضل من السلطة الخارجية في مساعدة الفرد على تقدير الموقف والاستجابة له بحكمة، ويتعود الفرد على المثول للسلطة الخارجية المفروضة عليه، حتى تتحول إلى سلطة داخلية تملي عليه الأفعال والقرارات.
يتسنى للإنسان تنمية الانضباط الذاتي عندما يتخلص من هذه السلطة، ويتم ذلك عن طريق التمرد على هذه السلطة، وفعل خلاف ما تمليه عليك، وبعد ذلك يجب أن تتعلم من خلال التجربة وتُحدِّد الضوابط الخاصة بك.
تساعدك التجربة على تكوين مجموعة ضوابط وتعليمات داخلية تتصرف في حياتك وفقها، الأمر أشبه بتعلم قيادة الدراجة الهوائية، ويجب أن تفكر بها؛ بل أن تتعلم بالتجريب.
يتكاسل معظم الأفراد في هذه المرحلة؛ لأنَّهم اعتادوا المثول للسلطة الخارجية خلال مرحلة الدراسة والعمل، ولا يوجد ما يدفعهم ويحركهم الآن بعد أن تحرروا منها؛ ومن ثَمَّ يمتنع الفرد عن القيام بأي عمل عندما يتحرر من ضوابط السلطة الخارجية.
سوف تحتاج إلى بعض الوقت قبل أن تتمكن من تجاوز هذه المرحلة، وقد استغرقتُ شخصياً 3 سنوات؛ لأنَّني عملت بمقتضى غريزتي، دون أن أعي الأسباب والدوافع التي تحركني، وتستغرق العملية وقتاً أقل عندما تتقبل مرحلة الكسل وتخوضها بوعيٍ كامل دون أن تنتقد نفسك، وتتذكر أنَّه يحق لك تحديد ضوابط خاصة بك من خلال تجربتك الشخصية.
اكتشاف الذات:
يُعبِّر مصطلح "اكتشاف الذات" عن هذه الفكرة أكثر من مصطلح "العزوف عن العمل"، ويجب أن تبذل جهدك في هذه المرحلة لكي تتقبل وتدعم ذاتك وتعيش حياتك ببساطة، أو تسافر إذا اقتضت الضرورة أو تبيع منزلك أو سيارتك وتفعل كل ما يلزم لكي تستطيع اكتشاف ذاتك.
أي يجب أن تتصرف كما يحلو لك دون ضوابط، ولا تمتثل للسلطة الخارجية أو الداخلية التي تحكمت في حياتك فيما مضى.
ستتمكَّن في نهاية المطاف من إدراك حقيقة أنَّ اكتساب المال هو شيء ترغب فيه وليس مفروضاً عليك من الخارج، كما سيحلُّ عليك الإلهام وتعثر على شغفك في الحياة.
في الختام:
ستعثر على الدافع الذي تحتاج إليه وتدرك أنَّه غير محدود؛ لأنَّك تتحرك بمقتضى الرغبة والشغف، ولا توجد سلطة مفروضة عليك، وتستطيع أن تستخدم السلطة المفروضة عليك من الخارج بصفتها وسيلة مساعدة مؤقتة إذا أردت ذلك، ولقد بلغتُ هذه المرحلة وأنا أعيشها الآن وأؤكد لك أنَّ حياتي أصبحت ممتعة وحماسية كما لم تكن من قبل.
أضف تعليقاً