لم يبالغوا عندما قالوا: "كاد المعلم أن يكون رسولاً"؛ وذلك لدوره العظيم في بناء الأجيال وتنشئتها فكرياً وتربوياً، فهو أساس العملية التعليمية، وهو من يُحبب الطالب في العلم ويشحذ الهمم، كما أنَّه مربٍّ فاضل يغرس القيم والأخلاق في نفوس الطلاب ويوجههم نحو السلوك الحسن.
ينظر الطلاب إلى المعلم على أنَّه القدوة والمثل الأعلى وينتظرون منه الشيء الكثير من الفائدة والمتعة والنصيحة وسماع القصص الهادفة، فلا يكتفي المعلم المميز بحصوله على الشهادة الأكاديمية فقط؛ بل يسعى دائماً إلى تطوير نفسه وتنمية قدراته واكتساب مهارات وأساليب تعليم جديدة من خلال اتباع الدورات التدريبية الخاصة بمجال التعليم والمعلمين، وفي السطور القادمة سنستعرض أهم هذه الدورات التي يجب على المعلم اتباعها.
أولاً: أهم الدورات التي يحتاج إليها المعلم
التدريس أو التعليم هو عملية تفاعلية بين المعلم والطلاب، الهدف منها إيصال المادة العلمية إلى الطالب وتأهيله تربوياً ونفسياً، وحتى تُثمر عن أفضل النتائج، يحتاج من يقوم بها - وهو المعلم - إلى تطوير مهاراته وخبراته من خلال اتباع كورسات ودورات معينة، مثل:
1. دورة تعلُّم فن الخطابة والإلقاء:
يُعَدُّ الإلقاء أساس عملية التعليم؛ إذ يؤثر في توصيل الفكرة ومدى جذب الطالب وحمايته من الملل؛ لذا يجب على المعلم الاهتمام بتعلمه، فالإلقاء فن يتضمن كيفية استخدام لغة الجسد، وما هي أوضاع الوقوف المثالي في الصف، واستخدام نبرة الصوت المناسبة، وأساليب التحدث مع الطلاب؛ لذا فإنَّ اتباع دورة فن الإلقاء من أهم الدورات التي لا بد من الاهتمام بها واتباعها وخاصةً في بداية المسيرة المهنية.
2. دورة صعوبات التعلم:
تتمثل أهمية دورة صعوبات التعلم في اكتساب القدرة على التعامل مع جميع حالات صعوبات التعلم التي قد يعاني منها الطلاب وخاصةً في مرحلتي الابتدائية والروضة، وكيفية مساعدة الطالب على التغلب على هذه الصعوبات، مثل عسر القراءة ونقص الذكاء وضعف الاستيعاب وفرط الحركة وتشتت الانتباه أو الإعاقة البصرية أو السمعية أو الجسدية.
3. دورة التعامل مع أنماط الشخصيات المختلفة:
يتعرف المعلم في هذه الدورة إلى أنماط الشخصيات المختلفة في علم النفس ودراسة أسبابها وكيفية التعامل معها ومساعدتها، وهي من أهم الدورات التي يحتاجها المعلم، فهو يتعامل يومياً مع ما لا يقل عن 30 طالباً لكل منهم شخصية مختلفة، وعليه أن يتمتع بمعرفة اكتشافها ومهارة التعامل معها.
4. دورة التعلم المقلوب:
الطريقة التقليدية في التعليم هي التلقين أو تلقي الطالب للمعلومة من المعلم، أما التعلم المقلوب فهو طريقة مقلوبة بأن يقوم المعلم بتكليف الطالب بتصفح المحتوى الدراسي ومناقشته مع زملائه، وذلك قبل شرحه من قِبله، وبذلك لم يعد الطالب متلقياً فقط؛ بل أيضاً مشاركاً في العملية التعليمية.
شاهد: أهم النصائح للمعلمين لاستقبال العام الدراسي الجديد
5. دورة دمج التعلم بالحياة (STEAM):
تساعد دورة دمج التعلم بالحياة على اكتساب المعلم لفلسفة تعليمية معاصرة للتكنولوجيا، وتدريس الهندسة والدراسات الإنسانية والعلوم والفنون معاً واستراتيجيات ربط التعلم بالحياة، بحيث يصبح الطالب جاهزاً لما سيواجهه في الحياة العملية.
6. دورات التعلم النشط:
التعلم النشط من طرائق التعليم المطبقة في اليابان، ويعتمد على إنشاء جو تفاعلي بين المعلم والطالب وتوطيد العلاقة بينهما وإضفاء المرح عليها، وتركز على منح الطالب نوعاً من الاستقلالية والاعتماد على نفسه.
7. دورة التأثير والإقناع:
مهنة التعليم من أكثر المهن التي تحتاج إلى امتلاك المعلم للقدرة على التأثير والإقناع، فمهما امتلك المعلم من معلومات ومخزون علمي، إن لم يمتلك أسلوباً مؤثراً ومقنعاً، فلن ينجح في مهنته أو يؤثر في الطلاب.
8. دورة ابتكار أساليب التعلم باللعب:
أنجح طريقة في تعليم الطفل وجذب انتباهه هي دمج التعلم باللعب؛ لذا يحتاج المعلم إلى تعلم أساليب التعلم باللعب من خلال اتباع دورات مختصة بهذا الأمر.
9. دورة فن طرح الأسئلة:
الأسئلة من أهم عناصر العملية التعليمية؛ لذا فطرحها يجب أن يكون مدروساً وهادفاً، ويجذب انتباه الطلاب، ويحفز التفكير لديهم، ويحثهم على البحث والاستقصاء، ويفتح باب النقاشات والحوارات، وأن تكون واضحة وصيغتها مفهومة وغير مبهمة.
10. دورة القيادة والإدارة:
المعلم هو مدير الصف؛ إذ يحتاج إلى إدارته وضبطه وقيادة الطلاب والتأثير فيهم لتحقيق الهدف المطلوب، إضافة إلى حل المشكلات وتقويم سلوك الطالب؛ لذا يُفضَّل أن يقوم المعلم باتباع دورة في القيادة والإدارة.
11. دورة التواصل والذكاء العاطفي:
لا يقتصر دور المعلم على إيصال المعلومة فقط؛ بل عليه مسؤولية تربوية ونفسية؛ لذا فهو بحاجة إلى اتباع دورات في مهارات التواصل والذكاء العاطفي ليكتسب مهارات التواصل الفعال مع الطلاب وفهم عواطفهم وإدارتها وفهم مشاعره هو نفسه والتحكم بها وبردود فعله.
12. دورات استخدام التكنولوجيا:
نحن نعيش اليوم عصر التكنولوجيا، فبات التعليم يستخدم الوسائل الإلكترونية والحاسوب والإنترنت؛ لذا يحتاج المعلم إلى تطوير نفسه في مجال استخدام التكنولوجيا والإنترنت.
13. دورة صنع القرار:
يحتاج المعلم في بعض المواقف إلى اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة؛ لذا فمن المفيد له اتباع دورة في صنع القرار والمفاضلة بين البدائل المتاحة.
14. دورة العمل الجماعي:
تحتاج مهنة التعليم إلى العمل الجماعي من خلال التفاعل بين المعلمين بعضهم بعضاً وبينهم وبين الإدارة، والاجتماعات للمناقشة وتبادل الآراء المتعلقة بالمواد وطريقة إعطائها وأساليب التعليم.
15. دورة في حل النزاعات:
كما هو معروف المعلم مسؤول عن إدارة الصف الذي كثيراً ما تحدث فيه النزاعات والمشكلات بين الطلاب وخاصةً الأطفال؛ لذا يحتاج المعلم إلى التمتع بمهارة حل النزاعات والتفاوض والاستماع لكل الأطراف والتوصل إلى حل يرضي الجميع.
16. دورة إدارة الوقت:
من أهم الدورات التي يحتاجها المعلم هي دورة إدارة الوقت بين إنهاء المادة العلمية والإجابة عن أسئلة الطلاب ومراجعة الواجبات وممارسة النشاطات.
17. دورة تقديم عرض تقديمي:
لم تعد الطريقة التقليدية (الكتابة على اللوح) تكفي لجذب طلاب هذا العصر، فهم جيل الحاسوب والإنترنت؛ لذا يفضَّل الاعتماد على تقديم المحتوى العلمي بعرض تقديمي جذاب يحتوي على صور ومقاطع فيديو مشوقة ومفيدة، فمن الضروري اتباع المعلم دورات في تقديم العروض التقديمية واكتساب هذه المهارة.
ثانياً: فوائد الدورات التدريبية للمعلمين
- تزيد الدورات التدريبية مهارات المعلم وأدواته، وهذا يؤدي إلى نجاحه وتميزه في مهنته.
- اطلاع المعلم على أحدث طرائق وتقنيات التعليم.
- تنمية مهارات المعلم ومساعدته على أداء عمله بكفاءة أكثر.
- تحسين قدرة المعلم على فهم شخصية الطالب، ومن ثمَّ تحسين العلاقة بينهما.
- رفع جودة العملية التعليمية، وهذا ينعكس إيجابياً على الطلاب وعلى المجتمع ككل.
- تبادل الخبرات والتجارب بين المعلمين المشتركين في الدورات.
- اكتساب المعلم مهارة التفكير خارج الصندوق وحل المشكلات بطريقة إبداعية.
- الاطلاع على التجارب العالمية الناجحة في مجال التعليم والاستفادة منها.
ثالثاً: نصائح عامة للنجاح في مهنة التعليم
توجد نصائح عدة أساسية لك بصفتك معلماً إن أردت النجاح والتميز في مهنتك، ومنها:
- أحب مهنة التعليم، فلا يمكن النجاح في أي عمل ما لم تحبه.
- ثق بنفسك وآمن بقدراتك، فلن تنجح في إقناع وجذب الطالب إليك ما لم تكن تتحدث بثقة بالنفس وطلاقة.
- تجاوَز صعوبات المهنة؛ إذ تنطوي مهنة التعليم على الكثير من الصعوبات من التعب والإجهاد وظروف العمل غير المناسبة أحياناً، وفكِّر أنَّ نجاحك في تجاوزها هو أول خطوة لإثبات الذات.
- اهتم بمظهرك الخارجي واحترم تقاليد المنطقة التي تُعلِّم فيها.
- لا تُكرِّس حياتك كلها للعمل وتهمل نفسك، فهذا يوصلك إلى استنزاف طاقتك وكره المهنة.
- لا تتوقف عن المطالعة في مختلف المجالات، فأنت مصدر معلومة للطالب الذي يراك موسوعة علمية تروي فضوله دائماً.
- تعامل دائماً مع الطلاب الصغار بوصفهم أبناءك والكبار بوصفهم أصدقاءك.
- جدِّد أسلوبك باستمرار وابتعد عن التكرار والروتين حتى لا يمل الطلاب ويفقدون الشغف في التعلم.
يوجد العديد من المواقع التي توفر تقديم دورات تدريبية عن بُعد للمعلمين وأغلبها مجانية، مثل:
1. منصة رواق:
توفر منصة "رواق" دورات تدريبية للمعلمين، مثل مادة التعلم المقلوب وغيرها من المواد الأكاديمية المجانية في مجال التطوير المهني للمعلمين.
2. منصة إدراك:
توفر منصة "إدراك" دورة تدريبية مجانية في استخدام وسائل تعليمية جديدة في الصف الدراسي، إضافة إلى دورات تدريبية في فن الخطابة والإلقاء.
شاهد أيضاً: 8 طرق تساعد المعلم على أداء مهنته بنجاح
رابعاً: التجربة الفنلندية في التعليم
تتصدر "فنلندا" اليوم قائمة دول العالم بنظامها التعليمي وطلابها الخريجين، والسر وراء ذلك هو الاهتمام بالتعليم واحتياجاته المادية والفنية، وإعداد المعلمين وتأهيلهم؛ إذ يحصل المعلم في "فنلندا" على مكانة اجتماعية رفيعة، ويتقاضى رواتب مجزية، ولا تتجاوز ساعات عمله خلال النهار الـ 4 ساعات، وهذا يجعله مرتاحاً ولديه وقت أطول للتحضير وتخطيط الدروس.
تقول "ماريانا نيسيلا" سفيرة "فنلندا" لدى دولة الإمارات خلال مشاركتها في معرض "إكسبو 2020" في "دبي" في استعراض التجربة الفنلندية بوصفها واحدة من أفضل الأنظمة التعليمية على مستوى العالم: "المعلمون هم المبتكرون، ونحن نحرص على تشجيعهم باستمرار على استكشاف مناهج وأساليب تربوية جديدة، وإنَّ إعداد المعلمين وتأهيلهم يحتل أولوية في نظام التعليم الذي تتبناه فنلندا".
لا تسمح "فنلندا" لخريجي الجامعات حديثي العهد بالعمل بصفتهم معلمين مباشرة؛ إذ وضعت تحصيل درجة الماجستير في التربية لمدة 5 سنوات، إضافة إلى المؤهل العلمي شرطاً أساسياً لممارسة مهنة التعليم. ويتم إخضاع المعلم إلى برامج إعداد المعلمين تتضمن المحاور الآتية:
- أساسيات في تخطيط المنهج.
- مهارات التواصل.
- تقنية الاتصالات والمعلومات في التعليم.
- التربية والعدالة الثقافية.
- دراما تربوية.
- الكتابة العلمية.
- مقدمة في الإعلان التربوي.
- فلسفة التعليم.
- علم النفس التربوي.
- فن التعليم.
- طرائق البحث الكمي.
- طرائق البحث النوعي.
- نظرية المناهج وتقويمها.
- كتابة رسالة الماجستير، وهذا يجعل المعلم يتمتع بمهارة البحث العلمي.
في الختام:
يقول "أينشتاين": "إذا لم تستطع شرح فكرتك لطفل عمره 6 سنوات، فأنت نفسك لم تفهمها بعد"، فتذكَّر دائماً أنَّك تمارس أنبل وأعظم مهنة على الإطلاق، فأنت ترسم مستقبل أشخاص، وتؤثر في حبهم للتحصيل العلمي وتغذية طموحهم لتحقيق ذواتهم وغرس القيم والعادات الحميدة.
لذا لا يمكنك أن تتعامل مع هذه الوظيفة كأيَّة وظيفة أخرى، فأنت مسؤول عن بناء أجيال، وهذه الأجيال ستبني مجتمعات، وهذا يتطلب منك أن تهتم دائماً بتطوير ذاتك وتنمية مهاراتك وقدراتك وأساليب التعليم والتعامل مع الطلاب وتوسيع آفاقك ومداركك من خلال اتباع الدورات والكورسات واتباع مبدأ "التعلم مدى الحياة" بوصفه نمطاً لحياتك، فاجعل هدفك الدائم أن تترك بصمة إيجابية في حياة طلابك.
أضف تعليقاً