لكن، ورغم بعض الاختلافات الثانوية في ما بين النتائج التي توصَّل إليها كثيرٌ من الباحثين حول الموضوع، فقد وُجِدَ – من خلال الدراسات والإحصاءات (المذكورة مصادرها في نهاية المقال) – أنَّ هناك اتفاقاً شبه كامل بشأن السمات الشخصية والمهارات الأهم التي تزيد احتمالات نجاحهم في أعمالهم الحرة.
سنسلّط الضوء، في هذا المقال، على ثلاثة أمور تربط في ما بينها علاقتها بنجاح رائد الأعمال؛ الأول حول ما أثبتته الدراسات العلمية والميدانية عن طبيعة وأهمية تلك السمات، والثاني حول علاقتها بنجاح الأعمال الريادية، والأخير عن دور المتطلبات الأخرى في تحقيق ذلك النجاح.
أهم السمات الشخصية والمهارات المخصصة بأصحاب المشروعات الناجحة
تلخَّص بالآتي:
- الرؤية المستقبلية الواضحة والواثقة والتي تؤدي لوضع أهداف واقعية واستراتيجيات قابلة للتنفيذ.
- القدرة على اكتشاف الفرص الواعدة واقتناصها والاستفادة منها.
- الثقة والإيمان الراسخ بقدراتهم الإبداعية والشخصية وباحتمالات نجاحهم.
- التحفيز الذاتي والدافعية الذهنية والمادية للنجاح، ولإنجاز المهام التي يختارونها بأنفسهم ضمن معاييرهم المخصصة.
- التهيؤ النفسي للمخاطرة والاستعداد للتضحية بأمانهم الشخصي إذا تطلَّب الأمر من أجل تحقيق أهدافهم.
- مهارات حل المشكلات وتحليل المواقف الصعبة التي تمنحهم القدرة على اتخاذ القرارات، واستخلاص النتائج التي تساعد مشروعاتهم على النجاح.
- مهارات التواصل الفعال بما تتضمنه من القدرة على:
- التعبير عن أنفسهم وآرائهم بوضوح وثقة.
- فهم الآخرين والتعامل والانسجام معهم ومشاركتهم الأفكار والآراء.
- بناء العلاقات الإنسانية الاجتماعية والقيادية، وإلهام الآخرين الثقة والتعاون والإخلاص.
- القدرات الفنية التخصصية في مجال عملهم، والتي تمنحهم الخبرة اللازمة لإنتاج البضائع والخدمات المخصصة بمشاريعهم.

هل يعني عدم امتلاكي لبعض تلك السمات الشخصية والمهارات أنَّ مشروعي سيفشل؟
بالطبع لا؛ فمن الخطأ التعامل مع الواقع بهذه الحدِّية؛ لأنَّك حتى لو امتلكت مهارة التعبير عن نفسك وآرائك بوضوح وثقة، هل يمكنك قياس درجة إتقانك لهذه المهارة بالدقة نفسها التي تقيس فيها أرباحك أو خسائرك المالية؟ ولو امتلكت طريقة القياس الدقيقة تلك، من الذي سيقرر ما هي الدرجة المطلوبة من هذه المهارة لتحقق النجاح؟
لا يعني الحديث عن ضرورة امتلاك كل هذه السمات الشخصية والمهارات بشكلٍ ما بالضرورة أنَّ كل طامح بأن يصبح رجل أعمال ناجح عليه امتلاكها بأعلى درجة من الاحترافية، وإنَّما هي إضاءات يُسترشَد بها ويُسعى لاكتساب ما ينقص منها ولو بالحدود الدنيا، وذلك للتأكيد عند الوصول للحظة اتخاذ القرار بتحديد المسار المهني على ضرورة المطابقة بين:
- ما تعرفه عن نفسك وميولك وسماتك الشخصية.
- ما تؤكده الاختبارات العلمية الأدق.
سيؤدي ذلك لمعرفة المجال المهني المُلائم لك، والمسار المُتخصص الذي ستخوض فيه رحلتك في العمل.
هل هناك متطلبات أخرى غير تلك السمات؟
الجدير بالذكر أنَّه تمت أيضاً دراسات أحدث (المصدر رقم 2 المذكور أدناه)، أفضت إلى ابتكار وإعداد "نموذج سمات الشخصية الخمس الكبرى (Big-5)"، الذي ساعد الباحثين على تحديد سمات رواد الأعمال، والذي يتوافق لدرجة كبيرة جداً مع ما توصلت إليه الدراسة السابقة أعلاه. فعلى الرغم من ابتكار هذا النموذج، فهو لم يسلم من انتقادات كبيرة طالته، أهمها أنَّ العيِّنات التي شملها البحث، لم تشمل رواد الأعمال من مختلف المجالات والمهن، ما يثير الشكوك حول إمكانية اعتمادها في:
- الآليات التي تؤثر في أفعال رواد الأعمال في كل المجالات والصناعات.
- التنبؤ بالسلوكات المخصصة بمواقف معيَّنة.
طوَّر الباحثون نتيجة لذلك إطار عمل متعدد الأبعاد للشخصية يشتمل على أربع سمات أخرى تتمثل في الكفاءة الذاتية والقدرة على الابتكار (دُمِجَت هاتين السمتين لارتباطهما ببعضهما كما تثبت الدراسات)، والحاجة الماسَّة إلى الإنجاز، والقدرة على التحكم.
لنتناول كلَّاً منها بالتفصيل:
1. الكفاءة الذاتية والقدرة على الابتكار
تعدُّ الكفاءة الذاتية والقدرة على الابتكار أهم سمتين لرواد الأعمال نظراً إلى ضرورتهما في تحديد المنتجات والأسواق الجديدة، إضافةً إلى الحفاظ على مستوى عالٍ من الأداء؛ إذ تُقاس الكفاءة الذاتية المتخصصة والمخصصة بمجال محدد (ESE)؛ أي (Entrepreneurial Self-Efficacy) والذي يُعرَّف عموماً على أنَّه مزيج الكفاءة الذاتية الذي يشمل خمس مهام هي:
- الابتكار.
- المجازفة أو المخاطرة.
- التسويق.
- الإدارة التنفيذية.
- الرقابة المالية.

تبيَّن عندما اختُبر نموذج القياس هذا أنَّ:
- ارتفاع (ESE) لدى رائد الأعمال الناشئ، يزيد احتمالات نجاحه، وذلك وفق لجنة ديناميكيات ريادة الأعمال (PSED) التي عرَّفت رائد الأعمال الذي غالباً ما يكون مالكاً أو شريكاً في مشروعه الريادي، بأنَّه الشخص الذي يؤسس عملاً تجارياً جديداً، ولا يتوقف عن بذل مجهود عقلي وبدني خارق خلال العام الأول من التأسيس.
- مؤسسي الشركات يحصلون على مستوى أعلى من (ESE) في الابتكار والمخاطرة مقارنةً بغير المؤسسين.
- طلاب ريادة الأعمال يحصلون دائماً على درجة أعلى في (ESE) في التسويق والإدارة والرقابة المالية مقارنةً بطلاب علم النفس التنظيمي والإدارة من الدارسين في مجال ريادة الأعمال.
- إحدى تأثيرات (ESE) في أداء الشركات، تمثلت في القدرة على الإنجاز من خلال الاستفادة من الإبداع والمبادرة.
- تعريف الإبداع على أنَّه قابلية الأفراد للاستجابة للمتغيرات والأسواق والمنتجات وكل الأشياء الجديدة، مما يُبرز أهميته عند التخطيط لمنتجات وخدمات جديدة في أية مؤسسة ريادية، وأنَّ إبداعهم المخصص بمجال معيَّن، يعكس تماماً الإبداع بوصفه صفة يتمتعون بها.
يرتبط كلا الشكلين من الإبداع مع السمات الأخرى الآنف ذكرها لرائد الأعمال.
2. الحاجة الماسَّة إلى الإنجاز
يؤكد الباحثون أنَّ الحاجة العالية إلى الإنجاز:
- تُدخِل إلى عالم ريادة الأعمال، والذي يُعرَّف بأنَّه فعل ومبادرة بدء مشروع تجاري جديد بهدف حل مشكلة، أو تقديم ابتكار يفتح أسواقاً جديدة.
- ترتبط برغبة المرء في إرضاء كبريائه وتحقيق ذاته من خلال الإنجازات الكبيرة وإتقان المهارات وتحقيق الأهداف الصعبة.
- تحفِّز الأداء لدى الإنسان.
3. القدرة على التحكم
من أهم السمات التي يجب أن يتحلَّى بها رائد الأعمال هي القدرة على التحكم بعالمه الداخلي أولاً والخارجي ثانياً (ما أمكن ذلك)، مما يعني:
- أنَّ السيطرة على أفكاره وانفعالاته، ستجعله مسؤولاً أكثر عمَّا يتَّخذه من قرارات، على خلاف من يعتقد أنَّ العوامل الخارجية هي التي تتحكم به وبقراراته، مما يجعله يُعزي كل أحداث حياته إلى الصدفة أو الحظ أو العوامل البيئية التي لا يستطيع أحد التحكم بها.
- كلما زادت قدرة الأشخاص على التحكم بالأفكار والدوافع والانفعالات الداخلية، زادت قدرتهم على صناعة الواقع الذي يرغبون به من خلال قدراتهم وجهودهم ومهاراتهم بعيداً عن كل العوامل الخارجية التي قد تتحكم بهذه النتائج.
- أنَّ ارتفاع مستوى المبادرة والمخاطرة، مرتبط بنمو المشروعات، وأنَّ مستوى التحكم بالذات والسيطرة الداخلية، يرتبط إيجاباً بحجم المشروعات ومعدلات النمو.
- أنَّ القدرة على الإبداع والابتكار، ترتبطان بالتحصيل الثقافي للفرد، وأنَّ كلاً منهما بحد ذاتها تعد سمة مكتسبة.
ختاماً
إذا نظرنا ملياً لكل هذه النتائج، وقارنَّاها مع ما سبق ذكره من السمات الشخصية التي تشكل عاملاً قوياً في نجاح رائد الأعمال، لوجدنا أنَّها تمثل تأكيداً إضافياً على أنَّ العوامل الداخلية، هي الحاسمة في زيادة احتمالات نجاح رائد الأعمال أو تناقصها.
بعد كل الجهود التي بذلها الباحثون لتحديد أبرز عوامل نجاحك بوصفك رائد أعمال:
- متى وكيف ستكتشف وتحدد ما تملكه من تلك العوامل؟
- متى وكيف ستمضي أيضاً في اكتساب ما تفتقر إليه منها وما يحتاج إلى تحسين؟
امضِ قُدُماً، والله الموفِّق.
المصادر +
- كتاب: كيف تنشئ مشروعاً تجارياً وتديره وتحافظ عليه- الدليل العملي الأساسي لتحويل مشروع أحلامك إلى حقيقة واقعة- الطبعة الرابعة- تأ
- خلاصة كتاب: "السمات الشخصية لرائد الأعمال الناجح - مراجعة لأدبيات الانتاج الفكري في ريادة الأعمال"، منشورات إدارة.كوم - خلاصات ك
أضف تعليقاً