متى يبدأ موسم الحج؟
قال الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ)، (البقرة: 197)، أي أنّ للحج أشهر محددة، ولكنّ مناسك الحج لا تستغرقها جميعاً، فهناك أياماً معينةً يؤدّى الحجّ فيها، وهي ستة أيامٍ، وتكون هذه المناسك في شهر ذي الحجة من كل عام هجري، وشهر ذو الحجة هو الشهر الثاني عشر من السنة الهجرية. وتستمرّ عبادة الحج لأيام متتالية ومتتابعة، حيث يؤدي الحاج عدداً من المناسك المختلفة في كل يوم من هذه الأيام الفضيلة.
يبدأ موسم الحج من يوم الثامن من شهر ذي الحجة، وينتهي بانتهاء يوم الثالث عشر، ومن هنا فإن عدد أيام الحج هو ستة.
وإن للحج فوائد عظيمة ومنافع للمسلم إلا أنّ له شروط معينة لا يتحقق وجوبه بدونها، وسنذكر لكم كل من فوائد ومنافع الحج وشروط وجوب الحج.
أهم شروط الحج:
لا يكون الحج واجبًا على المُكَلَّف إلّا إذا توافرت فيه شروط معينة، وتُسمى هذه الشروط "شروط الوجوب" فإذا توفرت هذه الشروط كان الحج واجبًا عليه، وهذه الشروط هي:
1- الإسلام:
لقد شرع الله سبحانه وتعالى فريضة الحج على كل إنسانٍ مسلم، لهذا فهي لا تجب على الشخص الكافر والمشرك، حيث قال الله في آياتهِ الكريمة (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِنَّمَا المُشرِكونَ نَجَسٌ فَلا يَقرَبُوا المَسجِدَ الحَرامَ بَعدَ عامِهِم هـذا وَإِن خِفتُم عَيلَةً فَسَوفَ يُغنيكُم اللَّهُ مِن فَضلِهِ إِن شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ حَكيمٌ). فغير المسلم لا يجب عليه الحج، ولو أتى به لم يصح منه لقوله تعالى: {وما منعهم أن تُقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله} (لتوبة 54)، فالإسلام شرط لصحة كل عبادة، وشرط لوجوبها.
2- العقل:
إنّ الحج لا يجب إلّا على المسلم العاقل، ولا يجب على الإنسان المجنون أو الذي يُعاني من تخلفٍ عقلي، وذلك لأنّ فريضة الحج تحتاج إلى القصد والنيّة، ولا يمكن أن يتوافر ذلك في المجنون.
3- البلوغ:
لا يجب الحج على الإنسان حتّى يبلغ سن البلوغ لأنه غير مكلف، وإن قام بأداء الحج قبل أن يبلغ يتقبل الله منهُ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي رفعت إليه صبيًا، وقالت: ألهذا حج ؟، قال: (نعم، ولكِ أجر)، رواه مسلم، لكنه لا يُحتسب من حجة الإسلام التي فُرضت على كل مسلم بالغ وعاقل، وعليه أن يحج مرة أخرى بعد بلوغه.
4- الحرية:
لا يجب الحج على الإنسان المملوك والذي ينشغل خلال الحج بخدمة سيدهِ، ولا يملك التصرّف بأمره، ولكن يجب عليه أن يحج حجة الإسلام بعد حريته لورود حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسالم قال: ((أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه حجة أخرى))، أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي بإسناد حسن.
5- الاستطاعة بالمال والبدن:
يجب الحج فقط على من كان مستطيعاً ببدنهِ ومالهِ من غير أن يكون عليهِ ديون أو نفقات معيشيّة أساسيّة من مأكل، ملبس، مشرب، فإن كان المكلف غير قادرٍ لا ببدنه ولا بماله ففي هذه الحال لا يجب الحج عليه، لعدم تحقق شرط الاستطاعة.
ومن كان مستطيعاُ بالمال دون البدن يجوز له أن يُنيب عنه من يقدر، لحديث الخثعمية التي جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدْرَكت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟، قال: نعم)، رواه البخاري.
وإذا كان الوكيل قد وجب عليه الحج ولم يحج عن نفسه، فإنه لا يحج عن غيره بل يبدأ بنفسه أولاً، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: (لبيك عن شبرمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب لي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أحججت عن نفسك؟ قال: لا. قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة)، رواه أبو داود وابن ماجه.
6- المُحرم للمرأة:
يجب الحج على المرأة عندما يكون معها زوجها أو مُحرم لها، وألّا تكون معتدة من طلاق أو وفاة، وذلك لأنّ المرأة في مرحلة العدة لا يجوز أن تخرج من منزلها، وهذا الشرط خاص بالنساء دون الرجال.
ومنع الشرع لها من السفر من غير محرم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا ومعها ذو محرم)، متفق عليه، والمحرم زوج المرأة، وكل ذكر تحرم عليه تحريماً مؤبداً بقرابة أو رضاع أو مصاهرة.
أهم فوائد الحج:
إن القرآن الكريم يتحدث عن دعوة المسلمين إلى الحج ويعللها بقوله عز وجل: (وأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ*لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) (الحج: 27-28)، والمنافع هنا فردية وجماعية مادية وروحية، دنيوية وأخروية، مباشرة وغير مباشرة، عاجلة وآجلة، قريبة وبعيدة، في وقت واحد.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ﴿لِيَشْهَدُوا منافعَ لهم﴾ [الحج: 28]، منافع الدُّنيا والآخرة، أما منافع الآخرة فرضوان الله، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع الذبائح والتجارات.
ولا شك أن أعظم المنافع كون العبد يتقرب إلى الله تعالى بهذه القربة وبهذا المنسك، ويطلب من الله تعالى الثواب والأجر، ويطلب منه أن يضاعف له أجره على ما يعانيه من مشقة وتعب ونصب، فذلك منفعة عظيمة، حيث أنه يترتب على ذلك ثواب عظيم.
ومن هذه الفوائد أيضاً نذكر:
1- يعتبر الحج ركنٌ أساس من أركان الإسلام التي لا يتم إلّا بها، وهذا ما يُشير إلى أهمية أداء هذهِ الفريضة بالنسبة لله سبحانه وتعالى لنيل رضاه ومغفرتهِ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان).
2- الحج هو نوعٌ من أنواع الجهاد في سبيل الله، حيث قال الرسول الكريم في حديثهِ الشريف: (جهاد الكبير، والصغير، والضعيف، والمرأة الحجُّ والعمرة).
3- الحج فيهِ تعظيم لرب العالمين ولشعائر الإسلام، وذلك عن طريق أداء الحاج لمناسك الحج جميعها كالتلبية، الطواف ببيت الله الحرام، السعي بالصفا والمروة، الوقوف بعرفة، المبيت بمزدلفة، ورمي الجمرات، وكل هذا يدل على تعظيم الله وتقديسهِ.
4- الحج هو فرصة مناسبة لاجتماع المسلمين من كل أنحاء العالم في صعيدٍ واحد بين مكة وعرفة، لتبادل المودة والمحبة والرحمة والتعارف فيما بينهم، بعيداً عن كل الحواجز والعوائق.
5- الحج هو بابٌ لتحصيل المنافع للناس، كتبادل المصالح التجاريّة وغيرها من الأعمال المباركة، حيث قال الله تعالى في آياتهِ الكريمة (ليشهدوا منافع لهم).
6- الفوز بالوُقُوف في يوم عرفة ذلك اليوم العظيم، والمكان المشهود، ليلة يدنو الرب جل وعلا فيُباهي بأهْل ذلك الموقف ملائكته، ويغْفر الذنوب، ويصفح عنِ الزَّلاَّت ويُحقق الآمال والمطالب، ويعتق الرِّقاب من النار، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالتْ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يُباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟).
7- الحج فيه إبعاد للفقر وغفران الذنوب، فعن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينْفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكيرُ خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة).
8- غفران الذنوب لِمن حجَّ هذا البيت مخلصًا لله في حجِّه، متبعًا أوامر الله، ومتجنباً نواهيه. وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن حج فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيومٍ ولدتْه أمُّه).
9- الانقياد والاستسلام لأوامر الله عز وجل وإن لم يتفهم عقلك وجْه الحكمة فيها، فمعلوم أن المُحْرِم عندما يتلبس بالإحرام يتجنب التنعم والرفاهية، ويتجنب الأشياء التي يتنعم بها قبل الإحرام، وذلك دليل على أنه يجب أن يظهر في مظهر المسكنة، وفي مظهر الضعف، وفي مظهر الاستكانة لربه حتى يتقبل منه عبادته كلُّ ذلك انقيادًا لأمر الله عز وجل.
10- الحج هو فرصة لاتحاد المسلمين في زيٍ واحد، وفي نفس المكان والزمان والأعمال والهيئات، حيثُ يتوجه الجميع فقط إلى الله تعالى بالتسبيح والتهليل والتكبير، يرجون رحمة الله ومغفرتهُ.
وأخيراً فإن للحج فوائد ومنافع لا تحصى وقد ذكرناها على سبيل المثال لا الحصر عسى الله أن يتقبل من الجميع ونتمنى من الله أن ينعم عليكم بالحج لبيتهِ الكريم، لنيل رضاه ومغفرتهِ، وتستشعروا الأجواء الروحية الرائعة في أداء طقوس الحج الفاضلة.
أضف تعليقاً