استراتيجية (التساؤل الذاتي في التدريس) هي نهج تعليمي متقدم، تقوم على فكرة أنَّ التعلم الحقيقي ينشأ من داخل الطالب نفسه، وأنَّ التعلم الفعال ليس مجرد استقبال للمعرفة؛ بل هو نتاج للتفكير العميق والتفاعل النشط مع المحتوى الدراسي، ومن هذا المنطلق تشجع هذه الاستراتيجية الطلاب على وضع الأسئلة والاستفسارات، ومن ثمَّ البحث عن إجاباتها بأنفسهم.
تعريف استراتيجية التساؤل الذاتي وأهدافها:
استراتيجية التساؤل الذاتي هي دعوة للطلاب ليس فقط ليشربوا من بئر المعرفة؛ بل ليجلسوا ويسألوا، ويتساءلوا، ويستفسروا، ويبحثوا عن أجوبة تروي عطشهم للفهم؛ إذ تُعَدُّ هذه الاستراتيجية أداة قوية لتعزيز التفكير النقدي وتطوير مهارات البحث والتعلم الذاتي لدى الطلاب.
تُعرَف استراتيجية التساؤل الذاتي بأنَّها (استراتيجية تقوم على توجيه المتعلم مجموعة من الأسئلة لنفسه في أثناء معالجة المعلومات، وهذا يجعله أكثر اندماجاً مع المعلومات التي يتعلمها، وتنشئ لديه الوعي بعمليات التفكير).
تمكِّن هذه الاستراتيجية المتعلمين من المشاركة البنَّاءة في تعلُّمهم، وأن يكونوا إيجابيين في أثناء المواقف التعليمية، إضافة إلى جعل المتعلم يتحمل مسؤولية تعليم نفسه، وجعله أكثر حساسية تجاه الأجزاء الهامة في الدرس.
تهدف استراتيجية التساؤل الذاتي إلى:
- بحث المتعلم عن المعلومات عن طريق تكوين الأسئلة وإثارتها.
- تحديد المعرفة السابقة للمتعلم عن موضوع الدرس وإثارة اهتمامه لمعرفة مزيد من المعلومات الجديدة عنه، إضافة إلى ربط المعرفة السابقة بالمعرفة الجديدة.
- مساعدة الطالب على تنظيم المعلومات وتوليد أفكار جديدة لحل المشكلات التي تواجهه من كافة الجوانب.
- إنشاء توجُّه عقلي محدد لدى المتعلمين، وإنشاء لديهم دليل يوجههم في بناء معرفتهم ومتابعة تعليمهم.
- تشجيع الطلاب على التفكير النقدي وتقييم المعلومات بناءً على دلائل وأدلة.
- تنشيط عمليات ما وراء المعرفة مثل مهارات البحث، والتحليل، والفهم العميق، والتفكير النقدي، والتواصل، والاستقلالية والمسؤولية، والفضول، وروح الاستكشاف، وغيرها من المهارات.
- جعل المتعلم يتحمل مسؤولية تعلُّمه الخاص بحيث يصبح أكثر استقلالية.
- تنمية رغبة الطلاب في مواصلة التعلم على مر الحياة.
تنفيذ استراتيجية (التساؤل الذاتي) في التدريس:
المرحلة الأولى: ما قبل التعلم
يبدأ المعلم بطرح موضوع الدرس، ويبدأ بتدريب المتعلمين على استخدام استراتيجية التساؤل الذاتي (مساعدة التلميذ على تحديد الأسئلة التي قد يسألها المتعلم لنفسه)، والهدف من ذلك تنشيط مهارات ما وراء المعرفة، وتحفيزه على وضع أهداف خاصة به للقيام بالعمل والنشاطات المطلوبة منه، والتحول من أسلوب تلقِّي المعلومات إلى القيام بدور إيجابي للحصول عليها وحفظها لوقت أطول من خلال ما يأتي:
1. إنشاء هدف في الموضوع الجديد:
ماذا أريد أن أعرف عن الموضوع الجديد؟
2. معرفة الخبرات والمعارف الموجودة لدى المتعلم عن الموضوع:
- ماذا أعرف عن الموضوع؟
- هل سبق أن قرأت الدراسات السابقة أو الأبحاث التي أُجرِيت عن هذا الموضوع؟
- هل لدي أيَّة تجارب شخصية أو مهنية تتعلق بهذا الموضوع؟
- هل أجريت أبحاثاً أو مشاريع سابقة تتعلق بهذا الموضوع؟
- هل لدي أيَّة مهارات خاصة أو تدريب في هذا المجال؟
- هل قام أصدقائي أو زملائي بالعمل أو الدراسة في هذا المجال وشاركوا معي معلومات؟
- هل قامت منصات الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي بنقل معلومات عن هذا الموضوع وأثر ذلك في معرفتي؟
- ما هي الأمور التي أشعر أنَّني بحاجة إلى معرفتها أو دراستها بعمق أكبر عن هذا الموضوع؟
3. إيجاد سبب جديد للاهتمام بموضوع الدرس:
- لماذا يُعَدُّ هذا الموضوع هاماً؟
- هل يوجد أثر إيجابي لدراستي لهذا الموضوع في مساري الشخصي أو المهني؟
- هل هذا الموضوع قد يساهم في حل مشكلة معينة أو تحسين وضع معين في المجتمع؟
- هل يوجد احتياج محلي أو عالمي للمعرفة في هذا الموضوع؟
- هل يمكن لدراستي لهذا الموضوع أن تفتح أبواباً جديدة للتعلم والتطوير الشخصي؟
- هل يمكن لدراستي لهذا الموضوع أن تسهم في تحقيق أهدافي المهنية أو الأكاديمية؟
4. تحديد المعلم ما يملك المتعلم من معلومات عن الموضوع:
اطلب من المتعلمين رسم خرائط مفاهيم أو أشكال أو جداول توضح معرفتهم السابقة بشكل محدد عن الموضوع المطلوب، كما قد يطلب المعلم من أحد المتعلمين شرح ما يعرفه لزملائه قبل البدء بالحديث في موضوع الدرس الحالي، وقد يشرح المعلم تقارب هذا الموضوع من موضوعات سابقة قام المتعلمون بدراستها في وقت سابق.
المرحلة الثانية: في أثناء التعلم
في هذه المرحلة يجب على المتعلم معرفة الجوانب الجديدة التي كانت غامضة لديه عن موضوع التعلم، إضافة إلى تحديد عناصر الموضوع وأفكاره الرئيسة والخطوات التي يجب اتباعها والقواعد التي يجب تذكرها، ويجب على المعلم تمرين المتعلمين على أساليب التساؤل الذاتي الخاصة بهذه المرحلة مثل:
- ما هي الأسئلة التي يجب أن أسألها للمعلم الآن لأفهم جوانب الموضوع؟
- ما هي الأفكار الرئيسة التي يجب أن أستخرجها من هذا المحتوى؟
- هل توجد مصطلحات أو مفاهيم لا يمكنني فهمها تماماً؟
- كيف يمكنني تطبيق المعلومات التي تم تقديمها في هذا الدرس في سياقات أخرى؟
- هل توجد أمثلة عملية يمكن استخدامها لتوضيح هذا المفهوم؟
- هل يمكنني ربط هذا المفهوم بالمعرفة التي لديَّ بالفعل؟
- كيف يمكنني تلخيص هذا المحتوى بشكل مختصر وفهمه بسهولة؟
- ما هي النشاطات التي يجب القيام بها لإتمام فهم المحتوى؟
- هل الخطة التي وضعتها جيدة لتحقيق الهدف من الموضوع؟
المرحلة الثالثة: بعد التعلم
يجب على المتعلمين في هذه المرحلة امتلاك المعلومات التي طرحها الدرس وتقييمها، وتحديد كيفية الاستفادة منها، ومقارنة معارفهم الجديدة عن الموضوع بما كان يُعرَف عنه سابقاً، وإعادة بناء معرفتهم وفقاً لذلك ووفق تسلسل منطقي يربطون فيه الخبرات السابقة الصحيحة بالمعارف الجديدة بالشكل الذي يؤدي إلى فهم المادة الدراسية واستيعابها بشكل كامل، ومن الأسئلة استراتيجية التساؤل التي يجب على المعلم تعليمها للمتعلمين في هذه المرحلة:
- ما هو المفهوم الرئيس الذي تعلمته من هذا الدرس؟
- هل استطعت تلخيص المعلومات الرئيسة بشكل موجز؟
- هل يمكنني شرح المفهوم لشخص آخر بكل وضوح؟
- هل أستطيع الربط بين هذا الدرس والمعلومات التي تم تعلُّمها في الدروس السابقة؟
- هل قمت بتسجيل المفاهيم الرئيسة أو الملاحظات الهامة خلال الحصة؟
- هل قمت بحل الأمثلة أو المسائل العملية التي تم تقديمها بنجاح؟
- هل أستطيع الرد على أسئلة المعلم بثقة بشأن المواد التي تم تدريسها؟
- هل تبقَّى لديَّ أي استفسارات أو أسئلة إضافية عن المواد التي تم تدريسها يجب أن أطرحها؟
- هل قمت بالتفكير بتطبيق هذه المعرفة في سياقات أخرى أو حل مشكلات تطبيقية؟
- ما هي الخطوات التالية التي يجب أن أتخذها لتعزيز فهمي للمواد والاستعداد للدروس القادمة؟
ما هو دور المعلم في استراتيجية التساؤل الذاتي في التدريس؟
يؤدي دور المعلم في استراتيجية التساؤل الذاتي في التدريس دوراً هاماً في نجاح هذه الاستراتيجية، وإليك بعض الأدوار الرئيسة التي يقوم بها المعلم في هذه الاستراتيجية:
- تعويد المتعلمين على طرح الأسئلة.
- تدريب المتعلمين على مهارة صياغة الأسئلة وطرحها باستمرار.
- استقبال كافة أنواع الأسئلة من الطلاب دون تذمر أو سخرية.
- تهيئة البيئة المناسبة للمتعلمين لطرح الأسئلة واستفساراتهم عن الموضوع.
- الحرص على عدم توجيه النقد للمتعلم حتى وإن كانت أسئلته غير جيدة.
- تشجيع الطلاب على أن يكونوا فضوليين ويظهروا اهتماماً بالموضوعات التي يتعلمونها.
معوقات التدريس باستخدام استراتيجية التساؤل الذاتي:
- التقليل من القيمة الأكاديمية للاستراتيجية: في بعض الأحيان، قد يعتقد المعلم أنَّ استراتيجية التساؤل الذاتي ليست هامة بما فيه الكفاية، أو أنَّها تأخذ وقتاً زائداً عن الحاجة.
- ضيق الوقت: قد تكون الضغوطات الزمنية سبباً في عدم نجاح هذه الاستراتيجية؛ إذ يشعر المعلم بأنَّه ليس لديه الوقت الكافي لتعليم هذه الاستراتيجية بشكل جيد.
- التقدير الخاطئ لمستوى الطلاب: إذا لم يقدِّر المعلم مستوى القدرة التفكيرية للطلاب تقديراً صحيحاً، فقد يصعب عليه تحديد الأسئلة المناسبة لمستوى الفهم للطلاب.
- المقاومة من قِبل الطلاب: قد يواجه المعلم مقاومة من بعض الطلاب الذين قد يعدُّون استراتيجية التساؤل الذاتي مملة أو غير هامة.
- قلة التدريب: قد يكون المعلمون غير ملمين بكيفية تعليم استراتيجية التساؤل الذاتي بشكل صحيح، أو قد يحتاجون إلى التدريب الإضافي.
- الأسلوب الدراسي الخاصة بالمتعلم: المتعلم الذي اعتاد على أسلوب الحفظ في دراسته، سوف يجد صعوبة في تنفيذ هذه الاستراتيجية.
في الختام:
لا توجد دائماً إجابة جاهزة في الواقع، فلديك أسئلة فقط، والأمور تتطلب منك أن تعرف كيفية طرح الأسئلة والبحث عن الإجابات لها لتبني من خلالها معرفتك الخاصة، فاستراتيجية التساؤل الذاتي أسلوب هام في مجال التعليم يمكِّن الطلاب من تطوير مهارات التفكير النقدي والاستقلالية، ويعزز فهمهم للمواد التعليمية.
بفضل هذه الاستراتيجية، يصبح لديهم القدرة على طرح الأسئلة البنَّاءة، والبحث عن الإجابات بشكل نشط، وتطبيق المعرفة في سياقات متعددة، فهي ليست مجرد أداة تعليمية؛ بل هي منهج حياة يمكن للطلاب استخدامها خارج الحصص الدراسية.
المصادر +
- جهان برهم الزعبي ، فاعلية التكامل بين استراتيجيتي التساؤل الذاتي والمتشابهات في التحصيل وتنمية مهارات التفكير الناقد لدى التلامي
أضف تعليقاً