كل هذه السلوكات الملتوية مندرجة تحت مفهوم يُدعى الاحتيال الإلكتروني، وهو نمط جديد من الاحتيال شاع حدوثه بعد انتشار الإنترنت، وهو موضوع مقالنا لهذا اليوم؛ فما هو الاحتيال الإلكتروني؟ وما هي أنواعه وأساليبه؟ وكيف نحمي أنفسنا منه؟
مفهوم الاحتيال الإلكتروني:
يمكن تعريف مفهوم الاحتيال الإلكتروني أو التصيُّد الإلكتروني على أنَّه واحد من أشكال الخداع أو الاستغلال أو التهجم الإلكتروني غير المشروع، والذي يقوم به مجرمون إلكترونيون بهدف الإيقاع ببعض مستخدمي الإنترنت وسرقتهم أو ابتزازهم أو تحقيق مآرب أخرى، وغالباً ما تحدث عمليات الاحتيال الإلكتروني والاختراق عندما يزور المستخدمون بعض المواقع الإلكترونية غير الموثوقة أو المتاجر الإلكترونية أو غرف الدردشة أو التطبيقات الذكية أو المدونات؛ إذ يجري في هذه الفضاءات نصب كمائن للمستخدمين من أجل الإيقاع بهم، ليحقِّق المجرم فيما بعد أهدافه التي وضعها لنفسه على حساب هؤلاء المستخدمين الأبرياء بطرائق غير مشروعة، مثل الهجوم على بياناتهم، أو اختراق حساباتهم.
الاحتيال الإلكتروني إذاً؛ هو شكل من أشكال الخديعة التي تحدث على صفحات الإنترنت، وتحديداً في غرف الدردشة أو المنتديات أو المواقع الإلكترونية أو البريد الإلكتروني، ويهدف إلى التلاعب بالمستخدمين والعملاء وسرقة أموالهم أو بياناتهم أو أشياء أخرى تخصُّهم، وغالباً ما تكون هجمات الاحتيال بهدف انتحال الشخصيات، أو الحصول على معلومات حسَّاسة من مناصبهم ومراكزهم، أو التجسُّس عليهم.
لا بدَّ من الإشارة إلى كون الاحتيال الإلكتروني أحد أنواع الجرائم الإلكترونية وأكثرها انتشاراً، وقد تضاعف انتشاره في السنوات الأخيرة الماضية بعد زيادة الإقبال على وسائل التواصل الاجتماعي وارتفاع أعداد مستخدميها، وهذا ما نتج عنه ازدياد حالات الاحتيال على الأفراد وخديعتهم، وساعد على تفاقم الأمر ارتباط زيادة عدد مستخدمي الإنترنت مع تداخل الشبكة في جميع نشاطات الحياة البشرية التجارية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، فأصبحت صفحات الإنترنت مصدراً للترفيه ومكاناً للعمل ومتسعاً للتسوق لا يكلف الوصول إليه أكثر من شبكة إنترنت وهاتف محمول وخطوات سهلة وبسيطة يستطيع تطبيقها أي مستخدم مهما بلغ عمره أو مستواه العلمي.
إنَّه لا يحتاج إلى خلفية معرفية في البرمجة أو التخصص في مجال الاختراق والهكر؛ بل يمكن فعل ذلك من خلال حسابات مزيفة على حسابات التواصل الاجتماعي تنتحل شخصيات متنوعة في المجتمع، وتحتال على المستخدمين في صناديق الدردشة.
أنواع الاحتيال الإلكتروني:
تختلف أنواع الاحتيال الإلكتروني وتتنوَّع الطرائق التي يحدث بها هذا الخداع بحسب الهدف من عملية الاحتيال، فلكل هدف احتيالي طريقة للوصول إليه وأدوات محددة؛ لذا فإنَّنا نستطيع تصنيف أنواع الاحتيال الإلكتروني إلى ما يأتي:
1. انتحال الشخصية أو ما يسمى احتيال الهوية:
هو واحد من أشهر أنواع الاحتيال الإلكتروني، تُسرق فيه بيانات وحسابات لأشخاص معيَّنين، ودخول الأنظمة بأسمائهم؛ وذلك من أجل تحقيق غايات معينة، كأن يسرق اسم المستخدم وكلمة السر الخاصة ببريدك الإلكتروني من أجل الدخول إليه ومراسلة جهة معيَّنة باسمك أو الرد على جهة أخرى.
2. الاحتيال الودي:
يُتعامل فيه مع أشخاص معيَّنين بلطف وود بالغين، بهدف الوصول إلى الغاية المطلوبة، والتي تضرُّ بالشخص الذي يُتعامل معه، ونذكر مثالاً عن ذلك حالات الاحتيال الإلكتروني الودي التي يقوم بها بعض الشبان لإقناع الفتيات بالرغبة بالزواج منهنَّ، ومن ثمَّ استدراجهن إلى إرسال صور لهنَّ أو إلى مناطق محددة واختطافهنَّ أو اغتصابهنَّ.
شاهد بالفيديو: كيف تحمي نفسك من الابتزاز الالكتروني؟
3. الاحتيال النظيف:
تُتَّبع فيه شروط قانونية حقيقية في عملية الاحتيال على الضحايا، بحيث لا تستطيع الضحية تقديم تظلُّم للجهات القضائية، كأن يوضع شرط جزائي ملغوم في شروط استخدام تطبيق معين، أو عقد عمل رقمي لا ينتبه المستخدم إليه أو لا يفهم معناه الحقيقي لحظة قبول شروط الاستخدام.
4. الاحتيال التجاري:
هو من أكثر أنواع الاحتيال الإلكتروني شيوعاً، وفيه تحدث عمليات بيع وشراء بمواصفات مغشوشة من خلال متاجر إلكترونية غير موثوقة.
أسباب الاحتيال الإلكتروني:
في كل مرة نتعرض فيها أو نسمع بها عن عملية احتيال إلكتروني نسأل أنفسنا عن دافع الجهات الخبيثة لارتكاب هذا الجرم، والذي يُصنَّف ضمن الاستخدام الخاطئ لشبكة الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي؛ لذا فإنَّنا نوضِّح لكم أسباب الاحتيال الإلكتروني:
- قلة الوعي عند الأفراد عن مفهوم الاستخدام الصحيح والمفيد لشبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
- الجهل بمواقع الإنترنت والدخول إلى مواقع غير آمنة ضمنها.
- ضعف أنظمة الأمن والخصوصية الإلكترونيين لدى بعض الشركات، ممَّا يسهِّل اختراق بياناتهم من قبل بعض العابثين وابتزاز أصحاب هذه البيانات وشركاتهم.
- الشراء من متاجر إلكترونية غير موثوقة، ومن ثمَّ حدوث عمليات نصب وسرقة الأموال أو غش في مواصفات المواد.
- انتشار العملات الإلكترونية الاحتيالية، والتي تندرج ضمن أنواع الاحتيال النظيف الذي تحدَّثنا عنه، فهي لا تترك للضحية أي مجال للشكوى أو التظلُّم أو استرداد أمواله.
- سرقة بيانات حساسة عن الأفراد موجودة في بيانات شركاتهم ومؤسساتهم، واستغلال هذه البيانات في معظم الجوانب، كأن تُسرق قاعدة بيانات جامعة إلكترونية من أجل الحصول على أسئلة الاختبارات، ثمَّ إيجاد بيانات متعلقة بالحسابات المصرفية للمدرسين تُحوَّل أجورهم إليها، فتُستغل هذه البيانات في عمليات الاحتيال.
أساليب الاحتيال الإلكتروني:
توجد عدة أساليب للاحتيال الإلكتروني، سنذكرها من أجل تحذيرك منها:
1. أسلوب إعادة فائض ضريبي:
هو من أشهر أساليب الاحتيال الإلكتروني في بريطانيا، يُرسل في هذا الأسلوب بريد إلكتروني للضحية يُخبره بأنَّه دفع مبلغاً ضريبياً أكثر من المطلوب منه، ثمَّ يطلب بعض المعلومات الشخصية بحجة إرجاع المبلغ الفائض، ليستخدم هذه المعلومات في سرقة حسابه.
2. أسلوب تأمين حماية الدفع:
هو من أساليب الاحتيال الإلكتروني التي تستغل التأمين الذي يُباع عادة مع بطاقات الائتمان والقروض، ويهدف إلى التأكد من قدرة المقترض على تسديد القرض في حال تسريحه من وظيفته أو فقدان قدرته على السداد، وتقوم البنوك بإدراج تكلفته على حساب العميل دون معرفته، وهذا مخالف للقانون، ويتطلب تعويضاً مالياً من المصرف، فيتصيَّد المحتالون العملاء الجاهلين بالقوانين والحقوق المصرفية، وتؤخذ منهم مبالغ طائلة بحجة استرجاع تعويضاتهم من البنوك.
شاهد بالفيديو: 10 نصائح تحفظ خصوصيتك على الإنترنت
3. أسلوب الرسالة النيجيرية:
ينتحل الشخص الخبيث في هذا الأسلوب شخصيةً لشخص مرموق ومعروف وذي قيمة في المجتمع، يرسل بريداً إلكترونياً للضحية يطلب منه مساعدات مالية يعدُ بسدادها فور فك الاحتجاز عن أمواله، إلى جانب تعويض مالي مجزي ليغري الضحية بمساعدته.
4. أسلوب استغلال الكوارث:
هو من أساليب الاحتيال الإلكتروني المفتقرة إلى الإنسانية؛ إذ يُرسل الخبثاء رسائل إلكترونية يطلبون فيها مبالغ مالية لمساعدة ضحايا الحروب والكوارث الطبيعية في منطقة معيَّنة، وينتحلون صفة منظمات إنسانية أو مؤسسات خيرية ينشؤون لها وجوداً رقمياً مزيفاً، وبعد استعطاف الضحايا وكسب ثقتهم يدرجون رقم حساب بنكي يسرقون الأموال التي تصل إليه.
5. أسلوب مكافحة الفيروسات:
هو أسلوب أصبح تقليدياً ومكشوفاً من أساليب الاحتيال الإلكتروني، لكنَّه ما يزال ينطلي على المستخدمين الجدد، وفيه يُرسل بريد إلكتروني للضحية يعلمه بوجود فيروس خطير على جهازه الحاسوبي أو هاتفه الذكي يفتك بملفاته وخصوصيته، وأنَّه يحتاج إلى شخص تقني متخصص ليتخلص منه، ولا يدري المستخدم الساذج أنَّه يستطيع تنصيب برنامج مكافحة فيروسات مجاناً يغنيه عن دفع الأموال.
6. التأمين على السخان الكهربائي:
يعدُّ السخان الكهربائي من التجهيزات الضرورية جداً في البلدان الباردة؛ لذا يعمد بعض المحتالون إلى استغلاله في أساليب الاحتيال الإلكتروني؛ وذلك من خلال زيارة شخص يدعي أنَّه فني للكشف على حالة السخان (وغالباً ما يستهدف بيوت كبار السن)، ويعرض على الضحية الاشتراك في التأمين عليه، فتقدِّم الضحية معلومات وتفاصيل عن حساباتها البنكية، تُستخدم في سرقة الحساب لاحقاً.
7. الفوز في مسابقة أو يانصيب:
هو أسلوب آخر من أساليب الاحتيال الإلكتروني تُوهم فيه الضحية أنَّها ربحت مبلغاً ما لسبب معيَّن (الزائر رقم 2023 للموقع في عام 2023 مثلاً)، أو يُرسل بريد إلكتروني لها يخبرها بالفوز في يانصيب دولي لم تشترك به أصلاً، وبناء على ذلك يُطلب منها تعبئة استمارة تتضمَّن تفاصيل حسابها المصرفي طمعاً باستلام الجائزة.
8. صفحات الإنترنت المزوَّرة:
في هذا الأسلوب من أساليب الاحتيال الإلكتروني تُزوَّر واجهات مواقع شهيرة مثل فيسبوك، فيُدخل المستخدم بيانات حسابه، ممَّا يتيح للمحتالين اختراقه والوصول إلى بيانات تخص حسابه البنكي، ومن ثمَّ سرقته.
طرائق الحماية من الاحتيال الإلكتروني:
بعد أن رأينا أساليب الاحتيال الإلكتروني الكثيرة وأنواعه العديدة، يجب علينا البقاء يقظين في أثناء استخدامنا لصفحات الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي؛ وذلك من أجل حماية أنفسنا من عمليات النصب والاحتيال الرقمية، وهذه بعض طرائق الحماية من الاحتيال الإلكتروني:
- اتباع إجراءات السلامة والأمان على شبكة الإنترنت لرفع مستوى أمن المعلومات.
- تحديث أنظمة التشغيل الحاسوبية وأنظمة الحماية من الفيروسات باستمرار.
- تجنُّب الضغط على أي رابط يأتي من مصدر مجهول، والتعامل بحذر شديد مع الرسائل مجهولة المصدر.
- إبلاغ الجهات المتخصصة بالجرائم الإلكترونية والأمن السيبراني في حال التعرض لاحتيال إلكتروني.
- عدم الانجرار وراء الإغراءات بالجوائز والمبالغ الطائلة والأرباح الخيالية التي تعد بها المواقع والرسائل الإلكترونية المزيفة.
- تجنُّب تزويد أي شخص أو جهة بمعلومات شخصية أو مصرفية خاصة باستثناء الجهات الموثوقة.
- التأكد من صحة الروابط الخاصة بالمواقع التي تُدخِل بياناتك فيها.
- التأكد من صحة الرسائل الواردة باسم البنك ومراجعتها قبل إتمام العمليات المطلوبة فيها.
- تجنُّب الروابط المجهولة ولو كانت من قبل أشخاص تعرفهم (فربما تكون حساباتهم مخترقة)، ورفض الرسائل التي تطلب قبول تثبيت تطبيقات غير معروفة.
في الختام:
الاحتيال الإلكتروني هو تجسيد للجانب البشري القائم على صفحات الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، وهو مجموعة الممارسات السيئة والمستغلة للآخرين، والتي تهدف إلى سرقة أموالهم، أو اقتحام خصوصياتهم، وتحقيق منافع على حسابهم.
أضف تعليقاً